تخيّل نفسك متابعًا للعبة كرة السلة أو لكرة اليد فقط وتشاهد إحدى المباريات في غرفتك وصديقك في الغرفة الأخرى يشاهد مباراة في كرة القدم. فريقك متقدم ويبلي بلاءً حسنًا ويسجل النقاط والمباراة بين كر و فر، وأنت مستمتع لكن لا يمكنك التعبير عن فرحتك بكل لقطة وكل نقطة ولن تنال هذه الفرصة حتى نهاية المباراة، بينما تسمع صديقك يصرخ بأشد جوارحه و تراه يقفز فرحًا لهدف في الدقيقة الثلاثين من المباراة جاء بعكس مجريات اللعب أو لهدف آخر يعدل النتيجة قبل نهاية المباراة بدقائق.

هذا الأمر ينعكس على المتابع و اللاعب معًا في كلتا اللعبتين، فلاعب كرة السلة يفرح بالنقطة لكنه لا يحتفل على عكس لاعب كرة القدم الذي يحتفل بهدفه الأول كما يحتفل بالهاتريك بسبب المعدل التهديفي المنخفض في كرة القدم والذي يمنح هذه القيمة الكبرى للهدف، و تلك هي متعة كرة القدم؛ أنها تمنحك ترف الاحتقال حتى لو خسرت في نهاية المباراة.

لحظة تسجيل الهدف هي العنوان الرئيسي لكل شيء. وليس شرطًا أن يكون الهدف حاسمًا في نهائي كأس العالم أو أمم أوروبا، فالشعور هو نفسه حتى لو كان الهدف في افتتاحية إحدى الدوريات في عالمنا العربي أو هدف لأحد الأطفال في المدرسة مع أصدقائه، فرؤية الكرة في الشباك هي اللحظة التي تحفز أحاسيس ومشاعر متنوعة بين النشوة والحزن والغضب والانتقام، وتخلق ردات فعل تكون عفوية بسبب انجرافك وراء عواطفك بشكل غير مفهوم وغير قابل للتفسير أحيانًا، أو تجعلنا نقوم بحالات تعبيرية تم التخطيط لها مسبقًا للتعبير عن قضية خاصة أو موقف ما في بعض الأحيان.


الفطرة تحكُم

ما يميز الاحتفال الغريزي أنه مرتبط بدرجة كبيرة بالأهداف الحساسة في المباريات المهمة، هذه اللحظات تخرجك عن النص وتظهرك على حقيقتك بدون أي قيود، وهذه الاحتفالات لا تتعلق باللاعب فقط بل بكافة الأشخاص داخل الملعب أو حتى من يتابع عبر الشاشات. سترى الجماهير داخل الملعب وحتى أنت في الغرفة تحتفلون بالهدف بطريقة متشابهة، وكما الحال في إضاعة الفرص ووضع اليدين على الرأس كتعبير عن الحسرة. هذه هي حدودنا كمتابعين، لكن كيف هو الحال مع المدربين واللاعبين؟


ماركو تارديلي يترجم لنا ما هي السعادة القصوى

كرة القدم هي العاطفة، هي السعادة، وهي السعي نحو الفخر و المجد لملء صفحات التاريخ بعد تحقيقنا لما نحلم به. الإيطالي تارديلي أوصل كل هذا و أكثر في احتفاليته بعد تسجيله الهدف الثاني في شباك ألمانيا في نهائي كأس العالم 1982.

بعد تسجيلي للهدف مر شريط حياتي بالكامل أمام عيني، هدف في نهائي كأس العالم هو حلم كل طفل صغير يداعب الكرة، فكان الاحتفال بمثابة إطلاق سراح حلمي من السجن.
ماركو تارديللي يصف هدفه الشهير في ألمانيا

السير أليكس فيرغسون، ومساعده بريان كيد، وبداية المجد

بسبب الغياب عن منصات التتويج المحلي منذ عام 1967، عاد الشك لمانشستر يونايتد في آخر جولات الدوري (1993) بعد تراجعهم للمركز الثاني، وجاءت الفرصة مرة أخرى للعودة للصدارة مجددًا في مباراة شيفيلد يونايتد، لكن شيردان وضع شيفيلد بالمقدمة وعقّد مهمة السير لانتزاع الصدارة قبل أن يعيد ستيف بروس الأمل لفريقه في الدقيقة 86.

