أن يتوحد الجمهور مع الدراما فهذا شيء معتاد، غالبًا ما يحدث هذا مع المسلسلات الدرامية المليئة بالتراجيديا والمآسي، جرعات من التطهير والبكاء تجعل نصف الجمهور يحصل على السلوى المناسبة عندما «يرى بلاوي الناس فتهون عليه بلوته»، والنصف الآخر يشعر بالمواساة لأن هناك في هذا العالم من يمر بمآسٍ تشبه مآسيه الخاصة، أيضًا يحدث أحيانًا أن يتعلق الجمهور بالدراما الكوميدية، شخوص وأحداث ومواقف يومية تساهم في تخفيف وطأة الحياة شديدة القسوة التي يعيشها الجمهور المصري في حياته اليومية الحقيقية.

 لكن أن يتوحد الجمهور مع مسلسل كوميدي لا يعرض على التلفزيون أصلاً بل يعرض على منصة مدفوعة مما يجعل المشاهد إما يدفع اشتراكًا أو يتعب في الحصول على الحلقات والبحث عنها على الإنترنت مسربة، مسلسل عرض موسمه الأول منذ عام كامل وما زال مع ذلك ساخنًا في الأذهان والكل متحمس لمشاهدته، مسلسل لا يحمل أي مفاجآت من أي نوع حيث إن البلوت الأساسي للأحداث كشف في نهاية الموسم الأول، ومع ذلك يحقق كل هذا النجاح، فتلك حالة استثنائية، وهذا ما فعله مسلسل اللعبة في موسمه الثاني، والذي انتهى عرضه توًا. السؤال هنا: كيف حدث كل هذا؟

لعبة اللعبة

حقق الموسم الأول من مسلسل اللعبة نجاحًا كبيرًا عندما عرض على منصة شاهد المدفوعة خلال العام الفائت، واستكمل نجاحه عندما عرض على شاشات التلفزيون في الموسم الرمضاني في نفس العام بعد عرضه الأول بشهور، وأصبحت شخصيتا ماظو وويسو من الشخصيات الكوميدية المفضلة لقطاع كبير من الجمهور، يستخدم إفيهاتهما ويسترجع قفشاتهما وينتظر رؤيتهما مرة أخرى على الشاشة.

في هذا الموسم استكمل المسلسل نجاحه، ومع بدء عرض الموسم الثاني للمسلسل اشتعل حماس الجمهور مرة أخرى، ولكن بكثير من الحميمية، فبعد أن كانت ردود الأفعال في الموسم الأول تشيد بالكوميديا مع كثير من التساؤلات حول ماهية اللعبة، وما الذي يحدث بالضبط، ومن هو الشخص الذي يحرك الأحداث، واستعجال المشاهدين في الكشف عن هذه الأسرار جنبًا إلى جنب مع استمتاعهم بالحلقات، أصبح حماس الجمهور هذه المرة تجاه الكوميديا في حد ذاتها، فالحبكة الأساسية أصبحت معروفة، ولم يعد هناك أي ألغاز تنتظر الكشف عنها، فأصبح الجمهور يشاهد المسلسل من أجل الكوميديا فقط.

مع تقدم الحلقات تصبح نقاشات الجمهور على منصات التواصل الاجتماعي متمحورة أكثر حول جودة الضحك في حد ذاته، وتعليق متكرر من المشاهدين أنهم يتمنون لو استمرت مواسم المسلسل إلى ما لا نهاية مثل لعبة كاندي كراش التي لا تنتهي، معظم التعليقات تدور حول كيف أصبح فريقا اللعبة بقيادة ماظو وويسو أصدقاء للمشاهد، وأن وجودهما في نهاية كل يوم يخفف حدة الأيام وينهيها ببهجة هادئة متوقعة ولا تتعب العقل بالكثير من التحليل.

الذكاء أهم عوامل الكوميديا

هشام ماجد وشيكو من أذكى الكوميديانات الموجودين على الساحة، هذه حقيقة واقعة يثبتها الثنائي في كل عمل جديد لهم والذي كان في أوجه وظهر جليًا في موسمي المسلسل، الأفكار التي غالبًا ما تكون جديدة، التنفيذ البسيط الخالي من محاولات افتعال إبهار لا وجود له، معتز التوني كمخرج، الكيمياء الواضحة التي لا يمكن للعين أن تخطئها بين هشام ماجد وشيكو والذكاء، الذكاء الذي من دونه تصبح الكوميديا سخيفة جدًا ومبتذلة وباعثة على السخرية، الذكاء في الكتابة والذكاء في الأداء، الإفيه الذكي يستحق التقدير أكثر من الإفيه المضحك، والكوميديان الذكي يحقق نجاحًا أشمل وأرفع من الكوميديان الأراجوز.

