في العقد الأخير بات من الصعب أن يرى فيلم رعب، النور، ويحوز على إعجاب الجماهير العريضة لهذا النوع من الأفلام، بصفته فيلما سينمائيا؛ أي يجب أن تتوافر فيه عناصر محددة، وبصفته أيضا فيلم رعب، يجب أن «يخاف» المشاهدون أثناء مشاهدته!، وبالفعل خرجت لنا العديد من المحاولات الجريئة التي تدفع بحدود أفلام الرعب إلى آفاق جديدة. «The Conjuring 2» أحد أفضل أفلام الرعب في الفترة الأخيرة، بل وأفضل من جزئه الأول.


الجزء الأول كان جيدا، ولكن ما سبب تفوق الثاني عليه؟

الجزء الأول من كونجورينج يبدأ بتعريف المشاهد علىالشخصيتين الرئيسيتين لورين وإد وارين، وكان يعتمد في أساسه على عناصر أربعة فقط، وهم:

  1. كون القصة حقيقة (على الأقل البطلان كانا شخصيتين حقيقية).
  2. العديد من اللحظات المفزعة التي لا تعتمد بشكل أساسي على الموسيقي العالية والأشباح القبيحة، بل كانت فزعات حقيقية ومبتكرة، تمزج بين الخوف الحقيقي مما ستحمله أحداث الفيلم، والاندماج في القصة التي كانت جيدة.
  3. تطورات الأحداث غير المتوقعة.
  4. وجود باتريك ويلسون وفيرا فارجيما في البطولة.

والجزء الثاني يكمل على المنوال ذاته، ولكن هذه المرة كانت المهمة أصعب قليلاً، وهي مهمة التعميق في الأحداث بشكل يجعل المشاهد مُقتنعا تمام الاقتناع أنه رأى تقدما في القصة الخلفية أو شيئا من هذا القبيل، وليس فقط محطة أخرى من الفزع كما كان الحال مع Sinister 2 مثلا!.

نجح الجزء الثاني في هذا؛ لأنه سلط الضوء على مواطن قوى الجزء الأول، وسار بنا إلى نقطة متقدمة في حياة الشخصيتين لورين وإد وارين، وقضية من قضاياهم الأهم، لذلك فإن الفيلم استقطب محبي هذا النوع من القصص؛ أي محبي كتب الرعب مثلاً مثل كتاب «طاردي الأشباح» الذي تدور أحداثه حول الثنائي نفسه، وحياتهم في أجواء مرعبة، ونقل هذه التجربة إلى فيلم بالتأكيد سيكون رائعا، خاصةً وأنه الفيلم الأول الذي يتناول أحداثا حقيقية أثرت على الكثيرين من خلال الكتب والمقالات التي كُتبت عن الثنائي إد ولورين، ولذلك فإن النظر إلى تجربة ك”بارانورمال أكتيفيتي” ستشعر المشاهد بالإحباط؛ ربما لأن فيلم الرعب الجيد الذي كنا ننتظره يحتاج صقل وتماسك أكثر من ذلك.

أما عن العناصر التي قدمها الفيلم نفسه ليثبت تفوقه على الجزء الأول، كانت كما ذكرت قصة الثنائي إد ولورين، وعلاقتهما ببعضهما، وبدون حرق لأحداث الفيلم، فإن هذه القضية الخطيرة التي هم بصددها في الجزء الثاني تضع كل ما لديهما على المحك بشكل أكثر إقناعا من أي فيلم رعب آخر.


القصة

القصة لا تبدأ بشكل معتاد، فإد ولورين يصادفان قضية مثيرة للاهتمام تعرضهما لخطر كبير فيقرران أن يبتعدا عن طرد الأشباح وعن المجال برمته، ولكن قضية أخرى؛ وهي قضية إنفيلد التي أعادتهم إلى طرد الأشباح بسبب إلحاح الكنيسة عليهم، بدافع إنساني وهو مساعدة الطفلة “جانيت هودجسون” وأسرتها على التخلص من الشبح الذي يطاردهم، ومع بداية القصة الفعلية للفيلم (القضة الأساسية) يدخل السيناريو في مجموعة من التعقيدات غير المتوقعة، وهو الشيء الذي خلق متعة، بدلاً من الملل الذي يصيب منتصف أغلب أفلام الرعب، وبجانب هذه التطورات في القصة الأساسية، كان هناك التطور الملحوظ والتركيز المتقن على العلاقة بين لورين وإد، ومواجهتهما لما هما بصدده، خصوصًا مع ازدياد صعوبته عليهم مع الوقت، ومن خلال قلب الأحداث الذي يكون فقط الشخصين (لورين وإد) يخرج لنا العنصر الأساسي في القصة (الأشباح) ليربط لنا قصة هذا الجزء بسابقه، ويعطي لنا نتيجة على عكس المتوقع طوال الأحداث.

