مفهوم الديمقراطية الإنسانية والنظام العالمي الجديد
محتوى مترجم | ||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
إن عالمنا في ترابط متزايد، ونطاق هذا الترابط عالمي، يتخطى الحدود التقليدية للدولة القومية وكتلها الأيدولوجية. فأزمة اللاجئين الراهنة في أوروبا، والتي يغذيها انعدام الاستقرار السياسي المستمر في سوريا، وما أعقبها من جدل دولي ضمن دول الاتحاد الأوروبي، يطرح حاجة متزايدة لميكانيزمية سياسية عالمية للتعامل مع القضايا السوسيو-سياسية والاقتصادية والبيئية لعالمنا وفق مبدأ وإجراءٍ ديمقراطييْن.
إن مفهوم «الديمقراطية الكونية Cosmopolitan Democracy» كان قد نما من هذا السياق، مسترعيًا انتباهًا شعبيًّا وأكاديميًّا كبيرًا إلى تأسيسه النظري. يعدُّ فلاسفة قانونيون وسياسيون كأمثال ديفيد هيلد David Held و دانييل آركيبوجي Daniele Archibugi وريتشارد فالك Richard Falk، وفلاسفة اجتماعيون وفينيمولوجيون كأمثال يورغن هابرماس Jürgen Habermas وجاك دريدا Jasques Derrida وإيمانويل ليفيناس Immanuel Levinas وكوام آنثوني آبيا Kwame Anthony Appiah[1] مفكرين روادًا في هذا المجال وعلى نطاق واسع.
لهذه الورقة أهداف ثلاثة: أسعى أولًا إلى التحقق من المبادئ الفلسفية للديمقراطية الكونية من منظور تأويلي نقدي. ثانيا، تشييد جدل يرتكز على أن الارتقاء الأيديولوجي من ديمقراطية ليبرالية إلى أخرى كونية يتطلب تطور السابقة إلى نوع جديد من الديمقراطية، والذي أسميه «ديمقراطية إنسانية». أما ثالثًا فوضعُ عمل تحضيري فلسفي لتأسيس فكرة الديمقراطية الإنسانية.
الحدود والتطلُّعات الأيدولوجية لـ «الديمقراطية الإنسانية»
قبل كل شيء، ماذا نعني بالديمقراطية الكونية؟. وفقًا لدانييل أركيبوجي فإنها «مشروع نظرية سياسية معيارية تروم تطبيق بعض المبادئ والقيم والإجراءات الديمقراطية على النظام السياسي العالمي»[2]. ثمة خلفية تاريخية لتطور مفهوم الديمقراطية الكونية هي سقوط جدار برلين سنة 1989 وانهيار الاتحاد السوفييتي سنة 1991 تباعًا. وكما يلحظ آركيبوجي، فإنه ولأول مرة في التاريخ الإنساني، انتشرت شرقًا وجنوبًا أنظمة ديمقراطية بحكومات منتخبة ديمقراطيًا بدأت تحكم الغالبية العظمى لسكان العالم،ذلك بالرغم من التفاوت في احترام حقوق الإنسان الأساسية بين دولة وأخرى. وكنتيجة، فإن «الديمقراطية أصبحت، نظريًّا وعمليًّا، المصدر الوحيد للسلطة والحكم الشرعيين»[3]. لقد أصبحت الدول الغربية الليبرالية إثر نصرها التاريخي أرضًا خصبة أيديولوجيًّا، نما فيها مفهوم الديمقراطية الكونية بطريقة تسببت باتساع وتطبيق مفهوم الديمقراطية اللليبرالية على النطاق العالمي.
وكما يجادل آركيبوجي وهيلد، فإن فكرة الديمقراطية الكونية منصبة كليًّا على تطوير «الحوكمة العالمية بإشراف ديمقراطي».
