قراءة في كتاب الشرق والغرب للدكتور أحمد أمين
لطالما كانت الفروقات الواسعة بين العالم الشرقي والعالم الغربي هي الشغل الشاغل لأكثرنا، متسائلين عن أسباب هذه الهوة الثقافية والحضارية السحيقة بين العالمين.
في عالم الفكر تطرق العديد من المثقفين والمؤرخين لمناقشة هذه الفجوة والاطلاع على أهم أسبابها، كان من ضمن هؤلاء الكاتب والباحث المصري الدكتور أحمد أمين الذي تناول في كتابه الذي يحمل عنوان «الشرق والغرب» بعضًا من مظاهر هذا الاختلاف وتحليل وتفسير مسبباته بأسلوب واضح وبسيط بعيد عن التكلف الذي يتبعه المفكرون عادة في كتاباتهم.
لم يكتف الكاتب بعرض مظاهر الاختلاف وأسبابه، بل تطرق أيضًا لنقد ما يراه يستحق النقد سواء كان ذلك في الشرق أو في الغرب، فهو لم يقف موقف المندهش بتقدم الغرب الساخط على تأخر بلاده عن ركب الحضارة.
في التمهيد للكتاب
يقوم الكاتب بتحليل مفهوم الشرق والغرب، فيرى أن البعض يرجع في تسميته بحسب التحديد الجغرافي، يختلف عن هؤلاء من يتبع هذا المصطلح وفقًا لتقدم البلد على سلم الرقي والحضارة أيًا كان موقعها الجغرافي وهذا ما يميل له الكاتب نفسه.
آخرون يرون أن العالم على سعته لا يحتمل إلا مدنية واحدة في طليعتها المتمدنون وفي نهايتها المتخلفون عنها وسائر الناس طبقات بين ذلك.
ثم يناقش أهمية اتصال الشرق بالغرب، والأخطاء التي يتبعها البعض في نقلهم للمدنية الحديثة كما هي دون تعديل أو تمييز بين ما ينفع وما لا ينفع فيقول: «إن نجاح الشرق يأتي عندما تتكون له شخصية واضحة يعرف من هو، وماذا يريد، وإلى أين يسير، وهنا يكون الأخذ والاختيار مبنيًا على أساس ما يناسب هذه الشخصية وما يصلح لها ويقويها».
مظاهر المدنية الحديثة
يتناول الفصل الأول شرحًا لمظاهر المدنية الحديثة التي تقوم في الأساس على العلم والتجارب القائمة على الشك قبل اليقين تلك التي وجههم لها كل من بيكون وديكارت، وضرورة نشر هذا العلم بين الناس.
هذا المنهج الذي أدى إلى اكتشافات كثيرة كاكتشاف الجاذبية واكتشاف هارفي للدورة الدموية الكبرى، والعلاج بطرق طبية مدروسة بعيدة عن الخرافات التي كانت سائدة ما قبل ذلك، فاستطاعوا بذلك التغلب على الكوليرا والجدري وغيرهما من الأمراض.
مزايا وعيوب
كان من مزايا هذه المدنية انتشار العلم، ومحاولة تحطيم استبداد الزعماء والملوك بالرغم من أن هذه المدنية لم تخل من ديكتاتورية البعض أمثال هتلر وموسوليني، التقدم في فهم حقوق الإنسان لديهم، كثرة الاكتشافات وسرعتها وغيرها.
أما عيوبها فقد ظهرت في اشتعال الحروب بعد اختراع القنابل الذرية، غرور أصحاب هذه المدنية واعتدادهم بأنفسهم، عبادة القوة أي أن احترام أي دولة يأتي لديهم حسب قوتها ومكانتها في العالم، أما الدولة الضعيفة فلا اعتبار ولا وزن لها مهما كان في جانبها من حق.
يرى الكثير من الفلاسفة أنها مدنية اختل توازنها، فنما فيها العقل وضعف القلب فهي مدنية مادية تنقصها الروحانية. ناهيك عن الانحلال الأخلاقي والمناداة بكلمات أخلاقية كالحرية والإخاء والتعاون في مواضع تستوجب السخرية.
الحظ والقدر السبب والمسبب
يؤمن الكثير من الشرقيين بفكرة الحظ والقدر دون عمل، أما الغرب فيميلون إلى البحث عن السبب والمسبب في كل الأمور، ويرى الكاتب ابتعاد الناس عن نهج الدين الإسلامي الذي يأمر بالعمل ويطالب بالجد، ويقول إعقلها وتوكل واحد من أسباب تكاسل الشرق.
أما عن الجانبين فكليهما مسرف في اعتقاده، فقد تتاح لمشروع ما كل وسائل النجاح، ومع ذلك يفشل ولا يعرف السبب، أما الطريقة المثلى فهي الإيمان بالقدر في حدود لا تمنع الجد.
عن المرأة
يرى الكاتب أن لكل من المرأة الشرقية والغربية مزايا وعيوبًا، فالمرأة في الغرب تمتاز بسعة اطلاعها وثقافتها، ولكنها تحاول أن تبلغ مبلغ الرجال فتفقد أنوثتها تدريجيًا، أما المرأة الشرقية، فتولي اهتمامًا بالأمومة والرباط العائلي، بينما تعنى الغربية بنفسها كفرد، فهي تعطي ملابسها وأصباغ وجهها أهمية كبيرة؛ لأنها تعلم أنها في مجتمعها، إن فقدت جمالها فقدت كيانها.
رؤية الكاتب هذه لا تنفي وجود نساء شرقيات على ثقافة وعلم واسع منذ القدم، ولكن الحديث لوصف الأغلبية.
القيم الأخلاقية
يقدس الشرقيون مبدأ الأخلاق، ويرون أن منبعه الدين، أما الغرب، فنظرتهم للأخلاق تأتي بحسب المنفعة التي تحققها.
لذا ساد في أوروبا مذهب المنفعة الذي وضعه بنتام وجون استيوارت مل، ومقتضاه أن العمل يقاس بما فيه من لذة وألم لأكبر عدد ممكن، فإن رجحت اللذائذ الآلام ففضيلة، وإلا فرذيلة.
ومما زاد الأخلاق سوءًا، أنهم نظروا إليها على أنها مسائل اعتبارية واتفاقية، لا أساس لها ترتكز عليه.
يحوي الكتاب على قدمه، أفكارًا منطقية رائعة، قدمت بعناية ووضوح، بالرغم من أن الكاتب قد بدا متفائلا بشكل كبير بشأن مستقبل الشرق القريب، ربما يرجع ذلك لاستقلال بعض الدول العربية آنذاك وخلاصها من الاستعمار.
من جميل ما جاء في هذا الكتاب ما أورده الكاتب في نهاية طرحه، إذ يقول: إن «مشكلة الشرق خلقية وعقلية قبل أن تكون اجتماعية اقتصادية. فأخلاقهم ينقصها الحزم والصراحة، كما ينقصهم وجود زعماء نابغين حقًا.
وتسألني: على من تقع تبعة تأخر الشرق، أعلى الشرق نفسه أم على الغرب؟ والحق أنها تقع عليهما جميعًا، أما على الشرق فلجموده وخموله وتواكله وإمعانه في التقليد، وعدم إقباله على الابتكار، وسوء تربية بنيه. وأما الغرب فلأنه استبد بالشرق واستغله، وسلبه حريته وراعى فيه مصلحته هو لا مصلحة الشرق نفسه».