الصراع بين حماس وتنظيم ولاية سيناء: إلى أين؟
تأخذ العلاقة بين قطاع غزة وتنظيم الدولة في سيناء منحى آخر وجديدًا، ذا طابع أكثر عدوانية، بعد سجل حافل من التربص وقطع الطريق ومحاولة التنظيم فرض حظر على إدخال المواد الغذائية المهربة إلى قطاع غزة، وصولاً لحالة الخطف التي وقعت فجر اليوم الإثنين 23 أكتوبر/تشرين الأول.
وهنا لنسرد الرواية منذ البداية. في نهاية العام الماضي، وبعد حملة أمنية شنتها الأجهزة الأمنية في قطاع غزة ضد عناصر جهادية، حاولت بعض تلك العناصر تدبير عمليات إرهابية هدفها الأول المساس بالأمن القومي الفلسطيني. هذا المخطط الذي أفشلته الأجهزة الأمنية في غزة كان عقب تولي والٍ جديد لتنظيم الدولة في سيناء جيء به من العراق ليكون واليًا على سيناء، واختار علاقة صدامية مع قطاع غزة وحماس تحديدًا.
لاحقًا، وعقب فشلهم في استهداف عمق القطاع الآمن، لجأ التنظيم إلى قطع الطريق على البضائع الداخلة إلى القطاع عبر الأنفاق، وأصدر التنظيم تعميمًا على المهرّبين بأن من يهرّب إلى غزة ويخالف أوامرهم، سيعرض نفسه للقتل.
وفي ظل التقارب بين القاهرة وحركة حماس، عاد التنظيم إلى مهاجمة الحركة مرة أخرى واتهامها بالكفر والردة، إلا أن الهجوم الإعلامي لم يؤثر على تنفيذ المهمام المطلوبة لتأمين الحدود بين مصر وغزة بشكل يضمن أمن وسلامة البلدين.
ومع إنشاء المنطقة العازلة على الحدود مع القطاع ومصر، استشاظ التنظيم غضبًا لما سببه الأمر من إعاقة لتهريب عناصره من غزة إلى القاهرة والعكس؛ الأمر الذي دفع أحد العناصر التي تتبع للتنظيم إلى تفجير نفسه في إحدى نقاط الضبط الحدودية التي تتبع لأمن المقاومة – كتائب القسّام – في السابع عشر من أغسطس/آب الماضي، مما أسفر عن استشهاد قيادي ميداني في القسّام ومقتل الانتحاري.
دفع ذلك جهاز الاستخبارات العسكرية التابع لكتائب القسّام إلى شن عملية مداهمة لعدد من المواقع العسكرية التي كانت قد خصّصتها المقاومة لفصيل فلسطيني عُرِف بتشدده وميوله الجهادية، وهو «لواء التوحيد» المنشقّ عن لجان المقاومة الشعبية، خُصِّصت لهم للتدرب على مواجهة العدو الإسرائيلي واستغلال طاقتهم في الصراع ضد الاحتلال.
وبعد عدة أيام على هذه الحادثة، شنّت قوى الأمن الداخلي حملة اعتقال لمطلوبين بارزين يعتقد ارتباطهم بالتنظيم في سيناء، عرف منهم نور عيسى ومهند أبو شرخ وطلعت أبو جزر؛ الأمر الذي أثار غضبهم، ودفعهم إلى التهديد بتصعيد الموقف ضد حركة حماس.
ومع تصاعد الهجمات الإرهابية الأخيرة للتنظيم على مواقع للجيش المصري تزامنًا مع إعلان القاهرة فتح معبر رفح البري استثنائيًا لسكان غزة، قام عناصر يتبعون للتنظيم فجر الإثنين باختطاف ثلاثة شبان فلسطينيين من داخل أحد الأنفاق التجارية الفلسطينية، وهم -المختطفون – من سكان حي الشجاعية بمدينة غزة.