والخلفية الأخرى لتطور الديمقراطية الكونية ما يسميه الناس عمومًا بـ «العولمة». وكما يحاجج ديفيد هيلد، فإن العولمة قد غيرت بشكل ملحوظ الأحكام الأساسية لمرجعية السياسات. إن قضايا عالمية متنوعة في الاقتصاد والسياسات كما فيما يتعلق بالصحة العامة وتغير المناخ والحماية البيئية قد تخطت الحدود المحلية، ما جعل القضايا العاجلة العابرة للحدود في اطراد متنامٍ. وكما يشير هيلد، فإنّ «المصلحة الوطنية Raison d’état» مجموعة اختصاصات أضيق بكثير من أن تعالِج وتستجيب لتحديات تغير المناخ وعجز المياه والأوبئة المعدية عالميًّا وإصلاح السوق المالي أو التهديدات الأمنية العالمية[4]. إن المستوى المتزايد من الترابط بين الدول القومية المختلفة الذي أنشأته العولمة لربما صقل التطور الأيديولوجي للديمقراطية الكونية الضرورية لنجاة البشرية.
يفردُ هيلد أيضًا أربعة مبادئ أساسية للديمقراطية الكونية من شأنها تعزيز التصور السياسي القوي ذي النغمة الأخلاقية (الإيتيقية) للمجتمعات الكوزموبوليتية وقياداتها:أولًا، إن الوحدات المطلقة في الشأن الأخلاقي ضمن الديمقراطية الكونية هم «الأفراد لا الدول أو أشكال محددة من الارتباط الإنساني»[5]. ويظهر هذا المبدأ أن رؤية هيلد السياسية للديمقراطية الكونية متجذرة بعمق في التقليد الليبرالي الغربي. وكما يعرّفه، فإن هذه الحالة يمكن الإشارة إليها مبدأً لـ «الفردية المساواتية Egalitarian individualism»، والتي تزعم بشكل عام أن الوحدات الأساسية في العالم هم الأفراد بوصفهم مخلوقات حرة ومتساوية[6].
أماالمبدأ الثاني فهو الشرط الأخلاقي المتمثل في الاعتراف المشترك والمتبادل بالقيمة المتكافئة للأفراد، والتي يسميها «مبدأ الاعتراف المتبادل The Principle of Reciprocal Recognition». إنه يؤكد أن الاعتراف المتبادل مهم بذريعة كونه «طبيعة كل إنسان حي، والأساس الذي يجب أن يؤلّف عليه البشر علاقاتهم بالآخرين»[7]. يظهر هذا المبدأ أن الأساس الفلسفي للديمقراطية الكونية قد تعود أصوله إلى إيمانويل كانط وأطروحته الفلسفية حول الكونية (الكوزموبوليتية)[8].
والمبدأ الثالث يتعلق بالتزام الأفراد السياسي بالقيمة المتكافئة لكل منهم وشرطها اللاحق، أي وجود عملية سياسية غير قسرية في صنع القرار. ويسمي هيلد هذا «مبدأ الإجماع» ويقوم هذا المبدأ بصياغة أس الاتفاق الجماعي والحكم غير القسريين[9].
وأماالمبدأ الأخير الذي يسميه «مبدأ التبعية والتضمينية» ينص على أن أولئك الذين تأثروا بشكل ملحوظ (بجدية) بالقرارات والقضايا العامة أو الإجراءات العامة على حد سواء ينبغي أن تكون لهم فرص متكافئة بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال ممثلين منتخبين، للتأثير عليها أو تشكيلها، مع افتراض ثبات العوامل الأخرى أو بقائها على حالها ceteris paribus[10]. وفقًا لهيلد، فإن أولئك المتضررين من القرارات العامة ينبغي أن يكون لهم قول في صنعها، ويمكن أن نجد فكرة مماثلة في أطروحة هابرماس، بالأخص في أفكاره بشأن خطاب الإيتيقيات والديمقراطية التشاورية.
وكما يجادل آركيبوجي وهيلد، فإن فكرة الديمقراطية الكونية منصبة كليًّا على تطوير «حوكمة عالمية بإشراف ديمقراطي»، ولهذه الغاية فإن التأسيس الديمقراطي لقوانين عالمية يصبح أساسيًّا.وبذا يرتكز تطور القانون العالمي على ثلاث دعائم: ظهور نظام عدالة جنائية عالمي، وإيجاد الحلول القانونية للصراعات ما بين الدول، والقرارات القانونية لكل من القطاعين العام والاقتصادي[11]. يحاجج المدافعون عن الديمقراطية الكونية أن سبيل الدول لمناصرتها يكمن في «تمكين المعاملة المتكافئة للمواطنين، والأجانب واحترام حقوق الأقليات القاطنين ضمن حدودها»[12].
