ويلٌ للعرب من شرٍ قد اقترب: النظام الخليجي على حقل ألغام
لعل مراقبة الاتجاهات العامة لحركة الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي في دول الخليج تشير إلى شقوق تتسع تدريجيًا في جدران هذا النظام الإقليمي الفرعي، الذي بدأ في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي لكبح ارتدادات زلزال الثورة الايرانية، من خلال المجلس، ومن خلال دفع العراق لحرب استمرت ثمانية أعوام، ومساندة خلفية لقوى معارضة إيرانية. فإذا بالمجلس ينتهي لخلافات عميقة بين وحداته من ناحية، لتزايد المكانة الإقليمية لإيران التي نجحت في استثمار اللحظة ومد الجسور مع قطر، وبعض الاستقرار في علاقاتها مع سلطنة عمان من ناحية أخرى.
ناهيك عن استمرار العلاقات التجارية الواسعة مع بعض دول الخليج من ناحية ثالثة. حجم التبادل التجاري بين الإمارات وإيران حاليًا حوالي 11.114 مليار دولار، وهو ما يجعل إجمالي التبادل بين إيران ودول المجلس حوالي 16 مليار دولار.
وفي تقديري الأولي أن مجلس التعاون الخليجي سيواجه في الفترة المتوسطة القادمة عددًا من المآزق التي قد تفتح المجال أمام صراع كبير:
1. مفارقة تاريخية في نظمها السياسية وفي آلية صنع القرار: فرغم التطور الكبير الذي يصيب بنية النظم السياسية في العالم، فإن دول الخليج تُصر على تكلس أنظمتها المفارقة للواقع العالمي، فطبقًا لمقياس الديمقراطية الذي يعتمد مقياسًا من 10 علامات حققت دول الخليج نتائج متواضعة على النحو التالي: الكويت 3.85 ، قطر 3.19 ، سلطنة عمان 3.04، البحرين 2.71، الإمارات 2.69، السعودية 1.93.وتقع في مراتب بين 119 و 159 من مجموع 167 دولة.
ويلاحظ أن المقياس يضع الدول ضمن أربعة مستويات، هي: الديمقراطية التامة، والديمقراطية العالية، والديمقراطية الهجينة، والسلطوية. وتقع جميع دول مجلس التعاون الخليجي في المجموعة الأخيرة «السلطوية». وهو ما يعني أنها تفارق الاتجاه العالمي الذي ستزحف أمواجه نحوها عاجلًا أم آجلًا، لكن عدم استعدادها لهذه الأمواج سيجعل تفاعلها معها أقرب للفوضى لاسيما مع غياب كل أشكال التنظيمات السياسية.
ويتناغم مع الاتجاه السابق طبيعة آليات صنع القرار السياسي في هذه الدول، فالقرار أسير رؤية فردية يغلب عليها الطابع «الكيدي»، وتتغذى على غرائزية تهيجها مشاعر الثراء المادي من ناحية وأنفة ذكورية مشدودة لبداوة قابعة في العقل الباطن لصانع القرار. ويميل صناع القرار الخليجي في الاتجاه العام إلى الخلط الواضح بين ميكانيزمات القرار الأسري -العائلي أو القبلي- وبين ميكانيزمات القرار ذي الطابع الإقليمي من ناحية ثانية. وبين ميكانيزمات القرار الدولي والمعولم من ناحية ثالثة.
فالتباهي بحجم الدولة أو عدد سكانها أو شخصنة العلاقات الدولية وإطلاق المطربين والمذيعين للتهكم على الطرف الآخر يشير إلى أنها مجتمعات لم تفارق مجتمعات «سوق عكاظ» أو التسابق لتعليق القصائد على جدران الكعبة والنزق الجاهلي.
وتزداد الأمور قتامة في الخلط بين «مهابة الدولة والوطن» ومهابة «الحاكم». وهو أمر تجاوزته دول العقد الاجتماعي التي لا ترى في الحاكم سوى موظف له صلاحيات منضبطة وخاضعة للرقابة. وبقاؤه في منصبة رهين إرادة الطرف الثاني في العقد، وهو ما يجعله حذرًا في قراراته كي لا يقع تحت طائل المسئولية. لكن مجتمعات «الراعي والرعية» تخلو من أية مساءلة، ويحق للراعي أن يضحي بأي من «أغنامه» ويصبح مصدر فخر بكرمه. وهكذا تتباين مجتمعات «عقود الإذعان» عن مجتمعات «العقد الاجتماعي».
2. تآكل مساحة النفوذ المالي: منذ 2013 إلى الآن تراجع سعر النفط حوالي 60%، ومعدل النمو في دول المجلس حوالي 2.3% وهي نسبة أقل كثيرًا من الفترات السابقة -السعودية تراجع معدل نموها بين 2005 و 2017 من 4 إلى 1.9%، والإمارات من 3.9 إلى 2.6، وفي قطر من 11.9 إلى 3.4%، وفي عمان من 4.8 إلى 1.7% وفي الكويت من 3.4 إلى 2.6% وفي البحرين من 4.9 إلى 2%- أما معدلات البطالة فتعد عالية في أغلب هذه الدول، السعودية 29%، البحرين 28%، عمان 21%، الكويت 20%.
