نهاية دوري السوبر الأوروبي: سر فشل أوروبا في تقليد أمريكا
في الساعات الأولى من صباح يوم الإثنين، الموافق التاسع عشر من أبريل لعام 2021، كان العالم على موعد مع قنبلة فجرها «12» ناديًا لكرة القدم، قررت اللعب في بطولتها الخاصة المسماة بدوري السوبر الأوروبي، لتضمن لنا متعة لا تنتهي وتضمن لنفسها أرباحًا بلا حدود.
بحلول يوم الخميس، كانت القنبلة قد انفجرت في وجه أصحابها، ونجح تدخل الحكومات والاتحادات والجماهير في إيقاف ذلك المشروع، وسط اعتقادات من هنا ومن هناك أن الأمر لم ينتهِ بعد، وعاجلاً أم آجلاً سيرى دوري السوبر الأوروبي النور.
وسواء كنت من مؤيدي البطولة أو معارضيها، تظل فكرة إنشاء بطولة في كرة القدم الأوروبية شبيهة بدوري كرة السلة الأمريكي للمحترفين «NBA» أمرًا مغريًا، نظرًا للسمعة التي يحظى بها الـ«NBA»، وكذلك سمعة النموذج الرياضي الأمريكي، المختلف من حيث التكوين وكذلك العوائد، ترى ما ذلك النموذج؟ وهل كان دوري السوبر هو المحاولة الأولى لاستنساخه في أوروبا؟
المحاولة الأولى
تعد لعبتا كرة السلة (دوري NBA) وكرة القدم الأمريكية (بطولة NFL) واجهة النموذج الرياضي الأمريكي، حيث يعمل كلاهما بنفس القواعد تقريبًا؛ دوري مغلق على أصحابه، لا صعود ولا هبوط، منافسة محتدمة دون احتكار مشابه كما حدث في بعض الدوريات الأوروبية، بجانب تجنب الانهيارات المفاجئة بفعل النتائج المخيبة على أرض الملعب، وبالنهاية مزيد من العوائد والأرباح.
في بداية عام 2021، وقع الـ«NFL» عقدًا جديدًا للبث تصل قيمته إلى 113 مليار دولار لمدة 11 عامًا، بينما تسعى الـ«NBA» للحصول على 75 مليار دولار في العقد المقبل، عوضًا عن الـعقد الحالي الذي تصل قيمته إلى 24 مليار دولار في 9 سنوات (تم توقيعه في عام 2014). ومع تلك الأرقام، لن يكون مستغربًا أن تجد أضخم عقود اللاعبين في هاتين اللعبتين (باستثناء عقد ليونيل ميسي المسرب مؤخرًا).
إلى هنا ويبدو الأمر كافيًا كي تلمع عيناك وتتخيل كبار كرة القدم الأوروبية داخل بطولة مماثلة مع أرقام مشابهة، لكن ما لا تعلمه أن دوري السوبر الأوروبي برعاية فلورنتينو بيريز (رئيس ريال مدريد) وأندريا أنييلي (رئيس يوفنتوس) لم يكن المحاولة الأولى لنسخ النموذج الأمريكي.
حدث ذلك قبل ظهور تلك العقود الضخمة في أمريكا، وتحديدًا في عام 2000 عندما قررت «9» أندية التمرد على الاتحاد الدولي لكرة السلة (FIBA) وبطولته المسماة بـ«European Cup»، لتكوين بطولتهم الخاصة عبر اتحاد موازٍ يسمى اتحاد الدوريات الأوروبية لكرة السلة (ULEB).
بالصدفة، كان ريال مدريد وبرشلونة يتقدمان الركب مع أندية: باسكونيا الإسباني، أولمبياكوس اليوناني، زالغيريس الليتواني، بينيتون تريفيزو الإيطالي، كيندر بولونيا الإيطالي، أيك اليوناني، وفورتيتودو بولونيا الإيطالي، وبذلك تشكلت بطولة اليوروليج «EuroLeague» (الموازية لدوري أبطال أوروبا في كرة القدم).
حاول اتحاد كرة السلة الدولي المقاومة وشكل بطولة موزاية تحت اسم «SuproLeague»، وبالفعل لُعبت البطولتان معًا في موسم واحد، لكن تفضيل الأندية الانضمام لليورو ليج، سارع بالقضاء على بطولة «SuproLeague» بحلول عام 2004، وانتهاء المعركة بفوز الأندية التسعة.
أمريكا الاشتراكية
على الأغلب، كان نجاح سيناريو كرة السلة أحد أهم الدوافع وراء مشروع دوري السوبر الأوروبي، بخاصة مع وجود «بيريز» كعامل مشترك، إذ كان رئيسًا لريال مدريد في عام 2000 (نفس موعد التمرد على اتحاد السلة الدولي). لكن في الأخير ظل نموذج الـ«NBA» هو المستخدَم لإقناع الجماهير وليس نموذج اليورو ليج بسبب فارق الشعبية الواضح، لنصل إلى المغالطة الأكثر فداحة، وهي عدم استكمال بقية تفاصيل النموذج الأمريكي.
يمكن اختصار تلك التفاصيل عبر ثلاث نقاط رئيسية؛ الأولى هي مشاركة الإيرادات، التي تفرض على الأندية صاحبة المداخيل الأعلى مشاركة نسبة تقترب من 50% من إيراداتها ليتم إعادة توزيع الإجمالي الناتج عن المشاركة بشكل متساوٍ، مما يخلق توازنًا نسبيًا بين الأندية الكبيرة والصغيرة.
