هل ستخطو الماموث مجددًا على سطح الأرض؟
لا يزال العصر الجليدي يُلقي بتاريخه في حاضرنا هنا، وكما أن الماموث ارتبطت دائمًا به؛ إلا أنها لم تدم طويلًا في وجود البشر، وبسبب عوامل بيئية أخرى.
واستكمالاً لقصة الماموث التي تحدثنا عنها سابقًا؛ فإن حالها كحال كافة المخلوقات الحية التي عاشت قبل آلاف السنين التي أتت نهايتها نتيجة أسباب متعددة أدت إلى فناء صنفها من على الأرض لإتاحة الفرصة لمخلوقات أخرى لتأخذ نصيبها من الحياة أيضًا.
لكننا نتحدث هنا عن الماموث؛ أكثر المخلوقات الحية التي أثارت فضولنا بشأن ماهيتها، وكيف استطاعت العيش والفناء في وجود البشر، وأثارتنا حفرياتها أيضًا حين عثرنا على حفريات لجثث كاملة، والتي وضعت فكرة إمكانية إعادتها مجددًا للحياة أمام بعض العلماء.
هل عانت الماموث قبل فنائها؟
برغم انحدارها من نفس مجموعة الفيلة الحديثة؛ إلا أنها لم تعاصر وجودها، وبالرغم من معاصرتها لفترة كافية من وجود البشر؛ إلا أن وجودها معهم لم يدم طويلًا. ومع ذلك استطاعت مجموعة من الماموث الصوفي النجاة في ألاسكا حتى العام 3750 قبل الميلاد.
وهناك أيضًا مجموعة أخرى من الماموث استطاعت النجاة حتى العام 1700 قبل الميلاد في مكان بعيد على جزيرة في المحيط المتجمد الشمالي.
وبالرغم من أن مرض تلك المخلوقات يعتبر سببًا مقبولًا لانقراضها؛ فإن السبب الحقيقي والدقيق لانقراض الماموث لا يزال لغزًا. إذًا، كيف انقرض الماموث؟.
وضع العلماء العديد من السيناريوهات التي يمكن أن تفسر اختفاء الماموث من كوكب الأرض؛ وهي كالآتي:
أولًا: التغير المناخي
عاشت حيوانات الماموث في العصر الجليدي؛ وطورت هيئتها التي مكنتها من التكيف في الطقس الجليدي القارس. وبعد انتهاء العصر الجليدي وقدوم العصر الحديث؛ بدأت حرارة الأرض في الارتفاع تدريجيًا حيث بوادر بدء ظهور عصر جديد تلوح في الأفق متضمنًا وجود مخلوقات أخرى جديدة ومتنوعة.
يرجح علماء كثر بأن احترار الأرض ساهم بشكلٍ كبير في وفاة وانقراض الماموث؛ حيث لم يتمكن من النجاة أثناء مكافحته في طقس مرتفع الحرارة، وبيئة متغيرة.
ساهم التغير المناخي أيضًا في تغير نوع النباتات والأعشاب في الأرض؛ حيث كانت تتغذى الماموث على أعشاب العصر الجليدي؛ والتي تغيرت مع قدوم العصر الحديث، وبالتالي أصبح هناك نقص في غذاء الحيوان.
ثانيًا: وجود البشر بجانب الماموث
في أواخر العصر الجليدي وبدء بشائر لعصرٍ جديد، وبجانب التغيرات المناخية التي حدثت أثناء تغير كلا العصرين؛ بدأ البشر في الانتشار في مناطق واسعة من العالم من ضمنها مناطق وجود الماموث.
وبسبب البشر، هناك الكثير من الأحداث التي يمكن أن تحدث متسببة في وجود مشاكل متعددة. ولهذا السبب، هناك فئة كبيرة من العلماء ترجح أن أسباب انقراض الماموث كان اتصالهم المباشر مع البشر.
هذا الاتصال المباشر، وبسبب عدد البشر الذي فاق عدد وجود الماموث في نهاية عصرها؛ ساهم في وجود عمليات صيد كبيرة وواسعة النطاق للماموث للاستفادة من لحومها أو معطفها البني السميك، أو أنيابها وعظامها لصنع أدوات حادة لقتل الحيوانات أو التقطيع، أو لصناعة ما يدفئهم، أو يساعدهم في صناعة منحوتات عاجية اكتشفت لاحقًا كآثار أرشدتنا لوجود البشر في تلك المناطق المتجمدة.
ثالثًا: الكوارث الطبيعية القاسية
الكوارث الطبيعية القاسية التي اعتدنا سماعها في قضية انقراض الأصناف السابقة للحياة على الأرض؛ مثل حدوث بركان ضخم، أو ارتطام نيازك أو مذنبات كبيرة بالأرض كانت سببًا في موت الماموث بأعداد كبيرة أدى ذلك إلى انقراضها.
وفقًا لتقرير نشرته ناشونال جيوغرافيك؛ فإن أبحاثًا أجريت في العام 2007 أظهرت أن زوال أو انقراض الماموث الصوفي العملاق في أمريكا الشمالية نتج عن تأثير مفاجئ وقاسٍ لارتطام نيزك أو ربما مذنب بالأرض. هذا الارتطام العنيف يمكن أن يكون قد تسبب في ذوبان الصفائح الجليدية، واشتعال الحرائق الكبيرة في الغابات، وإلحاق الأذى الكبير بالماموث.
رابعًا: الموت عطشًا
مع انتهاء العصر الجليدي وقدوم عصر آخر، بدأ الطقس في الاعتدال بارتفاع درجة الحرارة بحيث تلائم الطبيعة البشرية والحياة القادمة. ولهذا السبب، يرجح العلماء سيناريو آخر لانقراض الماموث وهو الموت عطشًا نتيجة احترار الطقس الذي سار وفق هذا السيناريو:
- ذوبان الجليد الذي أدى إلى ارتفاع منسوب المياه المالحة في البحار والمحيطات.
