كان مُمسِكًا ببندقيته، صامدًا أمام دبابة العدو، يلفظ أنفاسه الأخيرة.

كان في موطنه رغم ابتعاده عنه آلاف الكيلو مترات. توارى أهله مُختبئين خلف ظهره، دون أن يتجاوزوا الصحاري التي كانت تفصل بينهم وبينه.

أبى ابن المحلة البار أن يتخلى عن بندقيته، وهو في رمقه الأخير، متجاهلا توسلات من خلفه أن يلج معهم إلى المخبأ، حتى استشهد، فروت دمائه الذكية أرض الوطن المُغتصَب.

هو محمد فتحي فرغلي، جندي الصاعقة المصرية، الذي تمركزت كتيبته في خان يونس بقطاع غزة أثناء العدوان الإسرائيلي عام 1967.

وفي صباح يوم الخامس من يونيو/حزيران، دخلت الدبابات الإسرائيلية إلى منطقة الكتيبة في خان يونس.

استجار أهالي المنطقة بمسجد العقاد الذي كان في وسط خان يونس، أثناء هجوم قوات الاحتلال، وحاولوا الوصول إلى مخبأ هناك.

وحده من تصدى لهجمات دبابات الاحتلال دفاعًا عن هؤلاء الأهالي. فظل فرغلي يقاتل قوات الاحتلال رافضًا أن يدخل المخبأ مع من دخل، حتى أُصيب إصابات بالغة واستشهد. ودُفن إلى جوار شجرة في المكان نفسه.

قبر الشهيد المصري «محمد فتحي فرغلي» في خان يونس.

يعيش مصطفى حافظ.
دوّى هذا الهتاف عاليًا في ربوع قطاع غزة لبضع دقائق.

كان ذلك عام 1955، أثناء استقبال أهالي غزة للرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر في زيارته لخطوط المقاومة الأمامية هناك.

ولا عجب، فقد استطاع هذا الشاب المصري الواعد، الذي لم يتجاوز عمره الـ 35 عامًا، أن يأسر قلوب الفلسطينيين.

هو مصطفى حافظ، ضابط مصري ولد في طنطا عام 1920. وفي يوليو/تموز 1948 نُقل إلى إدارة الحاكم الإداري العام لقطاع غزة، وفي أكتوبر/تشرين الأول من نفس العام، عُيِّن حاكمًا لمدينة رفح، ثم انتقل إلى غزة أواخر عام 1951.

وفي عام 1955، قرّر جمال عبد الناصر إنشاء كتيبة فدائيين لمواجهة الوحدة 101 الإسرائيلية التي شكّلها آنذاك آرئيل شارون للإغارة على القرى الفلسطينية، وتولى حافظ قيادة هذه الكتيبة التي حملت اسم (ك 141).

كان حافظ مسئولا عن تدريب الفدائيين الفلسطينيين، وإرسالهم لتنفيذ عملياتهم الجريئة داخل الأراضي المحتلة، كما كان مسئولا عن تجنيد العملاء لمعرفة ما يجري بين صفوف العدو ووراء خطوطه. كان يتولى بنفسه عمليات التدريب ووضع الخطط، واستطاع رجاله الوصول إلى قلب الأراضي المحتلة.

أُطلق عليه «أبو الفدائيين» و«الشبح». فصورته لم تكن معروفة حينئذ لدى الإسرائيليين. وعلى مدار عامي 1955 و1956 أصابت عملياته الإسرائيليين بالذعر. فهو من استطاع الوصول إلى مستوطنات الشمال مثل مستوطنة «ريشون لتسيون» قرب تل أبيب. ويُقال أنه نجح في الحصول على الرشاش «العوزى» بعد أسبوع فقط من دخوله إلى الخدمة في جيش الاحتلال، وسلّمه للقيادة العسكرية في القاهرة لدراسته.

نجح الاحتلال في اغتياله في يوليو/تموز 1956 عن طريق طرد «مُفخخ» أُرسل إليه في حديقة قيادته في غزة. لكنه ظل إلى الآن يسكن قلوب الفلسطينيين الذين لم يكتفوا بإطلاق اسمه على شوارعهم ومدارسهم، وإنما أقاموا سرادق عزاء عندما توفيت ابنته بعد سنوات طويلة من استشهاده، ولم يتوقفوا عن زيارة أرملته عامًا بعد عام.


إن حربًا هذه أهدافها هي الحرب المقدسة وهي الجهاد الصحيح الذي يفتح أمامنا أبواب الجنة، ويضع على هامتنا أكاليل المجد والشرف.

لم يجد البطل وهو يخاطب جنوده أعظم وأصدق من هذه الكلمات، حتى يُلهب مشاعرهم، ويحفزهم على المضي قُدمًا في قتال العدو.

إنه البطل أحمد عبد العزيز، الضباط المصري الذي وُلد عام 1907، لأبٍ وطني، تولى قيادة الكتيبة الثامنة بالجيش المصري في السودان، وسمح لجنوده في عام 1919 بالخروج من ثكناتهم لمشاركة الشعب في ثورته.

