نهاية شهر العسل: الإعلام السعودي يعود لمهاجمة الإخوان
في الوطن العربي، لا يمكنك كشف «النوايا السياسية» وما الذي يمكن حدوثه في المستقبل القريب، إلا عبر الصحف الرسمية، وخاصة في الخليج، حيث تحتل الصحافة الرسمية المركز الأول والأخير في مؤشرات التعبير عن رؤي الأنظمة الحاكمة، وارتفاع درجة حرارة أو برودة تعاملها إزاء القضايا المفصلية التي تشتبك مع الداخل والخارج.
حقيقة تصالح المملكة والإخوان
مؤخرًا، تردد بقوة جنوح المملكة العربية السعودية لتسوية أزمتها مع الإخوان المسلمين، وهي الأزمة التي بدأت رسميًا في مارس 2014، بعد إعلان أول قائمة خليجية للتنظيمات الإرهابية، وضمت 9 منظمات، كانت أبرزها مفاجأة من العيار الثقيل، عبر ضم جماعة الإخوان للقائمة.
ووضع نظام الملك عبد الله الإخوان على نفس درجة الخطورة تجاه المملكة بالمشاركة مع تنظيم القاعدة في تكوينه العام، وفروعه في جزيرة العرب واليمن والعراق، وداعش وجبهة النصرة، وحزب الله داخل السعودية، وجماعة الحوثي.
وبعد رحيل الملك عبد الله وتولي الملك سلمان بن عبد العزيز الحكم، قام بـ«انقلاب» مكتمل الأركان، وأبعد مراكز القوى التي كان لها الدور الأكبر في ترسيخ العداء مع الإخوان. ولأول مرة منذ نشأة المملكة، خرجت وزارة الشؤون الإسلامية من عهدة آل الشيخ، وهم من سلالة محمد بن عبد الوهاب، مؤسس المذهب الوهابي؛ المذهب الرسمي للدولة السعودية.
وكان صالح آل الشيخ، الذراع الديني لثنائية الحكم في المملكة، ممثلةً في آل الشيخ وآل سعود، وصالح، مثلما هو معروف في دوائر صناع القرار السعودي، من أشد أعداء الإخوان، ليستشعر الجميع بمرور الوقت نمو حالة من التعاطف مع جماعة الإخوان، عززها التصارع والتباين، بل والتضارب والتضاد الذي انكشف مؤخرًا مع النظام المصري.
وطوال الشائعات التي امتدت على مدار الأشهر الأخيرة عن استقبال «قصر سلمان» لشخصيات قيادية إخوانية، لم يناقش الإعلام السعودي الأمر، ولم يظهر في بعض القنوات والصحف إلا إشارات بسيطة، ربما كان الهدف منها، ملاعبة النظام المصري، واستقراء موقفه، وضخ مزيد من التوتر في أركان قناعاته السياسية، تجاه ما يمكن أن يُقدِم عليه آل سلمان في الأيام المقبلة .
كيف اغتال الإعلام السعودي أحلام الجماعة
إلا أن الصحافة السعودية فاجأت المراقبين بإعادة نشر تصريحات خطيرة للدكتور عبد اللطيف آل الشيخ، الرئيس العام السابق لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو ينتمي كما أسلفنا لعائلة الذراع الديني لـ «آل سعود» في الحكم، حتى لو تنحت مؤقتا بالتغييرات التاريخية التي أقدم عليها سليمان .
وكان عبد اللطيف فجر مفاجآت من العيار الثقيل خلال لقائه مع الإعلامي المقرب من القصر الحاكم ياسر العمرو، في برنامجه «بالمختصر» على قناة mbc السعودية، وأفردت لها جريدة «عكاظ»، إحدى أهم الصحف وثيقة الصلة هي الأخرى بالنظام الحاكم في المملكة، مساحة واضحة في صدر صفحاتها. حيث كشف آل الشيخ عن ما أسماه بحوادث الموت وفتن الإخوان خلال ترؤسه الجهاز، ابتداء من ملف المتعاونين، وقصص مطاردات الليل ومداهمة المنازل.
