أوردت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية فيما قالت أنها تقارير استخباراتية سرية للبنتاجون أنه مع احتدام الصراع الأمريكي الإيراني بشأن الأزمة النووية الإيرانية بين عامي 2007 و2008 تزايدت الأصوات المطالبة بالتدخل العسكري لحسم الأمر والتخلص من المخاوف الأمريكية-الإسرائيلية.

وصل الأمر أنه في عام 2007 قامت قوات الجو الإسرائيلية في سبتمبر بقصف مفاعل نووي تحت التشييد شمال شرقي سوريا، وفي العام التالي نفذت الطائرات الإسرائيلية مناورات عسكرية فوق البحر المتوسط فيما بدا أنه تدريب على عملية ما عسكرية تستهدف مراكز تخصيب اليورانيوم في نطنز-إيران.

وضع الجيش الإيراني وحدات الدفاع الجوي لديه في حالة تأهب قصوى نتج عنها أخطاء عملياتية تكشف عن حجم التراجع الذي تعانيه منظومة الدفاع الجوي. في يونيو 2007 أطلقت وحدة دفاع جوي تابعة للحرس الثوري صاروخ أرض جو تي أو آر-أم1 على طائرة مدنية وبعدها في مايو 2008 أطلقت بطارية مضادة للطائرات النار على طائرة استطلاع إيرانية بدون طيار وطائرة أخرى مدنية. كما أطلقت بطارية أخرى في نفس الشهر النار على مقاتلة من طراز أف-14.

حتى عقب انتهاء المناورات العسكرية الإسرائيلية في يونيو 2008 أطلقت وحدات الدفاع الجوي الإيرانية النار على طائرتين مدنيتين أخريين. وفي إحدى المرات عام 2008 أيضاً نفذت مقاتلة إيرانية من طراز أف-4 طلعة جوية لاعتراض طائرة مدنية تابعة للخطوط الجوية العراقية خلال رحلة لها من بغداد لطهران. ولحسن الحظ لم تُصب الطائرة العراقية بأضرار.


تطور منظومة الدفاع الجوي الإيراني

اعتمدت وحدات الدفاع الجوي الإيراني قبل الثورة على السلاح الأمريكي والأوروبي وواجهت مشكلات كبيرة بعد قطع صلتها الإستراتيجية بهذه الدول مع اندلاع الثورة 1979م التي قامت بالأساس على الهيمنة الغربية والأمريكية.

وسنعرض في سياق التقرير أهم مراحل التطور التي مرت بها وحدات الدفاع الجوي الإيراني -ما بعد الثورة- انتهاء بما تتداوله الصحف هذه الأيام بتسلم طهران صواريخ S-300 وهو تطور نوعي بلاشك في ميزان التسليح الإقليمي.

1. صواريخ الهوك HAWK missiles

صواريخ أمريكية الصنع صُممت بالأساس لضرب الطائرات علي المستويين المنخفض والمتوسط واعتُمدت في نظام الدفاع الجوي الأمريكي لهذا الغرض في أغسطس 1960م. جرى عليها الكثير من التطوير بمرور الوقت للرفع من كفائتها وزيادة المدى وتحسين مستوى الردار الخاص بها للوقوف على دقة تصويب أعلى. وتبلغ تكلفة صواريخ الهوك الأمريكية (250 ألف دولار للصاروخ الواحد، 30 مليون دولار للبطارية الواحدة).

حصلت إيران على ما يقارب الـ 30 بطارية من صواريخ الهوك عام 1983م من مصادرها الخاصة كما هو معلن وتتمركز هذه البطاريات أغلبها في جنوبي طهران وغربها. ولقد عانت إيران كثيرا في الثمانينات من نقص هذه البطاريات حتى طورتها محليا ولم تعد في حاجة لشرائها. أنتجتها إيران محليا وأسمتها صواريخ «شاهين». وفي 2010م طورت إيران نظام دفاع جوي متكامل أسمته (المرصد) يعتمد على صواريخ الشاهين.

