تاريخ فلسطين المنسي في حرب أكتوبر 1973
هي إحدى صفحات التاريخ التي ما زالت تتوارى بين سطور بعض المذكرات الشخصية، والشهادات التاريخية، وبضعة صفحات على مواقع الإنترنت. هي صفحة مُشرقة سطّرتها المقاومة الفلسطينية خلال حرب أكتوبر/تشرين الأول عام 1973.
كيف علم عرفات بموعد حرب أكتوبر 1973؟
في سبتمبر/أيلول 1973، دعا السادات ياسر عرفات لزيارة القاهرة، فتوجه عرفات برفقة كل من خليل الوزير (أبو جهاد)، وصلاح خلف (أبو إياد)، وخالد الحسن (أبو السعيد)، وسعد صايل (أبو الوليد)، وجميعهم أعضاء في اللجنة المركزية لفتح. أبلغ السادات أبو عمار ووفده أن مصر ستشن حرب لعبور القناة وتحرير سيناء في شهر أكتوبر/تشرين الأول.
وكان أبو عمار يردد دائما أن الحرب لم تكن على جبهتين فقط، بل ثلاثة، حيث كانت الجبهة الثالثة هي الجبهة الفلسطينية من جنوب لبنان، وقد اعترفت «إسرائيل» بذلك.
حيث قدمت الحكومة الإسرائيلية خلال الحرب مذكرة إلى السكرتير العام للأمم المتحدة، حينئذ، «كورت فالدهايم»، احتجت فيها على استمرار عمليات الفدائيين الفلسطينيين من داخل الأرض اللبنانية. وتضمنت المذكرة أن الفدائيين قاموا بتنفيذ 36 هجوما على مستوطنات إسرائيلية في شمال فلسطين، وحمّلت المذكرة لبنان مسئولية استمرار نشاط الفدائيين، وكافة النتائج المترتبة على استمراره.
وقد روى «منذر الدجاني»، سفير فلسطين الأسبق في القاهرة، ذكرياته عن حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، حيث قال: «في يوم 22 سبتمبر/أيلول من عام 1973، دعاني الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات إلى مقابلة في مقر إقامته ببيروت بحضور عدد من قيادات فتح حينها، وأبلغني بأنه تم الاتفاق مع الرئيسين أنور السادات وحافظ الأسد على خطة للقيام بعمليات حرب ضد إسرائيل عبر الجبهتين المصرية والسورية، وبعد انتهاء الاجتماع انفرد بي (عرفات)، وأبلغني بأني قد كُلفت بقيادة القوات الفلسطينية بالجبهة المصرية، ومطلوب مني التوجه خلال أسبوع على الأكثر إلى القاهرة للتنسيق مع القيادة المصرية والقيادة الفلسطينية، وأن القوات التي أقودها، المعروفة بـ (الكرامة)، ستتوجه إلى مصر عبر البحر المتوسط، على متن سفن روسية ستنقلها من لبنان إلى ميناء الإسكندرية، وسيكون هناك اتصال دائم واستقبال للقوات ونشرها على خطوط القتال بقناة السويس، وعندما نصل هناك أضع نفسي تحت إمرة اللواء أحمد بدوى، قائد الجيش الثالث حينها».
واصل الدجاني: «لكن ما حدث أن البواخر الروسية التي تقل القوات الفلسطينية لم تصل في الميعاد المحدد، ولم تستطع قوات الكرامة، التي كان قوامها 3 آلاف مقاتل، أن تشترك في الحرب من الجبهة المصرية، بسبب عدم معرفة الرئيس عرفات الميعاد المحدد للحرب قبلها بوقت كاف… اضطررت بعدها للتحرك براً إلى ليبيا، بسبب إغلاق مطار القاهرة، ومنها إلى لبنان للاشتراك في الحرب من هناك، وأعطيت التعليمات للمتطوعين الموجودين في مصر بتنفيذ أوامر قادتهم في الجيش المصري، وعندما حدثت الثغرة، كانت قوات جيش التحرير الفلسطيني ضمن المُحاصَرين».
