الاقتصاد المصري: الأمل مع الحذر
طالعنا المهندس «أحمد عز»، رجل الأعمال الشهير، ورئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس الشعب فترة حكم مبارك، وأمين لجنة سياسات الحزب الوطني المنحل الذي قامت ثورة 25 يناير/كانون الثاني على سياساته الأمنية والاقتصادية والاجتماعية – طالعنا الرجل بمقال يدعو فيه الجميع للتفاؤل؛ لأن ما يحدث للاقتصاد المصري الآن حدث ما هو أصعب منه في سنوات سابقة، انتهت بأن مصر حققت معدلات نمو 8% عام 2010.
لكن الجميع يعلم أن رغم تجاوز الحكومات المتعاقبة من أواخر السبعينات ومطلع الثمانينات بعد أن خضنا حرب أكتوبر/تشرين الأول والتي أرهقت موازنة البلاد طيلة 6 سنوات سابقة بعد نكسة 1967م، إلا أننا لا يمكننا وصف أداء تلك الحكومات بالنجاح الذي يتباهى به أحمد عز في مقاله بل هو فشل مزري وجب المحاسبة والعقاب لو قارنَّاه بدول أخرى ظروفها كانت أسوأ وبدأت معنا في نفس الفترة مثل ماليزيا وسنغافورة والصين واليابان؛ فأين تلك الدول الآن وأين نحن؟
مع كل ذلك تستطيع مصر وفي خلال 4 سنوات أن تكون نمرا اقتصاديا واعدا ومنافسا رغم كل ما يعانيه هيكل الاقتصاد المصري من أمراض مثل عجز الموازنة وتدهور الاستثمار الأجنبي وتراجع العملة المحلية وارتفاع الدين المحلي والخارجي.
فظروف مصر أفضل من رواندا التي قتل من شعبها 800000 في حرب أهلية استمرت عشر سنوات ولم يكن لديها موارد اقتصادية لكنها اليوم، طبقا لمؤشر غالوب، آمن فرصة استثمارية في العالم بل إنها أصبحت قبلة مصنعي التكنولوجيا في العالم.
وظروف مصر أفضل من الظروف التي تولى فيها حزب العدالة والتنمية التركي تركيا التي وصل معدل التضخم فيها 90%، وتراجع اقتصادها 6%، بينما هي الآن واحدة من مجموعة دول العشرين الأقوى اقتصادا في العالم.
ولسنا أسوأ من البرازيل قبل حقبة دي سيلفا، حيث كان عدد من هم تحت خط الفقر المدقع 17% من أسر البرازيل، بينما النسبة في مصر الآن 5% فقط، واليوم البرازيل من أقوى 7 اقتصاديات في العالم.
ولسنا أسوأ من اليابان التي حاول المستعمر الأمريكي كسر شوكتها الاقتصادية من تحطيم للعملة وهدم للصناعة. فاليوم أصبحت اليابان من أقوى 4 اقتصاديات حول العالم. حتى الصين رغم تعداد سكانها وتدهورها أعقاب الحرب العالمية الثانية، أصبحت ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم.
ولا نحن كـماليزيا التي تدهورت بفعل المحتل، وبها أكثر من 80 لغة وطوائف دينية مختلفة، وتفشى فيها الفساد الإداري بلا منازع، واستطاع «مهاتير محمد» أن يجعلها في مصاف الدول الصناعية. كل هذه الدول حققت تلك النتائج في عشر سنوات وأقل، ولكن كيف حققت تلك الدول هذه النتائج وتلك المعجزات الاقتصادية؟
الإجابة واضحة هي روشتة موحدة استخدمها الجميع. وصفة يسهل تطبيقها لمن يريد الخير لبلده لا لنفسه. فإليك تلك الوصفة السهلة:
1- الديمقراطية
القاسم المشترك هنا بين الجميع هي الديمقراطية ووصول حكومات منتخبة إلى الحكم ، الديمقراطية تعني القدرة على المحاسبة والمساءلة وإبراز قدر أكبر من الشفافية والمشاركة في اتخاذ القرار ، حتى الصين التي لا تملك ديمقراطية لكنها قررت عمل مناطق اقتصادية خاصة تحكمها مبادئ الديمقراطية مثل العدل والشفافية وتلك المناطق هي سبب نهضة الصين .
