الآباء الخمسة لعلم الاجتماع
المجتمع في أبسط تعريفاته هو مجموعة من الأشخاص تربط بينهم علاقات ومنافع متبادلة دائمة.ولا يتصور وجود إنساني مستقر بمعزل عن تلك الفكرة. فالإنسان حقا، كما دون أرسطو في كتابه «عن السياسة» قبل أكثر من ألفي سنة، لهو كائن اجتماعي.
ولما كانت علوم عدة تدرس هذا الكائن من جوانب مختلفة، كعلم النفس الذي يدرس انفعالاته ودوافعه ويسعى لتحقيق اتزانه النفسي، وعلم الأحياء الذي يهتم بوظائفه الحيوية وتشريحه وخلاياه وأنسجته، كان من الطبيعي ظهور حقل علمي يستهدف دراسة الجانب الاجتماعي في حياة الإنسان، والعلاقات بين مؤسسات المجتمع المختلفة وتطوره وعوامل الاستقرار وما شابه.
علم الاجتماع (سوسيولوجي) هو العلم الذي يدرس النظام الاجتماعي، بدءا من العلاقات البسيطة بين الأفراد، وحتى أشد الصور تعقيدا كبنية وطبيعة المجتمعات التاريخية العملاقة.
رغم الإشارات التاريخية العديدة إلى أهمية المجتمع في حياة الإنسان، إلا أن المؤرخ الإسلامي عبد الرحمن بن محمد ابن خلدون (١٣٣٢- ١٤٠٦) يعد مؤسس علم الاجتماع وأول من استخدم التفكير العلمي في تحليل أسباب استقرار المجتمعات الإنسانية وتفككها في مقدمته الشهيرة.
لكن ذلك السبق لم يحظ بمن يقوم على خدمته وتطويره، فقد تزامن مع بداية انهيار الحضارة الإسلامية وبزوغ الحضارة الغربية.
أما علم الاجتماع الغربي فقد نشأ مستقلا عن تلك الريادة العربية، وإن تزامنت نشأته هو الآخر مع اضطرابات وتقلبات اجتماعية كبرى. ونحن في مقالتنا هذه نعرض لآباء علم الاجتماع الخمسة.
1. أوجست كونت (١٧٩٨ – ١٨٥٧)
ولد الفيلسوف الفرنسي أوجست كونت في إقليم هيرولت، ودرس لبعض الوقت في الجامعة المتعددة التكنولوجية قبل أن يكمل دراسة الطب في مونبلييه.
رحل أوجست إلى باريس بعد خلافات مع عائلته الكاثوليكية المؤيدة لحكم الملك، فقد كانت للثورة الفرنسية والتحولات الاقتصادية والاجتماعية العنيفة التي تلتها في مختلف أنحاء أوروبا أثرا كبيرا على أفكاره حينئذ وبعد ذلك. في باريس تتلمذ كونت على يد الفيلسوف سان سايمون، لكنه فارقه هو الآخر في ١٨٢٤.
تزوج كونت من فتاة ليل تدعى كارولين ماسان في ١٩٢٥، ولم يستمر في إلقاء محاضراته عن فلسفته لمدة عام قبل أن يضطر لدخول مصحة نفسية غادرها دونما إتمام علاجه، ليحاول بعدها الانتحار في ١٨٢٧، ثم يعود لإلقاء محاضراته التي جمعها في ستة أجزاء تحت عنوان «محاضرات في الفلسفة الوضعية«، قبل أن ينفصل عن زوجته في 1842.
في تلك الفترة كانت توطدت صداقته بالفيلسوف الإنجليزي جون ستيوارت مل، كما قاسى مشاعر متقدة تجاه الأديبة المتزوجة حينها كلوتيلد دي فو، التي ألهمته بوفاتها ابتكار «دين البشرية» الذي يفترض فيه القيام بدور الأديان التقليدية في المجتمعات الوضعية.
عاش أوجست كونت معظم حياته على إعانات من أصدقائه وتلاميذه، إلى أن توفي في باريس بسرطان المعدة ليصير منزله الأخير متحفا ومزارا باسمه.
