حرب النفط المقدسة: هل ضاع حلم الأكراد بدولة مستقلة؟
جمعتهم اللغة فكانت شريان الحياة للأكراد المتناثرين في تركيا وإيران والعراق وسورية، وناضلوا على مرّ السنين لتأسيس دولة تجمع شَتاتهم، وفي سبتمبر/أيلول الماضي نبذ الأكراد خلافاتهم وصراعاتهم الجانبية في سبيل تحقيق حلمهم بدولة كردية مستقلة. وقد بدأوا بالفعل أولى خطواتهم لتحقيق هذا الحلم عبر استفتاء الاستقلال.
ولكن مع التقدم الخاطف لوحدات مكافحة الإرهاب العراقية التي تتلقى تدريبها من الولايات المتحدة والمليشيات الشيعية التي تتلقى تدريبها من إيران، ربما يكون حُلم الدولة المستقلة قد تلاشى؛ فقد استولى الجيش العراقي والقوات الموالية له على مدينة كركوك والمناطق المتنازع عليها وحقول النفط المحيطة بها عقب معارك فردية تلاها قرار لقادة البيشمركة بالانسحاب من المدينة.
وليس واضحًا حتى الآن سبب انسحاب البيشمركة، الذي ربما قد يكون ناجمًا عن عدم رغبة قادتهم في خوض معركة جديدة أو أنهم بالفعل قد أبرموا اتفاقًا سريًا مع الحكومة المركزية في بغداد للانسحاب من المدينة.
ووسط اتهامات بالخيانة، قال «جعفر شيخ مصطفى»، قائد «قوات 70» التابعة للبيشمركة، وهي وحدة رئيسية مسؤولة عن الدفاع عن المداخل الجنوبية لمدينة كركوك، إنه قد أمر رجاله بالانسحاب لحماية أرواحهم في مواجهة التقدم المكثف للقوات العراقية.
وقال جعفر في تصريح لوكالة الأنباء الكردية «روداو»: «أتحمل كافة المسؤولية في النجاح والفشل». ورفض اتهامات وجود اتفاق مسبق لبعض قادة البيشمركة مع بغداد للسماح للجيش العراقي بدخول المدينة دون قتال.
وفي واشنطن، عقب انتشار أخبار التقدم العسكري في كركوك، صرح الكولونيل روب مانينغ، المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية للصحافيين بأن «الولايات المتحدة تراقب التحركات العسكرية في المنطقة القريبة من مدينة كركوك، وأن هذه التحركات العسكرية حتى الآن هي تحركات متناسقة وليست هجمات». وأضاف: «نحن على علم بتقارير حول تبادل محدود لإطلاق النار، ونعتقد أن ذلك حوادث فردية».
وفي أربيل، عاصمة أكراد العراق، ألقت الفصائل الكردية المتنافسة باللوم على بعضهم البعض لخسارة مدينة كركوك وحقول النفط المحيطة بها، بينما شهدت مدينة كركوك بعض حالات الغضب الكردي المحلي من الانسحاب والذي أطلقوه ضد البيشمركة.
أطراف النزاع
يتمثل أطراف النزاع الحالي بين قوات البيشمركة الكردية والقوات الموالية لبغداد، والأخيرة تتكون من الجيش العراقي، وقوات مكافحة الإرهاب، والمليشيات الشيعية المعروفة بقوات الحشد الشعبي. ويعتقد الكثيرون خارج العراق أن البيشمركة قوات موحدة ولكن في الحقيقة هي قوات مقسمة على نطاق واسع ويتحكم فيها الحزبان الكرديان المتنافسان بشكل منفصل، وهما الحزب الديمقراطي الكردستاني، وهو حزب الرئيس الكردستاني، «مسعود البارزاني»، وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، الذي يدين بالولاء لعائلة طالباني، الذين يدعمون فكرة البقاء كدولة واحدة مع بغداد.
وقد ألقى بعض مؤيدي البارزاني باللوم في انسحاب البيشمركة أمام تقدم القوات العراقية يوم الإثنين على حزب الاتحاد، إذ يشككون في أنهم عقدوا اتفاقًا سريًا مع بغداد.
النفط: اللاعب الرئيسي
تقع مدينة كركوك على بُعد 98 كم جنوب مدينة أربيل، عاصمة كردستان العراق. وتتولى قيادة المدينة السيطرة على حقول النفط المحيطة بها والتي تعتمد عليها حكومة إقليم كردستان لتحقيق حلم الاستقلال الكردي وجعله قابلًا للتطبيق. وبدون النفط؛ أصبح حلم كردستان كدولة مستقلة أقل قابلية للتحقيق خلافًا للوضع مع وجود النفط تحت سيطرتهم.
ويعتقد بعض نقاد قرار الاستقلال عن بغداد أنه حتى قبل الضربة الخاطفة للجيش العراقي فإن كردستان كانت ستكافح من أجل أن تنهي الصراع الحالي بالوصول إلى دولة مستقلة.
