مسلسل The Good Place: هل انتهى العالم وحان وقت العقاب؟
منذ أسابيع قليلة اشترى زوجي لطفلنا شوكولاتة من التي تباع بمبلغ ضخم وطعمها سيئ وبها لعبة تافهة، كانت اللعبة عبارة عن نحلة دوارة بلاستيكية صغيرة، ظللت أقلبها بين يدي قليلاً وأنا أتعجب من سعر الشوكولاتة المرتفع، ثم نظرت لزوجي وسألته هل يعتقد أننا نعيش فعلاً أم أننا أسرى لعالم خيالي يتلاعب بنا؟ نظر لي متسائلاً عما أقصد، فمسكت النحلة ولففتها على سطح مستوي وأخبرته أننا لو في الواقع سوف تكف النحلة عن الدوران، أما لو كنا ندور في ديلمة لا نهائية من العذاب لن تتوقف النحلة، فابتسم، أنا لم أبتسم، أخبرته أنني أشعر أننا محبوسون فيما يشبه فيلم Inception، وأوصيته أن يراقب النحلة وخرجت من الغرفة مسرعة.
The Good Place
بالطبع أنت فكرت في الجحيم من قبل، بالطبع خفت جداً وتمنيت ألا تذهب لهذا الجحيم، بالطبع تمنيت أن تدخل الجنة وأن تعيش للأبد في النعيم، في مسلسل The Good Place تصحو البطلة لتجد نفسها في مكان جميل وتعرف أنها ماتت وذهبت للجنة، بعد الكثير من الأحداث تكتشف أن هذا المكان لا يشبهها وتواجه فيه تحديات كبيرة أخلاقية وفكرية تعيش معها في عذاب مقيم رغم أنها نظرياً لا تتعذب ولا تحترق فتفطن أنها كانت سيئة وأن جحيمها الخاص هو أن تعيش الأبدية في مكان يكرر في كل يوم مشاكلها مع نفسها، هي وكل الأبطال الذين يشاركونها الحياة في هذا المكان، القاسي بما لا يقاس أنها لم تكن تدرك أنها في الجحيم وأنها الآن تحاسب على أفعالها الشريرة في حياتها السابقة.
في المسلسل تتجرد فكرة الخير والشر والثواب والعقاب لتكتشف أن الجحيم الأصعب لا يتمثل فقط في نار تحرق وجلود تتساقط، الجحيم يمكن أن يتمثل في حياة صعبة تتعذب فيها كل يوم وأنت لا تعرف أنك في الجحيم، فكرة المسلسل جريئة جداً ولا تشبه معتقداتنا عن الحياة الأخرى، ولكنه يجبرك على التفكير، عقلك يحترق في محاولة فك رموز حياتك ومحاولة أن تعرف هل أنت تستحق أن تذهب للمكان الجميل فعلاً، الجنة كما تتخيلها وتتمناها، أم أنك بشكل ما تستحق العذاب.
المسلسل من بطولة كريستين بيل وويليام جاكسون هاربر وتيد دانسون، ومكون من أربعة مواسم انطلق أولها في 2016، متاح ثلاثة مواسم منه على منصة نتفلكس، عالج المسلسل فكرة الموت والثواب والعقاب بجرأة وحرفية، وتحتاج لعقل متفتح إلى حد ما حتى تتماهى مع فكرته، وتطلق لعقلك العنان وتمنح نفسك فسحة للتفكير في ماهية حياتك ومدى جودة معتقداتك ومدى مواءمة تصرفاتك وأفكارك لأفكار الخير والشر المجردة.
