اعتادت وكالة الفضاء الأمريكية ناسا القيام بطلعات مكوكية بحثية استكشافية بغرض الرصد والتصوير، وفي أحد الرحلات عند شبه الجزيرة الكورية، التُقط منظر يوضح حالة من الظلام الدامس يغطي كل أنحاء كوريا الشمالية وكأنها نقطة سوداء عبارة عن تكملة للبحر المحيط بها، لا يوجد سوى وميض نور ينبعث على استحياء من العاصمة بيونج يانغ، في المقابل ينبعث النور ويسطع بقوة لافتة من جارتها الجنوبية والصين وروسيا وكأنهم يسبحون في الضوء. دولة مساحتها 74 ألف كيلومتر، وعدد سكانها 24 مليون نسمة، كأنها لا شيء ؟! وكيف؟!
من كتاب طاهر شلبي «لغز كوريا الشمالية، الدولة الأكثر غموضًا»

إذا كنت في كوريا الشمالية فنحن لسنا في عام 2020، نحن لا نزال في عام 108 بحسب التقويم الزوتشي، وهو تاريخ ميلاد القائد المؤسس للجمهورية الشعبية الديمقراطية الكورية «كيم إيل سونج» مؤسس عقيدة الزوتشي الحاكمة.

يعيش الكوريون منذ التقسيم عام 1948 إلى شمال وجنوب عند حدود خط العرض 38، تقاسم الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية، شبه الجزيرة الكورية، الشمال الملاصق للصين يكون تابعًا للمعسكر السوفييتي، والجنوب يكون مواليًا للنموذج الأمريكي.

منذ عام 1948 وإلى اليوم ترأَّس كوريا الجنوبية 12 رئيسًا، بينما كوريا الشمالية توالت عليها بالوراثة عائلة «كيم». بدءًا بالقائد العظيم الجد، كيم إيل سونج، ثم القائد العزيز الأب كيم جونج إيل، ثم الزعيم العزيز الحفيد كيم يونج أون. المعلومات والكتابات شحيحة عن كوريا الشمالية التي تعيش في عزلة وانغلاق كامل عن العالم، لكن نحاول في هذا المقال إلقاء نظرة مشتركة على هذا البلد والتشابك بين السياسة والاقتصاد والمجتمع الكوري.

https://www.youtube.com/watch?v=HezkDGX7o_I
وثائقي عن العائلة الحاكمة في كورية الشمالية

نظام الحكم

تأسس النظام في كوريا الشمالية على تطبيق خاص لنظرية الماركسية اللينينية وهي عقيدة الجوتشي أو الذاتية والتي تعني الاعتماد على الذات «الإنسان هو سيد كل شيء ومقرر كل شيء، وجماهير الشعب هم سادة الثورة». وهي عقيدة أسسها وكتبها كيم إيل سونج «المؤسس»، وظهرت هذه النظرية بعد وفاة ستالين الزعيم الملهم لكيم إيل سونج، والذي اختاره زعيمًا لكوريا الشمالية، وتقوم العقيدة على ثلاثة أركان:

  • استقلال السياسة والفكر «شاجو».
  • اكتفاء ذاتي في الاقتصاد «شارب».
  • دفاع ذاتي داخل الدفاع الوطني «شاوي».

أما مسؤولية تطبيق وتفسير هذه العقيدة فهي للقائد كيم إيل سونج الذي وصل حرفيًّا لمرحلة التأليه، فرغم أنه من أصول مسيحية، لكن كوريا الشمالية هي دولة «ملحدة» بحسب الدستور الكوري، ومع الوقت وشدة الانغلاق تحولت الجوتشية إلى شبه ديانة، ويُعتقد هناك أن كيم إيل سونج هو من خلق العالم بأسره.

لا تقوم الجوتشية مثل الماركسية اللينينة على طبقة البروليتاريا «العمال والفلاحين» في تأسيس الدولة ونهضتها، بل على سياسة سونجون أو الجيش أولًا، الجيش الكوري هو القوة العاملة في الصناعة والزراعة، وله الأولوية في الحصول على الموارد المالية والغذائية، وربع الإنتاج المحلي.

