قصص التعذيب المروعة: متى يستطيع العالم وقف النزيف
تعالت أصوات صراخه غير المسموعة من أصوات السباب التي يوجهها إليه الصباط داخل جدران غرفة التعذيب بقسم بولاق الدكرور. أمسك الضابط إسلام نبيه إحدى العصوات الغليظة ليضعها بمؤخرة السائق عماد الكبير، بينما يقوم أحد الضباط الآخرين بتصويره مهددينه بنشر التسجيل بين زملائه من السائقين بالمنطقة؛ بهدف فضحه والنيل من رجولته.
آثار التعذيب لا تختفي
لا يقتصر التعذيب فقط على الإيذاء البدني والجسدي، فالآثار الجسدية هي الأسرع في الاختفاء، لكن يبقى الأثر النفسي المرتبط بتلك الجرائم في نفوس ضحاياها، فلا يمكن الفصل بين مكونات الذات الإنسانية. وفي العديد من الأحيان يتحول الإيذاء البدني إلى أمراض و اضطرابات نفسية، فتشعر ضحية التعذيب بالإهانة والمرارة بأنها لم تستطع أن تحمي نفسها من اعتداء نفس بشرية أخرى عليها، كل ما يميزها أن لها سلطة أعلى على الضحية. إلى جانب الشعور بالوحدة والخذلان حيث لا يوجد من يقف بصفهم أو يتضامن مع قضيتهم.
كما أن تلك الآثار النفسية للتعذيب لا تقتصر على الضحايا المباشرين للتعذيب، بل تمتد إلى أسرهم وأصدقائهم لما يشعرون به من عجزهم عن حماية ذويهم من تلك الأفعال.
ومن ضمن الآثار النفسية التي تصاحب الضحايا بعد الصدمة القلق المزمن والاكتئاب، إلى جانب الانسحاب التجتماعي والارتباك واضطرابات النوم بسبب استرجاع ذكرى التعذيب أثناء النوم في صورة كوابيس تدفعه إلى الخوف من النوم مرة أخرى حتى لا تعاوده تلك الكوابيس؛ مما يؤدي لحدوث اضطرابات في جهازه العصبي والنفسي، كما تزداد الأفكار الانتحارية، فيشعر الناجي من التعذيب بأنه دائمًا تحت التهديد وقد يعاني من التعذيب مرة أخري.
كل تلك الأسباب دفعت الأمم المتحدة لي إصدار اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية واللا إنسانية والتي دخلت حيز التنفيذ في 26 يونيو/حزيران 1987، وهو نفس اليوم الذي اختارته الأمم المتحدة ليكون يومًا عالميًا للتضامن مع ضحايا التعذيب حول العالم في 18 فبراير/شباط 1998 إلى جانب كون يوم 26 يونيو/حزيران هو يوم ذكرى إصدار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
في تونس ما زال التعذيب مستمرًا
المكان: مركز الحرس الوطني بسيدي بوزيد الشرقية.
الزمن: مايو/آذار 2015.
الضحية: عبد المجيد الجدي.
كانت قوات الحرس الوطني قد أوقفت الضحية «عبد المجيد الجدي» بتهمة السرقة إلا أنه قد تمت تبرئته من قبل المحكمة حيث لم تثبت عليه أدلة تدينه، إلا أن القضية لم تنته عند ذلك فأثناء محاكمته قرر الجدي أن يروي للمحكمة ما حدث له أثناء توقيفه من فرقة الحرس الوطني في مقر التوقيف.
قام أعضاء الفرقة بتكبيل يديه وتعليقه منها ليلة كاملة؛ مما ترك كدمات على يده استطاعت المحكمة أن تراها وقتها، وفي 14 إبريل/ نيسان 2015 قام الجدي بتقديم شكوى ضد الفرقة يتهمهم فيها بتعذيبه وإيذائه بدنيا إلى النيابة العمومية، فما كان من قوات الحرس الوطني إلا أنها قامت بإيقافه مرة أخرى بتهمة سرقة شاحنة بعد تقديمه لتلك الدعوى في 12 مايو/آذار 2015.
