معضلة المقاعد الفارغة وصعوبة التفكير «خارج الصندوق»
محتوى مترجم | ||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
أخبرني صديق طيّار ذات مرة قصةً مُضحكة توضح وجود خلل شائع جدا في النفس البشرية. أسميه أنا خلل «مشكلة المقعد الفارغ». عندما عمل صديقي -فلنسميه «جيمس»- لدى شركة طيران إقليمية متوسطة المستوى، لاحظ أن المضيفات غالبا ما يرتكبن خطأً غريبًا.
في إجراءات الرحلات المعتادة قبل تحليق الطائرة، يجب على الكابتن الطيار ومساعده انتظار المضيفات لإعلامهما بعدد الركاب. مما يتيح لأفراد طاقم الطائرة أن يلاحظوا أي تناقض في قائمة الركاب والركاب المحتمل عدم حضورهم.
أدرك «جيمس» المشكلة في رحلة صباحية مبكرة، بعد أن لاحظ بلمحة سريعة أن المقاعد العشرة الأولى فقط كانت مشغولة. كانت الطائرة من نوع (Bombardier CRJ700) في ذلك الوقت، مع 75 مقعدا كحد أقصى لعدد الركاب. فتساءل عما يستغرق الطاقم كل هذا الوقت لإعلامه بعدد الركاب، فسار بين الممرات بحثا عن المضيفات ولاحظ أنهنّ مشغولات بعدّ مقاعد فارغة!
سأل صديقي إحدى المضيفات:
«هل يمكنني أن أسأل ماذا تفعلون؟»
فأجابت المضيفة الشابة:
«نحصي عدد الركاب، كابتن.»
فقال «جيمس»:
«بالتأكيد، لكنه لا يستغرق سوى بضع ثوان لتعرفي أن هناك 10 ركاب فقط على متن الطائرة! فهل لي أن أسألك ماذا تفعلين بعد مقاعد فارغة؟»
فأجابت سريعا باضطراب:
«لكن هذا ما طلبوا منّا أن نفعله في التدريب، قالوا لنا أن نحسب عدد المقاعد الفارغة!»
إذا كنت سأصدق أصدقائي الطيارين، فإن هذا السيناريو شائع الحدوث أثناء طقوس الإقلاع.
للوهلة الأولى، يبدو نظام تدريب مضيفات الطيران منطقيًا. في عصر الرحلات الجوية المحجوزة بالكامل، فإن عدّ عدد قليل من المقاعد الفارغة وطرحه من عدد مقاعد الطائرة يوفر وسيلة سريعة وفعالة للوصول إلى عدد الركاب.
ولكن ماذا يحدث عندما تطغى التلقائية في تنفيذ النظام المتبع للعديد من المرات على قدرتنا على ملاحظة ما هو «واضح»، وإيجاد أكثر الحلول فعالية أو أن نرى الأمر من وجهة نظر أخرى؟ توضح حالة عدّ المقاعد الفارغة المشكلة الشائعة لكل ما نفقد ولا نتمكن من ملاحظته عندما نشغّل بحسن نية الطيار الآلي.
وبالنظر من زاوية أكثر مأساوية لمشكلة المقعد الفارغ. مثالنا التالي نُقل إليّ من صديقي الشرطي -فلنسميه «ماركوس»- كان ماركوس رجلا هادئا وعطوفًا، حاصل على درجة في علم الجريمة قبل انضمامه إلى الشرطة الفيدرالية. تتضمن القصة أحد زملاء ماركوس، والذي كان وقت إخباري بالقصة، قد أطلق النار مؤخرا على سيدة في حالة سُكر فأرداها قتيلة؛ بعد أن اعتدت عليه بسكين مطبخ.
كان رد فعلي:
«إنها قصة مروعة، لابد أن صديقك يشعر بالرعب الآن!»
أجاب «ماركوس»:
«على الإطلاق، فقد هوجم صديقي، ودافع عن نفسه، كان يقوم بعمله فقط.»
قلت بفراغ صبر:
«ولكن بالتأكيد هناك اختلاف كبير بين بندقية وسكين المطبخ، ألم يستطع أن يحاول نزع سلاح المهاجمة بإطلاق النار على ذراعها أو أيا يكن.»