ولم يكن الابن أقل وطنيه من أبيه. فعقب صدور قرار تقسيم فلسطين وانتهاء الانتداب البريطاني في 14 مايو/أيار 1948، تقدم عبد العزيز بطلب ليتم إحالته للاستيداع، حيث كوّن فرقة من المتطوعين الفدائيين، لكي يذهب بهم إلى فلسطين، ويشاركها في حربها ضد المحتل الصهيوني. فقام بتنظيم المتطوعين وتدريبهم وإعدادهم للقتال في معسكر الهايكستب.

أولى معاركه كانت ضد مستعمرة «كفار داروم» على أرض قطاع غزة، فنجح في حصارها ومنع وصول أي إمدادات إليها، واستولى على خمس عشرة سيارة مصفحة وكميات كبيرة من الذخيرة والإمدادات كانت في الطريق إليها.

ثم تقدم حتى دخل بئر السبع، وقابله السكان مقابلة رائعة، ولم يكد يستقر بها حتى بدأ أولى حركاته بضرب مستعمرة «بيت إيشل» الحصينة ثم شرع في توزيع قواته على هذه المنطقة.

حاول السيطرة على مستعمرة «رمات راحيل» ولكنه فشل، ثم عاد وتمكّن من السيطرة على مستعمرة «كفار ديروم». وأخذ يستخدم تكتيك حرب العصابات، فيضرب المستعمرات بمدفعيته دون أن يهاجمها ويعترض طريق القوافل المصفحة ويبيدها عن آخرها حتى أزعج اليهود وأربك خطوطهم.

استطاعت قوات عبد العزيز تكبيد العصابات الصهيونية خسائر فادحة، فقطعت الكثير من خطوط اتصالاتهم وإمداداتهم، وساهمت في الحفاظ على مساحات واسعة من أرض فلسطين حتى قبلت الحكومات العربية الهدنة.

استشهد البطل في فلسطين، ونُصب قبره في قبة راحيل شمال بيت لحم، ووُضع له هناك نصب تذكاري بالقرب من نصب آخر للشهداء العرب من المتطوعين في حرب فلسطين.


مصر تطلب تأجيل التصويت على مشروع قرار وقف الاستيطان الإسرائيلي.

تقدمت مصر والمجموعة العربية بمشروع قرار إلى مجلس الأمن يدعو لوقف فورى وتام لكل أنشطة الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية.

وكان من المقرر أن يتم التصويت على هذا المشروع أمس، الخميس 22 ديسمبر/كانون الثاني 2016. وكان من المُتوقع – كما جرت العادة – أن تستخدم الولايات المتحدة حق الفيتو ضد المشروع.

ولكن، كانت المفاجأة، وهي أن إدارة أوباما كانت تبحث الموافقة على مشروع القرار أو الامتناع عن التصويت، دون استخدام الفيتو؛ هو ما أربك كافة الحسابات، فهرع الوفد الإسرائيلي، إلى نتنياهو، الذي أجرى اتصالاته بترامب، الذي بدوره دعا إدارة أوباما لاستخدام حق الفيتو ضد مشروع القرار، متذرعًا بأن الموافقة عليه ستزيد من صعوبة استئناف عملية السلام الإسرائيلية-الفلسطينية.

ولكن الخطة الأكثر فاعلية، كانت اتصال نتنياهو بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي بدوره دعا الوفد المصري لسحب مشروع القرار وتأجيل التصويت عليه بحجة مراجعة نص المسودة.


هي ليست مجرد خطوة جديدة يخطوها النظام المصري تجاه تل أبيب، على طول طريق التعاون والتحالف. إنما هو سقوط مُدوي لسمعة وطن طالما اعتبر أبنائه أن فلسطين هي قضيته الأولى.

فقد شاءت الأقدار، أن رغبة رئيس – تنتهي ولايته في غضون أيام – في توريط خلفه في أزمة دبلوماسية مع حليفتهم الأوثق، جاءت لتكشف عن «مسرحية هزلية» تقودها مصر لأول مرة في التاريخ.

فالنظام المصري لم يلعب هنا دور المُطبِع أو المؤيد الصريح، الذي طالما تبناه سراً وعلانيةً منذ 1977. بل تخفى في ثياب الأخ الأكبر المُدافع عن القضية، الذي استخدم القانون الدولي، لوقف أدوات الاستيطان في أراضي فلسطين، على أن يأتي الفيتو الأمريكي، فيُبطل هذا السلاح. ويصبح كل طرف قد أدى ما عليه من واجب.

ولكن، حينما خالف البطل السيناريو الموضوع، خلع النظام المصري تلك العباءة، ليكشف عن سوءاته.

ربما يكون النظام المصري قد سقط في بئر سبع وهو في طريقه إلى تل أبيب. ولكن أبداً لم تسقط مصر، فدماء محمد فتحي فرغلي ومصطفى حافظ وأحمد عبد العزيز وقصصهم البطولية مازالت تُضيء الطريق من القاهرة إلى القدس.