2. صورايخ SM1

وهي صواريخ متوسطة المدى أيضا ومحلية الصنع كذلك. طُّورت بداية لتكون في خدمة الأسطول الأمريكي وجرى استخدمها في حرب فيتنام لكنها لم تعد في خدمة الجيش الأمريكي الآن ويتوقع أنها ستُنهي خدمتها في باقي جيوش العالم بحلول 2020م نظراً لوجود إصدارات أكثر تحديثاً وأقل تكلفة.

لا يُعرف تاريخ دخولها في خدمة الجيش الإيراني غير أن بعض التقارير أفادت بوجودها، وأن إيران باتت -بعد فترة من شرائها- قادرة على تصنيعها محليا.

3. الشهاب الثاقب

النسخة الإيرانية المعدلة من نظام الدفاع الجوي الصيني HQ-7. ويعتمد هذا النظام بالأساس على صواريخ قصيرة ومتوسطة المدى محمولة برا وبحرا. هذا النظام -الصيني المنشأ- طورته منظمة الإنتاج الدفاعي Defense Industrial Organization الإيرانية عام 2002، وهي مؤسسة تابعة للجيش الإيراني تهدف لإنتاج السلاح محليا وتسعي لجعل إيران دولة مصدرة للسلاح. وعطفا على ذلك، فقد بلغت مبيعات إيران من السلاح المطور محليا 100 مليون دولار عام 2003.

بطاريات الشهاب الثاقب: دخلت صواريخ شهاب الخدمة في الجيش الإيراني عام 2002

4. منظومة الدفاع الصاروخي تور TOR

النظام الصاروخي تور (بالروسية Тор) هو نظام صاروخي مضاد للطائرات، ذاتي الحركة قصير المدى يعمل في الارتفاعات المنخفضة والمنخفضة جدا وفي كافة الأحوال الجوية. صمم للتعامل مع الطائرات الحربية والطائرات المروحية والصواريخ الكروز وقنابل الطائرات الموجهة والصواريخ الباليستية قصيرة المدى. تم تطويره في الاتحاد السوفيتي من قبل الإدارة الرئيسية للصواريخ والمدفعية لوزارة الدفاع الروسية.

حصلت طهران على نظام الدفاع الجوي تور مباشرة من موسكو مقابل 700 مليون دولار. بدأت عمليات النقل في نوفمبر 2006 وأعلنت موسكو في يناير 2007 إتمام العملية بنجاح.

5. بانتسير إس1

هو نظام دفاع جوي (أرض-جو) قصير ومتوسط المدى، روسي الصنع، صمم من قبل مكتب صناعة الأجهزة الروسي KBP Instrument Design Bureau. كان المشروع في البداية موجها للقوات الروسية، إلا أن التطوير توقف لسنوات بسبب قلة الموارد، ثم أعيد إطلاق المشروع عام 2000م بعد طلب من الإمارات العربية المتحدة -التي تبنت تمويل مشروع التطوير- بتزويدها بـ 50 نموذج، فانطلق المشروع مرة أخرى لتلبية الطلب الإماراتي الذي تعزز بطلبات من دول أخرى كالجزائر وسوريا. حصلت إيران على هذا النظام مباشرة من سوريا ودخل العمل تحت مظلة الجيش الإيراني أواخر عام 2008 وحتى الآن.

بانستير إس-1 مبنية على شاحنة 8×8 كاماز 400 حصان

طوال هذه الفترة كانت وحدات الدفاع الجوي الإيراني -بلا شك- تعاني من نقص الصواريخ طويلة المدى لذلك بدأت رحلتها مع صواريخ S-300.


