المصالحة الخليجية: من يضغط زر البداية؟
بعد أكثر من ثلاث سنوات من القطيعة والحصار لاحت بوادر انفراج الأزمة الخليجية بإعلان السعودية وقطر بدأ حوار بينهما، وأعلنت الكويت أن أبناء الخليج قد تعهدوا بالحوار والوصول إلى اتفاق نهائي يحافظ على التضامن الخليجي. الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثان، وزير الخارجية القطري، وافق على التصريح الكويتي وأعلن أن بيان الكويت يُعتبر خطوة ضرورية نحو حل الخلاف الكبير بين الأشقاء الخليجيين.
أما وزير الخارجية السعودي، فقد صرّح قائلًا: «نأمل أن يؤدي هذا التقدم إلى اتفاق نهائي يمكن التوصُّل إليه، وأنا متفائل إلى حدٍ ما بأننا على وشك الانتهاء من اتفاق بين جميع الدول المتنازعة». وكُللت تلك التصريحات الدافئة بتصريح من وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، يُعرب فيه عن تفاؤله الشديد بقرب حل الأزمة.
هذه الانفراجة تأتي عكس المتوقع إذ لم تُعلن قطر موافقتها على تقديم أي تنازلات لدول الحصار، كما أنها أظهرت صلابةً منذ أول الأزمة في وجه ضغوط الولايات المتحدة، لكن في الآونة الأخيرة كثّف ولي العهد محمد بن سلمان جهوده من أجل إصلاح العلاقات مع قطر، كما تدخل صهر الرئيس الأمريكي، جاريد كوشنر، في الأيام القليلة الماضية بثقلٍ لم يحدث في الأعوام الثلاثة الماضية.
قد لا تكون الدوافع وراء موقف ولي العهد السعودي واضحةً، لكن الاحتمال الأكبر أنها محاولة منه لتلطيف الأجواء من الرئيس الأمريكي المُنتخب حديثًا، جو بايدن، خاصةً وأن بايدن كثيرًا ما انتقد المملكة بسبب سجلاتها المليئة بانتهاكات حقوق الإنسان. أو ربما كانت محاولة من إدارة ترامب لترك إنجازات قرب نهاية ولايته في يناير/ كانون الثاني 2021.
قطر ترفض التخلي عن تركيا
كل هذه الجهود قد لا تُفضي إلى مصالحة كاملة، ربما تشهد الأيام المقبلة تقاربًا بين الفرقاء لكن الحلم بمصالحة كاملة قد لا يتحقق بسبب العداء الكبير بين الدول المعنية، والذي لم تتغير أسبابه بعد ثلاث سنوات كاملة من القطيعة. كما أن الإمارات لا تزال مصرةً على موقفها العدائي من قطر، بسبب التقارب التركي القطري.
ولعل أبرز ما سيحققه التصالح هو ضمان الولاء القطري للولايات المتحدة، وهو ما يُعتبر أمرًا ضروريًا لاحتواء قطر على أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط، خاصةً في ظل تصاعد التوتر الإيراني الأمريكي. إيران تُعتبر من أكثر الدول التي استفادت من الحصار الخليجي لقطر بسبب اضطرار الطيران القطري للمرور في الأجواء الإيرانية لتحاشي المرور في الأجواء الخليجية، ما يعني أن قطر تدفع سنويًا لإيران 100 مليون دولار رسوم للمرور في أجوائها.
من جهتها قالت قطر، إن أي حل للأزمة يجب أن يكون شاملًا دون تمييز بين أي دولة، ودون الاشتراط على قطر بالابتعاد عن أي دولة، وأعلنها وزير الخارجية القطري بشكل صريح أن بلاده ترفض إبعادها عن تركيا، وأردف، أنه من واجب قطر الوقوف مع تركيا إذا واجهتها أي صعوبات.
رفض هذا البند يُضاف إلى قائمة البنود التي رفضتها قطر التي وصلت إلى 13 بندًا قدمتهم الرياض وأبو ظبي إلى قطر قبل ثلاث سنوات من الآن عند بداية الأزمة، من ضمن تلك البنود إغلاق شبكة الجزيرة الإخبارية، وتقليل التواصل الدبلوماسي مع إيران، وغلق القاعدة التركية في قطر.
ويبدو أن كل تلك البنود يمكن لدول الحصار التغاضي عنها إلا بند الإعلام القطري، وعلى رأسه قناة الجزيرة. فقد تحدث أكثر من خبير سعودي وإماراتي أن قناة الجزيرة تخوض خطة ممنهجة لتشويه صورة الرباعي الخليجي، وأكدوا أن قناة الجزيرة تعكس مزاج الدولة التخريبي، على حد وصفهم، وأن الجزيرة تُظهر الإرادة السياسية الحقيقيّة بعيدًا عن المجاملات الرسمية.