هل كركوك مدينة كردية؟
يقول الأكراد إنها كردية، ولطالما تنازعوا مع العرب عليها، محتجين بأن الرئيس العراقي الراحل، صدام حسين، غيَّر التقسيم الجيوغرافي لكركوك عن طريق نقل العائلات العربية إليها وإلى المناطق المحيطة بها، وأن التركيبة الجيوغرافية للمدينة خضعت للكثير من التغيرات منذ الغزو الأميركي الذي أطاح بصدام حسين والحرب ضد إرهاب تنظيم الدولة الإسلامية.
لكن المدينة ومحافظة كركوك لديها تنوع سكاني كبير على مر عدة قرون وتًعد موطنًا للأكراد والتركمان والعرب والآشوريين، والذين يدّعون جميعهم أن المدينة ملك لهم، بيد أن الأكراد سيطروا على المدينة عندما فرت القوات العراقية منها في 12 يونيو/حزيران 2014 في مواجهة التقدم العسكري لتنظيم الدولة الإسلامية من شمال العراق، إذ بدأت البيشمركة بالسيطرة عليها لحمايتها من الجهاديين.
القوى الإقليمية والدولية
لا تريد أي من القوى الإقليمية، سواء تركيا أو إيران أو سوريا، أن ينفصل الأكراد عن العراق. ويخشى الثلاثة من أن يشجع استقلال كردستان الأكراد في دولهم لاتخاذ نفس الخطوة.
منذ استفتاء الاستقلال الشهر الماضي، نسقت كل من أنقرة وطهران ودمشق تحركاتهم إلى درجة غير مسبوقة وتحسنت العلاقات بين الأتراك والإيرانيين، إذ أقدمت أنقرة لإجراء تدريبات عسكرية مع قوات إيرانية. وبعد ساعات من بدء الجيش العراقي والمليشيات الشيعية عمليتهم للاستيلاء على كركوك، أعلنت أنقرة إغلاق المجال الجوي أمام طائرات إقليم كردستان العراق وأنها ستسلم معبر إبراهيم خليل الذي يربط الحدود الكردية مع تركيا والذي تسيطر عليه منذ أشهر لحكومة بغداد المركزية.
أبدت الولايات المتحدة استياءها من استفتاء الاستقلال، فضلًا عن أن القوى الأوروبية حثت الرئيس الكردستاني، مسعود البارزاني، بعدم إجراء الاستفتاء. وترغب جميع القوى الغربية في أن تبقى العراق دولة واحدة؛ خوفًا من اندلاع حرب بين الأكراد والسنة والشيعة ضد بعضهم البعض تستمر للأبد. بينما كان موقف موسكو غير واضح، فلطالما كان لدى موسكو مواقف متلونة، إذ سعت في السنوات القليلة الأخيرة إلى تطوير تعاونها مع كل من الحكومة المركزية في بغداد وحكومة إقليم كردستان. ولطالما سعت إلى إقامة علاقات صداقة مع الأكراد، وبالعودة لعام 1946 فقد دعمت تأسيس دولة كردية ذاتية الحكم، وذلك لتقويض خطط الغرب في العراق، خوفًا من دعمهم للحركات الانفصالية في روسيا.
وفي الأسابيع التي سبقت استفتاء سبتمبر/أيلول أعلنت شركة النفط الروسية العملاقة «روسنفت» عن استثمار مليار دولار في خط غاز طبيعي في كردستان، ولكن لا يزال موقف موسكو غامضًا فيما يتعلق بالاستفتاء.
معركة كركوك والحرب ضد «الدولة الإسلامية»
تعتبر هذه الإشكالية أكثر قضية تشغل بال واشنطن؛ فإذا قرر الأكراد الآن مقاتلة الجيش العراقي والميليشيات الشيعية الداعمة له، فإن ذلك سيكون له تأثير كبير على الحرب ضد تنظيم الدولة، إذ سيرغم ذلك بغداد لإعادة نشر قوات لاستهداف الجهاديين وسيشتت انتباه الحكومة المركزية في القضاء على التنظيم. ولكن إذا لم يفعل الأكراد ذلك، وتوقف العراقيون في مواقعهم ولم يستمروا في الزحف من المناطق المتنازع عليها وحاولوا دخول أربيل، سيكون تأثير خطوة الاستيلاء على كركوك في أدنى مستوياته، وإذا لم يحدث ذلك واندلعت الحرب، سيجد تنظيم الدولة الإسلامية أرضًا خصبة للقيام بمناورة لإعادة شتات التنظيم.
لقد قضت خطوة بغداد للاستيلاء على كركوك إلى حد كبير على طموح الأكراد في الاستقلال وإنشاء دولتهم، وربما يبدي العراقيون كرمًا للأكراد ويبحثون عن طريقة للتوافق مع أربيل لتقاسم الثروات. ومما لا شك فيه أن الفصائل الكردية تتبادل الاتهامات فيما بينها حاليًا، ويُعد من الصعب التنبؤ بمدى تحركاتهم، وبالتأكيد فإن البارزاني وعائلته سيأخذون خطوة في هذا الصدد هذا الأسبوع.