قام التنظيم بالإفراج عنهم دون أي تعليق على حادثة الخطف. المختطفون التزموا الصمت بعد الإفراج عنهم، إلا أن بعض المصادر تحدثت عن أن التنظيم أفرج عنهم بعد تيقنهم أنهم ليسوا تابعين للمقاومة الفلسطينية. ويرجح المصدر أن التنظيم أخضع المحتجزين لجلسة استجواب لمعرفة بعض المعلومات، وحين توصل إلى أنهم ليسوا ذوي علاقة بالمقاومة الفلسطينية قام بالإفراج عنهم.
محاولة اغتيال اللواء أبو نعيم
بعد عدة أيام من هذه الحادثة، وفي يوم الجمعة السابع والعشرين من أكتوبر/تشرين، وبعد ساعات عقب صلاة الفجر، دوّى انفجار أمام مسجد الحصين في مدينة النصيرات وسط قطاع غزة. لاحقًا، تبين أن المُستهدف هو قائد قوى الأمن الفلسطيني الحاج أبو عبد الله توفيق أبو نعيم.
وفي تفاصيل الحادثة، تقول المصادر إن عبوة صغيرة الحجم زُرعت في جسم مركبة اللواء أبو نعيم مستغلاً فترة صلاة المواطنين داخل المسجد. وعقب انتهاء الصلاة، خرج اللواء أبو نعيم واستقل مركبته لكن قدّر الله دفعه للنزول من المركبة وأداء التحية لبعض المواطنين قبل أن يحدث الانفجار.
عقب الانفجار، فرضت قوى الأمن الفلسطيني انتشارًا واسعًا على محاور القطاع كله، ونصبت بعض الأكمنة على الطرق في محاولة للإمساك بالمنفذ. وفي سياق آخر، نُقِل اللواء أبو نعيم إلى مشفى شهداء الأقصى، ثم لاحقًا إلى مجمع الشفاء الطبي، قبل أن يغادره صباح السبت الثامن والعشرين من أكتوبر/تشرين الثاني.
مصادر أمنية كشفت لاحقًا عن اعتقال عدد من المتهمين بتنفيذ العملية يشتبه بانتمائهم للتنظيم، وسيتم الكشف عن المزيد من التفاصيل خلال الأيام القادمة في مؤتمر صحفي. بعض المحللين رأوا أن استهداف اللواء أبو نعيم يعود أولاً لإشرافه على ضبط الوضع الميداني وتحجيم قوى الجهاديين في غزة، بالإضافة لإشرافه مؤخرًا على إقامة المنطقة العازلة بين القطاع ومصر.
محاولات التنظيم المتكررة لخلق جسم له داخل قطاع غزة لن تتوقف، ومحاولته أيضًا جرّ المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة لحرب إسرائيلية لن تتوقف، حيث تسبّب التنظيم سابقًا باستهداف مواقع ومنشآت هامة للقسّام على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي، وذلك من خلال إطلاق صاروخ من طراز كاتيوشا 107 على مستعمرات العدو المحيطة بالقطاع، فيقوم الاحتلال الإسرائيلي بقصف مواقع القسّام.
مصادر في قوى الأمن الداخلي كشفت مؤخرًا أن الصواريخ التي يقصفها مناصرو التنظيم من داخل غزة على مستعمرات الاحتلال تكون مسروقة من مستودعات المقاومة الفلسطينية، وهذا يكشف وجود نية لدى التنظيم بالتأثير على المخزون الصاروخي للمقاومة التي تعمل عليه ليل نهار، الأمر الذي تسبّب في حالة العداء من قبل فصائل المقاومة تجاههم.
ويبقى التساؤل اليوم: إلى أين يمكن أن تصل المواجهة بين قطاع غزة ومقاومته من جهة، مع تنظيم الدولة في ظل اندثار ذلك التنظيم في عقر داره؛ العراق وسوريا؟