يعتبر الحقوقي والقيادي بالحزب المصري الديمقراطي زياد العليمي أحد أبرز وجوه شباب ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، حيث كان عضوًا بالمكتب التنفيذي لائتلاف شباب الثورة ومتحدثًا باسمه، وفاز في أول انتخابات لمجلس الشعب المصري 2011-2012، ويحظى بشعبية واسعة وسط المجموعات الشبابية المختلفة باعتباره أحد المدافعين عن حقوق الإنسان واستمراره في معارضة السلطة المصرية بعد 3 يوليو 2013، ساعيًا نحو تحقيق الديمقراطية الحقيقية.

وكان العليمي حاضرًا بقوة في إطار حوارات «إضاءات» مع رموز المعارضة المصرية في الذكرى السادسة لثورة يناير المجيدة، إليكم تلك الجولة الحوارية معه.


أستاذ زياد العليمي نود أن نعرف رؤيتك لمستقبل الحياة السياسية في مصر فيما يخص الأحزاب والحركات السياسية التي يعتبر نشاط أغلبيتها مجمدًا الآن في ظل النظام السياسي الحاكم بعد 30 يونيو.

الأحزاب السياسية هي جزء من النظام، سواء كانت مؤيدة أو معارضة، فهي تسعى للتغيير من داخل النظام نفسه، ويسمح النظام الديمقراطي بوصول تلك الأحزاب إلى السلطة من خلال آليات التغيير الطبيعي (تصويت الناخبين)، بينما يتم منع تلك الإجراءات في الدول المستبدة مما يسبب غلقًا للمجال العام، وهذا يؤثر على الجماهير بشكل سلبي حيث يصبح الواقع سيئًا ولا يوجد أمل في التغيير إلا من خلال الخروج على النظام والعمل على إسقاطه.

والحقيقة أن يناير أثبتت هذا الشيء، فمساء 25 يناير عندما كانت الجماهير تهتف بإسقاط لنظام، كانت الأحزاب تعقد مؤتمرًا صحفيًا بمقر حزب الغد ضم أحزاب التجمع والغد والجمعية الوطنية للتغيير وقتذاك بقيادة الدكتور عبد الجليل مصطفى وحزب الوفد والغد وقيادات من جماعة الإخوان، وكان سقف مطالبهم إعادة انتخابات البرلمان بشكل يتناسب مع طموحهم بالتغيير من داخل النظام، فلم يشارك أي من الأحزاب في الحراك الثوري إلا بعض شباب جماعة الإخوان المسلمين الذين كسروا قرار الجماعة المعلن على لسان قادتها آنذاك، جاء ذلك من خلال مجموعة على موقع التواصل الاجتماعي تكونت من 300 شاب، كذلك شباب حزب الجبهة الديمقراطية.

فالأنظمة المستبدة من المستحيل أن يتم تغييرها من خلال الأحزاب السياسية وحدها؛ لأنها في النهاية جزء من النظام، وأملها زيادة مساحتها بالنظام السياسي القائم من خلال آليات ديمقراطية قانونية -وليست بالضرورة شرعية- ولكن الجماهير كانت سابقة للأحزاب، إذ جاء التغيير من خارج النظام بآليات شرعية جعلها النظام غير قانونية. وبالرجوع إلى نظام مبارك نكتشف أن من عام 1981 إلى 2011 كان حزب الوفد يحصل من 6 إلى 7 مقاعد بالبرلمان وحزب التجمع من 5 إلى 6 كراسي، بينما تحصل الأحزاب الأخرى المعارضة على مقعد أو اثنين، مما يوضح أنه لم تكن هناك انتخابات بمعناها الحقيقي؛ لأن الأحزاب ظلت على مدى 30 سنة تحصل على عدد محدد من المقاعد لا تزيد ولا تقل، فالنظام الذكي يعطي الأحزاب قدرًا من المكاسب كطعم لمحاولة الحفاظ عليها كديكور طيلة الوقت.

والنظام المصري الحالي ليس مستبدًا ذكيًا، فهو لا يعطي الأحزاب تلك المكاسب مما سيدفع جماهيرها للخروج على النظام، وبرأيي وجود الأحزاب أمر مهم للحفاظ على المكتسبات الديمقراطية التي دفعت الجماهير ثمنها دمًا، إلا أن التغيير لن يكون من داخلها، حيث تعتمد كل الأحزاب الحالية -بما فيهم الحزب الذي أنتمي إليه- على الشكل التنظيمي الذي ابتدعه الحزب الوطني بمصر (أقسام – مراكز – محافظات -هيئات مركزية -قيادة عليا)، هذا الشكل يصلح لأنظمة بها انتخابات في مناخ ديمقراطي تخوض فيه الأحزاب الانتخابات، إلا أنه في المناخ غير الديمقراطي على الأحزاب السياسية أن تبدع أشكالًا تنطيمية أخرى، وللأسف إلى الآن ليس هناك شكل تنظيمي آخر للعمل داخل نظام مستبد لتغيير النظام بأكمله مع الحفاظ على المكاسب التقليدية، وبالتالي في لحظة يكون كل الحراك من الشباب غير المنظم بلا مكاسب سياسية في معركة «يا نموت يا يموتوا» كما حدث في 2011.