بالنسبة للسلطة ينقسم المجتمع الكوري إلى ثلاثة تصنيفات: الطبقة الأولى وهم الموالون، وهي طبقة النخبة من العسكريين والتكنوقراطيين والعلماء وقادة حزب العمال. الطبقة الثانية المتمردون وهم المثقفون والتجار والحرفيون، والطبقة الثالثة هم الخونة أو المعادون، وهم قدامى ملاك العقارات. المعارضة ممنوعة، الإساءة أو النقد للحزب أو لقادة البلاد عقوبتها التحويل إلى معسكرات الاعتقال للأسرة بأكملها.

أما عن شرعية الحكم في كوريا الشمالية فهي باختصار «البرنامج النووي» الذي يهدد العالم، وهو أيضًا سبب بقاء كوريا خارج الاستهداف المباشر من أمريكا، بعد ما استطاعت كوريا تطوير قدراتها العسكرية بشكل مذهل، المنتج الرئيسي للصواريخ الباليستية، وتمتلك قدرات نووية قادرة على الوصول لأمريكا، بالإضافة لأسلحة كيماوية وبيولوجية، واستطاعت كوريا تصنيع واختبار القنبلة الهيدروجينية. لهذا السبب تعيش كوريا في عزلة كاملة عن العالم، لا يقترب منها أحد خوفًا من هذه الترسانة المسلحة، ومن جيش يصنف الخامس عالميًّا بحسب عدد الجنود، الذي يتخطى مليون و190 ألف جندي بالخدمة، وأكثر من 5.7 مليون جندي احتياط، نظرًا لأن فترة التجنيد قد تصل إلى 10 سنوات.

أنشطة الاقتصاد الكوري الشمالي

مع العقوبات والحصار شبه الكامل الذي تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية على كوريا الشمالية، فالاقتصاد الكوري مختنق جدًّا منذ سقوط الاتحاد السوفييتي. لا يوجد شركاء اقتصاديون كُثُر لكوريا الشمالية، على سبيل الاستثناء توجد الصين، صاحبة نصيب الأسد من التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري مع كوريا الشمالية، حيث تصدر كوريا الفحم بمقدار 952 مليون دولار سنويًّا، وتستورد كوريا من الصين البترول والغذاء وأغلب الاحتياجات.

هناك تعاون محدود مع كوريا الجنوبية بدأ عام 1997 بعد توقيع الاتفاقية الإطارية مع أمريكا، ونتج عنه وجود منطقة كايسونج الاقتصادية المشتركة للعمل، والتي وظفت 50 ألف كوري شمالي، وأوقفتها لاحقًا كوريا الشمالية، ويوجد تبادل تجاري متباين وصل إلى 1.7 مليار دولار عام 2011، توقف بعد ذلك.

ولتبيان مدى ضعف الاقتصاد الكوري ومعاناته، فإن متوسط دخل الفرد حتى عام 2011 كان أقل من 2000 دولار سنويًّا، بينما في الجارة الجنوبية يقترب من الـ 22 ألف دولار.

هناك أنشطة اقتصادية غير معروفة الحجم مثل تجارة السلاح، حيث تعتبر الشركة الكورية لتطوير تجارة التعدين من أهم مصدري الصواريخ الباليستية في العالم، بالإضافة لبعض الأسلحة التقليدية، وعارضت كوريا بجانب سوريا وإيران أول معاهدة لمنظمة الأمم المتحدة لتنظيم تجارة الأسلحة العالمية عام 2013، بالإضافة لرفضها لاحقًا معاهدة حظر انتشار الأسلحة الكيميائية.

هناك أيضًا أنشطة غير مشروعة وهي تجارة المخدرات التي يعمل بها مواطنون ومسؤولون في كوريا الشمالية، ولسنوات طويلة كانت كوريا هي المسؤولة عن انتشار الهروين والميتافيتامين.

لكن الأسوأ على الإطلاق هو الاتجار بالبشر، حيث تقوم السلطات الكورية بتصدير عمالتها الرخيصة إلى دول مثل روسيا والصين ومنغوليا، شريطة أن يكون العامل متزوجًا ولديه أبناء، يعملون في أنشطة البناء وبعض الأعمال الأخرى. يحظر عليهم الاختلاط مع العامة أو الذهاب لأماكن غير الأسواق مرة واحدة في الأسبوع، ويتم اقتطاع نسبة كبيرة من أجورهم عبر السفارة الكورية وترسلها مباشرة للعاصمة. وتذهب نسبة كبيرة من هذه الأموال مباشرة لعائلة الرئيس كيم، ومن يحتج على ذلك ويخالف الأوامر سيتعرض أهله للأذى، ويتم إعادته قسرًا إلى كوريا، وإذا انشق وهرب وطلب اللجوء لإحدى الدول تتعرض عائلته للتنكيل.

