نظام التعليم بتاعنا وصل لمرحلة زي العمارة القديمة، عاوزين نهدها، ونبني عمارة جديدة، والإصلاح يتطلب تغيير المنظومة بالكامل؛ لأن مستوى التعليم غير مُرضٍ، وهناك تشوهات كثيرة، بسبب تعدد أشكال التعليم، بالإضافة إلى ضعف الهوية والانتماء واللغة، والمهارات الحياتية، وسوء مستوى الخريجين، ولأننا نتطلع إلى مناخ تعليمي جيد يمكّن الطالب من إحداث نهضة في البلاد، لذلك تم حل هذه المشكلات ببناء نظام جديد.

بهذه العبارات تحدث وزير التربية والتعليم «طارق شوقي» في مؤتمر إعلامي، ليعلن عن نظام تعليمي جديد، أو ما عُرف إعلامياً بـ «تعريب المناهج».

وبغض النظر عن صحة التسمية أو خطئها، فإن الأمر قد أثار جدلاً كبيراً في المجتمع؛ نظراً للأمور المبهمة، والخطط غير مضمونة النتائج التي أعلن عنها الوزير، وهي أمور معهودة بالنسبة لشوقي، الذي لا يفتأ يثير الجدل بتصريحاته ومغامراته التعليمية التي لم يشعر أفراد العملية التعليمية بأي نتائج ملموسة لها حتى الآن، منذ توليه الوزارة، من حوالي 15 شهراً، حينما أعلن مراراً وتكراراً عن إصلاح منظومة التعليم، وبشّر كثيراً بنظام تعليمي يقود مصر إلى قمة التصنيف العالمي.

ملامح النظام التعليمي الجديد
ملامح النظام التعليمي الجديد 2

النظام الجديد

مفيش حاجة في النظام الجديد اسمها نجاح ورسوب، ولا في حاجة اسمها الأول والأخير، ونحاول أن نتجرد من ثقافة الامتحانات، إلى ثقافة التقييم المستمر، حتى لا يرهب الطلاب التعليم، ولا توجد مدارس لغات في دولة تبحث عن هوية.

تصريح طارق شوقي، وزير التربية والتعليم.

أعلن السيد الوزير عن إطار عام يستهدف حل كافة مشكلات التعليم، من خلال نظام تعليمي جديد، بجودة تُطابِق المعايير العالمية، يتضمن إطاراً متكاملاً لمناهج مصرية جديدة، تقضي على الحفظ والتلقين، وتنهي ظاهرتي الغش والدروس الخصوصية، وتكون فيها اللغة العربية هي اللغة الأصلية للمناهج في أول 6 سنوات للتعليم، ليتم تدريسها كتابة وقراءة، بالتوازي مع اللغة الإنجليزية، ثم يبدأ تدريس العلوم والرياضيات بالإنجليزية من الصف الأول الإعدادي، إلى جانب إضافة لغة أجنبية أخرى، حتى ينهي الطلاب مرحلة التعليم قبل الجامعي وهم متمكنون من لغتهم وهويتهم، ومتقنون للغتين أخريين.

ويتضمن المنهج الجديد مقررات دراسية مُدمجة في صورة باقة متعددة التخصصات في المرحلة الابتدائية، فلن يكون هناك كتاب لكل مادة، بل وحدات متعددة التخصصات والموضوعات، لذلك لا يمكن ترجمة العلوم والرياضيات كما كان في النظام القديم (اللغات)؛ لأن هذه المواد تم تضفيرها داخل الباقة متعددة التخصصات مع علوم أخرى، والخيار الوحيد هو ترجمة الباقة بأكملها، حينها ستعتبر اللغة العربية هي المادة المنفصلة، وفي هذه الحالة يتم تثبيت اللغة الأجنبية عند الطفل على أنها اللغة الأم، وهو ما يؤدي إلى فقدان كفاءة تعلم اللغة العربية، وفقدان الهوية والانتماء، على حسب تصريحات الوزير.