يمكن القول بأن أوجست كونت هو مؤسس علم الاجتماع الغربي، كما أنه أول من أطلق عليه اسم «سوسيولوجي» عام 1839.
قسم أوجست كونت مسيرة البشرية خلال تطورها إلى مراحل ثلاثة: المرحلة اللاهوتية (وهي الفترة ما قبل ١٣٠٠ ميلاديا)، مرورا بالمرحلة الميتافيزيقية (من ١٣٠٠ حتى ١٨٠٠)، حتى بلوغ المرحلة العلمية التي تخلى فيها الناس عن البحث عن المطلق -إله أو ما شابه- وبدأ اهتمامهم ينصب على المجتمع المادي بهدف الكشف عن القوانين التي تحكمه.
جاء كونت يبشر ببدء المرحلة الثالثة، ومعها الخلاص من جميع العلل الاجتماعية عبر الوضعية الاجتماعية. وهي فلسفة ترى ضرورة اعتماد العلوم الاجتماعية -شأنها شأن العلوم الطبيعية من فيزياء وكيمياء- على النتائج المستمدة من التجربة الحسية، والأبحاث التجريبية، والمنهج العلمي.
حدد أوجست كونت محاور أربعة لمنهج البحث الاجتماعي وهي: الملاحظة (دراسة العادات والفنون والثقافة الخاصة بمجتمع معين) والتجربة والمنهج المقارن (المقارنة بين المجتمعات) والمنهج التاريخي (دراسة التاريخ للوقوف على قواعد وأسس المجتمع الثابتة على مر العصور).
2. هربرت سبنسر (١٨٢٩ – ١٩٠٣)
ولد الفيلسوف وعالم الاجتماع والأحياء والإنسانيات والمنظِّر السياسي هربرت سبنسر في مدينة ديربي بوسط إنجلترا لأسرة تتبع إحدى الطوائف البروتستنتية شديدة التساهل، حيث تلقى تعليما منزليا موسوعيا تحت إشراف والده الذي تشرب منه الفردانية المتحررة من كل سلطة رسمية أو روحية.
بدأ سبنسر حياته كمهندس للسكة الحديدية، لكن سرعان ما تحول للعمل بالصحافة وقام بنشر كتابه الأول الاستقرار الاجتماعي ليختلط بعدها مع نخبة من مفكري المجتمع، دون أدنى تأثير لتلك المقابلات على ثقته بنفسه وإيمانه الشديد بآرائه الخاصة.
أما في كتابه مبادئ علم النفس فقد افترض سبنسر تبعية العقل البشري -ككل ما في الكون سواء كان لغة، أو ثقافة، أو أخلاق أو..- لقوانين طبيعية ثابتة يمكن اكتشافها والبرهنة عليها، كما رأى أن التغيرات التي تطرأ على المخ لا تقف عند الفرد، بل تتوارثها الأجيال متأثرا بنظرية الفرنسي لامارك. كان سبنسر يختلف عن سائر أقرانه بتبنيه لقانون كوني واحد يرى أثره في كل شيء، ألا وهو التطور.
في تلك الفترة بدأ يعاني هربرت سبنسر من مشاكل عقلية، مما دفعه إلى اعتزال الحياة الاجتماعية، والبدء في كتابة الفلسفة التركيبية وهي عمل ضخم من تسعة أجزاء يعرض لنظرية فلسفية تتضمن آراءه في طبيعة علم الأحياء والاجتماع والأخلاق والسياسة تبعا لرؤيته التطورية. نتج عن تلك الكتابات ازدياد هائل في شهرة وتأثير سبنسر الفكري الذي امتد حتى الولايات المتحدة الأمريكية.
خلال العقدين الأخيرين من حياته، تسلل الشك في صحة نظرية التطور إلى نفس سبنسر، كما أبدى آراء سياسية متناقضة تماما مع آرائه القديمة كحقوق المرأة في التصويت وحق الدولة في تأميم الأراضي. وفي عام ١٩٠٢ تم ترشيح هربرت سبنسر لجائزة نوبل في الآداب لكنه لم يحصل عليها، بل رحل بعدها بعام وأشهر معدودة، بالتحديد في الثامن من ديسمبر ١٩٠٣، بعد صراع طويل مع المرض والعزلة.
