القصة الكاملة وراء هاشتاج ديزني بالمصري
كما النار في الهشيم، انتشر هاشتاج#ديزني_لازم_ترجع_مصري على مواقع التواصل الاجتماعي خلال اليومين الفائتين، والذي جمع في أول أيامه أكثر من عشرين ألف تغريدة على موقع «تويتر» فقط ثم تحول إلى هاشتاج #ديزني_بالمصري، وذلك في إطار حملة تطالب بعودة الدبلجة باللهجة المصرية إلى أفلام ديزني. وقد دعم هذه الحملة عدد من النجوم من بينهم باسم يوسف ومحمد هنيدي. ولكن من أين كانت البداية؟، وما هو التطور الذي دفع بهذه القضية إلى السطح وإلى الحد الذي يجعلها تتصدر مؤشرات التداول على مواقع التواصل الاجتماعي في أكثر من دولة عربية؟، سيقوم هذا التقرير بتتبع القضية منذ البداية.
البداية
لم يكن تصدّر هاشتاج #ديزني_بالمصري لمؤشرات مواقع التواصل الاجتماعي إلا مجرد تطور جديد لقضية الدبلجة المصرية لأفلام ديزني، فالقضية يتم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي منذ أربع سنوات، تخبو طويلًا، ثم تعود إلى السطح مرة أخرى بفعل باعث ما، غير أن هذه المرة كانت الأكثر رواجًا وتأثيرًا.
بدأت الموجة الأخيرة صباح الخميس 7 إبريل بتغريدة لحساب «أخبار الأنيميشين»، لاستطلاع آراء متابعيه بشأن دبلجة أفلام ديزني باللغة العربية الفصيحة، وتم تذييل هذه التغريدة بهاشتاج #ديزني_لازم_ترجع_مصري. وما حدث بعد ذلك لم يكن أكثر من «تأثير الدومنيو» حيث تم تداول الهاشتاج على نطاق واسع من متابعي حساب «أخبار الأنيميشن» الذي يناهز عددهم 25 ألفًا، ولم يلبث بعدها أن تصدر مؤشرات التداول بالمواقع الاجتماعية، ومن ثم ثارت المناقشات حول قرار شركة ديزني باختيار الفصحى لدبلجة أفلامها بدلًا من العامية المصرية، وبدأ المتابعون في استدعاء ذكرياتهم مع أشهر أفلام ديزني، وشخصياتها المحبوبة التي قام بدبلجة أصواتها نخبة من أكبر الفنانين المصريين أمثال محمد هنيدي، وعبلة كامل، ويحيى الفخراني، وعبد الرحمن أبو زهرة، وغيرهم من الأصوات التي ارتبط بها أشهر رسوم ديزني المتحركة.
وترجع البداية الأولى لهذه الحملة إلى أربعة أعوام مضت عندما قامت صفحة «ديزني بالعربي» على موقع «فيس بوك» بدعوة متابعيها إلى توقيع عريضة إلكترونية لمطالبة شركة ديزني العالمية بإلغاء قرارها بشأن الدبلجة باللغة العربية الفصحى، وذلك بعد أن تم الإعلان عن أن دبلجة فيلم «Brave» والمعروف عربيًّا باسم «أسطورة مريدا»، ستكون بالفصحى بدلًا من العامية المصرية. غير أن هذه الموجة لم تؤتِ ثمارها، حيث ظهرت النسخة المدبلجة من الفيلم بالعربية الفصيحة، وأعقبتها العديد من النسخ لأفلام أخرى مثل “طائرات” و”جامعة المرعبين”.
ثم كانت الموجة الثانية في عام 2014، هذه المرة مع هاشتاج #أنقذوا_ديزني، وذلك تزامنًا مع ظهور النسخة المدبلجة من فيلم Frozen والمعروف عربيًّا باسم “ملكة الثلج”؛ واحد من أشهر أفلام ديزني وأكثرها ربحية على الإطلاق. وقد أثارت النسخة المدبلجة استياء قاعدة كبيرة من متابعي ومحبي أفلام الرسوم المتحركة وذلك لدبلجتها بالفصحى. كتبت «زينب مبارك»، أحد أشهر المترجمين المتخصصين في الدبلجة، أن شركة ديزني طلبت إعادة دبلجة حوارات وأغاني قديمة وكتابتها بالفصحى بدلًا من العامية المصرية، وترى زينب أن السبب وراء هذا القرار قد يرجع إلى شراء قناة الجزيرة للأطفال لحقوق البث لأغلب برامج وأفلام ديزني، وكان هذا أحد الأسباب التي تم تداولها في الموجة الأخيرة التي انطلقت في الأيام القليلة الماضية.
