انتهى الدرس يا غبي: نهاية «قذافي اليمن»

«لا توجد صداقة دائمة، ولا توجد عدواة دائمة، إنما هناك مصالح دائمة» تنطبق هذه المقولة كما سائر مقولات المدرسة الواقعية على ما يجري الآن في اليمن. بشكل مفاجئ، تحولت وسائل الإعلام التابعة لدول التحالف العربي في اليمن خاصة الإماراتية والسعودية، إلى داعم رئيسي للانقلاب الذي قام به الرئيس السابق عبد الله صالح على شريكه الحوثي، والدخول في اشتباكات دامية من أجل طرد مسلحي الجماعة من العاصمة صنعاء وباقي المدن التي يسيطرون عليها.

كيف بدأت القصة؟

اندلعت اشتباكات يوم 29 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بين قوات موالية لصالح وأخرى تابعة لجماعة الحوثي في محيط «جامع الصالح» في ميدان السبعين جنوب صنعاء. اتسع الخلاف ليسقط 10 قتلى وجرحى من الحوثيين بسبب منع حراسة الجامع التي تتولاها قوات صالح للحوثيين من وضع كاميرات مراقبة فوق الجامع لمراقبة الميدان استعدادًا لتنظيم الحوثيين احتفالية بالمولد النبوي الشريف.

ليست هذه أول مرة تشهد خلافات واشتباكات يسقط فيها قتلى من الطرفين، لكن تلك الاشتباكات كان يتم احتواؤها في كل مرة ففي أغسطس/آب.اتهم عبد الملك الحوثي حليفه صالح بـالاتفاق مع التحالف العربي للانقلاب على الحوثيين وإدخال أنصاره إلى صنعاء، قائلا: «نتلقى الطعنات في الظهر في الوقت الذي اتجهنا بكل إخلاص لمواجهة العدوان».

أما هذه المرة، فلم يتم احتواء الخلاف حتى الآن، ومن المرجح ألا يكون ذلك قريبًا، أو قد لا يتم أصلا، إذ دخل عامل جديد في خط الخلاف، وهو التحالف العربي وعلى رأسه السعودية والإمارات اللذان أعلنا دعمهما لصالح في مواجهة الحوثي، واصفين تحركه بأنه ثورة على عملاء إيران والطائفية، وفجأة اختفى لقب «المخلوع» ليصوّر وكأنه قائد ثورة جديد.

لم تتوقف دائرة الاشتباكات عند اليوم الأول، فقد بدأت تتسع بين الشريكين، إذ أدرك صالح أن الحوثيين يريدون إحكام قبضتهم على النقاط الأمنية والمناطق العسكرية الخاضعة لسيطرة صالح في قلب صنعاء، ويتولّى قيادتها طارق محمد عبد الله صالح، نجل شقيق الرئيس السابق، وهو مَن يتولى حراسته أيضًا، وتكون تلك السيطرة تمهيدًا لإخراج قوات صالح أو إنهاء فاعليتها تمامًا في العاصمة، مع تقينهم بوجود صفقة بين صالح والسعودية، خاصة من قبل ولي العهد محمد بن سلمان الذي تُعتبر حرب اليمن المهدد الحقيقي لحكمه الآن.

استمرت الاشتباكات في التجدد بشكل يومي، وزيادة أرقام القتلى والجرحى، لتصل حتى يوم 3 ديسمبر/كانون الأول الجاري إلى أكثر من 140 قتيلا ومئات الجرحى، معظمهم من الحوثيين. نجح أنصار صالح خلال أربعة أيام في طرد الحوثيين من مناطق حيوية في العاصمة ومحافظات أخرى، مثل إب وحجة والمحويت، ليعلن قيادي في قوات صالح السيطرة على الجهة الجنوبية والشرقية من العاصمة بنسبة 75%، وسيطر الحرس الجمهوري التابع لصالح على دار الرئاسة، ومعسكر النهدين، ومعسكر 48، ومعسكر ضبوة جنوب العاصمة، ومعسكر العرقوب في مديرية خولان، بجانب مطار صنعاء الدولي وأكاديمية الشرطة.

وتتوالى الاشتباكات بين الطرفين حتى اللحظة. أعلنت قوات الحوثي نجاحها في استعادة السيطرة على بعض مناطق العاصمة، وسريعًا ما تخرج بيانات من قوات صالح لتنفي ذلك، لكن المؤكد أن أعمال القتال لن تتوقف، ما لم يتم التوصل لاتفاق بين الطرفين، فحتى إن نجح صالح في بسط سيطرته على العاصمة، فسيطالها القصف من مناطق أخرى، كما تفعل مع مناطق سيطرة الحكومة الشرعية كتعز وعدن.

السعودية والإمارات: عدو عدوي صديقي

بهذا البيان، علّق التحالف العربي يوم 2 ديسمبر/كانون أول الجاري على ما يجري بين الحوثي وصالح، لم تخرج صيغة كهذه من قبل عن مجلس التعاون الخليجي الذي يقود التحالف خلال الثورة اليمنية في 2011 التي عمل على تحييدها ووأدها، وأخرج صالح منها آمنا دون محاكمة، ثم انقلب بعد ذلك عليهم بتعاون مع الحوثيين في اجتياح صنعاء في 2011.

