المهمة المستحيلة للقوات العربية في سوريا
كشفت صحيفة وول ستريت جورنال في الأسبوع الماضي عن خطة أمريكية جديدة بشأن سوريا ما بعد الضربة الأمريكية، تقتضي هذه الخطة أن تُستبدل القوات الأمريكية المتمركزة شرقي نهر الفرات والمتواجدة لمقاتلة تنظيم داعش ودعم القوات المحلية من أكراد وعرب بقوات عربية من مصر والسعودية والإمارات وقطر تنفيذًا لوعدٍ انتخابي قطعه الرئيس ترامب على نفسه، وهو الانسحاب من سوريا.
كما كشفت الصحيفة عن اتصالات أجراها جون بولتون مستشار الرئيس الأمريكي لشؤون الأمن القومي بمدير المخابرات العامة المصرية عباس كامل لأخذ رأيه في الخطة الأمريكية الجديدة. لم تكشف الصحيفة عن طبيعة الرد المصري، وأضافت الصحيفة أن متعهد المرتزقة إيريك برنس رئيس شركة بلاك ووتر سابقًا كشف عن تلقيه اتصالات من جهات عربية لتكون المجموعات القتالية التابعة له جزءًا من القوات التي سيتم نشرها.
اقرأ أيضًا:وول ستريت جورنال: العرب بدلًا للأمريكيين في سوريا
سوف نستعرض تصورًا لفكرة القوات العربية التي يُعتزم تشكيلها وأسباب إنشائها والصعوبات التي ستواجهها، ثم ماذا سيحدث لو تم إنشاء هذه القوات وعن إمكانية مواجهتها للأسد ونظامه أم لا!
لماذا يراد تشكيل هذه القوات؟
تدخل القوات العربية المشتركة أو قوة الردع العربية أو التحالف الإسلامي، كفكرة ليست وليدة اللحظة الحالية بل هي فكرة طرحت من قبل في العام 2011 من قِبل رئيس وزراء قطر الشيخ حمد بن جاسم، لكن النظام السابق في المملكة العربية السعودية لم يكن متحمسًا لها لأنه لم يكن معنيًا بدعم إحدى ثورات الربيع العربي وكان همه الأكبر وقتها هو إخماد الثورة في مصر واليمن التي كانت تهدد النظام السعودي بالسقوط أو بعقد تسوية عميقة مع الشعب تتضمن إصلاحًا ديمقراطيًا يعتبر مرفوضًا من الأسرة الحاكمة التي تريد السلطة والامتيازات المطلقة.
تغير الموقف مع مجيء العهد السلماني وصعود نجم ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الذي يميل للعمل العسكري والحسم السريع، وهو ما أدخله في حرب اليمن وجعله يشكل التحالف الإسلامي لمقاتلة داعش في سوريا، لكنه لم يُمنح الغطاء اللازم من الولايات المتحدة الأمريكية في زمن إدارة أوباما التي لم تكن مهتمة بالكارثة السورية بقدر اهتمامها بعقد صفقة نووية مع إيران، ما خلط الأوراق وأضعف الحماسة التي كانت لدى تركيا والسعودية لنشر القوات.
تغيرت الأمور مع تنصيب ترامب الذي يسعى لأن يتقاطع مع عهد سلفه أوباما دائمًا، فالقوات الأمريكية في سوريا تنحصر مهمتها في قتل وحش داعش، أما وقد قتل هذا الوحش وأصبحت داعش ضعيفة ومحصورة في جيب ضيق فسوف ينفذ وعده الانتخابي بسحب القوات وإقناع الشركاء الإقليميين بالانخراط معه في الحرب على الإرهاب.
يضاف إلى ذلك أن هناك تطورات كبيرة سوف تحصل في ملف العلاقات الأمريكية الإيرانية حيث يتوقع مراقبون أن يكون قرار سحب القوات الذي أصدره ترامب تمهيدًا لقراره بشأن الاتفاق النووي مع طهران، والذي هو في الغالب سيكون إلغاء هذا الاتفاق، ولو تم هذا الإلغاء والقوات الأمريكية موجودة في العراق وسوريا فسوف تتعرض لعمليات انتقامية من ميليشيات موالية لإيران. يخطط ترامب أن يكون ذلك متزامنًا أيضًا مع نقل السفارة الأمريكية إلى القدس وانتخابات يتوقع أن تأتي بنتائج كارثية في العراق ولبنان على حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية وهم حيدر العبادي وتحالف 14 آذار.
اقرأ أيضًا:فورزا أمريكا: سيناريوهات ترامب في سوريا
كذلك لا يريد ترامب منح روسيا وإيران نشوة الانتصار الذي تريدانه في سوريا، ولو تطلب الأمر إعطاء الضوء الأخضر لشن حرب على الوجود الإيراني في سوريا. لهذه الأمور مجتمعة فإن ترامب يريد الانسحاب السريع من سوريا لصالح توريط قوات عربية في المستنقع السوري.
المهمة المستحيلة
قرار ترامب بشأن الانسحاب المفاجئ من سوريا فاجأ حلفاءه قبل أعدائه، خصوصًا أنه اتخذه فجأة دون الترتيب المسبق معهم ليقوموا بتهيئة أنفسهم لملء الفراغ الناجم عن انسحاب الجيش الأمريكي. حلفاء أمريكا منقسمون حول بعضهم في الشرق الأوسط، السعودية ومصر والإمارات يفرضون حصارًا على قطر يكاد يكمل عامه الأول ولا توجد أي بارقة أمل لحل الأزمة في ظل تخاذل أمريكي عن الضغط لحل الخلاف.
