اغتيال محمد كمال: استمرار مسلسل التصفية خارج القانون
أعلنت الداخلية مساء أمس اعتقال الإخواني وعضو مكتب الإرشاد «محمد كمال»، ونشرت جريدة اليوم السابع الخبر بعنوان: «مصادر: الداخلية ألقت القبض على محمد كمال مؤسس لجان الإخوان النوعية». وبعد ما يقرب من ثلاث ساعات نشرت الجريدة ذاتها خبر أخر بعنوان: «مصدر أمني: مقتل محمد كمال مسئول خلايا الإخوان في تبادل لإطلاق النار مع الشرطة».
قصة محمد كمال: من الانشقاق إلى الموت
تضاربت عناوين الأخبار بخصوص محمد كمال في الوقت بين العاشرة مساء والواحدة صباحًا ليلة الرابع من أكتوبر/تشرين الأول،وأصدرت الداخلية بيانًا توضح فيه ما حصلت عليه من معلومات عن: «اتخاذ بعض قيادات الجناح المسلح للتنظيم الإرهابي من إحدى الشقق الكائنة بمنطقة البساتين محافظة القاهرة مقرًا لاختبائهم والإعداد والتخطيط لعملهم المسلح في المرحلة الراهنة»، مما أدى إلى تكثيف الجهود الأمنية واستهداف الوكر المذكور وفوجئت الشرطة: «بإطلاق أعيرة نارية تجاهها من داخله مما دفع القوات للتعامل مع مصدرها» كما يوضح البيان، وهو ما نتج عنه مقتل الإخواني محمد كمال.
يُذكر أن كمال قد أعلن في مايو/أيار 2016 استقالته -باعتباره قياديًا- من أي منصب إداري داخل الجماعة، كما أعلن عن عزمه عدم الترشح لأي من المناصب التنفيذية، و دعا قيادات الإخوان السابقة في تسجيل صوتي إلى «تسليم الراية إلى أبنائهم قادة الميادين وفرسان المرحلة»، حسبما عبر.
هذا القرار من قبل محمد كمال كان واحدًا من أهم قرارات الاستقالة التي شهدتها جماعة الإخوان المسلمين، حيث يعبر عن صدع في صلب الجماعة نتيجة الخلاف القائم بين محمد كمال باعتباره ممثلًا جبهة القيادة الشبابية ضد جبهة «محمود عزت» القائم بأعمال المرشد، ولكل جبهة قطاع كبير من المؤيدين من داخل الجماعة، وهو ما كان ينذر بتغيير في هيكل القيادة.
يرى البعض لذلك أن السلطة المصرية رغبت في استمرار الجماعة على ما هي عليه بقيادتها التقليدية، فجاء مقتل محمد كمال منهيًا أي تغيير محتمل بالجماعة، ومبشرًا بالحفاظ على سلطة محمود عزت. بينما يرى آخرون أن النظام أراد أن يشعل حريقًا ربما يكون هو نفسه عاجزًا عن إطفائه.
«الإعدام دون محاكمة»: جريمة حقوقية تضاف إلى سجل النظام المصري
يواجههم الموت أثناء احتجازهم ولا مفر إلى الحياة، فظروف الاحتجاز الصعبة وسوء المعاملة تكون سببًا في مقتل البعض، والتعذيب الوحشي الذي يتعرض له المحتجزون يكون سببًا أخر، إلا أن أكثر الجرائم بشاعة في خروجه على القانون هو القتل العمد والتصفية خارج إطار القانون في ظرف ساعات بلا محاكمة بعد أن يصبح المحتجزين في قبضة يد الشرطة.
اشتكى السيسي في خطاباته من القوانين الحاكمة وكونها حائلًا دون محاربة الإرهاب، كما هدد سابقًا قائلًا: «الدولة لم تتخذ حتى الآن أي قرار استثنائي احترامًا لحكم القضاء والقانون، واحذروا غضبة المصريين». حيث عبر عن غضبه واضطراره لعدم اتخاذ قرارات استثنائية رغمًا عن أحكام القضاء، وهو ما أدى إلى قراره بما يعرف بـ «قانون مكافحة الإرهاب» الكارثي.
فلم تعد أحداث القتل خارج إطار القانون في مصر بمثابة الخطأ او الصدفة، حيث أنه تم تقنين المسألة بشكل فج في قرار رئيس الجمهورية بقانون رقم 94 لسنة 2015، الخاص بمكافحة الإرهاب.