مشكلة دول الخليج ليست فيمن يحكم اليمن لكن انتماءاته هي المحددة، فصالح كان خلال عقود شريكا للسعودية وخاض حروبا ضد الحوثيين، وحينما أصبح حليفا لجماعة الحوثي، أصبح كلاهما عدوا واحدا وجب قتاله، ولو كان الحوثي غير موال لإيران حينما انقلب على الشرعية، لما كانت هناك «عاصفة حزم» ولدخل الخليج في تفاهم مع الوافد الجديد.

لم يقف الدعم الإماراتي والسعودي عند البيانات الرسمية بل ظهر عمليا، لينفذ التحالف ضربات جوية لدعم قوات صالح في صنعاء، شملت قصف مناطق تمركز ميليشيات الحوثي جنوب صنعاء في تلال الريان المطلة على حي حدة، وفي منطقة حزيز القريبة من معسكر قيادة قوات الحرس الجمهوري.

على مستوى الخطاب الإعلامي، فجأة تمت إزالة لقب «المخلوع» الذي يسبق اسم صالح في أي بيان أو وسيلة خليجية، ليستبدل بـ «الرئيس السابق»، كذلك تم فصله عن الحوثيين بوصف أتباعه بـ «قوات صالح»، أما الحوثيون فيتم وصفهم كما في السابق بالميليشيات، وزاد عليها الإيرانية.

أكّد التحالف بقيادة السعودية أن مشكلتهم مع الميليشيات التابعة لإيران، وليست مع صالح أو قيادات حزب المؤتمر الشعبي الذي تعاون مع انقلاب الحوثيين، وأعلن التحالف أنه يقف مع مصالح الشعب اليمني للحفاظ على أرضه وهويته ووحدته ونسيجه الاجتماعي في إطار الأمن العربي والإقليمي.

جاء رد التحالف هذا بعد الرسالة التي وجهها صالح، بأنه على استعداد لفتح حوار جديد مع «الأشقاء في دول الجوار». سيكون الثمن بالطبع ضمان دور سياسي على الأقل لاتباعه خاصة ابنه أحمد والموجود في الإمارات، بجانب الحفاظ على مصالحه، ومنع ملاحقته بسبب الانتهاكات التي تمت خلال فترة تحالفه مع الحوثيين.

كل شيء في هذه الأرض له ثمن كما تم من قبل مع الرئيس جمال عبد الناصر، حينما أرسل قوات مصرية لدعم الجمهورين، لكن انقلبت ضده القبائل بعد رشوة قياداتها من قبل السعودية الداعمة للملكين وقتها، وهذا ما يجري الآن مع صالح.

من المؤكد أن التحالف سيقبل بذلك، فالسعودية بعد مرور ما يقرب من ثلاث سنوات على الحرب لم تحقق الكثير من أهدافها، فالرئيس منصور هادي لم يستطع = قيادة اليمن من الداخل، إنما ما زال موجودا بالرياض، كذلك لم تتوقف تهديدات الحوثيين، بل وصلت صواريخهم إلى العاصمة الرياض، ليؤكد أن الحسم العسكري صعب المنال وسيطول، وبهذا يكون صالح عدو الحوثيين الجديد القديم صديقا للسعودية مرة أخرى، وكما احتضنته وعالجته من قبل ستفعل ذلك مجددا.

الحوثيون ليسوا مغفلين.. كغيرهم

ربما يكون صالح هو الرئيس العربي الأكثر تلوّنا في تاريخه. من التحالف مع صدام حسين ضد السعودية في بداية حرب الخليج، إلى حليف وثيق للمملكة، ومن عدو الحوثيين اللدود إلى حليفهم الاستراتيجي، كان صالح يجيد لعبة القفز على الحبال. لكنه لم يكن يدري أن قفزته الأخيرة ستئول إلى كسر رقبته.

قام الحوثي بعد ساعات من تحرك صالح بتوجيه إنذار شديد إلى شيوخ القبائل حول عمران وصنعاء، ولا شك أن سلوك الحوثي تجاه القبائل خلال مسيرته مؤخرا، وهي المسيرة التي لم يراعِ فيها أي أعراف أو أخلاق في التنكيل بخصومه وإهانتهم، كان رسالة ضمنية إليهم بخطورة تسرعهم في الانضواء تحت راية انقلاب علي عبد الله صالح على حلفائه الحوثيين.

بحلول ليل الثالث من ديسمبر/كانون الأول، كان الحوثيون قد أظهروا تفوقهم النوعي ميدانيًا في العاصمة – ربما بسبب التسليح الإيراني، علاوة على غياب الدعم العددي الضروري من القبائل لقوات صالح – مما مكّنهم سريعا من امتصاص تقدم القوات الموالية لصالح والرد عليها بعنف خلال ساعات، ليتم محاصرتها سريعا في مربع صغير. وقد أتت ضربات التحالف السعودي كالعادة عشوائية ومتأخرة، ودون تنسيق فعلي مع صالح، كما أن تحركات قوات الشرعية من مأرب باتجاه صنعاء لم تكن بالسرعة اللازمة. وهكذا استمر التحالف السعودي في تضييع فرص قلب الطاولة على الحوثي.

طلع صباح الرابع من ديسمبر/كانون الأول، ليعلن نهاية حقبة تلاعب «قذافي اليمن» بمصير اليمن السعيد الذي أضحى تعيسًا على يديه. لكن صباح الرابع من ديسمبر/كانون الأول كذلك، سيسجل فشلا جديدًا للخيار الخليجي بمعاداة الثورات العربية والتحالف مع رموز الأنظمة القديمة.