وفيما يتعلق بسؤال:من هُم وكلاء الديمقراطية الكونية؟، فإن الإجابة تكمن في هذه المجموعات تحديدًا: المهجَّرين والمهاجرين، والجماعات الكونية (الكوزموبوليتية)، وأصحاب المصالح العالميين، والمجتمع المدني العالمي، والأحزاب السياسية العالمية، واتحادات التجارة، والحركات العمّالية، والشركات متعددة الجنسيات[13].
نقد الديمقراطية الكونية
بالنسبة للتقدم المفاهيمي للنموذج الكوني للديمقراطية، فإن تاريخ تطورها القصير يجعل تشكيلها الفلسفي لا يزال ناشئًا، وعليه فإنها تعرضت لانتقادات شتى.
في رأيي، فإن مشكلة أشد جوهرية في مفهوم الديمقراطية الكونية تقبع في موقفه الفلسفي الأولي؛ إذ تتجذر رؤيته السياسية بعمق في التقليد الليبرالي الغربي الذي يثمن وجود الأشخاص الفرادى كوحدات أولية للعالم. إن هذه الوِضعة الفلسفية الجوهرية تجعل من المستحيل علينا تقريبًا أن ندمج أو ندرج أنواعًا أخرى من الديمقراطية مثلما كان في رؤية غاندي لديمقراطية هندية[18]. يكتب باتريك برانتلينجر Patrick Brantlinger: «لقد أراد غاندي الهند مستقلة كي تصبح ديمقراطية تؤلف القرى وحداتها الأساسية»[19]. فلماذا ينبغي على تأسيس ديمقراطية عالمية أن يحذو حذو ديمقراطية ليبرالية غربية؟، لماذا لا نستطيع تبني وإدراج أنواع غير ليبرالية في الرؤى الديمقراطية، كرؤية غاندي، في تشييد ديمقراطية عالمية؟.
علاوة على أن علينا الأخذ بعين الاعتبار أن أعدادًا لا يستهان بها من سكان بلاد العالم الثالث لم تنسَ بعدُ أن الهيمنة الكولونيالية العالمية والاستغلال الجائر هي أشياء خططت لها ونفذتها وأدارتها تلك الدول التي ناصرت ديمقراطية ليبرالية أثناء الحقبة الكولونيالية.
بالنظر إلى أن القطاعات الخاصة في البلدان الليبرالية الغربية الديمقراطية لا زالت تمارس وتعيد إنتاج وتضاعفُ هيمنة ما بعد الكولونيالية و الاستغلال الجائر، بوسائل كالشركات متعددة الجنسيات و المؤسسات المالية، فإن ثمة افتقارًا مفضوحًا في التشريع السياسي الأخلاقي عند الحديث عن تشييد مفهوم الديمقراطية الكونية على طراز الديمقراطية الليبرالية الغربية. إن كارثة بوبال عام 1984 في الهند (سنة 1984 حدث تسرب لغاز قاتل من مصنع يونيون كاربيد في المدينة ما أدى إلى مقتل عشرات آلاف الأشخاص، وتعد هذه أكبر كارثة صناعية عرفتها البشرية – م) حتى التدمير البيئي لأمازون الإكوادور ما بين عامي 1964-1992 على يد شركتي Texaco/Chevron. ومنذ الأزمة الآسيوية المالية سنة 1997 (هي أزمة مالية أصابت الأسواق المالية كان سببها انهيار العملات المحلية مقابل الدولار إذ ارتفعت الديون الخارجية إثر هذا الانهيار حتى 180% – م) والأزمة المالية الثانية في الأرجنتين سنة 2014، كوارث تسببت بها الشركات الخاصة وأفقدت سكان بلاد العالم الثالث ائتمانهم وثقتهم في ديمقراطية كونية.
إن اعتراضي هو على فشل فلاسفة كونيون غربيون أمثال آركيبوجي وهيلد في الانخراط بجدية فيما أسميه التشريع الأخلاقي السياسي، وفي المقابل تشييد مفهوم ديمقراطية كونية على طراز الديمقراطية الليبرالية الغربية.
تدخل فلسفي: تشييد مبدأ «الديمقراطية الإنسانية»
ما الذي يتعين فعله إذن لحلّ العجز في تقنين الأخلاقية السياسية بهدف تشييد ديمقراطية كونية أشد إقناعًا؟.