وأعلن الوزير أن النظام الجديد يمكّن الدولة من تقديم تعليم بمعايير عالمية، مع التمسك ببناء شخصية سوية ذات هوية؛ وذلك يجعل المدارس الحكومية المجانية ذات مستوى عالمي، ولا يدفعنا لأنواع أخرى من التعليم، اضطررنا إليها عندما كان التعليم الحكومي المجاني لا يقدم الجودة المرجوة.

تصريحات وزير التعليم حول النظام الجديد
تصريحات وزير التعليم حول النظام الجديد 2

تطبيق النظام الجديد

أكد الوزير أن النظام الجديد سيُطبق على كل المدارس الحكومية: العربية، والتجريبية، واليابانية، وتُستثنى منه المدارس الدولية، والقومية، والخاصة لغات، مع تطبيقه بداية من العام الدراسي (2018/ 2019) على كل مدارس الحكومة عدا التجريبية، التي تحصل على مهلة حتى العام الدراسي التالي (2019/ 2020)، وحينها ستصبح مدارس مميزة من حيث الكثافات والإمكانيات، بحيث تقل كثافة الفصل بها عن المدارس الحكومية العادية، وتحتوي على معامل أكثر، وتضم معلمين مدربين.

وبالتوازي مع ذلك أعلن الوزير عن تطوير النظام الحالي ليتماشى مع الجديد، وذلك بتطبيق نظام الثانوية التراكمية على الطلاب الذين سيحصلون على الشهادة الإعدادية العام الجاري، وهو نظام تراكمي على مدار 3 سنوات، يخضع فيه الطالب لعدة اختبارات تصل إلى 12 اختباراً، يتم احتساب أعلى 6 نتائج منها، وذلك بنظام معين لحساب أعلى الدرجات، اعتماداً على بنك أسئلة متجدد دائماً، وجهاز (تابلت) يظل مع الطالب طوال سنوات الدراسة، ويأتي هذا النظام بديلاً عن الثانوية العامة المعمول بها حالياً.


قرارات عشوائية

يمكن أن نضم هذا النظام الجديد إلى القرارت غير المدروسة، وغير مضمونة النتائج، والتي يمكن أن تكون عنوان الوزارة في عهد طارق شوقي، الذي اتخذ من قبل قراراً بإلغاء «اعتبار الصف السادس الابتدائي شهادة»، دون تغيير أي شيء فيما يخص المناهج، وطرق التدريس، والامتحانات، والتصحيح خارج المدارس، وهو ما بدا قراراً شكلياً.

وليس ببعيد العهد قرار إنشاء المدارس اليابانية التي أعلن عنها الوزير بمنتهى الحماسة، ثم بدأت الدراسة، ليعلن الوزير بعدها توقف العمل بها، واعتبار كل ما تم كأن لم يكن، وذلك بعد مرور أسبوع من بدء الدراسة بها، وكذلك قرار إلغاء امتحان (الميد تيرم) الذي تسبب في تراكم المناهج الدراسية، مما أجبر الوزارة على حذف أجزاء من المناهج التعليمية، دون مراعاة للمهارات والمعارف التي كان سيحصل عليها الطلاب من هذه الدروس. إذن الأمر ليس بجديد على الوزارة والوزير!

إلى جانب ذلك فإن تصريحات الوزير من عينة «اللي عايز يدرس بالفرنساوي يروح يعيش في فرنسا، والمنهج بفلوس، وترجمته للمدارس الحكومية تكلفتها عالية»، تدل على لغة متعالية من وزير يُفترض أنه يتعامل مع تعليم متدنٍ في دولة فقيرة، وتدفع باتجاه التعليم المدفوع، في ظل ما يعانيه المواطنون من أزمات اقتصادية ومعيشية، لكنها لهجة ليست جديدة على طارق شوقي الذي أعلن منذ توليه المسئولية أن التعليم «مش ببلاش».

