فيلم The Laws of Thermodynamics: هل يخضع الحب لقوانين نيوتن؟
هل وقعت في الحب من قبل؟ رأيت من سلب عقلك وخطف قلبك وشعرت بانجذاب طاغ نحوه؟ ظللت تدور وتدور محاولا التقرب منه ولفت نظره؟ هل كنت في علاقة عاطفية بدأت مشتعلة متوهجة حتى هيئ لك أنك حزت السعادة؟ علاقة كنت فيها أنت وحبيبتك، كالفولة التي انقسمت نصفين حتى ظننت أن علاقتكما متزنة واستثنائية، وبعد ذلك بدأت الهوة بينكما تتسع، تتكشف الفروقات البينية بينكما، بدأت تخفت قوة الانجذاب، تتدهور العلاقة وتعمّ الفوضى، هل شعرت أو توهمت بانجذاب حبيبتك لحبيب آخر؟ أصابتك الريبة والقلق واللا يقين،قلت لنفسك: أين هي الآن؟ هل تقابل أو تفكر، أو حتى تدردش مع غيرك؟ هل تساءلت لماذا تتخذ دائمًا العشوائية في حياتنا أسوأ المسارات المحتملة؟ هل تظن أنك وحدك من يعاني كل هذا؟
هل تعرف القانون الثاني للديناميكا الحرارية الذي يقول؛ إن في أي نظام منعزل تزداد العشوائية لا النظام دائمًا!
«مانيل» أيضًا يعرفه، مانيل مدرس مساعد للفيزياء في الجامعة، عبقري مهزوز الثقة في النفس، يعد رسالة علمية حول الديناميكا الحرارية في الأنظمة المركبة، ويعاني في علاقته العاطفية مع إيلينا، مثلما تعاني أنت مع حبيبتك، لكنه يعتقد أن قوانين الفيزياء قادرة على تفسير علاقاتنا العاطفية والإنسانية.
بين الروائي والوثائقي
كعادة الأفلام الوثائقية يبدأ الفيلم الأسباني «the laws of thermodynamics» والذي حازت نتفليكس حق عرضه عالميًا، للسيناريست والمخرج الإسباني «ماتيو جيل» بمشاهد من الطبيعة كالأعاصير والحمم البركانية بصحبة أداء صوتي شارحًا لمعارف علمية متعلقة بالفيزياء، تنتقل الكاميرا بعد ذلك لمشاهد داخلية لأساتذة فيزياء يشرحون ماهية الفيزياء وقوانينها الطبيعية، الانتقال الثالث للكاميرا ترصد فيه الحياة المدنية، آلاف البشر يسيرون في الطرقات يمارسون عاداتهم اليومية مع تعليق صوتي عمّا غفل عنه أساتذة الفيزياء، وهو علاقة تلك القوانين الفيزيائية بحياتنا العاطفية.
مع الانتقال الرابع للكاميرا إلى قاعة درس جامعية، يبدأ الفيلم في التكشف، كفيلم روائي، لنقابل مانيل الأستاذ المساعد وهو نفس الراوي السابق للنظريات العلمية. نحن كمشاهدين حين ندرك وجود مانيل كشخصية روائية نكتشف إدراكه لوجودنا، يحدثنا ويشرح لنا ما نحن مقبلون عليه قبل حتى أن ندرك وجوده. هناك قاعدة علمية تقول إن المشاهد جزء من التجربة. بتلك الخدعة يبدأ المخرج ماتيو جيل تجربته الإبداعية الفريدة.
رغم تكامل العناصر لعمل رومانتيك كوميدي يفضل ماتيو جيل في جرأة فريدة إتخام الفيلم بتعليقات علماء الفيزياء حتى تفقد اهتمامك بالحبكة وتركز اهتمامك بقصة الاكتشافات الفيزيائية وتطورها بداية من إسحاق نيوتن مرورًا بإينشتاين ورذرفورد والرحلة من الفيزياء التقليدية للنظرية النسبية وفيزياء الكم، ثم في لحظة يخطف ماتيو جيل اهتمامك مرة ثانية إلى تعقيدات علاقة الحب بين مانيل وإلينا، أو مقارنة العلاقة بين مانيل وإلينا بعلاقة مانيل مع صديقته السابقة راكيل أو علاقة إلينا بعارض الأزياء المثير لورنزو، أو علاقة بابلو بإيفا.
