الشرق الأوسط الجديد بعيون «بيرني ساندرز»: من العدو؟
محتوى مترجم | ||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
فى مقابلة له مع الموقع الإلكترونى «ذي إنترسبت» 21 سبتمبر/أيلول، دعا عضو مجلس الشيوخ الأمريكى «بيرني ساندرز» -السياسي الأكثر شعبية فى البلاد- إلى تحول كبير فى السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط، وانتقد العلاقة الحميمية التي تقيمها الولايات المتحدة مع السعودية، واصفًا إياها بأنها مصدر الإرهاب في المنطقة والعالم. وأضاف أنه يجب على الولايات المتحدة إعادة النظر فى المساعدات العسكرية التى تقدمها إلى «إسرائيل» والتي تقدر بـ 3 مليارات دولار سنويًا.هذه التصريحات جذرية مقارنة بالسياسة القومية المحافظةالسابقة. ليس فقط بالنسبة للمؤسسة الأمريكية الخارجية، بل لـ «ساندرز» نفسه. في السابق؛ كان يدافع عن «إسرائيل» حتى في وجه اتهاماتٍ بارتكابها جرائم حرب خلال حرب غزة عام 2014. وعندما وجه «ساندرز» بعض الانتقادات لإسرائيل خلال المناظرة الرئاسية مع «هيلاري كلينتون»، كانت متسامحة نوعًا ما.في الواقع؛ غالبا ما يُعرف «ساندرز» بأنه سياسي محلي مثابر. كما أنهيدعم خطة الدفع الصحي الموحد، والتعليم الجامعي المجاني للشباب الأمريكي، وغيرها من السياسات التي تعزز المساواة والعدالة الاجتماعية داخل الولايات المتحدة. بينما كانت السياسة الخارجية أقل وضوحًا بكثير في تصريحاته العامة ومنبره السياسي. لذا اعُتبر هذا اللقاء بمثابة نقلة نوعية للمرشح الرئاسي السابق (وربما المستقبلي).
تغيير جذري
على الرغم من أن «ساندرز» دائمًا ما يصف نفسه بأنه اشتراكي ديمقراطي، إلا أنه في النهاية لا يزال مرشحًا عن التيار السائد. كما أنه من الغباء أن نتوقع منه تبني وجهة نظر مختلفة حقيقةً بشأن قضايا الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، آخذين في الاعتبار كيف كانت السياسة الأمريكية حذرة ومحافظةً لعقود.وبالمثل، فمن الواضح أن «ساندرز» ليبرالي صهيوني، بدلًا من كونه تقدميا. حيث يعارض حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات ضد إسرائيل كما أنه لم يعلن معارضته لقاتل الخطاب الحر، قانون مكافحة مقاطعة إسرائيل؛ الذي يحظر على الشركات الأمريكية تأييد الحركة المؤيدة للفلسطينيين لمقاطعة الاحتلال الإسرائيلي.