رأى هربرت سبنسر تشابها كبيرا بين المجتمع والكائن الحي، لدرجة دفعته إلى إعلانه مبدأ المماثلة العضويةOrganic Analogy مشيرا إلى المماثلة بين وظائف مؤسسات المجتمع المختلفة وبين أعضاء الكائن الحي التي تقوم كل منها بدور معين، كذا إشارة إلى تشابه الأطوار التي تنتاب المجتمع من نمو ونضج وهِرَمٍ مع تلك التي تنتاب أي كائن حي.
وتناول سبنسر في شروحه كيف تتأثر مؤسسات المجتمع -كما أعضاء الكائن الحي- بضعف إحداها فتضطر لحمل أعباء إضافية في سبيل استمرارية المجتمع، حيث تسهم كل مؤسسة -سواء كانت الأسرة، أو التعليم، أو الحكومة، أو الإعلام أو غير ذلك- في استقرار وبقاء المجتمع ككل.
أعلن سبنسر -صاحب مقولة «البقاء للأصلح»- أن المجتمع كفيل بإصلاح عيوبه، حيث تميل مؤسسات المجتمع بطبيعتها إلى تحقيق الاستقرار والتوازن الأعلى، وأن المشكلات الاجتماعية ستحل تلقائيا دون حاجة إلى تدخل -حكومي مثلا- من شأنه عرقلة حركة المجتمع الطبيعية.
رفض هربرت سبنسر الرأي القائل بأن المجتمع لا يزيد عن كونه مجموعة من الأفراد، منبها إلى أن المتجمعات تكتسب صفات وخصائص عند تشكلها مغايرة ومستقلة عن خصائص كل فرد من أفراد المجتمع على حدة.
3. كارل ماركس (1818 – 1883)
ولد الفيلسوف الألماني والمنظر الثوري وعالم الاجتماع كارل هانريك ماركس في بروسيا لأم يهودية ومحام يهودي ناجح تحول للمسيحية اللوثرية تماشيا مع ظروف اجتماعية معينة. تلقى ماركس تعليما منزليا حتى الثانية عشرة من عمره، ثم التحق بمدرسة الآباء اليسوعيين لخمس سنوات قبل التحاقه بجامعة بون حيث شارك في النشاط الطلابي المتأجج.
زج بماركس في السجن قبل أن يكمل عامه الدراسي الأول لتعكير الصفو العام والسكر، مما دفع والده لنقله إلى جامعة برلين الأكثر انضباطا. هناك درس الفلسفة وتعرف على كتابات الفيلسوف الألماني الكبير وأستاذ جامعة برلين الراحل هيجل.
سببت راديكالية ماركس المتزايدة غضب والده، وحرمته من منصب تدريسي في الجامعة عقب حصوله على الدكتوراة عام ١٨٤١. لجأ ماركس للعمل بالصحافة لفترة قبل زواجه من جيني فون ويستفالن وانتقالهما للعيش في باريس.
وفي باريس ذات الزخم الثقافي المتنامي، تعرف ماركس على رفيقه وصديق عمره فريدريش إنجلز، وأنجزا معا كتابهما الأول العائلة المقدسة ١٩٤٥ في نقد فلسفة برونو باور. ثم انتقل ماركس إلى بلجيكا بعد طرده من فرنسا لتورطه في الكتابة في إحدى الصحف الراديكالية.
في بروكسل سيتعرف ماركس على التوجه الاشتراكي، ويتخلى عن الهيجلية اليسارية. حينها سيكتب لأول مرة عن المادية التاريخية في كتابه الأيديولوجية الألمانية، لكنه لن يكتب له النشر قبل وفاته.
وتأثرا بجهود ماركس، سيقوم الاشتراكيون الإنجليز بتأسيس الرابطة الاشتراكية ثم اختيار ماركس وإنلجز لكتابة بيان الحزب الشيوعي عام ١٩٤٧. بعد نشر البيان بعام واحد، يطرد ماركس من بلجيكا عام ١٩٤٩، فيعود إلى فرنسا حيث يتوقع اندلاع ثورة اشتراكية، لكن الحكومة الفرنسية تبادر بترحيله، فينتقل للعيش في لندن حتى وفاته.
