حلم الوصول للكوكب الأحمر؛ هل سنراه متحققا؟
منذ قديم الزمان وطموح الإنسان للوصول للسماء لا حدود له، منذ كان يُعتقد أن الأرض هي مركز الكون، وأن كل نراه فوقنا يدور في فلكها. وحتى بعد أن جاء كوبرنيكوس وجاليليو وغيروا الكثير من المفاهيم بشكل ثوري، لم يكن يتوفر لهم الأدوات التي تتيح لهم حتى الطيران، حتى جاء القرن العشرون بقفزة هائلة في علوم الفضاء واستطاع الإنسان لأول مرة الهرب من سيطرة الأرض، ليتبع ذلك الوصول للقمر. ولم تتوقف أحلام البشر عند هذا، فالكوكب الأحمر ينادي ويريد الجميع تلبية النداء.
والمريخ هو الكوكب الرابع بعدا عن الشمس في مجموعتنا الشمسية الصغيرة، وهو كوكب صخري أحمر اللون بسبب وجود أوكسيد الحديد على سطحه الذي تبلغ مساحته ربع مساحة سطح الأرض وحجمه 15% من حجم الأرض. ويكمل دورته حول الشمس في 686.9 يوم، وله في مداره قمران هما فوبوس وديموس. ويرتفع على سطحه أعلى جبال المجموعة الشمسية، جبل الأوليمب البركاني، بارتفاع 21 كليو متر وبقطر 600 كليو متر. ويمكنك رؤية المريخ في ليلة صافية سماؤها عند النظر للأفق الغربي للسماء.
ومنذ ستينات القرن العشرين أرسل البشر أكثر من أربعين من المركبات الغير مأهولة لكوكب المريخ لتهبط على سطحه أو لتدور في مداره، وبعضها لم يصل أو فُقد أو دٌمر مرتطما بسطح الكوكب، وبعضها ما زال يعمل حتى الآن. وبدأ الاتحاد السوفيتي السباق بالمركبة MARS1 وتلتها المركبة MARS2 حتى MARS7، وأرسل بعضهم بيانات عن سطح المريخ. وتلتها الولايات المتحدة بالمركبات Mariner 4-6-7-9 وقد أرسلوا أول الصور الواضحة للسطح الأحمر للمريخ. واستطاعت Mariner 9 أن ترسل أكثر من 7000 صورة من مدارها لسطح المريخ كشفت للعلماء 85% من مساحته. وفي التسعينات أنضمت اليابان للسباق بمهمة فاشلة كأغلب مهمات هذا العقد، والذي لم ينجح من مهماته سوى Mars Global Surveyor من ناسا والتي قضت 10 سنوات في مدار المريخ و Mars Pathfinder من ناسا أيضا والتي قضت 3 شهور على سطح الكوكب وقامت بحفر سطح الكوكب وقامت ببعض الاختبارات على التربة.
ومع بداية القرن الحادي والعشرين حدثت طفرة هائلة في مهمات الوصول للمريخ مع تطور التقنيات اللازمة وأيضا زيادة نسب نجاح المهمات. كما انضمت الوكالة الأوروبية لعلوم الفضاء للسباق بمهمة ناجحة وهي القمر الصناعي Mars Express في مدار المريخ والمركبة Beagle 2 على سطحه. كما بدأت ناسا البحث عن الماء على سطح المريخ في محاولاتها للبحث عن حياة خارج الأرض. ففي 2004 أرسلت ناسا المسبارين Spirit و Opportunity. واستمر الأول سبع سنوات بينما ما زال Opportunity يعمل حتى الآن. كما قامت Reconnaissance Orbiter من ناسا بتصوير سطح الكوكب بالكامل بصور عالية الدقة. وأرسلت الصين وبريطانيا مهمتين لكن لم ينجحا.
وفي عام 2011 أرسلت ناسا المهمة الأشهر على الإطلاق وهي مسبار المريخ Curiosity. وحقق Curiosity العديد من الأرقام القياسية والعديد من الاكتشافات العلمية والتي قد نتحدث عنها تفصيليا في مقال لاحق.
