في «الميتافيرس»: أول حادث اغتصاب «افتراضي» في التاريخ
منذ عدّة أيام، سعت امرأة إنجليزية لتجربة تقنية «الميتافيرس»، التي سبق وأن أعلنت شركة «فيسبوك» عزمها إطلاقها في القريب العاجل.
وتُتيح هذه التقنية المُنتظرة للبشر التواجد بشكل «مُجسّد» في الواقع الافتراضي. وبالرغم من أنها لم تظهر بشكل رسمي حتى الآن حول العالم، فإن نُسخًا تجريبية منها ظهرت بالفعل في أمريكا وكندا خلال شهر ديسمبر، لكل شخص يتجاوز سنّه الـ18 عامًا.
سعت المرأة الإنجليزية لخوض تلك التجربة الفريدة، واعدة نفسها بقضاء وقت ممتع في رحاب التكنولوجيا الحديثة، اختارت «أفاتار» يُماثلها في الشكل سعت للتواصل عبره مع التقنية الجديدة، لكن بدلاً من ذلك قضت دقيقة كاملة من التنكيل بعدما تعرّضت للاغتصاب.
وبهذا نكون أمام أول حالة «اغتصاب افتراضي» عرفها العالم، ويشهدها عالم «الميتافيرس» للمرة االأولى، فماذا حدث؟ وكيف حدث؟
الاغتصاب الافتراضي
الضحية هي نينا جين باتيل (Nina Jane Patel)، (43 عامًا)، أم لأربعة أطفال، تعمل -ويا للمفارقة!- نائب رئيس إحدى شركات التكنولوجيا التي تعمل في مشروع «ميتافيرس» ذاته!
كتبت نينا عن تلك التجربة قائلة: «في غضون 60 ثانية من الانضمام، تعرضتُ للتحرش اللفظي والجنسي من قبل 3 أو 4 شخصيات رمزية ذكورية، وبعدها اغتصبوا «صورتي الرمزية» بشكلٍ جماعي.
وكشفت باتيل، أن هؤلاء الأشخاص استمروا في إرسال تعليقات ساخرة لها مثل «لا تتظاهري بأنكِ لم تستمتعي بالأمر».
وبالرغم من أن «ميتافيرس» احتاطت لمثل هذه الحوادث عبر تصميم ميزة تحظر المستخدمين «سيئي السلوك» تُدعى «Meta Safe Zone»، فإن باتيل كشفت أن الاعتداء عليها جرى بسرعة و«كانت تجربة مروعة لم تُمكنها من التفكير في وضع «حاجز الأمن» في مكانه».
وبعد هذه الشهادة، توالت اعترافات أخرى من مُجرِّبات للتقنية كشفن فيها عن تعرضهن لإهانات جنسية وتحرشات لفظية وجسدية «افتراضية».
تعليق الشركة
من جانبها، أعلنت شركة «ميتا» على لسان جون أوزبورن (Joe Osborne)، المتحدث بِاسمها «أسفه لوقوع ذلك الحادث»، مؤكدًا في الوقت نفسه التزام الشركة في أن يتمتع كل مستخدم بأدوات السلامة التي تعينه في مثل هذه المواقف، كما أضاف «سنستمر في إجراء التحسينات خلال تعلمنا المزيد والمزيد حول كيفية تفاعل الأشخاص في مثل هذه المساحات».
ما وراء الحدث
بالرغم من أن هذا الحادث يبقى افتراضيًّا لم تتعرّض بطلته لأذى مُباشر، فإن «باتيل» أكدت أن ذلك الحادث «صدمها وأهانها».
كما صرّحت للصحافة بعدها بأنها شعرت «كما لو أنها تعرضت للاغتصاب في الواقع»!
فسرت باتيل ذلك بأنه «تم تصميم الواقع الافتراضي بحيث لا يستطيع العقل والجسد التفريق بين التجارب الافتراضية والواقعية، وهو ما جعل استجابتي الفسيولوجية والنفسية للاعتداء تبدو كما لو أنها حدثت في الواقع».
وهو ما يفتح الباب واسعًا أمام النقاش حول تأثير حوادث من مثل هذا النوع ومن أي أنواع أخرى على البشر، وهو ما يُمكن اختصاره في سؤال «ما حجم تأثير ما سيجري في الفضاء الإلكتروني على البشر؟».
في البداية، أكد خبير قانوني أن «باتيل» -وغيرها- لن يكون لها الحق في مقاضاة مرتكبي هذا الفِعل معها، لكنّه في المقابل حذّر من أن «ميتافيرس» سيكون مرتعًا لحوادث التحرّش والاغتصاب، خاصة وأن أصحاب الشخصيات تعمّدوا «تجهيل» هوياتهم، أو التحقوا بالموقع عبر هويات مزيّفة، تؤمّن لهم الفرار من أي مُلاحقة قضائية محتملة.
فيسبوك يكره النساء
الكاتبة الصحفية أروى مهداوي علّقت على هذا الحادث في مقالٍ نشرته عبر «الجارديان»، اعتبرت فيه أن «كراهية النساء جزء من الحمض النووي للفيسبوك».
وأكدت أروى في مقالها، أن «ميتافيرس» -كغيره من منصات التواصل الاجتماعي- لن يكون آمنًا كفاية للنساء، وانتقدت عدم حماس الشركة لمنح الأمان للنساء، وبدلاً من ذلك اختاروا لوم الضحية لأنها لم تفعّل تقنيات الأمان!
وبشكلٍ عام، انتقدت أروى سلوك «فيسبوك» إزاء مكافحة التحرش الجنسي، واعتبرت أن الشركة الزرقاء لا تبذل أي جهودٍ للحدِّ منها.
مساحة آمنة للجريمة
بدءًا من عام 2013م، ظهرت النسخة الأولى من الفيلم الأمريكي «The Purge»، والذي تقوم فكرته ببساطة على أن الحكومة الأمريكية تلجأ في واقعٍ مُوازٍ لخيار فريد للتعامل مع الجرائم، وهو إتاحة ساعاتٍ محددة من يومٍ واحد في السنة يُسمح فيها لأي حد بارتكاب أي جريمة يرغب فيها دون عقاب ودون أي ملاحقة قضائية كانت.
برّرت الحكومة الأمريكية هذا القرار بأن تلك الساعات ستلعب دور «المُطهّر» التي يستنفد فيها البشر طاقات الشر والاعتداء المخفية بداخل كلٍّ منّا، وعقب انتهائها سيعودون أسوياء مُجددًا بقية السنة.
جرائم التحرّش والاغتصاب «الافتراضية» تلك قد تعدنا بسيناريو شبيه؛ ففي ظل تمتّع مستخدم «الميتافيرس» بكل الخصائص السيكولوجية والحسيّة التي يمتلكها في الطبيعة، قد يدفعه «افتراضية المنصة» وخلوّها من مخاطر رقابية تُذكر، أن يعتبرها الواحد منّا مساحة «تطهير» فعّالة لا يخرج فيها إلا أسوأ ما فيه… جوانب لا يجرؤ على إظهارها في الحقيقة.
نتعشّم أن تفي «فيسبوك» -هذه المرة فقط- بوعدها بتكثيف فعاليات الأمان على «الميتافيرس» وإلا سيكون البشر على موعدٍ مع اختراع سيكشف شرور أنفسهم بأكثر مما تخيلوا.