في فيلم المريخي The Martian: هل تنقذ تقنيات ناسا مات ديمون التائه في الفضاء؟
لا أعتقد أن أحدًا ما يمكن أن يحلم بأن يكون رائد فضاء تائهًا في الأعلى، لكن يبدو أن «مات ديمون» يحب ذلك، فهو للمرة الثانية على التوالي؛ يشارك في الأفلام التي يكون فيها رائد فضاء تائهًا فاقدًا الأمل تمامًا في العودة للأرض.
كان هذا دوره في فيلمه السابق «بين النجوم – Interstellar»، وهذا هو دور البطولة الذي يقدمه في فيلمه الجديد «المريخي – The Martian»، وهو الفيلم الذي -كعادة الأفلام الخيالية مؤخرًا- يراعي الدقة العلمية، مما جعل ناسا تفرد له مقالًا كاملًا تشرح فيه بعض تفاصيل الفيلم العلمية، والتقنيات التي يستخدمها أبطال الفيلم، والتي طورتها ناسا ليستخدمها رواد الفضاء الحقيقيون في محطة الفضاء الدولية، وأيضًا في غزو المريخ المرتقب!.
قصة الفيلم
«المريخي» هو عنوان الخيال العلمي الجديد للمنتج والمخرج القدير «ريدلي سكوت – Ridley Scott»، والمأخوذ عن رواية للمؤلف «أندي وير – Andy Weir» بنفس العنوان، والتي حققت مبيعات قياسية دفعت «سكوت» لتحويلها لفيلم.
سيعرض الفيلم بداية من 2 أكتوبر/ تشرين الأول القادم في جميع أنحاء العالم. يحكي لنا الفيلم الذي تدور أحداثه بعد عشرين عامًا، قصة رائد الفضاء «مارك واتني» الذي يقوم «مات ديمون» بأداء دوره، والذي كان في مهمة على كوكب المريخ مع رفاقه، حين باغتتهم عاصفة شديدة مفاجئة، جعلتهم يعتقدوا بأنه توفي، قبل أن يتركوه ويهربوا من الكوكب.
غاب «مارك» عن بقية زملائه بعد أن قذفته العاصفة بعيدًا، ليستيقظ ويكتشف أنه بمفرده هنا على المريخ، وأن أمله الوحيد هو أن يستطيع إرسال رسالة لمركز القيادة، يخبرهم بوجوده على قيد الحياة، وأن يتدبر أمره بالموارد الضئيلة المتاحة لديه في مبنى الإقامة ومقر الأبحاث على الكوكب؛ حتى تأتيه النجدة.
وعلى الرغم من أن أحداث الفيلم الخيالية تدور بعد عشرين عامًا من الآن، إلا أن المخرج فضل أن تكون التقنيات الفضائية في الفيلم مستوحاة من تقنيات حقيقة ابتكرتها ناسا بالفعل، خصوصًا أن ناسا تعمل بالفعل على خطة طويلة الأمد لإرسال رواد فضاء للمريخ بحلول العام 2035.
هذه الفترة المخططة لها «ناسا»؛ هي نفس الفترة التي تدور فيها تقريبًا أحداث الفيلم. وقام الفيزيائي الشهير «نيل تايسون – Neil deGrasse Tyson»، بعمل إعلان دعائي للفيلم بطريقة برنامجه الشهير (Cosmos)، يوضح فيه تفاصيل المركبة الفضائية التي ستحمل «مات ديمون» وزملاءه للمريخ، وأهمية مهمة كتلك للبشرية.
الإقامة على سطح المريخ
يعيش «مات ديمون» مع زملائه على سطح المريخ في مبانٍ مصنعة خصيصًا للإقامة الكاملة في الفضاء تسمى «Hab». وتعمل ناسا بالفعل على نماذج بنفس المواصفات، بحيث توفر لرواد الفضاء كل متطلبات المعيشة، وإجراء التجارب لفترات طويلة خارج الأرض.
النموذج الحالي لناسا يسمى «HERA»، ويتكون من طابقين، يحتوي على غرفة معيشة، ورشة، وغرفة عناية شخصية. كما يحتوي على غرفة معادلة ضغط تتيح لرواد الفضاء الخروج لسطح الكوكب، للقيام ببعض التجارب، أو جمع العينات الصخرية.
تجري ناسا بالفعل اختبارات حية على رواد فضاء للإقامة في نماذج مماثلة لفترات طويلة، معزولين تمامًا عن العالم، كأنهم على سطح المريخ. آخر تلك التجارب بدأ منذ عدة أيام بالتعاون مع جامعة هاواي، حيث سيعيش 6 أشخاص في بناء مماثل لـ«HERA» دون أي غذاء أو هواء أو ماء متجدد.
اقرأ:كيف تبدو الحياة في محطة الفضاء الدولية؟
كما تتطلب منهم التجربة ارتداء البذلة الفضائية طوال الوقت. وسيعتمدون طوال تلك الفترة على الغذاء المخصص للفضاء، وعلى إعادة تدوير المياة والأكسجين؛ تمامًا كما في محطة الفضاء الدولية. مصدر طاقتهم الوحيد هو ألواح الطاقة الشمسية. كما سيتواصلون مع العالم الخارجي بتأخير مشابه كما لو كانوا على المريخ.
