مسلسل «اللعبة»: لماذا نشجع «ماظو» الخاسر السيئ؟
الكوميديا مهمة، حقاً في هذا العالم الشرير يجب على الكوميديا أن تكون مهمة، الضحك يمنحك شحنات طاقة يمكنك أن تعيش بها دقائق أخرى في عالم مجنون يصر على استنزافك في كل لحظة. الكوميديا صعبة، أن تستطيع إضحاك الناس في ظل كل ما يحيط بهم ليس سهلاً، خاصة إذا كانوا يستخدمون الضحك أصلاً في التحايل على الحياة القاسية، التعس الساخر هذا أصعب جمهور يمكن للكوميديا أن تواجهه وتنجح معه.
اليوم نتحدث عن مسلسل اللعبة، الذي نجح في إضحاك قطاع كبير من الجمهور، رغم أنه يعرض على منصة شاهد المدفوعة، والذي رغم صعوبة الأمر -كونه مسلسلاً كوميدياً ويعرض حصرياً على الإنترنت- نجح في أن يلفت الأنظار له، وأصبح هناك مشجعون لماظو وويسو بطلا المسلسل.
الثنائي الذكي
صديقان تعودا منذ طفولتهما أن يراهنا بعضهما البعض، مراهنات يكسب فيها أحدهما على حساب الآخر، بدأت لعبتهما منذ الطفولة واستمرت حتى أصبحا أبوين، ثم قررت أسرتاهما أن يتوقفا عن اللعب وصنع المقالب في أحدهما الآخر حفاظاً على الأسرة، أصبح أحدهما، وسيم الشهير باسم «ويسو» والذي لعب دوره شيكو، مديراً لفندق ناجح في عمله، متزوج من امرأة جميلة يحبها وتحبه ويقدران بعضهما البعض، وأصبح الآخر مدرساً للكمبيوتر بإحدى المدارس الخاصة لا يفعل شيئاً تقريباً في حياته، متزوج من أخت صديقه العصابية عالية الصوت -مظهر الشهير باسم «ماظو» والذي لعب دوره هشام ماجد- ويسكنان معاً في نفس البناية، فجأة يصل كل منهما طرد يحتوي على هاتف ذكي يدعوهما لاستئناف اللعب، لتبدأ أحداث المسلسل.
أثناء اللعب يتعرض كل من ماظو وويسو لاختبارات أخلاقية يجب أن يبديا مصلحتهما الشخصية عليها، ليتمكن الفائز من جمع أكبر نقاط والحصول على الأموال أيضاً، ويسو الشخص الناجح والزوج المحب المتفاني يبدأ في التراجع أخلاقياً بعد رفض لم يدم كثيراً، وماظو المستهتر الفقير الذي يعيش حياة زوجية مزعجة يحاول بكل جهده أن يربح في المراهنات رغم أنها تجبره على التدني الأخلاقي والذي لم يواجه أبداً مشاكل في أن يتجاهلها، فهو في كل الأحوال ليس شخصاً مثالياً في أي شيء.
شيكو وهشام ماجد ثنائي كوميدي ناجح فعلاً، فالكيمياء الواضحة بينهما في الأعمال التي يقدمانها تثبت في كل مرة أنهما لم يخسرا كثيراً بعد انفصال أحمد فهمي عنهما، المسلسل جيد جداً وكوميدي وتمكنت كل الشخصيات من أداء أدوارها بسهولة، عارفة عبد الرسول التي لعبت دور مدام شويكار حماة الثنائي والتي تثبت في كل مشهد لها في أي عمل تشارك فيه أنها ممثلة من الطراز الجيد وأنها تليق في أي قالب توضع فيه وتضيف لأدوارها طعماً خاصاً بها فقط، بصمة تمتلكها وحدها ذات نكهة حريفة تكمل العمل.
محمد ثروت الذي يشعرك في كل مرة أنه لا يمثل وإنما يؤدي جزءاً من حياته الحقيقية، وأحمد فتحي الذي يلمع في كل مرة يقدم فيها عملاً مع الثنائي، وسامي مغاوري الذي استطاع بمشاركة عارفة عبد الرسول في تقديم ثنائي مضحك وجذاب تثبت إفيهاته في عقلك حتى بعد انتهاء المشاهدة، وبالطبع توقيع معتز التوني الذي يعرف كيف يصنع كوميديا جيدة، كل هذا أسهم في صناعة مسلسل كوميدي خفيف جداً يصلح للمشاهدة في نهايات الأيام المزدحمة ويساهم في تخفيف الأحمال عن دماغك لدقائق.