وقد وقع أيضًا على خطاب روّج له اللوبي الإسرائيلي، أدان الأمم المتحدة لـ«تحيزها -المزعوم- ضد إسرائيل». وفي وقتٍ لاحق، تراجع مدعيًا أنه لم يكتب الرسالة ولن يفعل، رغم أنه من المعروف أنه قد وقع عليها.تحدث «ساندرز» أمام المجموعة الصهيونية الليبرالية «J sreet». لكنه لم يتوجه إلى من هم أكثر تقدمية؛ «الصوت اليهودي من أجل السلام»، الذي يدعم حركة مقاطعة إسرائيل. وأثناء الحملة، أقال «سيمون زيمرمان» -المسؤولة عن التواصل مع المجتمع اليهودي في حملته – بسبب تبنيها آراء نقدية بشأن إسرائيل على وسائل التواصل الاجتماعي.في الآونة الأخيرة، عيّن «مات دوس» -الخبير في السياسة الخارجية كمستشار له. وهو ليبرالي مخضرم ومحنّك هاجم حركة مقاومة إسرائيل، مدعيًا أن بعض مؤيديها «معادون للسامية». كما أظهر «ساندرز» العداء تجاه الصحفيين اليساريين الذين تعتبر آراؤهم أكثر تقدمية منه. ومن غير الواضح كم التغيير الجذري الذي سيحدثه «داس» في إدارة «ساندرز» بالنظر إلى تردده، وطبيعة نهجه التدريجي في القضايا الإسرائيلية الفلسطينية.على الرغم من هذا، فإن الكوب لم يكن فقط نصف فارغ فيما يتعلق بوجهات نظر «ساندرز» لكنه نصف ممتلئ أيضًا. فعلى سبيل المثال، اعترف في مقابلته مع «ذي إنترسبت» أن الولايات المتحدة «متواطئة» مع الاحتلال الإسرائيلي من خلال توفير الأسلحة له ومساعدته في الحفاظ عليها. لكنه بالرغم من تصريحه الجذري كليًا أدناه، إلا أنه عبر عن آرائه بكلمات مختارة بعناية تهدف إلى إخفاء تطرف موقفه.وردًا على سؤالٍ حول ما إذا كان سيهتم بالتصويت لخفض المساعدات الأميركية لإسرائيل، والتي لا تقل عن 3 مليارات دولار سنويًا أو مبيعات الأسلحة الأمريكية للجيش الإسرائيلي: قال ساندرز:
ثم أخيرًا أجاب على سؤالي: «لذا فإن الجواب هو نعم».إذا تمعنت في هذا التصريح عن كثب، ستجد العديد من الذين يخرجون عن السياسة الأمريكية السائدة بفكر مختلف. لكن لم يحدث من قبل أن اقترح أي رئيس، أو حتى مرشح رئاسي، مساعدة أمريكية لإعادة بناء غزة بعد الحروب المتعددة التي شنتها إسرائيل ضدها. وحقيقة أن «ساندرز» على استعداد لترسيخ هذا هو أمر جاد حقًا. وليس كما يبدو عليه فقط، لكن لأن مشاركة الولايات المتحدة في غزة ستجبرها على اتخاذ موقف أكثر حزمًا بشأن الهجمات الإسرائيلية المستقبلية على القطاع. إذ سيكون لدينا المزيد لنخسره لأن إسرائيل سوف تدمر المشاريع التي بنيت بتمويل من الولايات المتحدة.إن أكثر الاختلافات وضوحًا في التصريح أعلاه هو تأييد «ساندرز» الصريح لإعادة النظر في المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل. هذا هو الموقف الذي كان على أبعد هوامش السياسة الخارجية الأمريكية لعقود. وتأييد «ساندرز»، حتى لو كان حذرًا، يمثل تغيرًا جذريًا. قد يكون له تأثير بعيد المدى داخل الحزب الديمقراطي كذلك، الذي ينتقل مترددًا نحو اليسار فيما يتعلق بالقضية الإسرائيلية الفلسطينية على مر السنين.
آراء قاتمة حول السعوية
يقول عضو مجلس الشيوخ الأمريكي صاحب الرأي شديد السوداوية عن السعوديين: «ليس فقط العديد من مفجري 11 سبتمبر/أيلول جاءوا من السعودية»، ويقول: «أعتقد أن الأكثر أهمية هو استمرارهم في تمويل المدارس الدينية لنشر عقيدة وهابية متطرفة للغاية في العديد من دول العالم، كما أنهم يمولون هذه المساجد والمدارس الدينية، ويثيرون الكثير من الكراهية».