مزارع الفضاء
توفير الغذاء لفترة طويلة هو أحد أهم المشاكل التي يواجها رواد الفضاء، خصوصًا لو كانت رحلتهم طويلة الأمد، وبعيدة. فأما محطة الفضاء الدولية فهي قريبة، ويمكن إرسال الغذاء لها من الأرض بشكل دوري. بينما تحتاج الرحلة للمريخ من تسع شهور إلى ثلاث سنوات في الطريق فقط!.
لذلك قام «مات ديمون» بزراعة أرض السكن في الفيلم، وهو الشيء الذي ربما يبدو خياليًا، لكنه ممكن بالفعل. فرواد محطة الفضاء الدولية قاموا بزراعة خس فضائي، وتناولوا منه أول وجبة فضائية في تاريخ البشر. فباستخدام نظام «Veggie» الذي طورته ناسا؛ يمكن للنباتات النمو في الفضاء متحدية عدم وجود جاذبية، وهي العنصر الهام جدًا في نمو النباتات. لكن على المريخ سيكون الأمر أفضل من ذلك، حيث توجد جاذبية.
المياه تمثل أيضًا مشكلة عويصة
المياه في الفضاء كالغذاء؛ لايمكن إرسالها دوريًا، كما لا يمكن توفيرها بأي طرق طبيعية أيضًا. لذلك تعمل ناسا دائمًا على تطوير أنظمة إعادة تدوير مياه. ففي محطة الفضاء الدولية، لا تهدر أي قطرة مياه، عرق، بول، بخار، تنظيف.
يتم إعادة تدوير جميع تلك القطرات المائية الآتية من مصادر مختلفة، في نظام يستخدم طرق فلترة معقدة تتناسب فيزيائيًا مع خصائص المياه المختلفة في الفضاء؛ بسبب عدم وجود جاذبية. وهو النظام الذي سيستخدمه «مات ديمون» (مارك ويتني) في توفير المياه على المريخ. فكوب القهوة اليوم ربما سيكون من عرق الأمس!.
وكذلك الأكسجين
فالأكسجين هو غاز الحياة، ولا يمكن لحياتنا أن تستمر لدقائق بدونه. هذه هي المشكلة الأكبر التي سيواجهها «مات ديمون» (مارك ويتني) على المريخ. لكنه سيقوم باستخدام مولد أكسجيني من تحليل ثاني أكسيد الكربون، كالنباتات.
لكن ما تفعله ناسا بالفعل على محطة الفضاء الدولية مختلف. فناسا تستخدم التحليل الكهربي للماء لإنتاج الأكسجين الذي يتنفسه الفريق، والهيدروجين الذي يطرد غالبًا للفضاء خارج المحطة.
وبهذا فرائد الفضاء «مارك واتني» (مات ديمون) سيستطيع توفير المياه والطعام، والأكسجين حتى تأتي النجدة، لكن ما زال هناك تقنيات أخرى في الفيلم مستوحاة من مثيلاتها في ناسا.
بذلة الفضاء المريخية
سيضطر «مات ديمون» (مارك ويتني) لقضاء أغلب وقته على المريخ مرتديًا بذلته الفضائية خاصته، بسبب الظروف الجوية الصعبة للكوكب الأحمر، والتي لا يستطيع البشر تحملها لثوان معدودة. لهذه الظروف خصيصًا، تطور ناسا بذلة فضائية جديدة تمامًا لرحلة المريخ المرتقبة.
اقرأ أيضًا:هل خلع حُلَّتك الفضائية في الفضاء فكرة سيئة؟
وتمثل البذلة «Z-2» النموذج الحالي للبذلة، وتراعي جميع الأنشطة التي سيقوم بها رائد فضاء على كوكب آخر، بدءًا من الحركة السهلة، وصولًا للانحناء لالتقاط صخرة (عينات) مريخية. وفي نفس الوقت، توفر له الحماية، وظروف المعيشة المناسبة لمرتديها لأطول فترة ممكنة.
تصميم البذلة الجديدة يراعى فيها تربة المريخ الهشة التي يمكن أن تعلق بها، وتسبب أضرارا داخل مقر المعيشة عند العودة. لذلك فهي مصممة بفتحة ارتداء خلفية ترتبط بصمامٍ خارجي في المقر ينتقل منه الرائد للداخل، مع ترك البذلة خارجًا دون تلويث أي شيء بالأتربة الحمراء.
التنقل على المريخ سيحتاج لسيارة
السيارة MAV أداة التنقل على سطح المريخ.
تمثل السيارة «MAV» أداة التنقل التي يستخدمها «مات ديمون» (مارك ويتني) للتنقل على سطح المريخ في الفيلم، مع بعض التعديلات التي أدخلها عليها لتصبح أكثر ملاءمة لخطورة وضعه. وهي تشبه كثيرًا السيارة التي تطورها ناسا.