هذا الهدف أبقى السير على حافة الملعب لتحفيز لاعبيه وتوجيههم، حتى جاء الهدف الثاني برأسية أخرى لبروس في الدقيقة 96 أجبرت مدربه على الاحتفال بطريقة غير مسبوقة، وأيضًا المساعد بريان كيد الذي قفز بطريقة جنونية أغرق فيها نفسه في عشب أولد ترافورد، ومنذ هذه اللحظة انطلق رسميًا مصطلح «fergie time».


جوزيه مورينيو وانطلاقة نحو الاستثنائية

على نفس الحافة في مسرح الأحلام عام 2004، انطلق مورينيو يجري مسرعًا للحاق بلاعبيه بعد تسجيل هدف التعادل في مباراة العودة أمام مانشستر خلال الدور الثاني من دوري أبطال أوروبا. التأهل على حساب مانشستر وهذا الاحتفال أضافا مزيدًا من البريق لجوزيه، ومن هنا اكتسب شيئًا من استثنائيته التي سُمِي بها فيما بعد.


بريان لاودروب: من أجلك يا بُنَيّ

نية مسبقة للاحتفال بشكل مختلف بدون خطة ما وجاءت وليدة اللحظة فقط، وكانت إحدى الاحتفالات التي لا تنسى على الإطلاق لبساطتها في كأس العالم في فرنسا عام 1998.

http://gty.im/52927750

قبل يوم من المباراة طلب مني ابني أن أحتفل بطريقة مختلفة إن سجلت هدفًا في مرمى البرازيل، ولحظة تسجيلي للهدف تذكرت كلامه ولم أعرف ماذا يجب أن أفعل و انتهى بي الحال هكذا.
بريان لاودروب مفسرًا احتفاله بهدفه أمام البرازيل

بالعودة إلى عام 2004 و بطولة أمم أوروبا شاهدنا ذلك الفتى المدلل في دولته البرتغال و هو يذرف الدموع بعد الخسارة المؤلمة في المباراة النهائية , لكن هذا الفتى قد عاد بعد أن اشتد عوده و وصل مع منتخبه إلى نهائي البطولة ذاتها في فرنسا 2016 و قد شاءت الأقدارأن يخرج مصابًا و يغرق في دموعه مجددًا كتعبير عن حزنه بسبب المغادرة، لكن هدف الفوز أعاده إلى حالة البكاء اللا إرادي لكن من الفرح هذه المرة كرد فعل على ما حدث في 2004 و في المباراة نفسها.


إريك كانتونا: أنا الملك هنا

الغريزة تعكس الطبيعة الداخلية للشخص؛ لأنها تظهر أجزاءً وطباعًا معينة من السلوك الإنساني. الغريزة التي يمتلكها كانتونا وأظهرها لحظة تسجيله الهدف الثالث له في شباك سندرلاند هي نزعة التفوق والغرور وجسدها بأفضل طريقة ممكنة. احتفال تحدث عن نفسه بالفعل وسرق الأضواء من جمالية الهدف، نظرة على شعب أولد ترافورد وتحية فوقية من الملك الجديد لمانشستر.

في 2013 فازت هذه الاحتفالية بأجمل احتفالية في تاريخ البريمرليغ.

كانتونا معلقًا على اختيار احتفاله كأفضل احتفال في تاريخ البريميرليج عام 2013


في كرة القدم الانتقام حق مشروع للجميع

في التعبير عن الفرحة هناك التصرفات الانفعالية التي تأتي كرد فعل عفوي على إساءة ما أو سخرية من لاعب الفريق المنافس، ويبدو أن الانتقام هو أحد الطرق المشروعة لذلك وكأن بالفرحة هنا أصبحت تكريسًا للمثل الذي يقول «يضحك طويلاً من يضحك أخيرًا».