البداية الحقيقية
بدأت ديزني دبلجة أفلامها إلى العربية في منتصف السبعينيات وذلك بدبلجة فيلم «سنو وايت والأقزام السبعة» من إنتاج عام 1937، ثم توالت الأعمال المدبلجة بالفصحى خلال السنوات التالية في مصر ولبنان، وذلك بإشراف مباشر من Disney Character Voices International، وهو أحد أقسام شركة «ديزني» العالمية والمختص بمتابعة أعمال الدبلجة لأفلام ديزني على مستوى العالم.
ثم كانت تجربة الدبلجة بالعامية المصرية مع الفيلم الشهير «الأسد الملك» عام 1994 والتي لاقت نجاحًا كبيرًا، حتى أن الفنان محمد هنيدي كتب في إحدى تغريداته أن شركة ديزني أرسلت رسالة شكر خاصة للمخرج «سمير حبيب» نظرًا للنجاح غير المتوقع للنسخة المدبلجة، ومن بعدها توالت الأعمال المدبلجة بالعامية المصرية، من بينها مسلسل «تيمون وبومبة»، وأفلام «شركة المرعبين المحدودة»، و«حياة حشرة»، و«حكاية لعبة»، و«فوق»، وغيرها من الأعمال التي قام بالأداء الصوتي لها أكبر النجوم المصريين والتي لاقت نجاحًا كبيرًا في مصر والوطن العربي، وكان آخر هذه الأفلام هو فيلم «ويني الدبدوب» من إنتاج عام 2011. بعدها اتجهت ديزني إلى الدبلجة باللغة العربية الفصيحة، بل إنها ذهبت لأبعد من ذلك وقامت بإنتاج نسخ مدبلجة بالفصحى لأفلام سبق دبلجتها بالعامية، أفلام مثل «الملك الأسد» بأجزائه الثلاثة، و«شركة المرعبين المحدودة»، و«خلطبيطة»، و«سيارات» وغيرها من الأفلام، وهو ما مثّل البداية الحقيقية لحملة #ديزني_بالمصري.
قرار ديزني الغامض
حتى الآن لا يوجد تفسير واضح لهذا القرار الغامض الذي اتخذته شركة ديزني بالتحول من الدبلجة بالعامية المصرية إلى العربية الفصيحة، كما أن الشركة لم تخرج بأي تصريح رسمي بهذا الخصوص، ولم تجد هذه الحملة أي صدى في الإعلام الغربي على الرغم من الانتشار الواسع لموجتها الأخيرة.
وقد تداول المتابعون على المواقع الاجتماعية عددًا من الأسباب في محاولة لإزالة الغموض عن هذا القرار الغريب، من بينها شراء قناة «الجزيرة للأطفال» لحقوق البث لأغلب برامج وأفلام ديزني، كنوع من أنواع الاحتكار على طريقة قناة الجزيرة الرياضية، وأن قناة الجزيرة اشترطت أن تكون دبلجة هذه المواد الفلمية باللغة العربية الفصحى، وهو ما يؤكده أحد المنشورات على الموقع الإلكتروني لقناة الجزيرة للأطفال والذي جاء فيه “نعمل أيضًا، من خلال المحتوى الذي نقدمه، على تطوير لغة الطفل ومهاراته وتشجيع استخدام اللغة العربية الفصحى الحديثة والمبسطة”.
وقد ذهب رواد الهاشتاج على المواقع الاجتماعية إلى أن شركة ديزني استبدلت الشركة المصرية التي تقوم بالدبلجة، بأخرى إماراتية، أو لبنانية. وهذه المعلومة غير صحيحة بالمرة، فشركة ديزني تشرف على عمليات الدبلجة من خلال أحد أقسامها الرئيسية وهو Disney Character Voices International، كما أنها تتعامل مع عديد من شركات الترجمة والدبلجة في مصر ولبنان من بينهم شركات «سوبر إم»، «راكتي»، «إيمدج بروداكشن هاوس» وكلها شركات لبنانية، وشركة «مصرية ميديا» وهي شركة مصرية تم تأسيسها في عام 1999.