وأرسل الرئيس السابق لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، عدة رسائل ذات مغزى عن الكيفيات التي تري من خلالها الهيئات الدينية أعضاء جماعة الإخوان، مؤكدًا أنه كان يقاوم الفتن والدسائس من «الإخوانيين» الذين استشعروا، بحسب وصفه، أنه لن يكون أداة طيعة في أيديهم.
وتابع بحسب أوصافه كما نشرتها الصحيفة: «سلطوا عليَّ السفهاء والخراف ممن امتطوا صهوة الدعوة والدين للوصول إلى أهدافهم الخبيثة لزعزعة أمن الوطن واستقراره وجعله بلدًا متهالكًا، بلد ثورات، بلد فتن».
الحرس المعارض للإخوان يعود للواجهة من جديد
وكشف آل شيخ في توقيت بالغ الدلالة، أنه قام بتصفية ملف المتعاونين الذين كانوا يتسببون في حالات إصابة بكسور في العظام، بسبب صولاتهم وجولاتهم في آخر الليل، مثل مداهمات الاستراحات وتكسير الأبواب وسرقة المواطنين باسم رجال الهيئة.
وهاجم الرجل الذي تعتبره بعض الدوائر السعودية في طريقه للعودة إلى الهيئة، الإخوان والمتشددين بين موظفيها، مؤكدًا أن بعضهم كان في سوريا والعراق، وعاد بـ«أفكار مفخخة»، ما أصاب المملكة بضرر بالغ بسبب سعيهم الدءوب لتحقيق أهدافهم التي وصفها بالخبيثة لزعزعة الأمن والاستقرار، وجعل السعودية بلدًا متهالكًا وبلد ثورات وفتن، ليستقر لهم الحال لإقرار مشروعهم المزعوم.
واعتبر آل الشيخ أن الإخوان في الهيئة فئات ضالة وباغية، ونشروا البلاء والفساد وفرقوا بين الراعي والرعية، والمعلم وتلاميذه، والزوج وزوجه، وبين الإمام والجماعة، مردفًا: «عملوا عملا حتى إبليس لا يتمكن من عمله، لأن إبليس لا يأتيك من باب الدين، أما هؤلاء انتقدوا عن طريق الدين واعترضوا عن طريق الدين، وهم قوم بهت وفجار بالعداوة لا يتورعون عن الكذب والنميمة والغيبة».
واستكمل الرجل المقرب من رموز الحكم في السعودية قائلا: «الطريق في عمل الهيئة كان مليئًا بالأشواك بسبب دعاة الفتنة الذين انغمسوا بالفكر الإخواني الذي أنتج داعش وأخواتها الذين يجرمون أبناء الوطن».
واختتم آل شيخ لقاءه قائلا: «فخور بما قدمت لجهاز الهيئة والنقلة النوعية التي شهدها الجميع في علاقة الهيئة بالمواطنين، تعبت واجتهدت وعانيت وأصابني الأذى من خصوم العمل، والشباب الطائش الذي وجد فرصة السلطة المطلقة بترويع المواطنين ومطاردتهم واقتحام بيوتهم وكأنهم يمثلون حربًا غير معلنة».
في السياسة الكثير والكثير من اللامعقولية، بل ومن الثابت فيها تغير المواقف بين ليلة وضحاها، إلا أنها في الخليج تحديدًا، تحكمها ثقافة أخرى، على رأسها المواقف التراكمية. يبدو وفقًا لذلك أن التقارب بين السعودية والإخوان من باب التعاطف الإنساني أو النكاية في نظام السيسي، أضغاث أحلام يروجها من لا يفهم أدبيات قواعد السطوة التي تحفظها الأنظمة العربية عن ظهر قلب، وهي التي تدرك جيدًا خطورة فتح طريق لمنافس، يمكنه من الاستغناء عنها، والسعودية لن تمنح لا الإخوان ولا السيسي، ما يمكنهما من الاستغناء عنها، أو تهديد مصالحها.