لتقوم قوات الحرس الوطني بإبلاغ ذويه بأنه قد انتحر شانقًا نفسه في غرفة الاحتجاز بمقر فرقة الأبحاث والتفتيش للحرس الوطني «بسيدي بوزيد» في اليوم التالي لإيقافه، إلا أن أخاه وأثناء قيامهم بعملية غسله استعدادًا لدفنه لاحظ وجود آثار تعذيب على جسد شقيقه ما بين كدمات زرقاء في رأسه وجروح في رقبته وكفيه تدل على أنهم كانوا قد كبلوه منهما و آثار للضرب بباقي أنحاء جسده.
لم يكن يعتقد الجدي أن جرأته تلك سوف تكون سببًا في إنهاؤ حياته، فقبل إيقافه للمرة الثانية بأسبوعين كان قد أعلن خطوبته؛ مما جعل أسرته تشكك في فكرة انتحاره حيث أنه كان مستقرًا نفسيًا ويشرع في بدء حياة جديدة لم يعلم أنها سوف تنتهي سريعًا بسبب رغبته في ألا تمر واقعة تعذيبه مرور الكرام.
22 عامًا من الاغتصاب والتعذيب
المكان: منطقة بوجيسيرا.
الزمان: 1994.
الضحية: بريتهلد أومبيبازي.
22 عامًا مضت على أكبر المذابح التي شهدها العالم عامة و رواندا على وجهة الخصوص خلال الحرب الأهلية التي شهدتها رواندا بين قبيلتي الهوتو والتوتسي، إلا أن ضحايا الحرب والتعذيب والاغتصاب خاصة ما زالوا يعانون مما لاقوه خلال تلك الفترة.
«بريتهلد أومبيبازي» والتي كانت تبلغ 34 عامًا حينها، شهدت خلال تلك الفترة موت سبعة من أخواتها وأختين بالإضافة إلى زوجها وأربعة من أطفالها. بدأت مأساة أومبيبازي عندما تحطمت طائرة الرئيس «هابياريمانا» فبدأت عمليات القتل من قبل الموالين للرئيس من قبيلة الهوتو، فلجأت أومبيبازي وأسرتها إلى الكنيسة الكاثوليكية بالمنطقة، إلا أنه بعد بضعة أيام تم قصف الكنيسة بالقنابل والصواريخ؛ مما أدى إلى مقتل جميع اللاجئين بداخلها.
ولكن «أومبيبازي» كانت خارج الكنيسة فتمكنت من الهرب واللجوء إلي أحد المدارس الابتدائية، بعدما فقدت أفراد أسرتها ثم هربت منها لتختبئ بالغابة، إلا أن جنود الهوتو تمكنوا من العثور عليها هي وسبعة نساء أخريات وأخذوا يتناوبون على اغتصابهم مساءً، بعدما قضوا وقت النهار في قتل العديد من سكان التوتسي.
وعلى الرغم من انتهاء المذبحة وبقائها على قيد الحياة إلا أن «أومبيبازي» ما زالت تعاني من آثار الاغتصاب والمذبحة معًا، فما زالت تعاني من آلام ظهر مزمنة، كما أن رحمها قد تحرك من مكانه الطبيعي على إثر ما شهدته من عمليات اغتصاب يومية، كما أن صحتها النفسية قد تأثرت كثيرًا فما زالت تحاول أن تحمي نفسها من أي شيء قد تعتقد أنه تعذيب معنوي، فعندما تسترجع تجربتها مع الاغتصاب تشعر بأنها غير آمنة، إلى جانب إصابتها بالقلق المزمن.
التعذيب خلال 25 يناير
المكان: المتحف المصري بميدان التحرير.
الزمن: 3 فبراير/شباط 2011.