وكانت ديزني قد أسندت عددًا من أعمالها القادمة إلى شركة “إيمدج بروداكشن هاوس” اللبنانية؛ ما دفع بالبعض إلى القول بأن هذا هو السبب الرئيس وراء الاتجاه إلى الفصحى، وهذا أيضًا استنتاج غير صحيح؛ حيث أن ديزني تعاقدت كذلك مع شركة “مصرية ميديا” في 2015 لدبلجة أحدث أفلامها «الديناصور اللطيف» و«زوتروبوليس»، غير أن الترجمة ستكون بالفصحى وليست العامية المصرية. ويذكر أنها ليست المرة الأولى التي تقوم فيها شركة «مصرية ميديا» بالدبلجة إلى الفصحى، فقد سبق أن دبلجت أفلامًا مثل «الأسد الملك» في جزئه الثالث، وسلسلة أفلام «طرزان»، وفيلم «ملكة الثلج» الذي ثارت بسببه الموجة الثانية من هذه الحملة، حتى أن فيلم “ويني الدبدوب” آخر الأفلام التي تمت دبلجتها إلى العامية المصرية، قامت الشركة بإنتاج نسخة أخرى منه بالفصحى بناءً على طلب شركة ديزني.
ثنائية العامية والفصحى
فجّر الهاشتاج ذلك الجدال القديم الجديد حول ثنائية الفصحى والعامية، وخاصة العامية المصرية، وعكس خلافًا كبيرًا وحقيقيًّا بين محبي الرسوم المتحركة وأفلام ديزني من الكبار والصغار. فالبعض يرى أن العامية هي اللغة الأسهل والأكثر ملاءمة لمثل هذه الأعمال وخاصة أنها تستهدف الأطفال في المقام الأول، والبعض الآخر يرى أن الفصحى يجب أن يكون لها الأولوية حتى ينشأ الأطفال على اللغة الصحيحة، ولحمايتها من الأثر السلبي للعامية.
ولكن تبدو الأزمة الحقيقية في ذلك الانقطاع الذي تحدثه عملية الدبلجة بالفصحى عن التجربة السابقة والناجحة للدبلجة بالعامية المصرية، فأكبر مخاوف جمهور العامية هو كيف سيتلقّون الأجزاء التالية من أفلام ديزني بالفصحى بعد أن درجوا على شخصياتها المتكلمة بالعامية المصرية؟، أحد أقرب هذه النماذج هو فيلم “البحث عن ضوري” المقرر طرحه بدور العرض في يونيو من العام الجاري والذي يعتبر الجزء الثاني من الفيلم الناجح «البحث عن نيمو» والذي تمت دبلجته بالعامية المصرية، وقامت الفنانة عبلة كامل بالأداء الصوتي لشخصية «ضوري»، فكيف سيطرح الجزء الثاني شخصية ضوري بصوت آخر؟.
الدكتور إلياس موحنا، أستاذ الأدب المقارن بجامعة براون، له العديد من الأبحاث عن الثقافة المعاصرة في الشرق الأوسط، وهو أحد المهتمين بقضية الدبلجة العربية لأفلام ديزني، يعتبر قرار شركة ديزني شديد الغموض، ومن جانبه يفضّل العامية المصرية على الفصحى ويرى أنها كانت الاختيار الأنجح في التجارب السابقة، حيث أن الدبلجة ليست مجرد ترجمة، ولكنها عملية معقدة لابد أن تحيط بالكثير من الاعتبارات حيث يراعَى فيها لغة الجسد، ومدى ملاءمة الكلمات المترجمة لحركة فم الشخصيات باللغة الأصلية، ويجب أن تكون أغانيها مقفّاة، كما يجب أن تكون نكاتها مضحكة، والأهم من ذلك يجب أن تكون مرجعياتها الثقافية مفهومة للجمهور الأجنبي، ولذلك فهو يصف الدبلجة بكونها “عملية ترجمة رباعية الأبعاد”.وعن تفسيره لهذا القرار الغامض، يقول موحنا “إن الشرق الأوسط لم يعد يعيش حالة الأحادية القطبية على المستوي الثقافي كما كان الوضع منذ 30 أو 40 عامًا، وعليه فربما لم يعد المشاهدون يألفون العامية المصرية كما كان الوضع في السابق”، وهو ما يطرح التساؤل الأهم والأبرز وراء ظاهرة هاشتاج #ديزني_بالمصري؛ هل هناك علاقة بين تراجع الهيمنة الثقافية لمصر وبين الاتجاه لدبلجة أفلام ديزني بالفصحى بديلا للعامية المصرية؟.