وفي عام 2013 أنضمت الهند للسباق أيضا لكنها حققت إنجازا غير مسبوق وذلك بخفض تكلفة إيصال مركبة آلية للمريخ ل 74 مليون دولار فقط، وهو مبلغ ضئيل جدا، فقد تخطت تكلفة إرسال ناسا لمسبارMaven عام 2013 670 مليون دولار. وأطلقت الهند في نوفمبر 2013 مركبة تحمل قمرا صناعيا يسمى Mangalyaan space probe وصل لمدار المريخ في سبتمبر 2014 ليدور حول الكوكب الأحمر. وقال رئيس وزراء الهند Narendra Modi ساخرا أن دولته وصلت المريخ بتكلفة أقل من تكلفة فيلم Gravity الذي تدور أحداثه في الفضاء وتكلف 100 مليون دولار. وإنجاز الهند الذي لا يُذكر دائما هو أنها وصلت للمريخ في أول تجربة لها على الإطلاق وبدون فشل.
كما أعلن الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حاكم دبي ونائب رئيس دولة الإمارات عن أول برنامج عربي للوصول للمريخ فيما أُطلق عليه “مسبار الأمل” ويتوقع أن تتم الرحلة ليصل المسبار للمريخ عام 2021.
وكل ما سبق هو محاولات مستمرة لكشف أسرار الكوكب الأحمر، ومعرفة إذا كان يمكن المعيشة عليه أم لا، وهل يحتوي أو كان يحتوي قديما على ماء. لكن ولأن أحلام البشر غير محدودة دائما، يسعى البعض لمحاولة إرسال إنسان للمريخ، بل ويطمح البعض لاستيطان الكوكب وتغيير غلافه الجوي ليلائم معيشة البشر، كما يريد أخرون معرفة امكانية استخراج المعادن والأحجار النفيسة والطاقة من المريخ لاستخدامها على الأرض، وتريد بعض وكالات الفضاء جعل المريخ قاعدة مستقبلية تنطلق منها المهام لاستكشاف الكواكب الأكثر بعدا.والوصول بإنسان للمريخ تواجهه العديد من المصاعب، أولها هو التكلفة العالية لتجهيز مركبة فضائية قادرة على إعاشة الإنسان لفترة 3 سنوات على الأقل هي مدة الرحلة ذهابا وإيابا فقط. والتكلفة التقديرية هي حوالي 6 مليار دولار لرائد الفضاء الواحد. وأيضا المشاكل الصحية التي سيعانيها رائد الفضاء بسبب انعدام الجاذبية نهائيا لفترة طويلة بجانب تعرضه للإشعاع. وأيضا المشاكل النفسية بسبب الانعزال لفترة طويلة. ويحاول العلماء التغلب على تلك المشكلات. وهناك بالفعل بعض المحاولات الجدية لإيصال إنسان للمريخ بحلول العقد الثالت من القرن الحادي والعشرين.
محاولات ناسا
تاريخ ناسا يمتلئ بالخطط النظرية لمحاولة إرسال رائد فضاء للمريخ. لكنها الآن تعمل على خطة شاملة لإيصال رائد فضاء إلى كويكب بحلول 2025 وللمريخ بحلول 2030. وتقول ناسا أن أدلة وجود حياة عتيقة على المريخ تجعله هدفا مثاليا لكشف أي وجود حيوي حالي خارج كوكب الأرض. وتقوم ناسا حاليا بتطوير واختبار مركبة فضائية جديدة تسمى Orion Multi-Purpose Crew Vehicle على اسم كوكبة الجبار. وهي قادرة على حمل 4 رواد فضاء في مهام خارج الأرض، وتقوم شركتي Lockheed Martin و Airbus Defence and Space ببنائها. وتمت تجربة Orion لأول مرة في ديسمبر 2014 بدون رواد فضاء. وسيتم إطلاقها في رحلاتها المتوقعة بقوة نظام إطلاق ناسا الحديث Space Launch System Rocket.