أعفى القانون القوات المنفذة له من المسئولية الجنائية في حال استخدامهم للقوة أو القتل في حالة أداء واجبهم أو الدفاع عن النفس، و يقول الحقوقي محمد زارع: «ما يزيد الأمر سوءًا هو الغياب التام للرقابة الفعالة على القائمين على تنفيذ القانون في ظل الانهيار التام لمنظومة العدالة. في واقع الحال فإن منظومة العدالة ليست مكبلة بالقوانين، بل هي مكبلة بالتدخلات الأمنية والخطاب السائد بخصوص مكافحة الإرهاب».
أصبحت للشرطة وأذرع الدولة المنفذة للقانون سلطة على الشعب لا يضاهيها سلطة ولا تقابلها رقابة، مما أدى إلى استفحال استخدام العنف ضد المواطنين تحت بند أداء الواجب أو الدفاع عن النفس، ففي كل مرة ترغب الشرطة في تبرير قتلها لأحد الأفراد تدعي مهاجمته لها، وبالتالي يكون حقًا لها استخدام الرصاص وقتل من يهاجمها.
ما يحدث بمصر من خرق للعدالة وقتل خارج الأطر الشرعية ليس بجديد على النظم الاستبدادية، كما أنه يعتبر من ضمن الجرائم ضد الإنسانية إذا كان ممنهجًا ولم يتم محاسبة مرتكبيه. ويبدو واضحًا أننا أمام تحول جذري لطبيعة المؤسسات في مصر من مؤسسات دولة تحتكر العنف القانوني إلى ميليشيات مسلحة تمارس العنف خارج إطار القانون.
حيث تقر المادة الأولى من قرار الأمم المتحدة المؤرخ في 24 مايو/أيار 1989:
حوادث مشابهة
في يوليو/تموز 2015، ارتكبت قوات الأمن جريمة قتل خارج نطاق القانون بقتلها 9 من جماعة الإخوان المسلمين بعد مداهمتها لشقة بمدينة 6 أكتوبر، حسبما أوضع تقرير هيومن رايتس واتش لعام 2015، حيث صرحت الداخلية أنها اقتحمت وكرًا للإرهابيين الذين بادروا بإطلاق النار على عناصر الشرطة مما تسبب في قتل الشرطة لهم، إلا أن أهالي القتلى أكدوا أنهم كانوا على علم باعتقال ذويهم قبل ساعات من قتلهم، كما أكدوا عدم حيازتهم لأي أسلحة.
ومن بين القتلى التسع كان ناصر الحافي البرلماني السابق، ومسؤول لجنة رعاية أسر الشهداء والمصابين بجماعة الاخوان. كما وثقت «التنسيقية المصرية للحقوق والحريات» –وهي مجموعة مستقلة– 47 وفاة رهن الاحتجاز بين يناير/كانون الثاني ويونيو/حزيران، حسبما أشار التقرير.
كما يُعيد تكرار الحوادث مقتل الباحث «جوليو رجيني» إلى الأذهان، وما أعقبه من محاولات تلفيق الداخلية التهمة لأي طرف لإبعاد مسئولية مقتله عنها، حيث أكدت الداخلية في مارس/آذار 2016 عثورها على مرتكبي جريمة القتل، ووصفتهم بعصابة مكونة من أربعة أشخاص تستهدف الأجانب بهدف سرقتهم، وفي مواجهة بين الطرفين تم قتل الشرطة لهم، حسبما أوضحت الداخلية. إلا أن النيابة المصرية بعد إجراء التحقيقات اللازمة استبعدت أي علاقة لهؤلاء الأفراد بقضية مقتل ريجيني، ليكونوا من ضمن ضحايا الشرطة المصرية.
فلم يكن محمد كمال الأول، إلا أن الداخلية تُصدِّر الحجج المختلفة في تصفيتها لكل من يقع في قبضتها، أملًا في تصديق الجمهور لها وطي صفحات الماضي في سلام، ولكن تطاردها الشهادات المختلفة لتبوح بروايات أكثر منطقية واتساقًا مع ما يعيشه الواقع المصري من انتهاكات. وما بين الرواية الرسمية والروايات الأخرى التي تثبت تورطت الشرطة؛ تزداد أعداد الضحايا يومًا بعد الآخر.