كان أحد إفيهات الموسم الأول من المسلسل هو تبادل وسيم وإسراء كلمة «حبو» بدلاً من حبيبي، أيضًا كان أحد إفيهاتهما أن يفصلا بين علاقتهما في العمل وعلاقتهما في المنزل، كان أمام الموسم الثاني خيار من اثنين، إما أن يستمر وسيم وإسراء في استخدام نفس الإفيهات، وقتها لن يضحك الجمهور بنفس حماسهم عندما تلقوا الإفيه أول مرة في الموسم الأول، أو أن يخففوا من استخدامه كي لا «يحلبوه»، هنا تظهر قيمة الذكاء الحقيقية، اختار صناع المسلسل أن يستمر إسراء ووسيم في إلقاء الإفيه، وفي كل مرة تقريبًا يقال فيها الإفيه يقوم أحد الشخصيات بالسخرية منه على أنه إفيه مكرر، فيشعر المشاهد أن هناك من يفهمه ويقدّر ذوقه، ويحترم عقله، هنا أنت قدمت الإفيه المضحك المكرر، وقدمت للمشاهد مبررًا ليضحك منه مرة أخرى، ذكاء حقيقي يجب تقديره.

أيضًا وجود رانيا يوسف في هذا الموسم كان يمكن أن يضر المسلسل بشكل كبير، في الحلقات الأولى التي ظهرت فيها رانيا يوسف تخوف معظم المشاهدين من كونها «محشورة» ضمن الأحداث كي يضمن صناع المسلسل مشاهدات جيدة، فرانيا يوسف دائمًا تريند لأسباب مختلفة تمامًا عن كونها ممثلة جيدة أو كوميديانة يعتمد عليها، ولكن صناع المسلسل كانوا بالذكاء الكافي ليجعلوا وجودها خفيفًا، فلم يعتمدوا عليها لرفع المسلسل بإمكانياتها غير التمثيلية، وكان ظهورها قليلاً نسبيًا، وكان الجميع تقريبًا -كشخصيات في المسلسل- يتمنون رحيل شخصيتها، وبالتالي ظل الفريق الأساسي للعمل هو النجم، وجاءت رانيا يوسف لتساعد ووظف دورها كمساعدة بذكاء شديد يحسب لصناع العمل.

كلمة السر: معتز التوني

المخرج معتز التوني هو كلمة سر الكوميديا في السنوات الأخيرة، كوميديان حقيقي بغض النظر عن شخصيته كمخرج، هو يعرف ما هو الضحك وكيف يستخرجه، ولماذا يضحك المصريون، الأعمال المختومة بختم معتز التوني غالبًا ما تستحق المشاهدة، بخاصة في الدراما التلفزيونية، نتذكر هنا مسلسل لهفة على سبيل المثال.

أما بالنسبة لتعاون معتز التوني مع شيكو وهشام ماجد فقد بدأ منذ كان الثنائي ثلاثيًا مع أحمد فهمي، ففيلم سمير وشهير وبهير ما زال الثلاثي يعرفون بأسمائهم حتى الآن، وفي مسلسل اللعبة في موسميه انتقل معتز التوني مع الثنائي هشام وشيكو إلى ليفل الوحش في الكوميديا.

غالبًا ما يظهر معتز التوني ظهورًا عزيزًا وقصيرًا على الشاشة في الأعمال التي يخرجها، هنا يمكنك أن تستشف شخصيته، هلاس ذكي، وكوميديان واسع الأفق، مع ذكاء هشام وماجد وبساطة الموضوع الذي يدور حوله المسلسل بموسميه، كل ذلك صنع حالة تستحق المشاهدة.

اهتم معتز التوني بإخراج المسلسل ويمكنك أن تستدل على ذلك في كل المشاهد التي احتاجت خدعًا وجرافيك، الديكورات كانت جيدة جدًا، وتصوير المشاهد التي يغني فيها سعدون/أحمد فتحي كانت في حد ذاتها مادة كوميدية مصنوعة بحرفية وذكاء، حتى الحلقة التي ظهر فيها معتز التوني مشاركًا في التمثيل كانت إضافة لكوميديا المسلسل، بصمة معتز التوني كمخرج متميز واضحة على كل جوانب العمل، فهو يحترف صنعة الإخراج بشكل عام بعيدًا عن الكوميديا وله أفلام كجحيم في الهند وكابتن مصر اللذين حققا نجاحًا جماهيريًا كبيرًا أيضًا، لذلك فالتوني بعيد عن كونه كوميديانًا أصيلًا فهو مخرج محترف يجيد عمله.

بشكل عام فمسلسل اللعبة من أفضل الأعمال الكوميدية التي أنتجت، أخيرًا، ليس لأن الحدوتة التي يرويها العمل مختلفة وجديدة، ولا لأن أبطال العمل نجوم شباك يحملون نصف مخزون الوسامة في السوق المصري، ولا لأن الأحداث أو الفكرة العامة مقتبسة أو مستوحاة من عمل أجنبي حقق نجاحًا ساحقًا، ولكن لأن المسلسل بسيط جدًا وذكي جدًا، جدًا.