فن مواجهة الأزمات: هل يمكن أن تأتي الرياح بما تشتهي السفن؟
في أول أيام الدراسة بالجامعة، وعند دخولي لأول مرة من البوابة، قابلت أحد مُنظمي استقبال الطلاب الجدد، أعطاني حلوى وورقة مغلقة. فتحتْ الورقة بحماس لأجد جملة أثرت بي كثيراً: «اجعل كل محنة منحة». منذ ذلك اليوم، وأنا أحاول تطبيق هذه الحكمة في حياتي، كلما واجهت مشكلة، أحاول أن أحوّلها لصالحي، ومن هنا فكّرت، هل يمكن أن تأتي الرياح بما تشتهي السفن؟ ألا يمكننا تطويعها لصالحنا أو الاستفادة منها؟
لا تخلو الحياة من المشاكل، سواء في البيت أو في العمل أو في الجامعة أو في أي مرحلة أو مكان، وإن انجرفنا مع كل مشكلة لن نستطيع الاستمرار أو النجاح في أي شيء. لا شك أن أي مشكلة في باطنها جانب إيجابي يمكننا استكشافه أو حتى اختراعه. تخيّل لو أنك استخرجت منحة من كل هذه المحن التي مرت بك! كيف ستكون حياتك بعد عدة سنوات؟!
صديقتكِ التي خذلتك واصطدمتِ بحقيقة ما تُكِنه لك من مشاعر سلبية ونوايا خبيثة، ألن يكون أفضل لكِ أن تُعيدي نظرتك في الأشخاص وتُبرمجي مُخك على عدم منح الثقة لأي أحد بدلاً من الاستسلام والسقوط والانهيار لسنوات؟ وظيفتك التي خسرتها من دون ذنب، وقضيت شهوراً من عمرك تبكي وتلعن الظروف، أليس من الأفضل أن تبحث وراء سبب المشكلة وتعرف عدوك لكي تتقي شروره في المرة القادمة؟
هذا لا يعني أن تهرب من المشكلة، لا أبداً، بل تقبّلها، وأحسِّن التعامل معها، لكي لا تعصف بك في طريق لا تحبه، وأيضاً لكي تستفيد منها. لا أريد أن أُشقيك في الكلام النظري، لننطلق معاً نحو كيفية تطبيق كل هذا.
أزل الغبار عن المشكلة
أي مشكلة لديها جانب انفعالي يطغى على جوهر المشكلة، والخطأ الذي يرتكبه أغلبنا أنه ينشغل بالمشاعر المتعلقة بالمشكلة ويغض الطرف عن الجوهر، فدورك في الخطوة الأولى هنا، هو أن تزيح الستار عن قلب المشكلة، السبب الرئيسي، أن تجب على السؤال الأهم وهو: ماذا يحدث بالفعل؟
سواء كانت مشكلتك هي زميل كسول أو شريك يُسبِّب الخسارة، مدير ظالم أو شخص خبيث يترصّد لك، أياً كانت نوع المشكلة، يجب أن تفصلها إلى مكوناتها الرئيسية، لتعرف بالفعل وتصل إلى ما يؤرق ذهنك ويُضيّق صدرك.
الكثير منّا يحاول تجاهل المشكلة أو الهروب منها أو إنكارها، وهذا خطأ كبير، لن يُجدي نفعاً، بل يجب أن تغمر نفسك بداخل المشكلة وتبحث في ثناياها حتى تصل إلى جذورها.
لا تقسُ على نفسك
يجب أن تمتلك بعض الشفقة على نفسك، ولا تبالغ في جلد الذات وتأنيب الضمير، هذا لن يفيد، وسوف يُعطِّل حل المشكلة.
بعد أن تعترف بالمشكلة وتبحث في جذورها وتجد الأسباب الحقيقية، تقبّل ذاتك وتصالح معها، لكي تستطيع تجاوز هذه المرحلة.
صحيح أنك وثقت في الشخص الخطأ، ولكنها تحدث، ليس عليك أن تبالغ في توبيخ ذاتك على هذا الفعل، ولا تنس أن الطرف الآخر خذلك وقام بفعل مُخز، ولا تحُملِّ نفسك الذنب كله.
ابحث عن المنحة
ركّز على الجانب الإيجابي في المشكلة، اكتشف إمكانيات جديدة واسأل نفسك: ما الفرق بين الموقف الطبيعي والموقف الحالي، ماذا يمكنني أن أستفيد من هذا الموقف، أي المواقف يمكنني استخراج الفائدة منها لصالحي؟ المفتاح هنا هو تغيير زاوية النظر والتركيز أكثر على وجه الاستفادة.
تعلم كيف تستفيد من المنحة أفضل استفادة. فبمجرد أن تجد المنحة بعد البحث عنها، ابدأ في التفكير في كيفية الاستفادة من هذه المنحة بأفضل شكل.
تعامل مع المشكلة على أنها أرض خصبة للحصول على منتج ذي قيمة عالية، واسأل نفسك: كيف يمكن أن تساعدني هذه المشكلة في حل مشكلة أخرى، كيف يمكن أن تُحسِّن هذه المشكلة من وضعي ومكانتي، هل يمكنها تعويض نقص آخر لدى، هل يمكنني استخدامها للقيام بتحدٍ مع نفسي لاكتساب صفة طالما حلمت بها؟
لا تستنزف مشاعرك بلا جدوى
إن تركت الأمر لقلبك، سيقيم حداداً لا ينتهي، ويظل يفقد طاقته في الحزن والمشاعر السلبية، ولن نفعل أي شيء إيجابي. أعطه فرصة مناسبة للانفعال، ومن ثَمَّ اسحب منه الميكروفون وأعطه لعقلك لكي يُوجِّه جوارحك للتصرف، لا شيء يبنى بلا فعل حقيقي، يجب أن تتصرّف وتُنهِي المشكلة، يجب أن تأخذ خطوة جادة نحو الحل، لكي نركز أكثر في الاستفادة من الأزمة.