وفي رأيي أن النظام لا يترك أي بدائل، ويرجعنا إلى تلك النقطة ،«يا تخلص عليه يا يخلص عليك».


تأخذنا تلك النقطة إلى الحركات السياسية، حيث كانت الحركات الشبابية هي البديل عن الأحزاب السياسية التي تعتمد على التغيير بشكل صوري من داخل النظام قبل 2011؛ الحركات الشبابية التي ساعدت بالأساس على إسقاط نظام مبارك من خلال التجمهر والحشد ضد النظام، وكانت تلك هي بداية الثورة، فما وجهة نظرك فيما يخص مستقبل الحركات السياسية والشبابية ومعظمها مجمد؟

علينا الاعتراف أن الكل يتعلم مما حدث فنحن نتعلم وكذلك النظام يتعلم كيف يقاوم، ولأنه يعلم جيدًا من أين أتت له الضربة دائمًا ما يعتبر عدوه الرئيسي هو الشباب أيًا كانت توجهاته.

فعلى سبيل المثال ما حدث لمحمود بدر ومحمد بدران؛ وهما من أكثر الشباب المؤيدين للنظام. إلا أن هذا النظام تعلّم أن عداءه الرئيسي مع هذا الجيل لأنه تعلم كيف يواجه من يمثلون عليه خطرًا، لكنه لم يتعلم أو يعرف لماذا هؤلاء يمثلون عليه خطرًا؟.

والحقيقة أن ذلك لأن الدولة تدير بعقلية الخمسينيات والستينيات، ولكن الشباب يعيشون في عام 2017 سواء كانوا مؤيدين أو معارضين، فهم يرون الواقع بشكل مختلف من مكاتبهم وما يحدث بالعالم والبدائل وكيف يمكن أن يعيشوا بشكل أفضل. وبالتالي -بما فيه المؤيدون- إن لم يكن -الشاب- له مصلحة شخصية مباشرة يكتشف بعد فترة أنه ليس لديه مستقبل بهذا النظام. فهذا النظام يعادي الشباب بشكل واضح بمن فيهم المؤيدون، إذ يستخدمهم كـ«وردة في عروة الجاكتة» ثم يتم التعامل معهم كـ«مناديل متسخة» يتم إلقاؤها في القمامة.

يكمن الخطر في تعلم النظام دروس الماضي والضربات القوية الموجهة للمجموعات الشبابية، كما أخذ وقته من 2011 إلى 2013 في محاولة فهم كيف تتحرك تلك المجموعات للتمكن من ضربها، بدلاً من فهم ماذا تريد تلك المجموعات وكيف من الممكن التواصل معها. وبالتالي تم تدمير كل المجموعات الشبابية سواء من خلال الاختراقات الأمنية أو تطميع عدد من قيادتها حتى أصبحوا جزءًا من النظام – ثم تم حرقهم – أو فصل القيادات عن القواعد بالسجون أو بشل حراكهم من خلال القوانين (مثل التظاهر والجمعيات الأهلية)، فلا يعطيك النظام مجالاً للحركة.

والمشكلة الأساسية أن تلك المجموعات حتى الآن لم تظهر بشكل تنظيمي جديد يمكنها أن تعمل من خلاله، مثلما قرأ النظام كيف تعمل تلك الحركات وكيف يمكن أن يضربها من خلال تكسير المفاصل لتقع جميعها خلال الفترة من 2011 إلى 2013، وأظن أن تلك الحركات الآن في مرحلة قراءة كيف يعمل النظام لأنه لا يوجد حركة، وما لا يفهمه النظام أن تلك المجموعات عندما يتم إيذاؤها تبدأ في مذاكرة ماذا يمكن أن تفعل.

فرأيي أن المجموعات الشبابية معظمها -الفعال فيها- يحاول قراءة النظام وابتداع أشكال تنظيمية أخرى تتماشى مع طبيعة الاسبتداد وتمكنه من لعب دور محوري.

والوضع الحالي يعبر بصعوبة احتواء الأحزاب السياسية للغضب الحالي على الساحة مما يؤدي إلى انفجار قادم، وميزة يناير أنه كان هناك مجموعات منظمة يتعامل معها النظام بشكل واضح، ولكن بالقضاء على تلك المجموعات يخرج الملايين من الشوارع بلا قيادة من الممكن التفاوض معها، وبالتالي يتم القضاء على الجميع، وهذا يعتبر الخطر الحقيقي الذي نتحدث عنه «انهيار الدولة».