يتعرض العمال إذًا لهذه السخرة في مقابل إضافة موارد لخزينة الدولة وثروات عائلة كيم التي يديرها مكتب الاستخبارات 39، ورغم الحصار الاقتصادي يتعجب العالم من كيفية اقتناء الرئيس الكوري لسيارة مرسيدس، أو ضبط شحنة من 90 ألف قنينة فودكا تخص الزعيم وحده.

تستطيع أن ترى هذه القصص بوضوح في فيلم وثائقي لقناة DW بعنوان «رجال كيم»:

https://www.youtube.com/watch?v=PgViOFV6RqA&t=27s

المخابرات الكورية والأنشطة القذرة والوحشية

لا يكفي أن تعلم أن كوريا الشمالية هي أكبر سجن في التاريخ، ولا يكفيك أن تتخيل أن أمورًا مثل محاولة الاستماع إلى إذاعات أو أغانٍ أو دراما خارجية كفيلة بسجنك أنت وعائلتك في معسكرات الاعتقال الوحشية. بل إن العالم كله عرف بجريمة منظمة يقودها مكتب المخابرات الكورية 915 لاختطاف الأجانب من كوريا الجنوبية واليابان وبعض الدول الأخرى، وتجنيدهم في كوريا الشمالية ليصبحوا عملاء لها فيما بعد، وتعد القصة الشهرى لهذه الجريمة المنظمة مأساة الطفلة اليابانية ميجومي يوكوتا، التي اختُطفت منذ عام 1977 ولم تظهر إلى اليوم.

وافتضحت هذه الأنشطة والجرائم المنظمة عبر الإيقاع بأحد عملاء كوريا الشمالية المسؤولين عن تفجير طائرة كورية جنوبية في الإمارات عام 1987، والاعتراف الرسمي من والد الرئيس الحالي كيم جونج إيل عام 2002 لرئيس وزراء اليابان باختطاف مواطنين يابانيين، الذين تم إعادة بعضهم واختفاء البعض الآخر، ومنهم الطفلة يوكوتا التي ادعت كوريا أنها انتحرت وأرسلت رفاتها إلى اليابان، لكن اتضح مع التحاليل أن هذا كذب، ولا تزال عائلة الطفلة اليابانية تناشد المسؤولين في العالم كله فعل أي شيء لرؤية ابنتهم، قابلهم رؤساء أمريكيون سابقون، ومسؤولون يابانيون وأمميون، لكن دون فائدة. ولمعرفة المزيد عن مثيلات تلك الجرائم يُنصح بمراجعة كتاب «القائد العزيز» للمنشق من المخابرات الكورية الشمالية جانج جين سونج.

كيف هي الحياة داخل كوريا الشمالية؟

وثائقي عن الحياة الاجتماعية داخل كوريا الشمالية

في السادسة صباحًا تملأ جنبات العاصمة بيونج يانج أصوات أحد الأناشيد الثورية التي تتحدث عن قصة ممرضة على الجبهة كانت في مهمة للعثور على الجنرال كيم إيل سونج، يستيقظ كل المواطنين على هذه الأغنية يوميًّا، وتجوب العاصمة سيارات تحمل مذياعًا لنفس الأناشيد طوال اليوم، حركة السير سهلة ويسيرة في العاصمة، فنسبة مالكي السيارات الخاصة 3% فقط، وهي ليست سيارات متطورة أو حديثة، كانت إحدى صفقات السيارات في كوريا هي الحصول على 1000 سيارة فولفو سويدية عام 1974، لم يتم دفع مقابل هذه الصفقة، ولهذا فالسويد التي لا زالت تملك سفارة داخل بيونج يانج تطالب بثمن الصفقة والفوائد.

أما عدد مالكي الهواتف المحمولة فهو 3.2 مليون من أصل 25 مليون مقيم في كوريا، وهناك شبكة اتصالات وحيدة، أسستها شركة «أوراسكوم» المصرية، تسمح بالتواصل الداخلي فقط، ولا تتلقى مكالمات من الخارج.