2- المصالحة السياسية بين الخصوم
وهي أهم العوامل فاستطاعت رواندا عقد مصالحة بين الهوتو والتوتسي بعد مقتل 800.000 من الطرفين فقط لأنهم آمنوا أن النزاع سيُهلِك الجميع ، حتى تركيا لم تحدث فيها مصالحة بين العسكر والمدنيين ولكن استطاعوا لكي ينجو وطنهم أن يتعايشوا 12 عاما حققت فيها تركيا معجزة اقتصادية حقيقية وحين اختلفوا هذا العام بمحاولة انقلاب فاشلة تراجع الاقتصاد، فلا سبيل لنهضة مصر دون مصالحة سياسية.
3- التعليم
كل تلك الدول كان مشروعها القومي الأول هو التعليم وخلق مواطن مناسب للتحديات الجديدة فحين تدرس تلك التجارب ستجد أن التعليم هو الهدف الأول فـإن رواندا ابتدأت بالتعليم وبعد عشر سنوات تصدر تكنولوجيا للعالم ، والبرازيل انتشلت الفقراء عن طريق التعليم وماليزيا قضت على تعدد اللغات وتوحيدهم في لغة واحدة بالتعليم ورفعت من كفاءة موظفيها الحكوميين بالتعليم وكذلك اليابان
4- الصحة
كانت الصحة هي الهدف الثاني فبعد أن أصبح لدينا مواطنا متعلما مُلمَّا بما يدور حوله فيبدأ الاهتمام بصحته، وقتها يستطيع ذلك المواطن أن يشق طريقه ويضيف لوطنه فتخلصت رواندا من الطاعون عن طريق الوقاية وقللت البرازيل الإصابة بالإيدز ورفعت ماليزيا مستوى الكفاءة الصحية للموظف لديها .
تلك هي الروشتة؛ لم نرَ أحدا منهم انتهج المشاريع القومية وغيرها سوى مصر في فترة «جمال عبد الناصر» فيجب للمراقب أن يعتبر وأن يأخذ العظة من تلك التجارب .
في مصر نستطيع أن ننهض فلدينا منظومة صحة يمكن البناء عليها ولدينا إمكانيات تعليمية يمكن تطويرها فلن نبدأ من الصفر كغيرنا ولكن تظل العقبة الوحيدة في مصر هي متخذ القرار في قصر الاتحادية ، فكل القرارات تأخذ في مصر دون مشاركة ودون القدرة على المحاسبة ، وهناك حل بسيط جدا وهو أن يتنحى رئيس الجمهورية عن التدخل في العمل الاقتصادى لأنه ليس دوره طبقا للدستور المصري ويتم إسناد الأمر إلى حكومة منتخبة وفقا للدستور ينتخبها البرلمان ونتمنى أن يتم تنحية البرلمان الحالي وإجراء استفتاء على ذلك وسيلقى أغلبية كاسحة وعمل انتخابات ديمقراطية حرة بموجبها يتم تشكيل حكومة تخشى المسائلة والمحاسبة ، هذا إن كنا نحب الوطن.
أما عن المصالحة السياسية فهي أمر لابد منه والجميع يعلم ذلك فإذا كانت الفصائل المتنازعة لا تملك الرحمة بالوطن وأهله مثلما فعل الروانديين فنموذج تركيا قائما يمكن اللجوء إليه ، أما المعترضون على ما سبق فقد اعترض قبلكم السودانيون وسكان زيمبابوى وإفريقيا الوسطى.
اللهم إني قد بلغت اللهم فاشهد.