بالحديث عن الحركات الشبابية واحتمالية الانفجار القادم، هل يعتبر الوضع السياسي الحالي وانتهاكات حقوق الإنسان مع الوضع الاقتصادي المتأزم، وهو أسوأ مما كان عليه الوضع قبل الثورة، فهل بعد 6 أعوام من الثورة يعتبر الوضع الحالي مؤشرًا على قدوم ثورة شعبية؟

سيؤدي الوضع الحالي إلى انفجار شعبي لن نعرف ماذا ستكون نهايته، لكن ثورة شعبية وتغيير وبرنامج «لأ»؛ لأن ذلك يحتاج إلى آليات أخرى وتنظيم ونضج من جميع التيارات السياسية.

فإن لم يتوافر شكل تنظيمي أكثر وعيًا يجمع الناس وقادر على التفاعل في هذا الوضع المستبد بشكل مبدع في التنظيم والحركة فسنكون أمام كارثة كبيرة، فالسعي الآن إلى بناء شكل تنظيمي مهم؛ لأن النظام حاليًا «واخد البلد دي وهيخش بينا في الحيطة»، فمن المهم أن يكون هناك من يستلم وقتذاك، فإن لم يتوافر ذلك فسيكون النظام قد قضى على الدولة المصرية التى يقول دائمًا إنه جاء للحفاظ عليها.


هل من الممكن أن نتوقع أن يحدث انتقال سلمي للسلطة خاصة بعدما حكمت المحكمة الإدارية العليا ببطلان اتفاقية جزيرتي تيران وصنافير، واعتبارهما أراضي مصرية بالرغم من كل محاولات النظام لبيعها؟

أي حديث عن انتقال للسطلة «عنيف» به خطورة على الجميع، بمعنى أنه مهما كان غرض هذا التيار نبيل فإن حل الخلافات السياسية بالعنف في حالة نجاح هذا التيار؛ ستختلف مجموعات التيار فيما بينها، وإن لم يكن هناك آلية لإدارة هذا الخلاف سوى العنف فستقضى على بعضها البعض، وبالتالي العنف خطر على مستخدميه أكثر من خطورته على الآخرين.

ومن الجهة الأخرى أنت تواجه نظامًا مستبدًا قائمًا بقوة السلاح، ولن يسمح بانتقال سلمي. ولكننا نحتاج لمرحلة من النضج من التيارات السياسية كلها، وبالرغم مما حدث فإنه منذ 12 فبراير، وقد تم الكشف عن كثير من النخب السياسية وعملهم لمصلحتهم الشخصية كبير جدًا، وإن كنا انتصرنا آنذاك فهؤلاء من كان سيتم وضعهم في القيادة، فنحن مستفيدون مما يحدث من «فرز».

فالحديث عن دولة جديدة هو حديث عن جمهورية ثانية، فالجمهورية الأولى القائمة منذ عام 1952 ستنهار حاليًا، لعدم مواكبتها للعصر وافتقارها لآليات الحكم، والجمهورية الأولى بمعناها الحكومي والمعارضة.

والحل يحتاج مستوى عاليًا من النضج بكل التيارات السياسية بالاستعداد على التضحية بقيادتها التاريخية غير القادرة على مواكبة المجتمع بدورهم في المسار التاريخي خلال الستة أعوام السابقة، فقيادات جماعة الإخوان المسلمين لعبوا دورًا به إجرام وانعدام المسئولية تجاه الوطن، وقيادات كثيرة من بين الليبراليين لعبت دورًا به إجرام وانعدام مسئولية، كذلك اليساريون وكل التيارات.

فعلى كل، من مع دولة مدنية حديثة من كل تلك التيارات عليه أولاً إعلان استعداده للتضحية بتلك القيادات، من خلال تطبيق برنامج للعدالة الانتقالية، وهو ما يعتبر من وجهة نظري المخرج الوحيد.

فالاهتمام الرئيسي هو ألا تسقط الدولة، وعلى التيارات كافة الجلوس سويًا لتحديد شكل الدولة ووضع دستور جديد وآليات محاسبة جديدة، وحينها نكون على مشارف الجمهورية الثانية، مما يتطلب مستوى عاليًا من المسئولية حتى تكون التيارات المختلفة غير مهتمة بالسلطة، بل بتجهيز «ملعب الكورة للعب عليه»، برسم شكل الدولة وإدارة الخلاف السياسي بها بديمقراطية قائمة على مؤسسات دولة مستقلة عن السلطة، دون استبعاد أي طرف لم يفسد ولم يرتكب جرائم وسط كل التيارات من الحزب الوطني والإخوان والسلفيين وغيرهم.