الضحية: طالب جامعي 18 سنة.
يقول الضحية إنه تم القبض عليه من إحدي المسيرات التي كانت تسير «بميدان التحرير» مطالبة بإسقاط نظام الرئيس الأسبق مبارك، ثم تم احتجازه هو وآخرين «بالمتحف المصري» حيث تم ضربهم، بعد ذلك تم تعصيب أعينهم وأخذهم إلى مكان آخر لا يعلمونه وأخبروهم بعد ذلك بأنه مقر المخابرات العامة بمدينة نصر.
وهناك تم تجريده من ملابسهم وضربه وجلده، كما تم تكبيل رجليه ومن ثم تعليقه مقلوبًا، وتركوه على تلك الحالة لمدة يومين، ثم تم اقتياده وآخرين إلى السجن الحربي حيث تكررت عملية التعذيب تلك بنفس الأسلوب الممنهج من التجريد من الملابس والجلد، إلا أن الوضع في السجن الحربي كان أشد قسوة، ليست قسوة بدنية وحسب حيث تطور التعذيب هناك إلى إستخدام الكهرباء في التعذيب، بل أيضًا القسوة النفسية، حيث شهدت الضحية موت أحد المحتجزين معهم وقيام الضابط بإخباره أن جثة ذلك القتيل سوف تتعفن بجوارهم ولن يعلم أحد عن موته.
وظلت عمليات التعذيب مستمرة طوال سبعة أيام حتى تم الإفراج عنه يوم 10 فبراير/شباط 2011.
تعذيب النساء بالسجون السورية
المكان: أحد السجون السورية.
الزمان: 5 ديسمبر/كانون الأول 2014.
الضحية: فرح.
الضحية «فرح» تم القبض عليها من قبل حكومة بشار الأسد، والذين اتهموها بكونها ناشطة معارضة حيث كانت تتهم نظام الرئيس «بشار الأسد» بأنه أكثر وحشية وتعذيبًا من تنظيم الدولة الإسلامية.
عندما دخلت فرح إلى عرفة الحجز وجدت جميع السيدات معلقات من أيديهن والكثير منهن يعانين من نزيف في مختلف أنحاء أجسادهن، وأثناء استجوابها قاموا بالاعتداء عليها بالضرب، فتقول فرح أنهم كانوا يقومون بضربها وتوجيه الاستجوابات إليها وإذا لم تجب يزداد مقدار الضرب لدرجة شعرت معها أنها أصبحت مخدرة ولا تشعر بأي ألم جديد.
بينما كان أكثر ما يؤلم فرح هو تهديدها بأنهم سوف يجلبون ابنها الصغير إلى السجن ليشاهدها وهي تعذب وتغتصب، كما كانوا يتعمدون تعذيب العديد من الضحايا أمام بعضهم فتقول أنها في إحدى المرات شهدت تعذيب أحد الرجال المسنين أمامها بالكهرباء.
على الرغم من أنه تم إطلاق سراحها بعد 36 يومًا، ومرور أكثر من عام على إطلاق سراحها إلا أنها ما زالت تعاني من الآثار النفسية والجسدية للتعذيب خاصة كلما تذكرت حوادث الاغتصاب الجماعي التي كانت تسمع أصواتها.
العديد من القصص والحوادث التي من الممكن أن تروى عن التعذيب وآثاره والتي من الممكن أن تلازم ضحايا التعذيب طوال عمرهم أو تدفعهم إلى إنهاء حياتهم؛ مما يضع ضرورة قوية لوجود العديد من المؤسسات التي تهتم بإعادة تأهيل ضحايا التعذيب ومحاولة إدماجهم مرة أخرى في المجتمع، إلى جانب محاولة الدفاع عنهم واسترجاع حقوقهم، ولكن عندما يكون التعذيب ممنهجًا وتحت رعاية الدولة فيصبح وجود تلك المؤسسات ضربًا من المحال.