إنني أحاول إجابة هذا السؤال من خلال تقديم مفهوم الديمقراطية الإنسانية. فما هي الديمقراطية الإنسانية؟، وأين تختلف عن مفهوم الديمقراطية الليبرالية؟. بالمختصر، هي تختلف عن الديمقراطية الليبرالية التي يتحدد هدفها السياسي سلبًا في حماية حقوق الأفراد. فمفهوم الديمقراطية الإنسانية يتوخّى تعزيز أخلاقية إنسانية أعلى وأشد نبلًا كبناء التضامن العالمي وإقرار التنوّع وتحسين إمكانيات كل الناس، بما يتجاوز حماية حقوق الأفراد.
فمفهوم الديمقراطية الإنسانية يتوخى تعزيز أخلاقية إنسانية أعلى وأشد نبلا كبناء التضامن العالمي وإقرار التنوّع وتحسين إمكانيات كل الناس، بما يتجاوز حماية حقوق الأفراد.
إن المثل الأخلاقية للديمقراطية الإنسانية تتألف من قيم أخلاقية متنوعة وثرية لكل البشر بما يشمل، ولا يتوقف عند، المثل الأخلاقية الكونفوشية للرين. والفضيلة المسيحية للحب، والفضيلة الأرسطوتالية المدنية للمساواة، والرؤية الماركسية الأنثروبولوجية لـ «كينونة الأنواع species being»، والمبدأ البوذي للتعاطف، إلخ.
إن مبدأ الديمقراطية الإنسانية يختلف كذلك عن نموذج الجمهورية الغربية بحيث أن فضيلة الكونية المدنية للديمقراطية الإنسانية تكمن في أن الأخلاقية الضيقة للمجتمعات الغربية لم تفنِها: إن الفضيلة المدنية العالمية الأشدّ غلظةً للديمقراطية الإنسانية تتدفق أيضًا من الموارد المتنوعة للحكمة الإنسانية المتشارَكة والتي تُدرج لا تقاليدها الفلسفية المتنوعة وحسب، وإنما أيضًا ثراء وعمق رؤاها الدينية. بعكس الديمقراطية الليبرالية الغربية، التي غالبًا ما تتوجس وحتى تخشى أيًّا من التأثيرات الدينية، إن الديمقراطية الإنسانية أشدّ استيعابًا بكثير للقيم الإنسانية لأعلى أديان العالم.
بعكس الديمقراطية الليبرالية الغربية، فإن الديمقراطية الإنسانية أشد استيعابًا بكثير للقيم الإنسانية لأعلى أديان العالم.
تتطلب الديمقراطية الإنسانية من كل دولة ديمقراطية مستقلة إعادة تشييد نظمها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بطريقة تيسر تنفيذ القيم الأخلاقية الكونية المشتركة من خلال إجراءات ديمقراطية تشاورية، والتي يضرب لها مثلًا عمل يورغن هابرماس «احتواء الآخر Inclusion of the Other»[20]. ولتحقيق هذا الهدف، فإن المواطنين الكونيين للديمقراطية الإنسانية سيكون لهم أن يرتبطوا بما يسميه «عملية تعلم»، لا من خلال نظام التعليم الرسمي لكل دولة، وإنما أيضًا من خلال المعرفة العامة والحياتية المتجددة.
إنما قبل الخاتمة، دعوني ألخص بإيجاز المثل الأخلاقية الكونية الرئيسية للديمقراطية الإنسانية التي ذكرتها أعلاه:أولًا، إن التضامن تسمية مختلفة للضيافة الكونية Universal hospitality، والتي تتعاظم الحاجة إليه في عالم اليوم؛ حيث أعداد متزايدة من الناس تهاجر من بلد لآخر بسبب التقلبات السياسية والقمع الثقافي، أو مقتضيات اقتصادية. لأكون أكثر إيضاحًا، عملُ جاك دريدا الأخير حول «الأخلاقيات المفرطة» للضيافة الراديكالية وجذرها الكوني كما هو الحال في «أخلاقيات الآخر» الفينومونولجية لإيمانويل ليفيناس قد رسموا جوهريًّا التأسيس الفلسفي للتضامن Solidarity[21].
