أمن الدولة: القصة الكاملة وراء استيلاء بن سلمان على الحكم
خيمت التبريرات المختلفة على أجواء وصول محمد بن سلمان إلى سدة الحكم في المملكة العربية السعودية، وكان أبرزها اتهام محمد بن نايف بإدمانه للمخدرات وتصويره كرجل ضعيف ذهب عقله،كما جاء في صحيقة النيويورك.
وبعد إعلان إنشاء جهاز أمن الدولة في المملكة العربية السعودية يكاد يتضح ما تعرض له الأمير محمد بن نايف ولي العهد ووزير الخارجية الأسبق من مؤامرة من رجالة ومن عمل يوماً تحت إدارته، وصفقات سياسية للإطاحة به وتجريده من مناصبه من أجل وصول محمد بن سلمان لسدة الحكم؛ والتي تضمنت شخصيات من المحسوبين على نظام بن نايف.
اقرأ أيضاً:محمد بن سلمان والصراع على السلطة في السعودية
الجهاز الأهم في المملكة
على خُطى الدولة المصرية تسير المملكة العربية السعودية منشئةً جهاز أمن الدولة، أمس الخميس، بأمر ملكي، معلنةً بذلك مرحلة جديدة في تاريخ المملكة علي يد محمد بن سلمان، ذلك الجهاز الذي عين فيه عبد العزيز الهويريني رئيسًا بمرتبة وزير، والذي أصبح عضوًا في مجلس الشئون السياسية والأمنية الذي يرأسه محمد بن سلمان، والذي يكون تابعًا للملك ويتلقى أوامره مباشرة منه.
والذي يكون من اختصاصاته محاربة الإرهاب والتواصل مع الأجهزة المشابهة خارجيًّا، والذي سينعكس بالضرورة على المشهد الإقليمي الدائر في منطقة الشرق الأوسط، وخصوصًا قضيتي سوريا وليبيا. ويأتي هذا القرار كنتاج لرؤية الأمير نايف المتوفى، والذي عُزل ولده من ولاية العهد ووزارة الداخلية وعُين محمد بن سلمان خلفًا له.
يأتي ذلك خلال رسم المشهد السياسي للمملكة بتولي محمد بن سلمان سدة الحكم، فيعيد الهيكلة التنظيمية لجهاز الداخلية ويجرد الجهاز أكثر من صلاحياته. ويكرس السلطات بيد بن سلمان ليجعل محاولة الانقلاب عليه من داخل العائلة المالكة صعبة. خصوصاً أن متعب بن عبد العزيز ومقرن بن عبد العزيز لم يصوتا في مجلس البيعة الذي ولّي فيه محمد بن سلمان ولياً للعهد.
وبذلك يصبح محمد بن سلمان وليًا للعهد، ووزيرًا للدفاع، ورئيس مجلس الشئون السياسية والأمنية، كما أسس مجلسًا للأمن الوطني وألحقه بالديوان الملكي.
وبإنشاء جهاز أمن الدولة يُكشف ما قد يكون قد تعرض عنه الأمير بن نايف لمؤامرة، ما كان لبن سلمان أن يصل لولاها.
الاستعانة برجال بن نايف
كان عبد العزيز الهويريني أحد أبرز رجال محمد بن نايف، والذي كان عنصرًا مهمًا في العلاقات الأمنية مع الولايات المتحدة الأمريكية، وقيل إنه حُددت إقامته بعد عزل محمد بن نايف من سدة ولاية العهد، كما أشارت لذلك صحيفة النيويورك تايمز، والتي قالت في وثيقة سُلمت لها بعد ذلك من قبل مسئول سعودي إن عبد العزيز الهويريني مازال في منصبه، وإنه بايع محمد بن سلمان.
ويأتي دوره اليوم ويعينه الملك سلمان كرئيس لجهاز أمن الدولة الجديد، الجهاز الذي سيخرج فيه خبراته التي اكتسبها من العلاقات الأمريكية، والتي ستظهر في محاربته للإرهاب في المنطقة بأكملها، وعلى نطاق أوسع في المملكة، وأن مصير المعارضة سيكون السجن، كما هو مصير كل معارض في المملكة ضد الملك وسياسات الدولة .والطريفي والسكران خيرُ مثال لقمع الأصوات التي تغرد خارج السرداب.