واصل ماركس في إنلجترا جهوده الاشتراكية، أثناء عمله بالصحافة، إلا أنه لم يتكسب راتبا كافيا أبدا، بل ظل اعتماده المادي على صديقه فريدريش إنجلز بشكل أساسي.
وجه ماركس عنايته بشكل خاص إلى الرأسمالية والنظرية الاقتصادية، فنشر في عام ١٨٦٧ الجزء الأول من كتابه رأس المال، وقضى سنواته الباقية في كتابة ومراجعة أجزاء أخرى لم تكتمل، تولى إنجلز جمعها ونشرها بعد وفاته بالتهاب الغشاء البلوري، مجردا من أي جنسية وبدون شاهد قبر.
لاحقا، سيقوم الحزب البريطاني الاشتراكي بتشييد تمثال له وشاهد قبر عظيم نقشت عليه آخر عبارة في البيان الاشتراكي: «يا عمال العالم اتحدوا».
لم يكن موقف أوجست كونت وهربرت سبنسر التقليدي/الوظيفي من طبيعة المجتمع وحده ما تفرعت عنه سائر المدارس، فقد أسفرت كتابات كارل ماركس عن موقف آخر أكثر راديكالية، وهو ما يطلق عليه الموقف الراديكالي/الصراعي، وعن هذين الموقفين تفرعت سائر المدارس التي تتنافس فيما بينها.
هاجم كارل ماركس رؤية هربرت سبنسر معتبرا فكرة المجتمع الذي يميل للاستقرار ويصلح من نفسه ليست سوى مغالطة، داعيا الناس للتدخل والسعي نحو تغيير المجتمع.
الفكرة الجوهرية في فلسفة ماركس هي صراع الطبقات، فقد قسم ماركس المجتمع إلى طبقتين رئيستين: برجوازية تملك وسائل الإنتاج وتكنز الثروات وطبقة البلوريتاريا العاملة الكادحة التي لا تملك سوى قوت يومها.
رأى ماركس أن طبيعة كل طبقة منهما تجعل من الصراع أمرا حتميا مما سيقود في النهاية -لا محالة- إلى ثورة تقوم بها الطبقة العاملة، ينتج عنها مجتمع اشتراكي يخلو من الطبقات الاجتماعية.
4. إميل دوركايم (١٨٥٨ – ١٩١٧)
ولد الفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي ديفيد إيمل دوركايم في إبينال الفرنسية لأسرة يهودية محافظة ذات نفوذ. كان والده ومن قبله جده وجده الأكبر جميعا رجال دين، فكانت الأسرة تتوقع من دوركايم الابن اتباع نفس المسار.
التحق إميل دوركايم عام ١٨٧٩ بمدرسة الأساتذة العليا، حيث يدرس علية القوم والنخبة. ثم نال شهادته عام ١٨٨٢ وتولى أولى وظائفه التدريسية في العام نفسه في سين، قبل أن ينتقل إلى جامعة بوردو كمحاضر، حيث أسس أول قسم أوروبي لعلم الاجتماع عام ١٨٩٥.
لم يبدأ القرن الجديد، إلا ودوركايم قد تمكن من ترسيخ مكانته كأحد أكبر المفكرين الفرنسيين ورائد علم الاجتماع. ولم تنقض السنة الأولى من القرن الجديد إلا وقد نشر ثلاثة من أهم أربعة كتب قام بتأليفها خلال حياته، وأصدر أول دورية مرموقة في علم الاجتماع «حولية علم الاجتماع».
انتخب إميل دوركايم عام ١٩٠٢ مشرفا على برنامج علم الاجتماع في جامعة السوربون، قبل أن يصبح صاحب الكرسي الفرنسي الأول لعلم الاجتماع في نفس الجامعة. توفي إميل في باريس ودفن في مقبرة موبارناس بين عظماء مفكري العالم وفنانيه.
ظهر علم الاجتماع بصورته الأكاديمية الرسمية على يد إميل دوركايم، كما. استفاد دوركايم من الوضعية الاجتماعية لصياغة منهجية عملية للبحوث الاجتماعية، وعلى الرغم من مناداة كونت وسبنسر وماركس جميعا بأهمية المنهج العلمي، إلا أن دوركايم كان أول من استخدمه حقيقة.
