يمر الوقت ثقيلًا على قطاع غزة، وما زال الأفق مسدودًا لأي حل ينهي الحصار المفروض، ومع اشتداد وطأة الحصار وقيام رئيس السلطة الفلسطينية باتخاذ خطوات أسماها «وطنية» ضد غزة لمنع خسارتها في صفقة القرن، والتي تمثلت في خفض رواتب موظفي السلطة بنسبة 50% وتقليص المصروفات على الكهرباء والموازنة التشغيلية للوزارات، بدأت قيادة فصائل المقاومة بغزة البحث عن مخرج أو إحراز ثقب في جدار الحصار.

كانت الخيارات المطروحة على طاولة قيادة الفصائل بداية العام محدودة جدًا، فإما الاستسلام وإما خوض معركة عسكرية جديدة يدرك الجميع أنها ستكون مؤلمة ومدمرة، لاحقًا برزت فكرة مسيرات العودة الكبرى، ومع انطلاق الدعوات للمسيرات والدفع تجاه المقاومة الشعبية على السياج الحدودي مع فلسطين المحتلة كان الهدف طرق جدران الخزان.

تطور الحراك الشعبي لاحقًا من المواجهات على السياج الحدودي إلى ابتكار الطائرات الورقية الحارقة، حيث عمد الشبان لإطلاق طائرات ورقية لإحراق المحاصيل الزراعية الإسرائيلية المتاخمة للحدود، رويدًا رويدًا طورت المقاومة الشعبية أسلوب البلالين الحارقة، كي يزيد مساحة الحرائق، ومع تطور المقاومة الشعبية والبلالين الحارقة تأذى الإسرائيلي، حيث بلغت خسائره المادية ملايين الشواكل، كما أن الخسائر النفسية التي تعرض لها جيش العدو أكبر، حيث اعترف وزراء في المجلس الوزاري الأمني أن قوة الردع قد تآكلت.

ومع ازدياد الخسارة المالية وتآكل قوة الردع حاول الإسرائيلي استعادة هيبته بتصعيد الوضع الميداني العسكري، حيث قام بقصف مواقع عسكرية تتبع المقاومة الفلسطينية ردًا على البلالين الحارقة، ومع تزايد القصف لمواقع المقاومة برز القرار المقاوم بأن يكون هناك حد للتمادي الإسرائيلي على مقدرات المقاومة واستهداف المقاومين. ومع أول رد عسكري قامت به المقاومة على التمادي الإسرائيلي في القطاع برز اسم «غرفة عمليات مشتركة للمقاومة»، حيث تمثل هذه الغرفة «وحدة حال» للأذرع العسكرية لفصائل المقاومة في غزة، يتخذ فيها قرار الرد ونوعه وشكله، بالإضافة لتبني أي رد عسكري يخرج من قطاع غزة.

يجب أن يعي الجمهور الفلسطيني والعربي أن قرار الذهاب لحرب مع العدو الإسرائيلي لم يبقَ بيد حركة حماس منفردة، حيث أشركت بقية الفصائل المختلفة في صنع قرار المقاومة ومعادلاتها.

خلال جولات التصعيد الماضية نجحت «غرفة عمليات المقاومة» في تحديد طبيعة القصف الصاروخي ومدى نيران القصف وضبط ساعة الصفر، بالإضافة لسرعة إعلان حالة الاستنفار والتعبئة العامة في صفوف مقاتلي المقاومة.لكن يبقى السؤال المفروض عقب كل هذا، هل تتوجه المقاومة لحرب رابعة أم أنها ستبقى تراوح مكانها؟

هنا يجب أن يعي الجمهور الفلسطيني والعربي أن قرار الذهاب لحرب مع العدو الإسرائيلي بعد تشكيل الغرفة المشتركة للمقاومة لم يبقَ بيد حركة حماس منفردة، رغم أنها صاحبة الكلمة العليا، حيث أشركت الحركة بقية الفصائل وعلى رأسها الجهاد الإسلامي ولجان المقاومة الفلسطينية والجبهة الشعبية في صنع قرار المقاومة ومعادلاتها، وهذا ما قد بدا جليًا خلال معادلة القصف بالقصف التي فرضتها المقاومة على العدو.

كيف لا ومثل هكذا قرار قبل أن يتخذ يجب التفكير فيه مليًا، خصوصًا أنه من الممكن أن يصل الأمر لمواجهة مفتوحة. وقبل الحديث عن أي مواجهة عسكرية مع العدو الإسرائيلي، ما زالت المقاومة تفكر فيما يمكن كسبه أو خسارته في تلك المواجهة المفترضة، كما أن قيادة المقاومة في غزة قد اطلعت على معلومات تفيد بأن الإسرائيلي قد تابع سير عمليات معركة الموصل في العراق بين القوات العراقية و«ميليشيات داعش» عن كثب عبر طائرات مسيرة مخصصة للتجسس وعبر الأقمار الصناعية، وقد استخلصت العبر من تلك المعركة.

عوامل عدة تكتف المقاومة والعدو عن البدء في مواجهة عسكرية كبيرة، أولًا بالنسبة للمقاومة، فإن أي إنجاز عسكري سيحققه الجنود على أرض الميدان قد يضيع بين أروقة السياسة في ظل الواقع السياسي المحبط المحيط، أما السبب الثاني فإن المقاومة ما زالت تؤمن أن المواجهة القادمة لن تكون كسابقاتها، وأن الكثافة النارية التي ستستخدم فيها من قبل المقاومة والعدو ستكون ضخمة.

ولا تغفل المقاومة أنين المواطنين في غزة وأوجاعهم وما سيترتب عليه الأمر جراء هكذا مواجهة مفتوحة طاحنة، كما أن المقاومة في غزة تعول على تنسيق الجهود مع الشركاء في محور المقاومة لتثبيت قاعدة «وحدة الحال» بين جنوب فلسطين المُحتلة وشمالها.

أما العدو الإسرائيلي فيأخذ بعين الاعتبار ما سبق من شكل المعركة القادمة، بالإضافة إلى أن التقدم الإيراني نحو الجولان السورية بات يؤرق الإسرائيلي، وهو ما دفعه لأن يصب جام تركيزه على الحدود الشمالية، خصوصًا العمل على تلك الساحة بات يسير مؤخرًا بوتيرة سريعة جدًا.

لا تغفل المقاومة ولا العدو كل الأسباب السابقة، لكن لا يوجد هناك ما يمنع من أن تنشب مواجهة عسكرية تتحول لاحقًا لحرب طاحنة، خصوصًا في ظل حالة التعبئة العامة التي أعلنتها المقاومة منذ أيام إلى لحظة كتابة نص هذا التقرير، وفي ظل انسداد أفق الحل السياسي لقطاع غزة.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.