- أدى ارتفاع منسوب مياه المحيطات والبحار إلى اختلاط مياه البحيرات العذبة الموجودة في مناطق تواجد الماموث بمياه المحيطات المالحة. أدى ذلك إلى انحسار البحيرات العذبة بشكلٍ ملحوظ.
- بعد انحسار المياه العذبة، لم تعد الماموث قادرة على إيجاد ما يروي عطشها في تلك البيئات الجديدة، وبالتالي كان الموت عطشًا هو سبيلها للخلاص!
هل يعود الماموث مجددًا؟
يخبرنا التاريخ العلمي للطبيعة أن الأصناف المنقرضة من الحيوانات لا يمكن أن تعود مجددًا للحياة خصوصًا إذا كان في زمن مختلف كليًا عن زمانها الذي عاشت فيه سابقًا.
لكن إذا تحدثنا عن الماموث، فإن الأمر يختلف نوعًا ما كون الماموث انقرض منذ فترة زمنية تعتبر قريبة وفي وجود البشر مقارنة بالأصناف الأخرى.
وأيضًا يعد الماموث هو الحيوان الذي حفظ جيدًا وكاملاً في الثلج، حيث عمل توفر الخلايا الكاملة للحيوان على إثارة فضول الإنسان لإعادة هذا الحيوان مجددًا عن طريق تقنيات الاستنساخ.
في هذا الإطار، قام باحثون في جامعة هارفارد، أبرزهم عالم الوراثة البيولوجية «مافريك جورج تشورش»، بدراسة إمكانية إيجاد جنين لماموث صوفي مهجّن في فترة زمنية لا تتعدى العامين.
لكن إعادة إحياء أو إيجاد ماموث حقيقي يستغرق أكثر من ذلك، حيث سيقوم الفريق بإضافة الصفات الوراثية الأساسية للماموث مثل: الشعر الطويل الأشعث والسميك، والطبقات السميكة من الدهون، والدم البارد، ثم زرعها في جينوم للفيل الآسيوي.
ووفقًا لتصريحات «تشورش»: فإن الفريق تمكن من عمل نحو 45 تعديلاً على الحمض النووي للماموث وزرعها في جينيوم لفيل آسيوي.
هذه التعديلات تؤثر على الصفات التي تساهم في نجاح تكيّف الأفيال في البيئات الباردة؛ مثل الأذان الصغيرة، ووجود الدهون تحت الجلد، والشعر، والدم، بهدف إنتاج جنين مهجن يحمل مجموعة من الصفات الوراثية بين الماموث والفيل الآسيوي.
هذا الكائن الجديد سيطلق عليه اسم «ماموفانت – mammophant»، والذي سيظهر في هيئة الفيل، لكن مع ميزات الماموث التي تساعدها على التكيّف في المناطق الباردة؛ مثل الآذان الصغيرة، الدهون السميكة تحت الجلد، الشعر الطويل، والدم.
هذه الخطوة هي الأولى في عملية استنساخ الماموث قبل انتظار نموه وظهوره على الأرض مجددًا، وهذه الخطوة تحديدًا ستستغرق العديد من السنوات إذا وضعنا فرضية حدوثها ممكنة.
ماذا عن الاستنساخ؟
بالرغم من فضولنا نحو الماموث، واتصاله المباشر مع البشر في فترةٍ ما؛ إلا أننا إذا نظرنا لعملية الاستنساخ نفسها لحيوان الماموث فتعتبر عملاً صعبًا لعدة أسباب:
- إذا قارنا عملية استنساخ الماموث بعملية اسنتساخ النعجة دوللي على سبيل المثال، فقد كلفت عملية استنساخها نحو 277 محاولة حتى تمكنت أخيرًا من الظهور، فكيف سيكون الحال في حالة حيوان بحجم وظروف الماموث؟!
- من المفترض أن يتم زراعة جنين الماموث المستنسخ في فيل آسيوي؛ لكن إذا أخذنا في عين الاعتبار أن الفيلة الآسيوية نفسها مهددة بالانقراض فهذا يجعل المهمة غير ممكنة بسبب أن الحيوان المستضيف مهدد هو أيضًا بالانقراض، بالتالي سيكون وسيلة غير فعالة لضمان استمرارية احتضان جنين الماموث الجديد.
- من ناحية أخرى، بعيدًا عن تعقيدات العملية البيولوجية، يرى «تشورش» أن عملية زرع جنين ماموث في رحم فيل آسيوي هي عملية غير أخلاقية، حيث يتم استخدام الفيلة الحية كبديل لجنين الماموث، واستنزاف طاقتها أثناء نمو الجنين في حال تمت العملية بشكل صحيح.
كان الحل لذلك الوضع هو محاولة إيجاد طريقة ما تكون قادرة على تطوير وإنتاج الأجنة لحيوانات الماموث في المختبرات دون الحاجة إلى حيوانات بديلة حية، وهي تكنولوجيا تحتاج إلى المزيد من الوقت.
أخيرًا، في عالم البيولوجيا يمكن أن يحدث أي شيء، فالعملية لا تتطلب سوى معادلة وتعديل بعض الجينات والظروف المحيطة بطريقة صحيحة لإيجاد مخلوق ما. لكن وبالرغم من بساطة الجملة السابقة، إلا أن الأمر على أرض الواقع ليس بتلك السهولة، وإلا قد تمكنا من الحفاظ على الكثير من الأصناف من الفناء أو الانقراض.