ويأتي في المرتبة الثانية تعيين بدر عساكر مختصًا خاصًا لولي العهد محمد بن سلمان، والذي يعمل أمينًا عامًا لجائزة الملك سلمان لشباب الأعمال وعضو مجلس إدارة مركز الملك سلمان للشباب. فبذلك يتحول بدر عساكر من نطاق العمل التطوعي وخدمة المجتمع، ليرتدي زي الساسة ويدخل الملعب ضمن منظومة محمد بن سلمان ليكون بوقًا من الأبواق التي تصفق لولي العهد والملك المنتظر.
هذا إلى جانب تجريد وزارة الداخلية التي كان يرأسها محمد بن نايف عن طريق فصل هيئة الادعاء والتحقيق وتسميتها بالنيابة العامة، ونقل دائرة مدعي عام قضايا الجرائم والفساد لديوان الملك، وتأسيس محمد بن سلمان لجهاز الأمن الوطني، وعدم إلحاقه بوزارة الداخلية، وإحكام سيطرته على رئاسة جهاز المخابرات العامة بتعيين مستشاره أحمد العسيري رئيسًا له. بالإضافة لكونه وزيرًا للدفاع.
بالإضافة إلى أن بن سلمان استعان بالجيل الثالث من العائلة المالكة ونصبهم في مناصب مهمة، حيث تم تعيين «أحمد بن فهد بن سلمان، ابن شقيق وزير الدفاع، نائبا لأمير المنطقة الشرقية»، والمتوقع منح أبيه فهد بن سلمان صلاحيات أكبر، والذي يشغل حاليًا منصب أمير المدينة المنورة.
وكما أن الأمير عبد العزيز بن سعود بن نايف يترأس جهاز وزارة الداخلية، وهو ابن أخي محمد بن نايف، والذي عمل تحت قيادته في الوزارة، والذي بايع محمد بن سلمان فور توليه ولاية العهد، كما تدرج من مستشار لوزير الدفاع ومستشار لمحمد بن نايف نقسه ليُعين بدلًا منه في منصب وزير الداخلية.
مؤامرة للإطاحة بـ«بن نايف» من الحكم
كل ذلك يجعل القول بأن محمد بن نايف قد تعرض لمؤامرة وخيانة من قبل الملك وزبانيته أمرًا قويًا، خصوصًا أن القول بأن محمد بن نايف قد اُستبعد من سدة الحكم بسبب إدمانه وتدهور قواه العقلية، إنما قيل هذا لتضليل وسائل الإعلام والرأي العام، كما تقل هذا المغرد مجتهد عبر حسابه على موقع تويتر.
ويجعل القول بأن استدعاء محمد بن نايف في قصر الصفا لم يكن مرتبًا له من قبل الملك سلمان وولده محمد فقط، ولكن الأمر بات يتضح بأن محمد بن سلمان قد استغل نفوذ والده في إصدار الأوامر الملكية، وأبرم صفقات سياسية مع رجال محمد بن نايف من أجل الإطاحة به، فيصل هو لمنصب ولي العهد، ومن بعدها يترأس ملك البلاد، بينما هم يتمتعون بمناصب سياسية في النظام الجديد.
كذلك فإن قصة إدمان محمد بن نايف ما هي إلا بورتريه قد صنعه محمد بن سلمان من أجل التدليس على هيئة البيعة الساذجة التي بايعت بمجمل 31 صوتًا من 34 صوتًا، ومن أجل إيجاد مصوغ للرأي العام حول الانقلاب الذي أحدثه في المملكة.
وبهذا تتركز السلطات في يد الملك سلمان وولي العهد محمد بن سلمان، وتتجرد وزارة الداخلية أكثر من صلاحياتها؛ والآن يأتي إنشاء جهاز أمن الدولة كحلقة أخرى في تجريد جهاز الداخلية من صلاحياته.
ومزيد من الإلمام بزمام السلطة، ويتحرك محمد بن سلمان في كرسي المُلك بنفوذ والده وبمناصبه التي يرأسها وخطته الاقتصادية التي ينوي تحقيقها خلال ملكه والمعروفة بخطة 2030.
فغياب دولة المؤسسات وزيادة أجهزة قمع الحريات والمعارضة يؤدي لغياب العدل، ومن ثم تدهور أحوال البلاد وسقوط العروش. والطموح لا يصب الخير دائمًا في جعبة صاحبه، بل أحيانًا يكون الطموح المصحوب بالغرور ورغبة الانتقام من الخصوم أول ما يجني على صاحبه.