لماذا أحببنا ماظو؟
رغم أن شخصية «ويسو» التي يلعبها شيكو أكثر مثالية ونجاحاً، فإن معظم جمهور المسلسل كان يشجع ماظو، يمكنك أن ترى ذلك في آراء المشاهدين الذين يتبادلون الخبرات عبر الفضاء الإلكتروني ومجموعات مناقشة المسلسلات على وسائل التواصل الاجتماعي، فلماذا يشجع معظم الجمهور ماظو رغم مساوئه؟
ماظو خاسر سيئ كما يقول المصطح الإنجليزي الشهير، شاب فاشل تقريباً في كل شيء، فشل في الحصول على فتاة أحلامه فتزوج امرأة تقهره ويخافها كثيراً، هو أب لا يقوم بواجباته الأبوية نحو ابنه المثالي، ومدرس مادة لا يهتم بها أحد، وفقير أيضاً، وفوق كل ذلك فهو لا يتورع عن فعل أي شيء حتى يتفوق على ويسو ويربح اللعبة، ومع ذلك فهو ذو شخصية جذابة جداً، وهذا شيء يبدو غريباً، ولكن ببعض التفكير يمكنك أن ترى المنطق في تشجيعه.
ماظو رغم كل فشله لا يلعب دور الضحية أبداً، متصالح تماماً مع كونه لا يمتلك أي شيء في الحياة، لا يتباكى ولا ينهار، لا يبتز أي شخص عاطفياً، بل يتناول كل الأمور ببساطة وتطنيش تتمنى لو تمتلك ربعه، لا يشغل باله بأي إنجازات سوى النجاح في اللعب هنا والآن، لا يدعي المثالية ولا يأخذ الأمور على أعصابه، ماظو رغم كل مساوئه يمتلك الروح التي تفتقدها في نفسك، الروح التي لا تعبأ بأي شيء، والتي لا تهتم أصلاً بامتلاك شيء.
يشجع الجمهور ماظو لأنه نجح في أن يحب نفسه رغم أنه بالمقاييس المثالية التي يجبرنا عليها الجميع لا يستحق هذا الحب، ماظو رغم أنه فاشل في كل شيء فإنه ناجح في ألا يأخذ أي شيء على عاتقه رافعاً شعار «سلامتك يا دماغي» دائماً أبداً، ماظو حر، لم يرضخ أبداً لمعايير الصح والخطأ التي يضعها الجميع، هو لا يهتم بأحد أصلاً، ماظو هو النموذج الذي يحذر الجميع أبناءهم وشركاء حياتهم من أن يكونوه رغم أنهم يتمنون لو امتلكوا شيئاً من سلامه النفسي.
اللاوعي الذي يقودنا جميعاً
أنت جزء من هذه الحياة التي يعيشها الجميع، الحياة التي تجبرك على أن تكون متحققاً وناجحاً وسعيداً، أن تكون ويسو الذي يقدره الجميع، ولكنك تتمنى من داخلك لو تتحرر، بشكل غير واع أنت تتوق لحرية ألا تمتلك شيئاً فلا يتملكك أي شيء، ولكن هذا لن يقودك سوى للفشل السريع، عقلك الواعي يعرف أنك لا يجب أن تكون هذا النموذج السيئ، ولكن لا وعيك يتخيل لو كنت حراً، لو وجدت السعادة في ألا تلهث وراءها، لا وعيك يريدك أن ترتاح، ولذلك يقودك نحو التعاطف مع ماظو، الخاسر السيئ الذي لا يمكن أن تكونه في الواقع.
نحن هنا لا نحمل الأشياء أكثر مما تحتمل، ولأنه مسلسل كوميدي ذو فكرة بسيطة جداً لا يجب أن نخلع عليه مآلات عميقة، هذه حقيقة، ولكن ماظو بمقاييس العصر لا يصلح لأن يكون نموذجاً يستحق الدعم، ومع ذلك يدعمه قطاع كبير من المشاهدين، ولذلك نحن نحاول أن نكتشف لماذا.
ماظو هو كل ما لا يجب أن نكونه، ولذلك نحن نشجعه، نمنح الجزء الصغير القابع بداخل أبعد مكان في عقل كل منا فسحة ليتنفس وليتحقق وليسعد، نحن لا يمكننا أن نكون ماظو في الواقع، لن نسمح لأنفسنا أن نكون خاسرين سيئين، ولكننا نشجع هذا الجزء الصغير المستهتر الذي لا يعبأ بالعالم ولا بأحد ليكون ناجحاً لوقت قصير ولمرة واحدة، حتى لو عبر الشاشة، وحتى لو كان هذا في مسلسل كوميدي خفيف.