مباني بيونج يانج كلها ملونة بألوان زاهية توحي بالجمال، الشوارع شديدة النظافة، المواطنون يعتمدون على مواصلات النقل العام، أو الدراجات، أو السير على الأقدام، تماثيل وصور القادة تملؤ الشوارع، أما ساحة «ماتسوداي» فهي بمثابة الكعبة، تمثالان كبيران للقائدين الجد كيم إيل سونج والأب كيم جونج إيل، هي المزار الرئيسي بالعاصمة، ينحني لهما المواطنون في خشوع ويقدمون لهما الأزهار والورود، ويُسمح بالتصوير لكن بشرط أن يظهر التمثالان كاملين، ممنوع اجتزاء صورة القائدين.

بالطبع بيونج يانج ليست كوريا بأكملها، فهي أشبه بلوحة العرض المتاحة، يسكنها النخبة الحاكمة من الحزب، ونخبة العلماء المتخصصين في الطاقة النووية أو العلوم الطبيعية، فهم من يتم إهداؤهم شققًا سكنية ويحظون بتقدير خاص من القادة.

المجاعة وسوء التغذية والتهميش

بعد تفكك الاتحاد السوفييتي وفقدان كوريا للدعم السخي من المنتجات والاحتياجات الغذائية، بالإضافة لبعض الفيضانات والجفاف المؤثرين على المساحة الزراعية المحدودة، بالإضافة للمقاطعة والعزلة الدولية، أدى ذلك لمجاعة شديدة في الفترة بين عامي 1994 و1998، تلقبها السلطات بـ «المسيرة الشاقة» لأن لفظ المجاعة يحتوي على شبهة تقصير حكومي وهو غير مسموح به.

راح ضحية الجوع والأمراض المرتبطة بها أكثر من مليوني كوري، وتم إعدام وزير الزراعة آنذاك بتهمة التجسس لصالح أمريكا وتخريب الزراعة الكورية الشمالية، وللتعامل مع هذه المجاعة أعادت السلطات وقتها توزيع الطعام على المواطنين، لكن طبقًا للوضع والولاء السياسي، فكانت حصة العامل المميز 900 جم يوميًّا من الحبوب، والعامل العادي 700 جم، والمواطن المتقاعد 300 جم، والأطفال أقل من 200 جم يوميًّا.

ومنذ ذلك الوقت ورغم تبني الصين لدعم كوريا بالمنتجات الغذائية، وسعي الجارة الجنوبية أحيانًا لتقديم بعض المنح والمعونات الغذائية غير المشروطة في إطار استراتيجية «الشمس المشرقة» الساعية للتقارب وتوحيد الكوريتين، نجد أن 70% من الكوريين لا زالوا يعتمدون على برنامج التوزيع الحكومي كمصدر رئيسي للحصول على الغذاء، وخارج العاصمة، تشير الصور إلى الفقر الرهيب الذي يعاني منه الفلاحون في شتى الأنحاء.

أدوات الزراعة بدائية، الجميع يعمل حتى لا يموت جوعًا. فبحسب الإحصائيات القليلة المتاحة من برنامج الغذاء العالمي ومنظمة الفاو والصليب الأحمر، هناك 60 ألف طفل في كوريا عانوا في عام 2019 من خطر المجاعة بمعدل 1 إلى 5 أطفال، وما يزيد على 10 ملايين كوري أي 40% من السكان، في حاجة ماسة للطعام.

نصيب الفرد في كوريا الشمالية من الغذاء اليومي الآن يقل عن 300 جرام، بحسب المتحدث باسم برنامج الأغذية العالمي هيرف فيرهوسيل، وهناك نظام وطني تم اتباعه بـ «وجبتين فقط يوميًّا»، وأصبح مصدر البروتين الرئيسي وجبة «إنغونغي» وهي خليط من فول الصويا وبعض المكونات الأخرى الرخيصة كبديل عن اللحوم التي لا يتناولها معظم الكوريين إلا في المناسبات الرئيسية وأعياد ميلاد القادة آل كيم، ونتيجة لسوء التغذية فإن الكوريين الشماليين أقصر قامة من نظرائهم بالجنوب بـ 3 – 8 سم، ومعدل الأعمار يقل كذلك بـ 12 عامًا عن متوسط الأعمار في الجنوب. ربما لن تجد في كل الصور المتاحة عن كوريا الشمالية أشخاصًا ذوي وجوه وأجساد ممتلئة سوى القادة من آل كيم على سبيل الحصر والاستثناء. في الفيلم القصير أدناه يوثق مدون سعودي رحلته إلى بيونج يانج.