فالمشكلة الأساسية من 2011 وجود تيارين رئيسيين رأيا إمكانية أن يصلا إلى الحكم دون التعاون مع الآخرين، تيار جماعة الإخوان المسلمين وتيار تزاوج رأس المال والعسكري، الحقيقة أن الإخوان جربوا ذلك وتمت هزيمتهم، والتيار «العسكري المالي» تتم هزيمته الآن، وفي اللحظة التي تتم فيها هزيمة كل الأطراف سيتم الجلوس حول مائدة مستطيلة والاعتراف بأنه لن يستطيع أحد حكم البلد بمفرده.


ومن وجهة نظرك أستاذ زياد، ما يمكن أن يقوم به الشباب أو الحركات السياسية لخلق بديل ومساحات للتعبير والوصول للجماهير في ظل الانتهاكات وغلق المجال العام الحادث بمصر الآن؟

على كل التيارات أن تراجع أداءها سياسيًا لأننا اختبرنا الثورة لأول مرة، وبالتالي هناك أخطاء ارتكبناها، فعلى كل التيارات أن تنتقد ذاتها دون جلد للذات أو لإثبات صحة مواقف تيار محدد وخطأ الآخر، ولكن للتفكير فيما حدث والتعلم من الأخطاء السابقة.

ومن عواقب الحكم المستبد في مصر لمدة 60 عامًا أننا لم نعد ندرك أن بمصر 90 مليون شخص يتحدثون 5 لغات مختلفة، فهناك الأمازيغية إلى جانب 3 لغات نوبية ولغة قبطية بالكنيسة واللغة العامية المصرية، وجزء من قوة مصر هذا التنوع الثقافي ومحاولة القضاء عليه هو قضاء على الهوية المصرية، وهذا الشكل الاجتماعي بمصر لا يختلف كثيرًا عن السياسي، فهناك 90 مليون مصري لن يتفقوا على الشيء ذاته، فعلينا أن نخلق آلية للخلاف وغلق صفحة الماضي بمراجعة الأخطاء والتعلم منها وبناء الجمهورية الثانية بشكل مختلف.

وأظن أن الشباب بكل التيارات أقرب للوصول إلى هذا لأنهم لم يعيشوا في الجو المستبد لفترات طويلة، فقدرتهم على التغيير بداية من أنفسهم ونمط حياتهم أكبر، وقدرتهم على النقد وتغيير الوضع أسهل ممن عاش 50 عامًا في هذا الوضع.


وبالنسبة للمجتمع المدني باعتباره عمودًا أساسيًا بالدولة الحديثة، فالوضع حاليًا صعب من حيث التحفظ على الأموال وغلق المؤسسات والقبض على المدافعين عن حقوق الإنسان والمنع للسفر، فما رؤيتك لمستقبل المجتمع المدني بمصر؟

النقابات والأحزاب والمنظمات الحقوقية والجمعيات الأهلية تندرج تحت مصطلح المجتمع المدني، وبالتالي لن يكون هناك مستقبل له إلا بوجود حقيقي لهذا المجتمع المدني، بمعنى أن يكون المجتمع المصري مجتمعًا مدنيًا حقيقيًا، فالنظام المستبد يرى خطورة النقابات مثلاً والأحزاب والمجتمع الحقوقي وغيرها لأنها تقول حقائق وروايات مختلفة عما يقوله النظام.

فإن كان النظام واثقًا من رجاحة نظره وما يقول فسيدافع عن نفسه بأفكار مما يعطيه فرصة لاكتساب هذا المجتمع المدني إلى صفه، بينما لا يمتلك النظام المستبد قدرة على استيعاب هذا الاختلاف فيحاول القضاء على أي صوت مخالف له، وبالرغم من أنه بذلك سيقضي على المجتمع المدني فإنه لن يكون مصدقًا لدى الناس، لأن ما سيراه الناس على الأرض وضعًا مختلفًا عما يقوله النظام، وبالتالي لن يكون هناك ثقة في النظام.

النظام المصري الآن مثل الديناصور الذي مضى عليه الزمن، وهو لا يدرك حقيقة ذلك، فسيستمر في السير حتى ينقرض، ومن سيكون لديه رؤية مختلفة فسيقود الوضع.

فالنظام يواجه كل مؤسسات المجتمع المدني بالطريقة ذاتها من خلال قانون الجمعيات الأهلية وتحجيم دور الأحزاب والنقابات، فهذا النظام – أي نظام مستبد – يعادي الحقيقة والاختلاف، فعليك اكتشاف أساليب بديلة للقيام بدورك وإلا فستنقرض مع النظام.