وأول رحلات Orion حسب الخطة هي NASA’s Asteroid Redirect Mission وستحمل رواد فضاء لكويكب والعودة بهم، وذلك بعد تحويل مسار الكويكب ووضعه في مدار حول القمر باستخدام مركبة فضاء آلية. والهدف من التجربة غير اختبار وعمل أبحاث على المذنب، هو اختبار المركبة اختبارا حقيقيا قبل سفرها للمريخ، واختبار وسائل حماية رواد الفضاء من الإشعاع، واختبار بزات فضاء متقدمة مخصصة للرحلة الطويلة، وأيضا تجربة الدرع الحراري للمركبة وقدراتها على الهبوط بأمان في المحيط بعد العودة من الفضاء. وسيتم اختبار أدوات جديدة لحفر سطح الكويكب وأخذ عينات وذلك قبل استخدامها في المريخ. ويعتمد تنفيذ مهمة السفر للمريخ على نتائج تلك التجربة وعلى قدرة Orion على النجاح في كل الاختبارات والعودة وروادها في سلام.
محاولات SpaceX
شركة SpaceX هي شركة فضاء خاصة أسسها ويديرها Elon Musk. والحديث عن SpaceX يطول لكننا هنا سنتحدث فقط عن حلم Elon Musk بالوصول للمريخ عام 2025، وهو الحلم الذي جعله يؤسس الشركة ابتداءً. ولهذا فـ SpaceX تعمل على مركبة Red Dragon وهي نسخة معدلة من مركبتها Dragon قادرة على السفر للمريخ بتكلفة متوقعة 400 مليون دولار غير تكاليف الإقلاع والهبوط. وتهدف أساسا لاكتشاف الحياة على سطح المريخ وإيصال معدات بالغة التطوروالتعقيد للقيام بالأبحاث وأخذ العينات والعودة لها للأرض. كما طورت SpaceX مركبة Dragon V2 القادرة على حمل رواد الفضاء إلى محطة الفضاء الدولية، وما زال البحث والتطوير جاري في الشركة لتخطي العقبات والوصول للمريخ، ويعتقد Musk أو الوصول للمريخ ربما سيكون عام 2025، وأنه بعد مرور 100 عام سيكون هناك مليون إنسان على المريخ وسيكون الكوكب الأحمر صالح للسكنى. وأصدرت شركة SpaceX تصميمات رائعة تحمل عبق القصص الخيالية تعبر عن مدى قوة الحلم ومحاولاتهم الدؤوبة لتحقيقه.
(مركبة red dragon)
محاولات Mars One
في عام 2012 أعلنت مجموعة هولندية عن خطة لإيصال بشري للمريخ عام 2027، وأعلنت عن طلبها متطوعين حيث أنها رحلة ذهاب بلا عودة حسب خطتهم. والخطة تم طرحها للتمويل الشعبي المفتوح غير متقيدة بحكومة أو سياسة ما، وتهدف لعمل مستعمرة بشرية على المريخ عبر إرسال بعثات متتالية من رواد الفضاء للمعيشة هناك حتى الموت. وحتى الآن يوجد 100 متأهل نهائي تم اختيارهم للسفر للمريخ.
وهناك محاولات أخرى لوكالات الفضاء الأوروبية والصينية والروسية لإيصال إنسان للمريخ لكنها كلها ما زالت لم تتخطى حاجز العرض النظري لتصل لمرحلة التطبيق العملي.
وما زال السؤال الأهم دائرا، من سيصل أولا للمريخ، وهل هناك حياة بالفعل على المريخ، وهل سيستطيع أحفادنا بالفعل السفر للمريخ في رحلات سياحية والعودة كما يتوقع البعض؟ كلها أسئلة لا إجابة عنها هنا لكننا سننتظر معنا وسنرى ما يحمله لنا المستقبل.NASA’s Orion Flight Test and the Journey to Mars
How India Mounted the World’s Cheapest Mission to Mars
https://plus.google.com/photos/+SpaceX/albums/6149228291564019297
Human mission to Mars