أسطورة سيزيف
تنتشر الآن على وسائل التواصل الاجتماعي إفيهات تتحدث عن الجيل المنكوب الذي تزامن وجوده على الأرض مع كل الحوادث والأحداث التراجيدية، فساد عالمي ومشاكل عميقة في الاقتصاد وفقر وأزمات سياسية وحروب ومجاعات، كوارث طبيعية وحرائق وتغير في المناخ، ثم هذا الوباء العالمي الذي – حرفياً – أغلق العالم على من فيه وحبس البشر في بيوتهم مع ذواتهم ومشاكلهم الخاصة، هل نحن في الحياة الحقيقية أم أن العالم انتهى ونحن الآن في جحيمنا الخاص؟
(إحنا ميتين وبنتحاسب) هذا الإفيه الذي كنا نستخدمه كثيراً للتدليل على الصعوبات والتحديات التي نواجهها في حياتنا الخاصة، مزحة لطيفة نضحك بعدها ونواصل الحياة بشكل طبيعي، تبدو الآن حقيقة بشكل ما، هل نحن فعلاً (ميتين وبنتحاسب)؟ ذهبنا للجحيم لنتعامل مع كل هذه الكوارث ونحن لا نعلم أننا نحاسب على أفعالنا الشريرة لأننا نستحق العذاب، أسطورة سيزيف التي بدت لنا جميعاً محض خيال، يصحو يومياً ليدحرج الصخرة وما أن يصل لسفح الجبل حتى تنتقل الصخرة للأعلى مرة أخرى وعليه أن يدحرجها للأبد، نحن الآن نتساءل بشكل حقيقي، هل نحن جميعاً أصبحنا سيزيف وحياتنا ما هي إلا دحرجة الصخرة الثقيلة.
الفكرة معذبة، العالم يبدو منتهياً بالفعل، ليس في إمكانك أي شيء لتفعله حتى توقف طوفان الكوارث، ولكنك مجبر على التعامل معها، من أدراك أنك تعيش هنا والآن وأنك لست في محاكاة لواقع مزيف، من أدراك أن حياتك حياة فعلاً؟ من أدراك أنك تعيش الواقع، وأنك لست في Bad Place كما اكتشفت إليانور شلستروب في المسلسل؟
نهاية العالم
ما نعيشه الآن ليس جديداً على العالم، في كل حقبة زمنية كان هناك تحديات وحروب وأوبئة ومجاعات، أجبر البشر على التعامل معها وفني منهم من فني ورحل من تبقوا ليخلفهم في الأرض أجيال أخرى تواجه مصائب جديدة، والحياة ليست دار عدل في النهاية، أنت مجبر على التعامل مع حياتك بجدية لأنك لا تمتلك تذكرة خروج، وليس هناك باب خلفي تهرب منه، ثم تهرب إلى أين أصلاً؟
ولكنه الوعي، الإدراك أن كل ما يحدث حولك كثير جداً على أن تتحمله، ومكثف جداً لتعيشه في عدد سنوات قليل مقارنة بعمر العالم، الفن يفتح لك أبواب لتستمتع وتفكر، ثم يصبح هذا التفكير وبالاً عليك في مرحلة ما، المزحات والإفيهات عن نهاية العالم مرعبة جداً وأصبحت غير مضحكة بالمرة، مسلسل كالذي نتحدث عنه اليوم والمصنف على أنه محتوى كوميدي يصبح قاسياً بعد وهلة، لماذا أدرك الإنسان كل هذا الإدراك ليخرج لنا بفن جميل وقاس يجبرك على التفكير؟ هل الإنسان يصنع هذا الفن لمجرد التسلية؟ أم أننا في أعماقنا أدركنا شيئاً ما لم نستطع أن نتعامل معه فحولناه لفن؟
هناك حيلة نفسية لتخطي الأزمات تسمى الإعلاء أو التسامي، وهي عندما تحول قلقك ومخاوفك لشيء إيجابي يمنحك القدرة على تخطي الوقت الصعب، هل الفن الآن هو محاولة للتسامي على ما أدركناه من حقائق؟ هل انتهى العالم فعلاً وما نعيشه الآن هو عقاب ما على أفعالنا الإنسانية التي لا يمكن لأحد أن يتهمها بالنبل؟