في حالة نستلروي وبعد إضاعته لركلة الجزاء، تقدم إليه مدافع أندورا «أنتوني ليما» وسخر منه بضحكة استهزائية ربما كانت رد فعل على تصريحات نيستلروي قبل المباراة على أن أندورا منتخب صغير مزعج. ظن ليما أنه أخذ حقه كاملاً، لكن نيستلروي تمكن من تسجيل هدف آخر بعد لحظات وها هو يبحث عن ليما بين الجميع ويركض نحوه ليحتفل بشكل انتقامي في وجهه.

أما نوري شاهين وخلال لقاء بوروسيا دورتموند أمام كولن تعرض للعرقلة من بودولسكي في آخر دقائق المباراة، نشب على إثرها شجار بين اللاعبين،. بودولسكي تذكّر على الفور انتصار منتخبه على منتخب نوري شاهين في تصفيات أمم أوروبا وأشار له بنتيجة (3-0) لكي يسخر منه، لكن بعد أقل من دقيقة تمكن نوري شاهين من تسجيل هدف الفوز في الوقت بدل الضائع وركض مباشرة نحو منتصف الملعب لكي يحتفل أمام بودولسكي دونًا عن غيره. يذكر أن بودولسكي اعتذر مباشرة في النفق المؤدي لغرف الملابس وقبل شاهين اعتذاره.


– بيبيتو: لقد أصبحت أبًا!

هذه الاحتفالية أصبحت متكررة ولم تعد تملك تلك الخاصية التي كانت عليها سابقًا، عندما نفذها بيبيتو كانت لحظة رائعة جدا وتأثر بها جميع المتابعين وخاصة عندما انضم له كل من روماريو ومازينهو. أما بالنسبة لي فهي الذكرى والانطباع الأولي لي عن كرة القدم، فلا أذكر من تلك البطولة إلا بعض اللقطات وأهمها على الإطلاق احتفالية بيبيتو، ومن الصعب جدًا الاعتراف أنه مر عليها 22 عامًا.

https://www.youtube.com/watch?v=sbhaDnd-5kg&feature=youtu.be&t=15s

قبل ثلاثة أيام من مباراة البرازيل وهولندا في مونديال 1994، رزق بيبيتو بطفل أسماه ماتيوس. وبسبب عدم حضوره لولادة ابنه أراد أن يرسل رسالة حب من القلب لزوجته وولده بهذه الطريقة، لكنه لم يكن يعلم أنها ستحظى بكل هذا التأثير.


روبي فاولر و سخرية على مستوى الحدث

عندما يكون الأمر متعلقًا بإساءة شخصية أو إتهامات باطلة يجب الرد عليها بطريقة مناسبة لكي تبقى عالقة في ذاكرة الجميع ،و روبي فاولر فعل ذلك بعد إحتفاله بطريقة من جنس الإتهام الموجه له من جماهير إيفرتون .

حيث إتهمته الجماهير بإدمان الكوكائين و أثر هذا الأمر كثيرًا على فاولر و عائلته وعندما حانت الفرصة لم يتردد فاولر بالتصدي لها و إحتفل مباشرة بجلوسه على الأرض و تظاهر باستنشاق خط نهاية الملعب و كأنه يستنشق المخدرات. هذه الإحتفالية خلقت الكثير من الجدل و إعتذر عنها لاحقا و تعرض على إثرها للعقوبة.


عندما يصير الروتين أمرًا محببًا للنفس

هل هذا الشيء الوحيد الذي فزت به؟!، بالنسبة لي كملك هذا ليس كافيًا.

هي احتفالات تم التخطيط لها مسبقًا، وهي روتينية في تكرارها لكن من الروتين المحبب إلى القلوب، مرتبطة بشكل كبير باللاعبين الذين يسجلون باستمرار.

http://gty.im/98086488

لوكا توني وحركته الشهيرة والتي قام بتأديتها بعد رؤية أحد أصدقائه يقوم بنفس الحركة.

http://gty.im/92301171

راؤول غونزاليس وتقبيله للخاتم بعد كل هدف يسجل كنوع من الحب والتقدير لزوجته.

http://gty.im/1618591

لي شارب واحتفالية ألفيس بريسلي بهدف إمتاع الجماهير التي أتت بالأساس من أجل المتعة.

http://gty.im/450513033

تيم كاهيل واحتفالية الملاكمة على شارة الركنية.