فختم صديقي كلامه بثقة:
«لكننا لسنا مدربين على إطلاق النار على الأذرع!»
الهدف من هاتين القصتين ليس تدعيم أي صور نمطية سلبية قد تكون موجودة حول المضيفات وضباط الشرطة. فمثل الناس في كل مكان، الغالبية العظمى من رجال الشرطة وأطقم شركات الطيران أشخاص صادقون ومتعاطفون وأذكياء عادةً، وكما يقول «ماركوس» «إنهم فقط يقومون بعملهم».
بدلا من ذلك، تشير مشكلة المقاعد الفارغة إلى نزعة الإهمال في كل واحد منا: عدم قدرتنا على التفكير خارج الصندوق أو التفكير في البدائل المتاحة بينما تدفعنا خبراتنا التعليمية السابقة لرؤية العالم والتعامل معه بأسلوب واحد فقط لا غير.
ما الذي يجب اتخاذه لتجنب هذه المشكلة؟ كما هو معتاد مع التفكير النقدي؛ (إذا كنت ستعذرني على التعبير السلبي التالي) يبقى الحل أصعب مما نعتقد.
أولا، دعونا نأخذ في الاعتبار مدى صعوبة الوصول إلى الصورة الذهنية لتبديل وجهات النظر وجعلها متسقة مع زوايا جديدة لإسقاطها في عالمنا، يمكننا أن نبدأ مع مشكلة سهلة.
هل سبق لك أن لاحظت السهم في هذا الشعار؟
غريبة أليس كذلك؟ كيف أن صورة سبق أن رأيناها آلاف المرات يمكن أن تحتوي على أشياء خفية لم نلاحظها أبدًا؟ عملية تبديل المنظور المطلوبة لرؤية السهم هي ما أطلق عليها عالم النفس «جيستالست» «الشكل والأرضية ».
الآن هنا لقطة أخرى، محاولة عدم رؤية السهم.. إذا كنت غير قادر -مثل معظمنا- على استعادة رؤيتك للشعار بدون سهم كالسابق، فسوف تعرف كم من السهل أن تُحصر في منظور واحد.
يمكنك أيضا المحاولة مع هذه المشكلة، التي قدمها عالم النفس الاجتماعي «إلين لانجر».
دون قراءة النص أدناه، هل يمكنك أن ترى أي شكل؟ أي شيء ذي معنى في هذه الصورة؟
لا زلت لا يمكنك؟ ماذا عن هنا؟
الآن حاول مرة أخرى عدم رؤية البقرة!
استنتاج صعب:
كنت أرغب في إنهاء هذا المقال القصير بتقديم نصيحة بسيطة عن الهروب من رؤيتنا للعالم بمنظورنا الواحد. السفر وتعلم اللغات والآلات الموسيقية وتجربة الأطعمة الجديدة، ومقابلة أشخاص جدد وتعلم مهارات جديدة غالبا ما يشاد بأنها المدخل إلى عقل أكثر مرونة. ومن الشائع أيضا؛ أن التأمل والتنويم المغناطيسي والمنشطات تساعد في تقليل القيود المعتادة على التخيل.
ولكن هل هناك خطر في سعينا وراء هذه التجارب الجديدة، هل نواصل العمل في إطار الطيار الآلي ذي المنظور الواحد؟ كم سعينا سريعا لدمج الروتين القديم في السفر؟ كم من التسامح كان لدينا تجاه هؤلاء المختلفين عنا؟ كم مرة تعلمنا أغاني جديدة، أو طريقًا جديدًا في التعبير عن أنفسنا؟
وكنصيحة نهائية حذرة، أود أن أؤكد مجددا أن عدّ المقاعد الخالية وإطلاق النار على القابضين على سكاكين المطبخ، وعدم القدرة على عدم رؤية بقرة هو زوايا مختلفة للعملة نفسها، عملة محفورة بعمق في حدسنا ونفسيتنا الساعيين للنمطية-.
لذا فإن سؤالنا الختامي الصعب، ليس أن نسأل ببساطة كيف لا نعد المقاعد الفارغة؟ ولكنه يكمن في معرفة لماذا دائما ما يعد -كل واحد منّا- المقاعد الفارغة!