كل تلك الخطوط الدرامية وتلك النقلات من الفلاش باك و الفلاش فورورد، أو تجاور حدثين راهن وماضي في سياق مقارنة بينهما في مشاهد متتالية، أو العودة باستمرار لأحداث تسبق أحداثا سابقة عرضت في فلاش باك، كل تلك المشاهد المربكة في موقعها الزمني من كرونولوجيا الحكاية لا تربك المتفرج. فكما يعتقد الفيزيائيون أن ما يعطينا الإحساس بسيرورة الزمن في خط مستقيم هو زيادة العشوائية والفوضى في النظام المركب، نفس الأمر ينطبق على النظام البشري المنعزل «مانيل- إلينا» تتجه علاقتهم لمزيد من العشوائية والفوضى.
قوانين الفيزياء و علاقاتنا العاطفية
يقول الفيلسوف السويسري البريطاني آلان دو بوتون في مقدمة كتابه «Relationships» الصادر عن «مدرسة الحياة – The school of life»:
يذهب ماتيو جيل خطوة أبعد من دو بوتون، والذي يفترض وجود برمجة اجتماعية-ثقافية ما تحدد سلوكياتنا وتصرفاتنا وتحكمها، ويتساءل طالما نحن البشر لسنا مركزا لهذا الكون، وطالما أن الحياة ما هي إلا سلسلة من كيفية تنظيم الذرات لنفسها وأن الإنسان ما هو إلا حفنة من الذرات المنظمة، والتي تشكل هي الأخرى نظاما مركبا اسمه الإنسان الفرد، فلماذا إذن لا تخضع مشاعرنا وسلوكياتنا ومصائرنا للقوانين التي تحدد وتنظم حركة الكون كله.
فلو أن القانون الأول للديناميكا الحرارية يقول أن الطاقة لا تفنى ولا تستحدث، وأن الطاقة يمكن أن تتدهور لتصبح طاقة أقل نفعا، كأن تتحول الطاقة الحركية إلى حرارة، ألا يتحكم هذا القانون أيضًا في انتهاء علاقة مانيل بإيلينا ومن قبلها علاقته مع راكيل، أن يتحول الحب (الطاقة النافعة) ويتدهور ليتحول إلى اللا مبالاة.
كما يتحكم في مصائرنا القانون الثاني للديناميكا الحرارية، والذي يؤكد بصورة حتمية أن أي نظام منعزل (أي علاقة)، ستزيد فيها العشوائية والفوضى والأزمات بشكلٍ دائم. كأن حياتنا محكوم عليها بالدمار في النهاية.
هل نحن حقًا مسلوبو الإرادة؟
رغم سيطرة فرضية «الجبرية» على أحداث الفيلم إلا أن ماتيو جيل المهووس بالفكرة والمحب للخيال العلمي، كمخرج وكاتب مسلسل الخيال العلمي Realive، وبوصفه كاتب سيناريو كبير من أعماله Agora و The sea inside لا يغفل تعدد المصائر في خطوطه الروائية الثلاث التي يمسكها، نكتشف في النهاية نحن المشاهدين، وعبر إيلينا تلك المرة بخديعة ماثيو لنا. فكما يقول الفيزيائيون أن الجسيم المراقب يتصرف بصورة مغايرة حين تتم مراقبته، نكتشف إخفاء مانيل الكثير من التفاصيل عنا، إخفاء قلقه وشكه المستمر في استمرار العلاقة بينه وبين إيلينا، إحساسه بعدم كفاءته وملائمته لها، سعيه وانتظاره انتهاء العلاقة لإثبات ذكائه وقوة فرضيته في أن العلاقات الإنسانية تخضع لقوانين الفيزياء.
كما ينتظر بابلو المحب للنساء الكاره للعلاقات والارتباط طويل المدى طفلًا من إيفا التي تحملته وتحملت هفواته وخياناته الجنسية بعد أن زاد تعلقه بها وأقسم على الإخلاص. مما يوحي بفتح أفق جديد لحياتنا نحن البشر وقابليتها للتمدد والتطور، ولو في حدود الزمن.
هل نحن قادرون على الحب؟
هل الحب قدر أم اختيار؟ أهو مصير وحظ في أن نقابل الحبيب المثالي كما يتصور الرومانتيكيون من الفنانين والكتاب؟ أم هو نبتة علينا العمل عليها ورعايتها حتى تنمو وتزدهر كما يقول إريك فروم؟ أم هو قوة جذب جبارة تجذبك لشخص وتدور في فلكه ككوكب حول جسيم هائل كما يفسر ماتيو جيل الوقوع في الحب بقوانين الجاذبية لنيوتن؟
في الرواية الأيقونية «رباعية الإسكندرية» للورانس داريل، حيث الشخصيات مستلبة هائمة في مصائرها تبحث عن الحب بعاطفة هي مزيج من الصوفية والشهوانية تقول الشخصية الرئيسية جوستين لدارلي، إجابة عن سؤاله لها عن تفسير لعلاقتهما:
فهل يمكنك أنت أن تقدم تفسيرًا ما عن الفوضى في علاقتك العاطفية؟