في ذاك الزمان، عاشت أميرة الشام، القدس، على هضبة مرتفعة تتوسط بين جبال نابلس والخليل في فلسطين، كانت صحراء بالحياة، لكن مضى الزمن قليلا، وتتوج قلبها لأول مرة في حب كنعان، فاستوطن قلبها وارتبط بدمائها، وأطلق عليها اسم الأميرة «يبوس».

عاشت في رفاهية وسعادة كبيرة، شيئا فشيئا تكبر أمالها وطموحها، إلى أن أتى وقت وحكم قلبها من قبل الفراعنة، فدفن تاج حب كنعان، وتوجت مرة ثانية في زواج لمصر الفراعنة.

كانت حياتها مرتبكة في حب مصر بين حروب تهب عليهم وغزو مستمر، لكن استطاع الحب أن يستمر فترة منيعة من القوة والتمسك وخوف الضياع. سمعت أميرة الشام بالحضارة الإغريقية فأعجبت بها، كما أنها تأثرت بها هي وعامة السكان، لكن لم تكن تعلم بأن سينالها الزواج من قبل اليونان، فتوجت بتاج الإغريق بزواج ثالث.

مرت سنين طوال ولم يتغير حال الحب لأميرة الشام، إلى أن تم خطفها من قبل الرومان، وعاشت في كنف زواجها الرابع مائتي عام في حياة مستقرة، ونمو وازدهار عم أرضها، كما دخل موسما جديداً على حياتها، وهو الحج إليها لما سمعوا عن حياتها البهية.

أتى ملك الفرس وسرق قلبها من جديد، لكن لم يبقي عليها كالملوك السابقين، أعمته غيرته، ودمر كل إرث ارتبط بها من أماكن مقدسة كالكنائس والقبر المقدس، فكان زواجها الخامس نقمة عليها. تنفس قلبها لزواج جديد، وفي ليلة أشع القمر بها، أسري رسول الله -محمد عليه الصلاة والسلام-، من قلبها، فأصبح بينهما عربون خطوبة ليجعل لها شرف عظيم، تلتها السنين وتزوجت العصر الإسلامي، لكن اشترط بزواجها السادس العهدة العمرية، وسميت باسمها الجديد الأميرة «إيلياء».

مضت الأيام بالأمن والسلام، وعندما كبر أبنائها منحوها اسما جديداً الأميرة «قدس»، تباركت بأحفادها وفي زمنهم شهدت نهضة علمية مختلفة في جميع الميادين، لكن بعد سنين قليلة تزعزع الاستقرار؛ بسبب الصراعات التي نشبت بين أبنائها المهاجرين والمقيمين في عرش جلالتها، فسمحوا للغزو الإفرنجي أن يتحكم في قلبها بزواج جديد مدته خمسمائة عام، ثم استرد عرش قلبها من جديد ورجعت لزوجها السادس، وظهر أمير مسلم وأهداها منبر لسطع نورها أكثر، لكن سلبت مرة أخرى من زوجها، وتزوجت بالفرنجة مرة ثانية، لكن لم يدم زواجها طويلاً.

إحدى عشر عاماً ورجعت مرة ثالثة لزوجها القديم، تزعزع فترة استقرارها بغزو من قبل المغول لكن تم السيطرة على الوضع من قبل أحفادها المماليك. تزوجت من جديد، وكان من نصيبها العثمانيون الذي دام زواجها منه أربعة قرون، وأحاط قلبها بسور كبير ليحميها دوماً من أي خطر.

بعدما اتهم زوجها بالخيانة وحصل على لقب الرجل المريض، بدأت مسيرة المعاناة، وتم جرح قلبها ليصبح نازفًا، تم غزو المكان، واحتل قلبها من قبل بريطانيا، لتصبح بمسمى جديد «القدس المنتدبة»، فأصبح كيانها ملكاً لهم وأصبحت الأميرة عاصمة لفلسطين في ظل الانتداب البريطاني.

مضى على انتدابها 28 عامًا بين قتل وذبح وأسرٍ لأحباب روحها، إلى أن تم اغتصابها أمام الجميع من قبل ما يسمى «إسرائيل». لم تسكت صديقاتها الدول العربية على ما حل بها، اجتمعت وركضت ودخلت فلسطين لتنقذ أميرة الشام، لكن محاولاتهن باءت بالفشل، وسمي عام الفشل بـ «النكبة» لما آلت إليه أميرتهم القدس، وتكرر الأمر ليصبح هناك يوما أخر موجع للقدس وهو النكسة التي سُيطر فيها تماما على مضمار قلبها بالكامل.

مرت السنين عليها، والوحش إسرائيل يحاول بوجهه القبيح أن يدفن إرثها العربي وهويتها التراثية التي حملتها عبر الأجيال تاجاً على رأسها، لدحض روايتها العربية وحقها الفلسطيني وطمس الحقائق التاريخية.

إن الأميرة قدس شبه متوفاة، لما يحصل لها من عذاب وآلام وسبل القهر الواقع عليها، مِن حفر أجزاء من جسدها، إنهم يكورون عظامها ليحاولوا أن يكشفوا شيئا يعود لما يدعون مملكتهم إسرائيل، لكن محاولاتهم ذهبت سدى، لن يجدوا شيئا إلا سوى أثاراً تدل على إرث أزواجها السابقين، فيزدادون سوءً ويزدادون بفرض الآلام والضغط عليها.

تقاسم أميرة الشام العرب وإسرائيل، لكن دائما إسرائيل يسعى للسيطرة الأكبر على جسدها إذ يقوم بهدم التضاريس الظاهرة على جسدها وإخفائها[1]، وتعمل على تهجير عشاقها وتصر على هروبهم بالاعتداء[2]، كما تصر على دمارهم الاقتصادي وضياع ارثهم التعليمي والقضائي[3].

الأميرة قدس ضائعة وتائهة، تقع بين أذرع إخطبوط الوحش الصهيوني، الذي سوف يسابق الزمن لتهويدها، تشك بأمرها بأن قلبها سوف ينقسم نصفين كما فعلوا بقلب المسجد الإبراهيمي، كما أن جسدها سيصبح منتزه لوحوش إسرائيل، كما أنها تخاف من تغيير اسمها ليجعلوها يهودية متخلية عن كيانها، ولن يكتفوا بذلك سيزعمون بناء هيكلهم ليجبروها على الزواج من ذلك الوحش.

هناك بعض الأسئلة التي تجول بالي عن مصير أميرة الشام! هل ستصبح الأميرة قدس للوحش الصهيوني؟ أم سيترك أمرها للزمن ليقرر المصير؟ أم ستبقى تصارع بدمها ليوم الدين؟ للعلم إن أميرة الشام لا تقاتل اليهودية كديانة بل تقاتل من تذرعوا بديانة التوراة كصهاينة.

المراجع
  1. سياسة التهويد في مصادرة الأراضي والأملاك العربية، وهدم المنازل وتجميد البناء.
  2. سياسة التهويد في عملية التهجير القصري وسحب الهويات.
  3. التهويد على الصعيد الاقتصادي وعلى صعيد التعليم والقضاء.