النظام التعليمي الجديد

نظام مبهم بلا ضمانات وبلا أوراق رسمية

نظراً لعدم وجود ضمانات واقعية لنجاح النظام التعليمي الجديد، فإن النتيجة ستظل معلقة على التجربة، وقد ينجح أو يفشل، وهو ما يدفع الكثيرين إلى التخوف من النتائج في حال الفشل؛ إذ لم تقدم الوزارة أي خطط بديلة أو إجراءات وقائية في حال الفشل، والذي سيؤدي إلى مزيد من التخبط والعبث بمقدرات أجيال تعليمية قادمة.

بالنسبة للاختبارت، فقد أعلن الوزير أنه لن تكون هناك اختبارات في النظام الجديد بمرحلة رياض الأطفال، وللصفوف الأول والثاني والثالث الابتدائي، وسيكون التقييم من خلال أنشطة وتطبيقات تقيس مهارات الفهم والاستيعاب، وهو أمر فضفاض ومبهم؛ إذ لم يتم تحديد تلك الآلية أو نوعية الأنشطة أو الإعلان عن توافر أدوات القياس، مما يثير المخاوف من التلاعب في النتائج، أو الإهمال في الأداء، وهو ما لم تضمن الوزارة عدم حدوثه في ظل قلة إمكانيات المدارس، وضعف مستوى المعلمين، والكثافة الطلابية التي قد تعوق أو تمنع إجراء الاختبارات بصورة جيدة.

وفيما يخص الصفوف الأعلى فإن الوزير أعلن عن اختبارات للصف الرابع الابتدائي، ليست بهدف الحصول على درجات بل لمعرفة مستوى الطالب، وهي أيضاً آلية مبهمة وغير محددة، إلى جانب النظام التراكمي المزمع تنفيذه بالمرحلة الثانوية العام المقبل، والذي يصيبه أيضاً الإبهام وعدم الوضوح، فضلاً عن افتقار الضمانات والآليات اللازمة لتحقيقه.

حديث الوزير عن الاستفادة من قرض البنك الدولي لدعم التعليم يثير العديد من المخاوف؛ إذ لم يجد المواطنون نتائج ملموسة لقروض البنك الدولي، إلا تلك المتمثلة في إجراءات التقشف وارتفاع الأسعار بصورة مستمرة مع كل مرحلة من مراحل المراجعة، لتنفيذ الاشتراطات المصاحبة لدفعات القرض، وهو أمر ينذر بخطر على التعليم إذا تعرض لنفس الطريقة، ووصل إلى نفس النتائج.

لم يصدر النظام الجديد في شكل وثيقة رسمية، أو قرارات، وهو ما يثير التساؤلات الكثيرة حول التطبيق والإمكانيات اللازم توافرها، ويجعل الأمر يبدو كمجموعة من الإجراءات المتناثرة، أو المشروعات التي لا ترقى إلى أن تكون خطة ورؤية كما أعلن الوزير.


خدعوك فقالوا: اللغة الأم

عيب أوي إنه في جمهورية مصر العربية، وزير التربية والتعليم يُتهم بالتعريب، أنا مش بشتغل في إسرائيل.
تصريح طارق شوقي، وزير التربية والتعليم.

أكد الوزير أن خبراء اللغويات أجمعوا على أن تثبيت اللغة الأم يستوجب أن تكون المناهج باللغة العربية، وهو أمر صحيح، لكن البعض تحفظ على ذلك بدافع أن مناهج اللغة العربية بالمدارس لا تجعل الطالب قادراً على إدراك وإتقان اللغة العربية قراءة وكتابة وتعبيراً، وهو ما يدفع الطالب بعيداً عن لغته الأساسية، وإذا تم تدريس المناهج باللغة العربية بنفس طريقة ومحتوى المناهج الحالية فقد يعود الأمر بالضرر على بقية المواد، وليس اللغة العربية وحدها.