فقد شدد دوركايم على أهمية دراسة الحقائق الاجتماعية وأنماط السلوك المميزة للمجتمعات، ظهر ذلك بشكل عملي في بحثه المنشور عام ١٨٩٧ تحت عنوان «الانتحار«، وهو دراسة حالة عن الاختلاف في معدلات الانتحار بين المجتمعات الكاثوليكية والبروتستانتية، اعتمد فيها على عدد كبير من الإحصاءات التي جمعها من مختلف الدول الأوروبية، أسهم ذلك العمل في التمييز بين التحليل الاجتماعي والكتابات الفلسفية أو النفسية.
كما نبه إميل دوركايم على ضرورة تجنب علماء الاجتماع الآراء والانطباعات الشخصية عند وصف أي مجتمع، فلا يلتفت إلا للأدلة الموضوعية التي يمكن ملاحظتها بطريقة مباشرة.
5. ماكس فيبر (١٨٦٤ – ١٩٢٠)
ولد ماكس فيبر عالم الاجتماع الألماني وأحد أبرز مؤسسي علم الاجتماع الحديث في بروسيا، ابنًا بكرًا لمحام وسياسي بارز وأم فاضلة، وتبعه سبعة من الأشقاء. نشأ ماكس في إحدى ضواحي برلين الثرية، عانى في طفولته من أمراض ألزمته الفراش، وهو ما سمح بازدهار ونمو علاقته بالكتب. كان بيت الأسرة يشهد زيارات عديد من رموز السياسة والفكر المحليين والعالميين، فطرقت أذنه حوارات ثقافية حملته إلى عالم خلاب.
أسفرت شهيته المعرفية المشبعة عن كتابته عدد من المقالات المتماسكة خلال دراسته الإعدادية، إلا أنه لم يولِّ الدراسة اهتمامه أبدا، فقد كان يتولى تثقيف نفسه عن طريق قراءاته ونقاشاته مع رواد البيت من النخب المختلفة.
أصغى لمحاضرات في المحاماة والاقتصاد والفلسفة في جامعات شتراسبرج وهايدلبرج وبرلين في الفترة بين ١٨٨٢ و١٨٨٦. خدم في جيش الاحتياط لمدة عامين قبل دراسته للمحاماة وتخرجه عام ١٩٨٩، لينال بعدها تعيينات في مناصب أكاديمية في بيرلين وفرايبوج.
يتزوج ماكس فيبر من ابنة عمه ماريان شتينجر في عام ١٨٩٣. لكنه يضطر للتقاعد نتيجة لتعرضه لانهيارات عصبية هائلة قيدت حركته في الفترة بين ١٨٩٧ و١٩٠٣.
عندما يتعافى ماكس فيبر كفاية، يقوم برحلة طويلة إلى الولايات المتحدة عام ١٩٠٤. ومع ميراثه الضخم وتحرره من القيود الأكاديمية، يمضي ماكس فيبر الستة عشر عاما التالية في إنتاج تحليل اجتماعي وثقافي واقتصادي لا مثيل له في تاريخ العلوم الاجتماعية الحديثة.
قبل أن يتوفى بشكل مفاجئ ضحية لوباء الإنفلونزا العالمي عن ستة وخمسين عاما، تاركا أرملة وحيدة وميراثا علميا رفيع المستوى.
كان ماكس فيبر معارضا قويا لدعوات دوركايم بالاكتفاء بالحقائق الموضوعية، حيث كان يرى وجوب مراعاة عالم الاجتماع للتأويلات الشخصية للأحداث، كذا دراسة أفكار الأشخاص وانطباعاتهم ومشاعرهم المتعلقة بأفعالهم. قام فيبر بمعارضة الوضعية الاجتماعية بقوة.
كان ماكس فيبر -بالاشتراك مع الفيلسوف وعالم الاجتماع الألماني جورج زيمل- أول من تبنى منهج الفهم Verstehen في علم الاجتماع، وهي محاولة الدارس للمجتمعات المختلفة التلبس بنفس انطباعاتهم وفهم المصطلحات الخاصة بهم من نفس وجهة النظر الخاصة بهم.