يريد «ساندرز» من الولايات المتحدة أن تكف عن الدعم الأعمى وغير المدروس للمملكة العربية السعودية. بل يبدو أنه يقترح بأنه على الولايات المتحدة أن تحتضن عدو السعوديين اللدود: الإيرانيون. «هل اعتبرهم [السعوديين] حليفًا؟ بل إني أعتبرهم بلدًا غير ديمقراطي يدعم الإرهاب في جميع أنحاء العالم ويموله، لذلك لا أستطيع، لا، ليسوا حليفًا للولايات المتحدة».ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، تقرّب الرؤساء الأمريكيون من آل سعود، سواء لمواردهم النفطية أو كحصن ضد التشكيلات الأكثر تطرفًا من أصحاب الجنسيات العربية التي تمثلها رموز مثل «جمال عبد الناصر» وما يسمى بالتهديد الإسلامي، ومؤخرًا جماعة الإخوان المسلمين.بدأ الرئيس الأمريكي الأسبق «جورج والكر بوش» في النظر في الاتجاه الآخر في أعقاب أحداث 11 سبتمبر/أيلول لأن النظام السعودي تودد إليه ليعتقد أنهم غير مسؤولين عن مواطنيهم الذين يرتكبون مثل هذا الهجوم الإرهابي الداخلي، ولأنه كان يحتاج إلى دعم سعودي لعمليات الاحتلال الأمريكية لأفغانستان والعراق.ساندرز هو أول رئيس طموح يبدو على استعداد لاتخاذ نهج مستقل تمامًا. وكدليل آخر على ذلك، تحدث ساندرز أيضًا بعبارات إيجابية للغاية عن إيران؛ المنافس الإقليمي للسعودية. وقال: وفي خطاب السياسة الخارجية الذي سلمه «ساندرز» بعد يوم واحد من إجراء المقابلة، غامر بالحديث أيضًا عن الاتفاق النووي الإيراني، قائلًا إنه يجب حمايته في مواجهة معارضة الرئيس ترامب وأعضاء الكونجرس من الحزب الجمهوري.
تبني الدبلوماسية
إن الدافع الرئيسي لنهج «ساندرز» للسياسة الخارجية هو تجنب الصراع العسكري وتبني الدبلوماسية كوسيلة لحل الصراعات الدولية. كما هاجم استحواذ الحزب الجمهوري على الإدارات الرئاسية السابقة، وأكد على أهمية التشاور مع الحلفاء والانفتاح على أفكارهم حول السياسة الخارجية.وانتقد المرشح الرئاسي الديمقراطي السابق الاستراتيجية الأمريكية الحالية لمكافحة الإرهاب: «أعتقد أنه يمكنكم التعامل بشكل أفضل مع الإرهاب من خلال محاولة فهم الأسباب الجذرية لهذه المشاكل، كوجود الفقر على نطاق واسع، والخلل الموجود في التعليم، فعندما تسقط طائرة دون طيار على سبيل المثال، والتي تقتل رجال ونساء وأطفال أبرياء، فإنها فقط تسبب المزيد من العداء تجاه الولايات المتحدة».
وقال أيضًا إن قتل المدنيين الأبرياء يخلق أعداءً أكثر مما يقضي عليهم؛ لذا فإن الولايات المتحدة تحتاج لفهم ومعالجة أسباب التطرف بطريقة استباقية، بدلًا من أسلوب رد الفعل الذي نستخدمه حاليًا.هذه هي الأفكار التي تُعرّف عادة على أنها سياسة الولايات المتحدة. قام الرئيس السابق «باراك أوباما» -على الأقل في البداية المتفائلة لفترة ولايته الأولى- بتفجير نفس القضايا. بيد أنه سرعان ما تخلى عنها فى مواجهة الضغط من أجل الحصول على نتائج سريعة فى «الحرب على الإرهاب» وهو ما أدى به إلى «مكاسب» قصيرة الأمد؛ مثل اغتيال «أسامة بن لادن». لكنه ذهب في النهاية إلى التخلي عن نهج المشاركة البناءة الذي عبر عنها في خطابه الشهير في القاهرة عام 2009.وبالطبع؛ فإنه من الصعب معرفة ما إذا كان الرئيس «ساندرز» سينفذ السياسات التي يتبناها الآن أم لا. لكن يبدو واضحًا أن التزامه صادق ولا يهتز بسهولة كـ «أوباما».