ومعروف أن دخل حكومات المجلس من مصادر غير النفط والغاز كان 46.5% عام 2013، وأصبح مع بداية عام 2017 حوالي 32.8%، مما يسجل فشلًا في تنويع مصادر الدخل، وهو ما تجلى في توقع عجز الموازنة عام 2021 طبقًا لصندوق النقد الدولي في الدول الست إلى 240 مليار دولار. وبالمقارنة فإن فائض الموازنة للدول الست كان عام 2013 يساوي 10.8%، لكنه تحول لعجز وصل إلى نسبة 6.9%.
لا شك أن مثل هذه المعطيات تجعل القدرة على تقديم المساعدات المالية للدول العربية أو غيرها كـ «رِشى سياسية» أكثر ضعفًا ، وهو ما يجعل جر الدول الأخرى لمواقف سياسية وتحالفات أكثر صعوبة وتعقيدًا. ناهيك عن انعكاسات هذه المعطيات على الأبعاد الداخلية لمجتمع تعد نزعته الاستهلاكية هي الأعلى في العالم. تحتل الإمارات المرتبة الاولى عالميًا في معدل الاستهلاك الفردي.
وعلى دول المجلس ان تنجز عددًا من المهام لتتجنب تداعيات الزلزال الاقتصادي:
أ- تنويع مصادر الدخل وتخفيف الاعتماد على النفط، وإذا استثنينا الإمارات العربية فإن احتمالات نجاح الدول الأخرى في هذا الجانب محدودة في المدى الزمني القريب والمتوسط.
ب- توسيع دائرة مساهمة القطاع الخاص في الاقتصاد والتشغيل، وهو أمر تعد الإمارات الأكثر قابلية لإنجازه مقارنة ببقية دول المجلس التي فشلت بشكل واضح في هذا السياق.
3. وهم أو حقيقة الدور الإقليمي لدول المجلس: منذ أن تم طرح شعار انتقال مركز القرار العربي من عاصمة الثورة إلى عاصمة الثروة، بدأ الدور الإقليمي لدول المجلس يتزايد بخاصة بعد مغادرة مصر لكرسي الحكم الإقليمي ثم انهيار العراق وفوضى الربيع العربي. وبدأت اتجاهات المسار تتجه لتحويل النزاع الإقليمي من وجهته الغربية -إسرائيل- إلى وجهته الشرقية -إيران- لكن الفشل في إدارة الصراع ضد إيران لم يكن أقل من الفشل في إدارة الصراع ضد إسرائيل.
لكن التقارب الصامت عبر الخبراء والفرق الرياضية وتزايد التبادل التجاري مع إسرائيل سيقود لتصادم بين ثقافة تأسست في هذه المجتمعات على العداء الديني لليهود وبين ثقافة النخب الجديدة التي تتلهف على التحالف معهم. كما أن الغرق في الصراعات الداخلية العربية -في اليمن وسوريا والعراق وليبيا- والتسابق بين دول الخليج على «الدولة المركز في الخليج» وبين نزوع لدى دول خليجية أخرى نحو الاستقلالية والإفلات من قبضة المركز.
ثم إن وضع القوى الحزبية الأولى في العالم العربي على قائمة الإرهاب يجعل القدرة على القيام بدور المركز أمرًا دونه الكثير، لا سيما أن هذا الدور يأتي في وقت أصبح فيه السند الدولي له -الولايات المتحدة- أقل اعتناء بالمنطقة في ظل قسوة المنافسة الروسية والصينية وتخلخل تحالفات الأطلسي تجاريًا وعسكريًا.
4- البنية السكانية: يشكل الاستيطان الآسيوي في دول الخليج نقطة قلق شديدة. وتشير الإحصاءات الرسمية إلى أن 67.8% من الأيدي العاملة في دول الخليج هم من الأجانب. ويرتفع العدد إلى حوالي 90% في دولة الإمارات. يبلغ إجمالي الأجانب في دول الخليج حوالي 17 مليون نسمة، ونتيجة للهجرة فإن دول الخليج هي صاحبة أعلى معدل زيادة سكانية في العالم.
وبالإضافة إلى العبء المالي لهذه العمالة الأجنبية -يحولون سنويًا حوالي 111 (مائة وأحد عشر) مليار دولار- فإن 90 منظمة دولية حقوقية طالبت في فبراير/شباط 2014 دول الخليج بمراعاة حقوق الإنسان في التعامل مع العمالة الأجنبية، وأصبحت هواجس الاستيطان تطل بين الحين والآخر، بل المطالبة بحقوق المواطنة لاسيما من قبل الآسيويين، وهو الموضوع الذي كان مثار نقاشات على مستوى المجتمع والسلطة.
ماذا يعني ذلك:
1. اتساع الشقوق في بنية العلاقات الخليجية قد يصل لحد العمل العسكري.
2. انقلابات القصور ليست مستبعدة.
3. التسابق بين دول الخليج لشراء الضمانات الدولية (شراء السلاح، استقبال القواعد، الاستثمار… إلخ)، وهو أمر سيفتح أبوابًا لعدم الاستقرار بفعل التنافس الدولي.