وإذا كان الطلاب يعانون من ضعف اللغة العربية، فهذا يمكن إصلاحه بتحسين مناهجها وطرق تدريسها، وربطها بالواقع، وإذا أرادت الوزارة ترسيخ الهوية والانتماء بجعل الدراسة باللغة العربية، فلماذا تم استثناء المدارس الدولية، والخاصة للغات، من النظام الجديد؟ ألا تضم طلاباً مصريين يحتاجون إلى تنمية الهوية لديهم؟ خاصة أن طلاب المدارس الدولية يظهر جلياً ضعف اللغة الأم لديهم، والانتماء لهوية الدولة التي تتبعها المدرسة، أليسوا هم أولى بإجادة اللغة العربية والهوية من طلاب المدارس الحكومية؟

تعليم اللغات للأطفال لا يدخل ضمن الترفيه أو التباهي كما أعلن الوزير، كما أن قضية «اللغة الأم» تتعارض مع متطلبات سوق العمل الذي يحتاج إلى إجادة الخريج للغات؛ ليتمكن من الحصول على فرصة عمل جيدة داخل مصر أو خارجها، ومن ثَمَّ فحصول الطالب على أكثر من لغة، يُمكَّنه من المنافسة في سوق العمل المحلية والدولية، وفي حين أن دراسة الطالب للغات لمدة 14 عاماً في مراحل التعليم قبل الجامعي لا تمكنه من اللغات بصورة جيدة، فهل تكون 6 سنوات فقط كافية لذلك؟


المعلمون والطلاب: 12 عاماً عجافاً

تناقضات النظام التعليمي الجديد

فيما يخص المعلمين، والذين تعلن الوزارة دائماً أنهم عصب العملية التعليمية، فإن الوزير أعلن عن مفاوضات مع لجنة الموازنة والخطة لتحسين ورفع المستوى المادي للمعلمين، لكن دون نتيجة، واستمر في التأكيد على منح المعلمين أفضل خدمة تدريبية، وهو ما لم يأت بثماره منذ أُعلن عن بداية برامج تدريب المعلمين، ومشروع (المعلمون أولاً)، منذ نحو عامين، إذ لا تزال الشكاوى من المعلمين بصورة شبه يومية في أنظمة التعليم المختلفة، ولا تزال شكاوى المعلمين من ضعف مستواهم العلمي والمادي.

حوالي مليون و300 ألف طالب وطالبة بالمدارس الحكومية حالياً لن يتم تطبيق النظام عليهم؛ لأنه سيطبق على نحو 2.5 مليون طفل يلتحقون بالتعليم العام المقبل، لتتخرج أول دفعة بالنظام الجديد عام 2030، وهو ما يعني أن 12 دفعة ستتخرج بالنظام القديم البالي، مع بعض محاولات التغيير، أو بمعنى أدق الترقيع الذي تقوم بها الوزارة في المناهج والعملية التعليمية؛ لأن المخصصات المالية، وعلى رأسها قرض البنك الدولي، لن تنفق على الدفعات التي ستدرس بالنظام القديم، وهذا يعني كارثة تعليمية ومجتمعية مستمرة لـ 12 عاماً قادماً، فالدفعات غير مواكبة للتطور، وخضعت لعمليات متتالية من التغييرات والإحلالات المنهجية التي ستزيد اضطرابهم، وتجعلهم أجيالاً بلا هوية، فبماذا يبشرنا الوزير إذن؟ في ظل 12 عاماً عجافاً، على أمل التغيير بعدها.

كان النداء المتواصل لإصلاح التعليم هو تعديل المناهج، وطرق التدريس، وتحسين أدوات التعليم، ومفرداته، ومكوناته؛ لتحسين مخرجاته، ولم تلق هذه النداءات المتواصلة أي صدى لدى المسئولين عن التعليم إلا بالحديث عن نظام جديد يفتقد لضمانات تحقيق النجاح، والخطط البديلة، والآليات الواقعية القائمة على دراسة الواقع والإمكانات المتاحة.