كيف توزّع جيش التحرير الفلسطيني على جبهات الحرب؟
تمكنت كتائب وفصائل جيش التحرير الفلسطيني من المساهمة بفاعلية في كافة جبهات الحرب في أكتوبر/تشرين الأول 1973:
1. كتيبة مصعب بن عمير: توزعت وحدات هذه الكتيبة على حدود لبنان مع الأراضي المحتلة، ومع بدء القتال على الجبهتين المصرية والسورية قامت بقصف تجمعات العدو في معسكرات الخالصة، ومطار البصة، وهونين ومرجليوث، وبرغام والمنارة، كما نصبت الكمائن وزرعت الألغام. واستمرت هذه الكتيبة في مراقبة تحركات العدو والإخبار عنها وقطع خطوط مواصلاته وتدمير آلياته الخفيفة والمجنزرة.
2. قوات حطين: نفذت مهام قتالية بشكل مستقل كجزء من الجيش السوري، فاشتركت في الهجوم مع قوات الفرقتين التاسعة والخامسة السوريتين (مشاة)، ونفّذت عملية الإنزال بالحوامات على تل الفرس، وقامت بالإغارة على مؤخرات القوات المعادية بعد توغلها في جيب سعسع. وخسرت هذه القوات في معركتها على الجبهة السورية 44 شهيدا، و65 جريحا.
3. قوات عين جالوت: عملت تحت قيادة الجيش المصري، وكانت قبل اندلاع الحرب متمركزة على قناة السويس. وقد أُسندت إلى هذه القوات مهام ضمن خطة العمليات على الجبهة المصرية لأنها وحدات مشاة خفيفة، شأنها شأن بقية الوحدات العربية الأخرى في الجبهة المصرية، وتم إلحاقها بالجيش المصري الثالث الذي أسند إليه مهمة الدفاع عن الضفة الغربية للبحيرات المرة بين كبريت وكسفريت.
4. قوات القادسية: كانت تتألف من كتيبتين، وتمركزت في بعض المناطق الهامة في عمق الجبهة السورية، ولم تستخدم هذه القوات في المجابهة المباشرة مع العدو، بل كانت مكلفة بإحباط أية محاولة للعدو للضرب في العمق، والتصدي لأية محاولة إنزال جوي معاد إلى جوار منطقة انتشارها.
5. كتيبة زيد بن حارثة: كانت ملحقة بالفرقة الأردنية الأولى (مشاة)، ونظراً لعدم اشتراك الجبهة الأردنية في القتال فقد بقيت في مواقعها الدفاعية تقوم بأعمال الدوريات والكمائن في الخطوط الأمامية.
المقاومة داخل الأراضي المحتلة: الجبهة الثالثة للحرب
تمكنت المقاومة الفلسطينية من فتح جبهة ثالثة ناجحة –إلى حدٍ كبير– أثناء حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 داخل الأراضي المحتلة.
فمع بداية القتال ظهيرة يوم 6 أكتوبر/تشرين الأول 1973، أصدرت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية بياناً دعت فيه العمال العرب في الأرض المحتلة بمقاطعة مصانع ومزارع العدو، حتى لا يتاح له المزيد من زج قواه البشرية في أرض المعركة. كما أضربت المدارس وسارت بعض التظاهرات في عدد من المخيمات جرى خلالها قذف مراكز الشرطة بالحجارة. ونجح بعض أصحاب سيارات النقل في عدم تسليم سياراتهم إلى الجيش الإسرائيلي، ولجأ بعضهم إلى تعطيلها.