مدون سعودي يوثق رحلته القصيرة إلى بيونج يانج

الكوريون منقطعون تمامًا عن العالم

يتجه المواطنون إلى أعمالهم، التي تطول ساعات العمل فيها عن الـ 11 ساعة يوميًّا، ويوم عطلة وحيد هو الأحد. العمل الشاق والمتواصل هو ما يضمن استمرار النمط الاقتصادي الاشتراكي الذي تنتهجه كوريا، ويوفر موارد كبيرة لتطوير البرنامج النووي وتسليح الجيش والاعتماد على الإنتاج الذاتي في الاقتصاد.

خدمة الإنترنت غير متوفرة للعامة، متاحة لعدد محدود من النخبة، وهي شبكة اتصال داخلية مغلقة، لا تستطيع الوصول للمواقع خارج كوريا الشمالية، يوجد عدد محدود من المواقع الإلكترونية الكورية لكن الوصول إليها شديد الصعوبة الفنية، وتحمل فقط الاستعراضات الفنية في المناسبات الرسمية، أو خطابات الرؤساء الكوريين. يوجد فقط ثلاث قنوات تلفزيونية أرضية، تذيع معظم الوقت دعاية سياسية للرئيس كيم جونج أون وللنظام الحاكم.

بداخل كل مصنع وكل منزل راديو مثبت بصوت عالٍ يذيع أناشيد وأغاني ثورية وخطابات قادة كوريا الشمالية بشكل مستمر، لا يمكن خفض الصوت أو إيقافه، فالنظام الكوري يعتمد على ترسيخ العقيدة الخاصة به عبر كل وسائل البروباجندا، في كل شوارع بيونج يانج لا توجد لافتات للدعاية التجارية إطلاقًا، فقط تجد صورًا للدعاية السياسية، جنود وفلاحين وعمال، أو جنود كوريين يقتلون جنودًا أمريكيين، وبالطبع صور للقادة من آل كيم في كل مكان.

محاولات الهروب والانشقاق

قصص عدد من الهاربين من جحيم كوريا الشمالية

في وسط كل هذا الجحيم يحاول العديد من الكوريين الهرب والانتقال لعالم آخر لا يوجد فيه عائلة كيم، فعلى مدى العقود الماضية كانت هناك انشقاقات دبلوماسية واستخباراتية عديدة. ويسهل ذلك نوعًا ما على من يتمكن من السفر لخارج كوريا الشمالية، أما المواطنون الهاربون أنفسهم فيعرضون لمخاطر عديدة، فالحدود الجنوبية والبحرية مع كوريا مغلقة والتمركزات العسكرية بها مكثفة، لا يستطيع الكوريون إلا الهرب مشيًا وسط جبال الشمال وشمال الشرق، يقودهم في ذلك شبكة كبيرة من السماسرة والمهربون الذين يتقاضون مبالغ كبيرة جراء هذه العملية.

تزيد من صعوبة العملية أيضًا أن حدود كوريا الشمالية ملاصقة للصين، وإذا تم ضبط أحد الكوريين في الصين بطريقة غير شرعية سيتم إعادته قسرًا لكوريا، ولذلك يحرصون على الاختفاء في الصين حتى الهروب لدولة أخرى مثل فيتنام واللجوء إلى سفارة كوريا الجنوبية، أو الهروب إلى تايلاند والاحتجاز لمدة قليلة ثم تمكينهم من السفر لكوريا الجنوبية، التي تمنحهم اللجوء ونقلهم لمعسكرات تأهيل نفسي لعدة أشهر للتعافي من قسوة التجربة والتأكد من أنهم ليسوا عملاء للشمال.

يوجد العديد من القصص المؤسفة لمحاولات الهروب، ولا سيما للفتيات اللواتي يتعرضن لمخاطر مضاعفة من الاغتصاب والاختطاف لمدد طويلة، ويقع بعضهن في شباك بعض شبكات الدعارة بالصين، أملاً في أن يتمكنَّ من الهرب ذات يوم والحصول على الحرية المفقودة.