فـ«MMSEV» هي سيارة استكشاف الفضاء متعددة المهام، التي تختبرها ناسا حاليًا في بيئات صناعية مشابهة لبيئة الكويكبات، القمر والمريخ، حيث يخطط لها أن تحمل رواد الفضاء على سطحهم في مهام مستقبلية.
مصدر الطاقة الرئيسي
الألواح الشمسية. على المريخ لا يتوفر أي نوع آخر من الوقود، كما لا يمكن إرسال أو استخدام المحروقات المستخدمة على الأرض في المريخ. بالتالي لا يوجد أمام «مات ديمون» (مارك ويتني) -أو أي مهمة مريخية- سوى الطاقة الشمسية كمصدر للطاقة.
تستخدم ناسا الألواح الشمسية بالفعل في أغلب المهام الفضائية؛ بداية من محطة الفضاء الدولية التي تستخدم أربع مجموعات منها لتوليد طاقة للاستخدام والتخزين والطوارئ أيضًا.
كما أن كبسولات الفضاء الروسية «سيوز» التي تحمل رواد الفضاء من وإلى المحطة تستخدم أيضًا ألواح طاقة شمسية. تطور ناسا الآن مركبة الفضاء الجديدة «أوريون»، والتي ستحمل أول بشري إلى المريخ، وتتزود «أوريون» بالطاقة بشكلٍ أساسي أيضًا من الشمس.
الطاقة النووية لها دور أيضًا
فناسا تستخدم «بطاريات نووية Radioisotope Thermoelectric Generators – RTG» التي تعمل على توليد طاقة من تحلل «البولوتونيم-238 المشع»، وتوفر هذه البطاريات طاقة كافية للمركبات التي لا تصل لها الشمس بشكل كافي، أو في حالة الطوارئ.
استخدمتها ناسا في مهمة أبولو على القمر، وأيضًا في «المسبار – Curiosity» على المريخ، وفي مسبار «New Horizons» الذي وصل لبلوتو قبل أن يخرج من المجموعة الشمسية. وفي فيلم «المريخي»، يستخدم طاقم الرحلة بطاريات نووية تعمل بنفس التقنية.
اقرأ أيضًا:New Horizons رحلة ناسا المذهلة لاكتشاف بلوتو
ومع توقع حدوث كارثة، قام الطاقم بدفنها بعيدًا خوفًا من أن تتحطم وتمثل خطرًا بسبب الإشعاع. لكن في حقيقة الأمر، فبطاريات «RTG» محمية جيدًا، ومصنعة بحيث تتحمل أقصى الظروف. وفي حالة تحطمها، فالإشعاع الخارج منها على هيئة (جسيمات ألفا) شديد الضعف لن يتعدى المتر في تأثيره، كما لا يمكنه حتى اختراق جلد الإنسان.
ومقارنة بظروف المريخ السيئة، وعدم وجود طبقة أوزون تحمي الكوكب من تأثير إشعاع الشمس، كالأرض، لا خوف هناك من تأثير بطارية نووية كتلك، والذي سيكون ثانويًا جدًا بجانب الخطر الحقيقي.
حين يضمن ثبات الأداء؛ التفوق
نتحدث عن محركات الدفع الأيوني. فالدفع الأيوني تقنية حديثة بدأت ناسا في استخدامها عام 2007 لأول مرة في المسبار «Dawn»، والذي يستكشف حزام الكويكبات، خصوصا كويكبي «ceres و vesta».
وفي الفيلم يستخدم طاقم المركبة «Hermes» محرك الدفع الأيوني في السفر بين المريخ والأرض. يتميز هذا المحرك بثبات الأداء المستمر، والذي يضمن تسارعًا مستمرًا للمركبة عبر الوقت، لتصل بعد وقت طويل لسرعات هائلة غير مسبوقة، كما أنه لا يستهلك طاقة كبيرة.
فالتقنية تعتمد على استثارة غاز خامل كالزينون باستخدام تيار كهربي ضعيف، فيطلق الغاز المستثار أيونات بقوة تدفع المركبة في الإتجاه المعاكس. وتضمن القوة الضعيفة – المستمرة للمركبة؛ الوصول لسرعات هائلة في حالة عدم وجود جاذبية تؤثر عليها، كما في الفضاء.
هذه هي كل التقنيات التي أوردتها ناسا في مقالها عن الفيلم، والتي طورتها لتضمن نجاح رحلتها. وباستعارة تلك التقنيات في فيلمه، يطمح المخرج لتقديم فيلمًا ممتعًا وبشكلٍ علمي دقيق، يماثل دقة الرواية، والتي حققت مبيعات قياسية ضمنت لمؤلفها أن تتحول لفيلم عالي الميزانية في هذا الوقت القصير.
الجميل في الأمر، أن ناسا ترحب دائمًا بمثل هذه الأمور، والتي ستفيدها دعائيًا بالتأكيد. ولا يسعنا في النهاية سوى أن نقول لكم: مشاهدة ممتعة للفيلم.