الذكاء العاطفي من أهم الأمور في الحياة، فإن لم تتحكم في مشاعرك فسوف تتحكم بك. راقب التأثير المادي والفيزيائي لمشاعرك، وحلّلها، إن كان لها تأثير مادي سلبي، فيجب عليك أن تُروِّضها وتتحكّم بها لكي لا تضرك، وإن كان تأثيرها لا يضر فلا بأس.
حدّد أوجه الاستفادة
كلما كنت مُحدداً، كان النجاح أسهل. حدّد أي صفة تريد أن تكتسبها، أو هدف تسعى للوصول إليه، ثم اربط المشكلة بالهدف لكي تحول المحنة إلى منحة، وتستغل الأزمة في الوصول إلى هدف لم يكن له دافع لديك.
مثال: أم أصيب ابنها بمرض الهربس المنتشر لدى الرُضّع، وفقد على إثره شهيته ورغبته في الرضاعة الطبيعية، وكان قد قرب على سن الفطام، فقررت بدلاً من أن تحزن على مرضه وتضيع الوقت في البكاء والمحاولات الفاشلة، أن تحل مشكلة كانت ستواجهها وتؤرقها بعد شهر أو شهرين، وهي مشكلة صعبة على كل الأمهات والرضع.
تخلّص من الفوضى
استغل المحنة لكي تقضي على أي شيء لا داعي له في حياتك، سواء كان عادة سيئة سبّبت المشكلة، أو طبع أو سمة شخصية سيئة، أو أشخاص مؤذيين، أو مكان غير مناسب. في هذه الحالة تكون استخدمت المحنة لتجعل حياتك القادمة أفضل، وهي خير منحة.
كن راضياً واستمتع بانتصاراتك
بدلاً من أن تلعن القدر والحياة وتشعر بالظلم وتظل تسأل: لماذا أنا؟ من الأفضل والأصح أن ترضى وتشعر بالامتنان، تشعر بالامتنان من أجل الفرصة التي جاءت إليك لكي تستغلها، كما أن القنوط لن يفيد، بل يضر.
كذلك لا شيء يُضاهي نشوة الشعور بالقوة والانتصار، ولا انتصار يُضاهي نصر جهاد النفس. هل تعلم معنى أن تمتلك عقلاً ناضجاً وشخصية قوية قادرة على قيادة حياتها والتحكم بمشاعرها واستغلال أي أزمة لمصلحتها؟ إنها قوة تُمكِّن الفرد من العيش آمناً سعيداً، لا شيء يضاهي الشعور بالقوة.
القيام ببعض الأنشطة الإيجابية أو التمارين
أحياناً يُقلِّل الضحك والدعابة من حدة الموقف أو ينهيه تماماً، وأحياناً لا يكون الضحك مناسباً أبداً. عليك التحديد، ومن ثَمَّ قرّر، إن كانت المشكلة يمكن أن تمر ببعض الدعابة فلتفعل.
مثال: يواجه الزوجان عديداً من المشاكل، يمكن أن تكون بشكل يومي، وإن انفعلا مع كل مشكلة وتحاملا على بعضهما البعض، سوف تنتهي طاقتهما ورصيدهما عند بعضهما البعض، فبدلاً من ذلك يمكن أحدهما أن يأخذ الأمر إلى جانب كوميدي لكي يكسر حاجز الحدة والشدة ويقضي على المشكلة قبل أن تبدأ، ونُحوِّل اللحظة البائسة إلى ابتسامة.
كذلك فإن التوتر من أكثر الأشياء التي تعوق حل أي مشكلة، بل غالباً ما يكون هو المشكلة بعينها، لذلك عليك أن تحاول التخلص منه. ببعض التمارين العقلية مثل التأمل والتفكر وتصفية الذهن، التي تساعدك على الاسترخاء والهدوء وتقليل التوتر، كما أن بعض التمارين كاليوجا أو تناول الطعام الصحي تساعدك أيضاً على حل المشكلة واتخاذ القرار الصحيح بشأنها وحسن التصرف والهدوء، لتتمكن من الإجابة على الأسئلة التي طرحناها بالأعلى.
وفي ما يلي بعض الأمثلة على كيفية استغلال المحن وتحويلها إلى منح:
- كريستوفر كولومبوس فشل في إيجاد أقصر طريق للإنديز، ولكنه نجح في اكتشاف أمريكا من خلال هذه المشكلة.
- أنتجت شركة 3M غراء ضعيفة في اللصق، ولكنها استغلت المشكلة واستخدمتها في الأوراق اللاصقة Sticky Notes.
- جرّبت شركة «فايزر» عقاراً لعلاج أحد أمراض القلب، ولكن النتيجة لم تكن مرضية، وكانت مشكلة، ولكن الشركة نجحت في استخدام العقار لعلاج مشكلة أخرى في عضو آخر.
كل ما قيل ليس كلاماً صعب التطبيق، بل سوف تجد صعوبة في العيش مع المشكلة أكثر من محاولة تحويلها إلى منحة. فالانشغال بالمشكلة دون النظر في حلها واستغلالها سوف يجلب لك الكثير من الحزن، على عكس الانشغال بالعمل عليها والاتجاه لتحقيق أهداف من خلالها، فسوف يصرف قلبك عن السلبيات والمشاعر المؤلمة.