ثم نأتي للنقطة الثانية وهي الحد الأقصى لمجموع الرواتب «Salary cap»، والذي يتم تحديده وفقًا لعدة متغيرات ليلتزم به الجميع، وأي تجاوز يقابله دفع المزيد من الضرائب ( الـNBA أكثر مرونة من الـNFL من حيث الالتزام بسقف الرواتب).
وأخيرًا النقطة الثالثة والتي تجعل الصورة أقرب للنموذج الاشتراكي، وتتعلق بكيفية التعاقد مع اللاعبين الجدد الوافدين للبطولة، أو ما يطلق عليه «Draft System». ويتيح نظام الدرافت فرصة ذهبية للفرق المتأخرة بجدول الموسم الماضي، للتعاقد مع اللاعبين الأفضل مع بداية الموسم الجديد.
يكفي أن تعلم أن «كليفلاند كافاليرز» حصل على «ليبرون جيمس» في عام 2003 بعد تحقيق أسوأ معدل فوز بتاريخ الـNBA». وبمساعدة نفس النظام، انضم «مايكل جوردان» لفريق «شيكاغو بولز»، كذلك حصل «كانساس سيتي» على «باتريك ماهومز» اللاعب الأبرز بكرة القدم الأمريكية حاليًا (قيمة عقده 503 ملايين دولار على 10 سنوات وهو الأعلى بعد ليونيل ميسي).
التاريخ يعيق النسخ
بعد الاطلاع على التفاصيل السابقة، مضافًا لها أننا كنا نتحدث عن دوريات محلية وليست بطولات قارية موازية لبطولات موجودة بالفعل، سنكتشف بكل بساطة أن استدعاء الـ«NBA» في مشهد دوري السوبر الأوروبي لم يكن دقيقًا، وأن كل محاولة أوروبية للاقتراب من النموذج الأمريكي كانت تؤدي في النهاية للابتعاد عنه.
ما بدا في ظاهره يمثل الاشتراكية (توزيع شبه عادل للأرباح والمواهب)، كان الطريقة الأمثل لتقديم منتج مميز وجني المزيد من المال، كما قال الكاتب الرياضي الشهير «جابرييل ماركوتي»: «في الولايات المتحدة الأمريكية، اكتشفوا مبكرًا أن الدوري يكون أكثر ربحية إذا عمل الناس معًا، أصحاب الدوري هم شركاء تجاريون».
ربما وجد الأمريكان أنفسهم في موقف قوة لأن كرة القدم خاصتهم وكرة السلة والبيسبول هي ألعاب أمريكية خالصة، مما أعطى المنظمين مزيدًا من التحكم في تشكيل الطريقة التي تدار بها البطولات أكثر مما هو الحال في كرة القدم، التي تتعرض لضربة قوية من قبل القوى التنافسية العالمية، كما أوضح الكاتب «سام ماك تاج» في مقاله بموقع «The Atlantic».
رأى «سام ماك تاج» أن الجذور التاريخية قد ساهمت في جعل النموذجين الأمريكي والأوروبي نقيضين لا يتقاطعان، لأن نشأة الأندية في أوروبا لم تكن لتقودهم أبدًا لنموذج اشتراكي مشابه، حيث كان الأمر أشبه بجماعات أو أقليات تحاول إثبات وجودها عبر كرة القدم، مثل سيلتيك الذي نشأ على يد كاهن كاثوليكي وقابله إنشاء رينجرز على يد أربع أخوة بروستانت.
ستجد ريال مدريد يمثل الملكية، برشلونة يمثل الثورة، لاتسيو وجذوره الفاشية، روسيا لديها فرق تعود جذورها إلى الانقسامات في الحقبة السوفييتية: الشعب (سبارتاك)، والشرطة (دينامو)، والجيش (سيسكا). في النمسا، نشأ نادي «هاكواه فيينا» لجمع الأموال للصهيونية على يد اثنين من الصهاينة النمساويين، وغيرها من الأمثلة التي ألمح «سام» من خلالها أن هذه الاتجاهات ستحاول دائمًا زيادة نفوذها وإن استلزم الأمر تهديد بقاء الآخر.
وهنا كانت اليورو ليج في كرة السلة أو دوري السوبر في كرة القدم محاولة لمزيد من التطرف في النموذج الأوروبي، النموذج الذي يركز الربح والنفوذ والمواهب على مجموعة دون غيرها.
ولنزيدك من الشعر بيتًا، دعنا نخبرك أن اليورو ليج قد قررت في عام 2015 ضمان مشاركة 13 ناديًا لمدة 10 سنوات، تمامًا كما أرادت أندية السوبر ليج، ثم حصلت على مرادها بطريق آخر عبر النظام الجديد لدوري أبطال أوروبا والذي سيبدأ العمل به في 2024.
لأن الإقصاء سيتبعه المزيد من الإقصاء، وهذا هو الحال في أوروبا. وحتى يحاول فلورنتينو بيريز أو أحد أحفاده مرةً أخرى سنظل منتظرين أحدهم ليحاول مناقشة الأسباب الموضوعية لتراجع مردود اللاعبين والأندية الكبيرة عوضًا عن السعي بسذاجة خلف مزيد من النفوذ بحجة تقليد النموذج الأمريكي.