البحرين تحاول تخريب المصالحة
على الجهة الأخرى من تلك الأجواء الدافئة تبادلت البحرين وقطر اتهامات بتخريب المصالحة، قطر قالت إن مقاتلات من سلاح الجو البحريني انتهكت الأجواء القطرية. كما أبلغت قطر مجلس الأمن الدولي والأمين العام للأمم المتحدة بأن أربع مقاتلات بحرينية اخترقت الأجواء، الأربعاء 9 ديسمبر/ كانون الأول 2020.
أما البحرين من طرفها، فنفت تلك الادعاءات تمامًا، وقالت إنها عارية عن الصحة، وقالت إنه أثناء تنفيذ طلعة جوية تدريبية مشتركة لطائرتين من نوع إف16 تابعتين لسلاح الجو الملكي البحريني وطائرتين من نفس النوع تابعتين لسلاح الجو الأمريكي قامت الطائرات الأربع بالاندماج في تشكيل جوي واحد، ومن ثم التوجه إلى أجواء مملكة البحرين عبورًا بأجواء المملكة العربية السعودية، ولم يتم خلال رحلة العودة التحليق على الأراضي القطرية، ولم يتم استخدام المجال الجوي القطري.
السعودية أصدرت بيانًا مباشرًا لجميع الوسائل الإعلامية بوقف الهجوم على قطر، والحياد في تغطية هذا الحادث، فبدا كأن البحرين وحدها، ومعها الإمارات، يحاولان عرقلة المصالحة الخليجية. خاصة وأن حادثة المقاتلات ليست الأولى من نوعها، فقد أعلنت السلطات القطرية قبل أيام توقيف زورق صيد بحرينيّ انتهك المياه الإقليمية القطرية واتخذت السلطات القطرية الإجراءات اللازمة ضده.
بتلك الانتهاكات تُعيد البحرين إلى الحاضر الخلاف الذي استمر لعقود حول السيادة على جزر حوار وجزيرة قطعة جرادة، بينما حصلت قطر على السيادة على جزر جنان وحداد جنان والزبارة وفشت الديبل. وحُل النزاع بقرار من محكمة العدل الدولية بلاهاي، التي قضت أيضًا بأن يكون للسفن التجارية القطرية حق المرور السلمي في المياه الإقليمية للبحرين الواقعة بين جزر حوار والبر البحريني.
حرب إعلامية
الموقف البحريني والإماراتي أثار جدلًا واسعًا إذ تزامن الموقف الرافض للمصالحة القطرية مع موقف الثنائي الساعي للتطبيع مع إسرائيل على كافة المستويات. كما سخر عدد من المدونيين القطريين من الموقف البحريني باعتبار البحرين كانت تابعًا للنفوذ السعودي لعقود طويلة، قائلين، إنه عبر المناوشات الجوية والإعلامية تحاول البحرين أن تلفت الانتباه لنفسها لتُعلن أن لها رأي يجب سماعه في شئون المصالحة.
على الصعيد الآخر تقول الصحف الخليجية، إن الإعلام القطري هو من يبالغ في التهويل من الحدث البحريني، كما أشارت مقالات عدة بأن المبالغة القطرية تعكس نوايا غير مطمئنة بخصوص المصالحة المرتقبة. خصوصًا كل تلك التوترات تأتي قبل أقل من أسبوعين فقط على القمة الخليجية لقادة مجلس التعاون الخليجي المفترض عقدها في المملكة العربية السعودية، ويشارك فيها أمير قطر الشيخ تميم بن حمد، كما يُفترض أن يتم توقيع وثيقة إنهاء الحصار على قطر فيها.
الوثيقة التي يُتوقع توقيعها تدور التكهنات أنها ستكون على مرحلتين، أولى، تجريبيّة، وثانية، كاملة. فتبدأ الوثيقة بالاتفاق على ستة أشهر كمدة تجريبية تتوقف فيها الدول الأربع عن التصعيد كي تشعر كل الأطراف بأنه لا يوجد ما يمنع من إتمام المصالحة، ما يقود بعد ذلك إلى المصالحة الكاملة، وأولى الخطوات التجريبية هي التهدئة الإعلامية.
الجانب الأمريكي قال، إن الأوضاع خلف الأبواب الموصودة أهدأ مما هي عليه إعلاميًا، وأنه تم الاتفاق على تسوية الأوضاع وهناك توافق جماعي على تلك الخطوة، لكن لا أحد يعرف ما السر وراء التأخر في البدء في إجراءات التسوية.
المؤكد من كل ما سبق أن هناك نوايا للمصالحة، لكن للأسف لا يوجد زر مُحدد للضغط عليه كي تبدأ المصالحة، وفي حالة وجود هذا الزر، فليس من الواضح من يضغط عليه، ومتى يضغطه.