حلم الوصول إلى صواريخ S-300

خططت إيران للحصول على خدمات نظام الدفاع الجوي الروسي S-300 قبل 8 أعوام من الآن، تحديداً في عام 2007م حين وقعت الدولتان اتفاقا بقمية 800 مليون دولار يدفعها الجانب الإيراني لنظيره الروسي نظير الحصول على خدمات نظام S-300. إلا أن موسكو اضطرت للإخلال بعقدها بضغط من الجانب الأمريكي وحلفاؤه من الغرب بسبب العقوبات المفروضة على طهران. واستجابت موسكو عام 2010م فعلا وقررت عدم الوفاء بالتزاماتها أمام طهران. الأمر الذي جعل إيران ترفع قضية دولية على موسكو في محكمة جنيف وطالبتها بتعويض مالي قيمته 4 مليارات دولار.

حاولت إيران بعد ذلك أن تخفي حاجتها الماسة لهذه الصفقة فأعلنت قدرتها على تطوير منظومة دفاع جوي بعيدة المدى أطلقت عليها اسم (Bavar 373) -باور 373 بالفارسية- وقدمتها للعالم في مطلع العام 2014م على لسان قائد قوات الدفاع الجوي الإيراني اللواء «فرزاد إسماعيلي» كمنظومة بديلة عن الS-300 بل وأعلنوا تفوقها على الأخيرة في المواصفات التقنية. إلا أن هذا لم يكن منطقيا حينها والدليل الآني على ذلك حصولها على خدمات المنظومة الروسية رغم امتلاكها المنظومة المحلية.

https://www.youtube.com/watch?v=dDazIUXbG2U

استخدمت منظومة الدفاع الجوي S-300 أول مرة عام 1979م تحت خدمة الجيش الروسي. باعتها روسيا فيما بعد للصينيين.

استخدم الرئيس الروسي بوتين حقه في رفع حظر بيع السلاح لإيران بعد إحرازها تقدما كبيرا في ملفها النووي وتوقيعها اتفاقا مع دول الـ 5+1. وأعلن أن روسيا بصدد إرسال المنظومة الدفاعية إلى طهران.


ماذا عن المنافسين الإقليميين لطهران؟

بانستير إس-1 مبنية على شاحنة 8×8 كاماز 400 حصان

بالطبع لا يمكن إدراك حجم التطور الذي حققته إيران بانجازها الصفقة الروسية إلا بالنظر إلى ما كانت عليه إيران سابقا، وكذلك بمتابعة أحدث ما توصلت إليه أبرز دول المنطقة الفاعلة.

أكثر اللاعبين الإقليمين عداوة لإيران ربما حتى قبل إسرائيل، هو المملكة العربية السعودية، وهي واحدة من بين 11 دولة حول العالم تمتلك منظومة الدفاع الجوي الأمريكي «باتريوت». فبحسب ما أعلنه اللواء سعود الزهراني -قائد القوات المسلحة في منطقة الخرج سابقا- أن السعودية تمتلك منظومة من الأسلحة المضادة المتطورة على رأسها نظام «باتريوت» وهو النظام الذي استخدمته أمريكا في حرب الخليج لتحرير الكويت وتم بعدها عقد عدة صفقات بين المملكة والولايات المتحدة لامتلاك هذا النظام الدفاعي. وأضاف أن بطاريات الباتريوت منتشرة على كافة حدود المملكة، في المنطقة الشمالية والشمالية الغربية والشرقية والجنوبية وأي نقطة حدودية قد تشكل خطرا على أمن المملكة.

الدول الممتلكة لمنظومة الدفاع الجوي «باتريوت» هي مصر وإسرائيل وتايوان واليابان والكويت وهولاندا والسعودية وإسبانيا والإمارات وكوريا الجنوبية. فإسرائيل كذلك تمتلك بطاريات الباتريوت الأمريكية؛ أما تركيا فهي تعتمد فقط على الأنظمة الدفاعية ذات المدى القريب والمتوسط وتبدو لذلك في أزمة ما لم يمدها الناتو ببطاريات الباتريوت التي تتمكن عبرها من منافسة الجارين: روسيا التي نشرت مؤخرا في سوريا منظومتها الأحدث S-400 وإيران التي باتت تمتلك منظومة S-300 المتطورة.