الميل الأخضر.. حيث اللحظة الأخيرة آتية لا محالة
في الغرفة العازلة للصوت
إنها رواية (ستيفن كينج) الشهيرة المعروفة بـ(الميل الأخضر) أو (اللحظة الأخيرة)، حيث راوي القصة وبطلها هو (بول إيدكومب) الذي نعرف منذ البداية طبيعة عمله، حيث يكون رئيس الفريق المسئول عن الإعدام في عنبر (هاء) في السجن المركزي، لكننا رويدا رويدا ندرك أبعاد ومتطلبات هذه الوظيفة القاسية برغم كل شيء، والأسرار التي احتملها وحده طويلا، ولم يجرؤ على تدوينها إلا في آخر عمره، حيث يعيش في دار للعجائز بعيدا عن كل ما يمت بصلة لحياته السابقة.
سيطلعنا على تفاصيل الفترة التي قضاها في تلك الغرفة العازلة للصوت، كما وصف مكان عمله، والتي كانت كفيلة بتغيير مجرى حياته تماما.
يمكن القول ببساطة إن فكرة الرواية تدور حول (عقوبة الإعدام) بشكل عام، لكن وبالتعمق في أحداثها المثيرة وشخصياتها على اختلافها سندرك أن الأمر أعمق من ذلك، وأن المشاعر الإنسانية في أوج صورها هي ما سنلمسه بوضوح؛ لا سيما أنها – وكما سميت الرواية – تتناول اللحظات الأخيرة في حياة الأشخاص، وتدور أحداثها في فترة الثلاثينيات حيث الكساد العظيم الذي فرض على كل من كان محظوظا بما يكفي للحصول على وظيفة ما أن يتمسك بذلك الحظ حتى النهاية، ومهما كلفه الأمر.
سباركي العجوز
سندرك أيضا أن شعور (بول) تجاه وظيفته كان الإخلاص والالتزام كما ينبغي لتحقيق العدالة، لكنه في لحظاتهم الأخيرة كثيرا ما كان يتعاطف معهم، لا رفضا للعقوبة، وإنما شفقة تجاه حياتهم بأكملها، تجاه فرصتهم الوحيدة التي أهدروها فيما لا يفيد، وها هي تنتهي بهذه النهاية المأساوية التي يستحقونها دون شك، أو ربما لأنه يدرك كم من القسوة أن يتيقن المرء من ميعاد أجله المحتوم، وأن يسير تجاهه بخطى واسعة غير قادر على إعادة الزمن للوراء لإصلاح ما اقترفته يداه، وغير قادر على الأمل في المستقبل لأنه ببساطة لا مستقبل هناك سوى الكرسي الكهربائي أو (سباركي العجوز) كما كانوا يلقبونه.
مهنة كتلك من المحتم لها أن تقتل كل ما هو حي بداخل من هناك، مهما بعدت أقدامهم ومصائرهم عن (سباركي العجوز)!
مهنة كتلك تجعل الحياة تبدو ضئيلة جدا في (اللحظة الأخيرة) وكبيرة جدا فيما عداها، ولذا قد كان (بول) حريصا أن يجعل لحظاتهم الأخيرة هادئة قدر المستطاع، وبأقل قدر ممكن من الألم، لذلك اعتاد أن يقول إن الكلام هو وظيفتهم الكبرى الأكثر أهمية، وطلباتهم الأخيرة في الحياة تصبح واجبا إنسانيا لا يمكن إهماله.
جون كوفي
كان ذلك حتى أتى (جون كوفي) إلى الميل الأخضر متهما باغتصاب وقتل فتاتين في عمر التاسعة!
كان زنجيا – الأمر الذي سهل كثيرا مهمة الحكم عليه بالموت! – ضخما، لكنه كان عكس ما يبدو عليه تماما!
كان بريئا كالأطفال، دائم البكاء لا ندما كما قد يخطر ببال أي كان للوهلة الأولى، وإنما كما وصفه (بول):
«بدا ذلك كما لو كان شعورا بالأسى على العالم أجمع، في بعض الأحيان أسى بغاية العظمة بحيث يكون من الصعب التخفيف منه بشكل كامل».
ومع الوقت سنرى كيف أن (جون) مختلف، وأن لديه قوى ما ورائية قادرة على الشفاء وأمور أخرى، كان موجها لفعل الخير فقط وتخفيف الآلام عن الناس، في حين أنه كان يتألم طوال الوقت مما يراه ولا يسع الآخرين رؤيته!
كان قويا ساعة العطاء، أما بخلاف ذلك فنجده طفلا معدوم الحيلة، لا يتمكن حتى من ربط حذائه!
سنرى كيف سيغير حياة كل من في (الميل الأخضر)، بمن فيهم (بول) الذي سيمنحه – قبل إعدامه بساعات – القوة ليعيش مديدا دون آلام تذكر.
(بيرسي) و (ديل)
شخصيات عديدة مثيرة للاهتمام تضمنتها الرواية، مثل (بيرسي ويتمور) الضابط الجبان عديم الأخلاق الذي حصل على وظيفته بواسطة بعض ذوي الشأن من أقاربه فقط، دون أي خبرة أو مهارة، اللهم إلا قدرته على الظهور بمظهر القوي المسيطر على الأمور أمام هؤلاء البؤساء القابعين وراء القضبان في انتظار لحظتهم الأخيرة!
و(ديلاكروا) السجين الفرنسي الهزيل، الذي وجد في (فأر) صديقا حميما له في زنزانته، حتى أنه استطاع بفضله أن يتناسى حقيقة كونه قاتلا لا يفصله عن الموت سوى أيام معدودة، وأصبح توفير مكان ملائم له بعد رحيله هو شغله الشاغل الوحيد في آخر أيامه، وكأنه أب حريص على مستقبل ابنه من بعده!
(سباركي العجوز) الكرسي الأصم نفسه سيشعرك بأنه شخصية أساسية في الرواية، لها ثقل وتأثير كأي شخصية آدمية أخرى!
الحقيقة أن العمل الثري كله – وبجانب كونه مشوقا دون جهد – سيتركك في حالة تفكير عميق في قيمة الحياة والأشخاص، حتى أنك ستشعر كما لو أن لكل دقيقة ثمنها، وأنه لا شيء يستحق أن تفنى الحياة من أجله.
جدير بالذكر أن الرواية تحولت إلى فيلم بنفس الاسم عام 1999 م من بطولة (توم هانكس) وإخراج (فرانك دارابونت).