الرابط بين أحداث الجزء الأول والثاني هو أضعف شيء في الفيلم. فكما ذكرت تتابع الأحداث بشكل غير متوقع، وقوة الأحداث نفسها، وقوة أداء البطلين هم عوامل قوة الفيلم، ولكن يكمن ضعف القصة في عدم فهم المشاهد لأهمية العلاقة بين هذا الجزء وسابقه، فهل هذه العلاقة تعني شيئا ما بخصوص حياة البطلين؟، ففي النهاية ما ستراه هو عملية طرد روح شابتها بعض الصعوبات، لا أكثر ولا أقل، فهل كان من المفترض أن نرى أكثر من ذلك؟.


الرعب!

اللحظات المُفزعة عنصر أساسي في أفلام الرعب جميعًا، ولكن هنا هي لا تتواجد بشكل عشوائي، بل هي مُوزعة بشكل ذكي للغاية بحيث تشكل شيئًا فرعيا في اللحظات التي يشعر المشاهد بالرعب الفعلي فيها، ولكن الأساس هو القصة، والخوف منها، ومحاولة تصديق أن هذه الأحداث حدثت بالفعل (على الأقل حدث بعضها بالفعل) لأسرة حقيقية!.

هذه الأشياء تبدو بسيطة نظريًا، ولكن عملياً فإن الفيلم يخيفك فعلاً بدرجة كبيرة افتقدناها منذ زمن، وقد اعتبر كثيرون فيلم “انسيديوس” هو أفضل فيلم رعب في الآونة الأخيرة، ولكن نظرًا لكونه قصة مختلقة بالكامل، فبالرغم من جنون وروعة فكرته، إلا أنه يفتقر إلى صلة حقيقية بالواقع، كعبارة «مستوحى من أحداث حقيقية!» وهو الشيء الذي يملكه الفيلم ويستغله بشكل ممتاز، إضافة إلى ذلك، فإن أجواء الرعب الخاصة به لا تفتقر أبدًا الروح الكلاسيكية لأفلام الرعب؛ أي أشكال الأشباح القبيحة، والظلام الذي يسود الكادر في أغلب الأحيان، ولكنه لا يعتمد على ذلك بشكل رئيسي.


الإخراج والموسيقى

لا يوجد شيء مميز حول الإخراج سوى الانتقال الرائع والسلس بين الإطارات في المشاهد الحماسية التي تتعالى فيها الموسيقى، وهذه المشاهد –والتي كانت قرب نهاية الفيلم- لم تعان أبدًا من التشتيت، بعكس أفلام مايكل باي مثلاً الذي يخلق من هذه المشاهد، مشاهد سريعة جدًا تشتت المشاهد فلا يستطيع استيعاب ما يحدث بشكل ناجح، أما الموسيقى فكانت ممتازة في لحظات الفيلم المهمة، فبعيداً عن لحظات الرعب فإن معزوفة جوزيف بيشارا كانت غامرة، تساعد على الاندماج في أجواء لندن بالثمانينيات، وأجواء الرعب، والأحداث الخارقة للطبيعة التي تدور حولها القصة.


الأداء التمثيلي

كما كان الحال في الجزء الأول، فإن هذه المرة الطفلة التي تقود دفة الأحداث إلى مآلها المُظلم، ماديسون وولف، قدمت أداءً تمثيليًا جذابًا جدًا، يتمتع بنبرات ولحظات شديدة الاختلاف عن بعضها البعض، فهي لم تُبق شخصيتها على المنوال نفسه طيلة لحظات الفيلم، وقد كانت المفتاح للأحداث، وأهلاً لذلك. وعلى غرار ذلك، فإن باتريك ويلسون وفيرا فارجيما كانا رائعين كثنائي، وخاصة باتريك في اللحظات التي يُسلط فيها الضوء على علاقتهما، واللحظة التي كان على إد وارين أن يقوم باختيار صعب، اختيار بطولي كان من الغريب أن أتى بهذه الطريقة المعهودة في الفيلم وأن جعلني أصدقه!، ومن خلال أفلامه الأخرى مثل «Watchman» و«Incidious»، فنحن نعرف تماما أن أداءه هنا ليس كباقي الأفلام، وبالتالي فإنه متقمص الشخصية بشكل رائع.

في النهاية، فيلم «The Conjuring» لم يكن رعبا نفسيًا، ولم يكن فيلما تتطاير فيه الأحشاء وتتناثر فيه الدماء، هو فقط فيلم «مرعب»، وبمعنى آخر فهو يثير رعبك بشكل كامل، وفعال، ومقنع جدًا، بعناصر أفلام الرعب الأساسية ومستحدثات عديدة وليدة هذا الفيلم وحده، تعيد لأفلام الرعب رونقها بشكل لا يمس أفلام الرعب القديمة أبدًا، ولا يقدم تجربة مبتذلة كمعظم تجارب الرعب هذه الأيام، ولذلك فإن كنت تبحث عن فيلم رعب تجذبك قصته وتخيفك أحداثه فها هو!.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.