ثانيًا، إن التنوع عامود أخلاقي أساسي آخر للديمقراطية الإنسانية في مجتمع اليوم متعدد الثقافات. جيمس بومان في مقاله «من الفرد إلى الجماعة: الديمقراطية عبر الحدود From Demoi to Demos: Democracy across borders»، يجادل أننا ينبغي أن نختار، في مقابل النموذج الليبرالي لـ «سيادة الشعب في أي من نسختيْها: اللوكية (نسبة إلى جون لوك)، أو الروسووية (نسبة إلى جان جاك روسو)»، تقليدًا ديمقراطيًّا بديلًا يعترف بقدرة الشعب[22]. وفقًا لبومان،«تحت شروط التعددية والتعقد» اللذين يناديان بشرعية ما بعد قومية كما يرى هابرماس، فإنَّ الديمقراطية الكونية ينبغي أن تشكَّل بوصفها ديمقراطية «لا مركزية» بهدف تثمين قيمة التعددية الأخلاقية.
ويتمثل الجدل الرئيسي في أنه من أجل توفير عدالة أشد كليةً لكل المواطنين، سيكون على المجتمع أن يوفر «مستوى أوليًّا من كل الإمكانيات» لجميع مواطنيه.
في السنوات الأخيرة، بات مفهوم الإمكانية Capability معيارًا أخلاقيًّا سياسيًّا بالغ الأهمية للعدالة، بفضل أعمال أمارتيا سن Amartya Sen (عالم اقتصاد هندي قدم إسهامات كثيرة في نظريات الرفاه الاجتماعي والخيار الاجتماعي وحاز جائزة نوبل للاقتصاد) ومارثا نوسباوم Martha Nussbaum (فيلسوفة أخلاقية أمريكية)[23]. ويتمثل الجدل الرئيسي في أنه من أجل توفير عدالة أشد كليةً لكل المواطنين، سيكون على المجتمع أن يوفر «عتبة أولية من كل الإمكانيات» لجميع مواطنيه. وتعدد نوسباوم قائمة بعشر إمكانيات لإيضاح مثال لهذا الحد الأدنى من الإمكانيات[24]. دون الانتشار التحتي لهذه القائمة، فإن الاستحقاق السياسي لـ «الفرصة» قد يكون له قيمة رمزية وحسب. وبذا فإن الديمقراطية الإنسانية تدعم مفهوم الإمكانية، وهي ملتزمة بتعزيز الإدراك العالمي لمثاليته على مقياس عالمي. إن مثال الديمقراطية الليبرالية الغربية للأمن هو قيمة أخلاقية بالغة الأهمية كذلك في الديمقراطية الإنسانية. فهذه الديمقراطية ينبغي أن تكون قادرة على الدفاع عن نفسها ليس فقط من الجماعات السياسية اللا إنسانية كالدولة الإسلامية (داعش)، وإنما أيضًا من الهجمة الأيدولوجية على القيم الإنسانية من قبل أولئك الذين يروّجون قيمًا لا إنسانية كالعنف والتدمير. إن القيمة الأخلاقية (الإيتيقية) للأمن، مع ذلك، لا ينبغي لها تجاوز قيم إيتيقية أخرى في الديمقراطية الإنسانية.
خاتمة
لقد تطور مفهوم الديمقراطية الإنسانية عن تأمل نقدي تاريخي في الإرث الليبرالي الغربي الديمقراطي بالإضافة إلى السياسات المتغيرة والجغرافيا الاقتصادية للمجتمع العالمي. إنه من الصائب لهيلد وآركيبوجي القول أن الديمقراطية الكونية تهدف إلى إدراج التغيرات ليس فقط على المستوى العالمي، وإنما أيضًا على المستويات المحلية والقومية والإقليمية. إن ما أحاجج لأجله في هذه الورقة هو التحول عن الديمقراطية الليبرالية إلى أخرى إنسانية هو جوهر التغيّر المنتظر الذي يكتفيان بالإشارة إليه[25]. بالنظر إلى أن الديمقراطية الليبرالية الغربية تعجز عن حل افتقارها الخاص إلى تشريع أخلاقي سياسي في تقدمها نحو الحالة العالمية للديمقراطية العالمية، إن الاعتماد السياسي لمفهوم الديمقراطية الإنسانية قد يصبح دربًا أشد عملية وتبريرًا في السير نحو الغاية المطلقة لتأسيس ديمقراطية عالمية.