السعودية وتركيا وجهًا لوجه بعد أن انحازت تركيا لقطر في الخلاف الخليجي وقامت بحمايتها وانعكس خلافهم على المشهد السوري بغياب التنسيق الأمني والاستخباراتي؛ ما ساعد على تمدد الجماعات المتطرفة في إدلب وخصوصًا تلك المرتبطة بتنظيم القاعدة مثل جبهة النصرة، وانحسار وضعف في صفوف المعارضة السورية بفعل انقطاع الدعم، ما أطلق يد النظام ليستولي على مناطق شاسعة آخرها الغوطة الشرقية.
تركيا شعرت بتهديد متزايد لأمنها القومي من الدعم الأمريكي لحزب العمال الكردستاني وجناحه السوري حزب الاتحاد الديمقراطي وهو ما دفعها للتقارب مع طهران وموسكو، وأنتج هذا التقارب الاجتياح التركي لمدينة عفرين السورية عبر عملية غصن الزيتون.
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ونظيريه الروسي فلاديمير بوتين، والإيراني حسن روحاني.
أكبر صعوبة تواجهها الإدارة الأمريكية هي جمع حلفائها على طاولة واحدة للعمل معًا وإنهاء خلافاتهم بشكل كامل لكي تنجح الخطة. يضاف إلى ذلك أن القوات العربية وحتى التركية ليست عاملًا رادعًا لميليشيات إيران وروسيا وقد شاهد العالم ما حصل في محيط حقل كونيكو في دير الزور قبل أشهر عندما حاول مرتزقة روس اقتحام مكان تبسط أمريكا سيطرتها عليه، حيث تدخل الطيران الأمريكي وقصفهم وقتل المئات منهم. فإذا كان المرتزقة الروس والمليشيات الإيرانية بلغوا من الشجاعة والتهور تحدي الولايات المتحدة الأمريكية فكيف سيكون الحال وهم يشاهدون جيوش قطر والإمارات والسعودية؟ وهي جيوش لا تمتع بهيبة تماثل هيبة الجيش الأمريكي ولا الكفاءة القتالية الرادعة، ولذلك فإنه لا حل للإدارة سوى إبقاء الوجود الأمريكي حتى مع نشر قوات عربية؛ لأن هذا الوجود هو الضامن الوحيد لأن لا تهاجم روسيا مواقع القوات العربية.
كذلك من الصعوبات التي سوف تواجه المشروع الأمريكي مسألة الجيش المصري الذي يبدو أنه عاقد العزم على ألا يخوض أي حرب على الإطلاق في أي مكان بعد حرب أكتوبر 1973، وتحولت هذه المسألة إلى جزء من عقيدته العسكرية، ولهذا لم تشارك القوات المصرية في حرب اليمن رغم أن هذه الحرب تهدد الملاحة في باب المندب وهي مسألة حيوية للأمن القومي المصري، واختارت القاهرة الحوار لحل قضية سد النهضة مع إثيوبيا.
وبهذا فإنه على الإدارة الأمريكية البحث عن بدائل عوض الجيش المصري الذي لم ولن يشارك في نشر قوات في سوريا ضمن الخطة الأمريكية -حسب المعلن-
ولهذا فيجب توسيع التحالف ليشمل تركيا بدلًا من مصر وهذا يعني تحجيم النفوذ الكردي تمامًا. كذلك على الولايات المتحدة تقبل إحضار السعودية لأصدقاء آخرين غير الذين حددهم بولتون أمثال الأردن والمغرب والسودان، وهذه الدول التي كانت نواة عاصفة الحزم في اليمن.
هل تُرسل هذه القوات لقتال الأسد؟
هناك تساؤل موضوعي يطرح بشدة: هل مهمة هذه القوات هي الإمساك بالأرض لصالح الولايات المتحدة؟ ما هي حقيقة موقفها من الأسد؟ ونجيب عن هذا التساؤل بالقول إن مسألة الأسد بقاؤه أو رحيله هي إحدى المعضلات التي تواجه كل من يريد حل الأزمة السورية، فهذا الحاكم قام بوضع سوريا في كفة وبقائه حاكمًا في كفة أخرى لدرجة أنه استعان بمختلف أنواع المرتزقة المحتلين لشعبه من روس وإيرانيين وعراقيين ولبنانيين من ميليشيات حزب الله، وبالتالي فإن أي قوة لا تستطيع الإطاحة بالأسد ما لم تنخرط في الحرب الأهلية أو تواجه روسيا التي تعتبر حامي النظام وهذا ما لا تريده أي من الدول، وبالتالي فإن القوات في المعلن ليست قادمة لمواجهة الأسد ولكنها أيضا ليست قادمة لإبقائه رئيسًا.
إن وجود القوات العربية في سوريا سيمنع بشار من تحقيق حلمه النهائي بالعودة لحكم سوريا كاملة، وسيمنع بوتين من أن يعلن انتصاره على الغرب في سوريا، وسيقطع محور طهران بيروت بضربه في المنتصف، وسيدفع الأسد إلى الذهاب للمفاوضات مع المعارضة لإنهاء الحرب وتطبيق تفاهم جنيف1.
على العموم لا أستطيع أن أجزم هل ستواجه هذه القوات الأسد، لكن لا أستبعد أن لا تكتفي القوات العربية بالمناطق المسيطر عليها بل سوف تتجه إلى مناطق النفوذ الإيراني وتحريرها كقاعدة التيفور في شرق حمص مثًلا، هذا في وجود قيادات عربية تتخذ سياسات هجومية توصف بالمتهورة.