أما على الصعيد العسكري، فقد ذكرت جولدا مائير، رئيسة وزراء «إسرائيل» حينئذ، في الكنيست، في 23 أكتوبر/تشرين الأول 1973، أن عمليات المقاومة الفلسطينية التي قام بها الفدائيون الفلسطينيون خلال الـ 17 يوماً الماضية بلغت 106 عملية، شملت 44 مستوطنة في شمال فلسطين، وأدت إلى مقتل وجرح 20 مدنياً وستة جنود.
إلى جانب ذلك، عمدت المقاومة إلى تنفيذ عمليات تعتمد على وسائل التخريب البدائي مثل إلقاء المسامير في الشوارع، وحرق المزروعات والمحاصيل في المزارع التابعة للمستوطنات الإسرائيلية القريبة في مناطق جنين وطولكرم، وفك مسافات طويلة من قضبان السكك الحديدية في غزة وسيناء، وقطع أسلاك الكهرباء والهاتف بالإضافة إلى إلقاء قنابل المولوتوف على عدد من دوريات وسيارات العدو.
وقد انعكست الروح المعنوية العالية التي تركتها حرب تشرين بين جماهير الأرض المحتلة في طبيعة تنفيذ كثير من العمليات العسكرية، وخير دليل على ذلك ما قام به أحد الفدائيين في 8 نوفمبر/تشرين الثاني 1973 بالانقضاض على أحد الجنود الإسرائيليين أمام بنك «لؤمى» في رام الله وقتله بالسكين.
وإجمالاً، قامت المقاومة الفلسطينية في الفترة من 6 إلى 25 أكتوبر/تشرين الأول 1973، بعدد ضخم من العمليات العسكرية على كافة الجبهات؛ ففي قطاع غزة، تم تنفيذ 39 عملية، منها 9 عمليات عسكرية، و17 زراعة ألغام، والباقي هجوم على قوافل العدو. وفي الضفة الغربية، تم تنفيذ 14 عملية عسكرية ومعظمها مهاجمة قوافل للعدو خلال المعركة. وفي داخل الأراضي المحتلة، تم تنفيذ 45 عملية كان من أهمها مهاجمة باص عسكري يقل طيارين متجهين إلى القواعد العسكرية، وتدمير أجزاء من مصنع «بورخوف» للقنابل اليدوية، ومصنع «لاهوف» الخاص بصناعة الأسلحة الخفيفة.
وعلىالجبهة السورية، تم تنفيذ 22 عملية عسكرية، شملت مهاجمة قوافل العدو المتجهة إلى الميدان، من خلال الاشتباك المباشر معها، وزراعة ألغام في طريقها، إلى جانب قصف مدفعي وصاروخي لتجمعات العدو ومرابض أسلحته. وفي الجبهة الشمالية على الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة، تم تنفيذ 160 عملية قصف بالصواريخ وبخاصة صفد، وتحرير بعض المناطق ورفع العلم الفلسطيني عليها.
وإذا كان هناك ما يمكن استنتاجه من العرض السابق، هو أن المقاومة الفلسطينية قد صنعت تاريخاً مجيداً خلال حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، ولكنه تاريخٌ مَنسيٌّ.
- ندى أبو ختلة، "6 أكتوبر 1973 حرب أكتوبر المجيدة: السادات يبلغ عرفات بقرار الحرب"، موقع فتح نيوز، 7 أكتوبر 2014.
- "الدجاني: عرفات علم بموعد حرب أكتوبر بعدما بدأت وأمر 3 ألاف فدائي بالسفر للقتال مع مصر"، موقع الكوفية، 6 أكتوبر 2016.
- "جيش التحرير الفلسطيني"، موقع الموسوعة الفلسطينية.
- مازن عز الدين، "دور القوات الفلسطينية في حرب أكتوبر 1973"، موقع دنيا الوطن، 7 أكتوبر 2013.
- أحمد أبو بيبرس، "دور المقاومة الفلسطينية في حرب أكتوبر 1973"، موقع المجموعة 73 مؤرخين.