[1] David Held, Cosmopolitanism: Ideals and Realities, (Malden, MA: Polity Press, 2010); Daniele Archibugi, The Global Commonwealth of Citizens: Toward Cosmopolitan Democracy (Princeton, NJ: Princeton University Press, 2008); Richard Falk, On Humane Governance: Toward a New Global Politics, (Malden, MA: Polity Press, 1995); Jürgen Habermas, The Postnational Constellation: Political Essays, Trans. Max Pensky (Cambridge, MA: MIT Press, 2001); Jacques Derrida, Of Hospitality, Trans. Rachel Bowlby (Stanford, CA: Stanford University Press, 2000) & On Cosmopolitanism and Forgiveness, Trans. Mark Dooley (London, UK: Routledge, 2006); Immanuel Levinas, Totality and Infinity, Trans. Alphonso Lingis (Pittsburgh, PA: Duquesne University Press, 1980); Kwame Anthony Appiah, Cosmopolitanism: Ethics in a World of Strangers, (New York: W.W. Norton, 2006).
[2] Daniele Archibugi, “Cosmopolitan Democracy: A Restatement,” Cambridge Journal of Education. 42.1 (March 2012): 9–20, 9.
[3] Ibid.
[4] David Held, “From the American Century to a Cosmopolitan Order,” Social Europe Journal 6.2 (2012): 27–30, 28.
[5] David Held, ‘Cosmopolitanism: Globalisation tamed?,” Review of International Studies 29 (2003): 465–480, 470.
[6] Ibid.
[7] Ibid.
[8] David Held’s argumentation for cosmopolitan law further shows that he is deeply influenced by Kant’s political philosophy of cosmopolitanism. See Kant’s Perpetual Peace and Other Essays on Politics, History and Morals, Trans. Ted Humphrey (Cambridge, UK: Hackett Publishing Company, 1983).
[9] David Held, ‘Cosmopolitanism: Globalisation tamed?,” Review of International Studies 29 (2003): 465–480, 471.
[10] Ibid.
[11] Daniele Archibugi and David Held, “Cosmopolitan Democracy: Paths and Agents,”Ethics & International Affairs 25.4 (2011): 433–461, 444.
[12] Ibid., 442.
[13] Ibid., 449–54.
[14] David Held, “Cosmopolitanism: Globalisation Tamed?”, 479.
[15] Ibid., 480.
[16] William E. Scheuerman, “Cosmopolitan Democracy and the Rule of Law,” Ratio Juris15.4 (2002): 439–57, 451.
[17] Ibid.
[18] Gandi writes, “When we have become village-minded, we will not want imitations of the West or machine-made products, but we will develop a truly national taste in keeping with the vision of a new India, in which pauperism, starvation and idleness will be unknown.” Cited in Patrick Brantlinger, “A Postindustrial Prelude to Postcolonialism: John Ruskin, William Morris, and Gandhism,” Critical Inquiry 22 (Spring, 1996): 466–485, 480.
[19] Ibid., 479–80.
[20] Jürgen Habermas, The Inclusion of the Other: Studies in Political Theory, Trans. Ciaran Cronin and Pablo De Greiff (Cambridge, MA: MIT Press, 2000).
[21] Jacques Derrida, Of Hospitality, Trans. Rachel Bowlby (Stanford, CA: Stanford University Press, 2000) & On Cosmopolitanism and Forgiveness, Trans. Mark Dooley (London, UK: Routledge, 2006). Immanuel Levinas, Totality and Infinity, Trans. Alphonso Lingis (Pittsburgh, PA: Duquesne University Press, 1980).
[22] James Bohman, “From Demos to Demoi: Democracy across Borders,” Ratio Juris 18.3 (2005): 293–314.
[23] Amartya Sen, The Idea of Justice (Cambridge, MA: Harvard University Press, 2009). Martha Nussbaum, Frontiers of Justice: Disability, Nationality, Species Membership(Cambridge, MA: Harvard University Press, 2006).
[24] This list is as follows: life; bodily health, nourishment, and shelter; bodily integrity; the use of senses, imagination, and thoughts; emotional attachment and development; practical reasoning; affiliation and the social bases of self-respect and non-humiliation; other species; play and recreation; control over one’s political and material environment.
[25] Daniele Archibugi and David Held, “Cosmopolitan Democracy: Paths and Agents,”Ethics & International Affairs 25 .4 (2011): 433–461, 434.