لهذا السبب أطاح «جوارديولا» بـ«رونالدينهو» من برشلونة
من العسير ألا يحتل اسمي «رونالدينهو جاوتشو» و«بيب جوارديولا» موقعًا في القائمة المفضلة لأي مشجع لنادي برشلونة؛ فبمجرد ذكر اسم الأول يتزاحم داخل رأس المرء عدد هائل من الذكريات الملونة، ذكريات تبدأ من تحكم البرازيلي الأكروباتي بالكرة، ولا تنتهي إلا مع آخر مراوغة خيالية قام بها رونالدينهو بينما تعلو وجهه تلك الابتسامة التي لم تفارقه أبدًا.
أما الاسم الثاني فقد قدّم لجمهور البلوجرانا النسخة الأمتع والأشرس والأكثر تطرفًا من برشلونة، جوارديولا ابتكر المعادلة التي ترتكز على جمالية الأداء الجماعي بالإضافة إلى الفاعلية الضاربة لتكون نتيجة المعادلة هي 14 بطولة على مدى أربع سنوات فقط، وليتحول حينها بيب لصورة المدرب المثالي الذي يحلم جمهور البلوجرانا بعودته ذات يوم للكامب نو.
صانع الألعاب البرازيلي والمدرب الكتالوني عملا سويًا لفترة وجيزة، لكن العلاقة بينهما انتهت سريعًا للغاية بمفاجأة مدوية لم يكن يتوقعها الكثيرون. حيث غادر رونالدينهو قلعة برشلونة بموافقة من جوارديولا الذي كان قد تسلم للتو مهمته كمدرب للفريق الأول قادمًا من الرديف، وبدأ بذلك عهد جديد في برشلونة بدون جاوتشو الذي نثر سحره بين جنبات ملاعب الليجا.
اختلفت التفسيرات حول أسباب رحيل رونالدينهو؛ فنشرت بعض الصحف عن خلافات حادة نشبت بين اللاعب ومدربه الجديد، وأرجع بعض المحللين السبب إلى أن أسلوب لعب جوارديولا لم يكن ليتحمل كل هذا الاستعراض المصاحب للبرازيلي، بينما رأى آخرون أن بيب أقدم على الاستغناء عن نجم الفريق حتى يفرض شخصيته ويصبح هو مركز الثقل في برشلونة!
في هذا التقرير نستعرض الظروف التي أحاطت بالثنائي خلال فترة وجودهما سويًا للوصول للسبب الفعلي لرحيل الساحر البرازيلي.
غريق في ألمانيا
انتهى موسم 2005 / 2006 بفوز برشلونة ببطولتي الدوري الإسباني وأبطال أوروبا. وكان رونالدينهو هو البطل الأول لتلك الحقبة، والعقل المدبر في الملعب الذي يقود برشلونة نحو منصات التتويج، وقد اكتسح البرازيلي حينها كثيرًا من الجوائز الفردية كفوزه بجائزة الكرة الذهبية عام 2005، وجائزة الفيفا كأفضل لاعب في العام ذاته، وضمن لنفسه مركزًا ثابتًا باختيارات أفضل 11 لاعبًا في العالم.
لذلك انتظر الجميع كيف سيظهر رونالدينهو مع منتخب بلاده صيف عام 2006 بمونديال ألمانيا، حيث كان صانع ألعاب برشلونة رفقة الظاهرة رونالدو هما أبرز عناصر كتيبة السيليساو حامل لقب 2002. على الجانب الآخر كان جاوتشو يدرك أنه لن يتمكن من تقديم الأداء المرجو منه، وقد عبّر بشكل علني أنه خرج منهكًا بدنيًا وذهنيًا بعد موسمين شهدا على قمة مستواه، وبالتالي كانت أقصى أمنياته تقديم أداء جيد فقط وليس الدفاع عن لقب مونديال كوريا واليابان!
كان ذلك هو عنوان تقرير وكالة ABC الإخبارية بعد إقصاء منتخب السامبا من ربع نهائي البطولة على يد رفاق زيدان. فقد فشل الساحر في تسجيل أو صناعة هدف واحد خلال كل مشاركاته، وتقلصت فاعليته وتأثيره على بعض لقطات الاستعراض والمراوغة؛ لذلك يمكن اعتبار مونديال 2006 النقطة الزمنية التي بدأ عندها مستوى رونالدينهو في الهبوط بشكل ملحوظ.
المدهش أن جاوتشو لم يبدُ منزعجًا بسبب أدائه بالبطولة. فقد عاد أدراجه نحو كتالونيا ليقدم موسمين هما الأقل بمسيرته في برشلونة، وبدا واضحًا أن رونالدينهو فقد التركيز والشغف للمواصلة خصوصًا بالموسم الثاني، واستسلم سريعًا للإصابات والإرهاق، بل ازدادت سهراته بالملاهي الليلية بشكل غير مسبوق حتى منعته أحيانًا من حضور بعض التدريبات أو الالتزام بمواعيد الجلسات الاستشفائية كما نشر موقع جول.
يمكن تفسير تلك الحالة التي أصابت جاوتشو بأنها نتيجة لاكتفائه بعد الفوز بكل شيء والوصول لعرش اللعبة، سواء على المستوى الفردي أو الجماعي، لذلك فلم يجد الدافع الكافي الذي يستفز جهوده وإمكانياته من جديد، فتفرغ للحفلات والسهر والتنقل بين المطاعم والفنادق والملاهي بلا توقف. بالطبع ازداد وزن البرازيلي، وتراجعت لياقته، وغاب حضوره الحاسم عن بعض المباريات المهمة.
هو نمط أو بالأحرى آفة تصيب كثيرًا من اللاعبين اللاتينيين بعد التألق اللافت والشعبية الجارفة، فيبدأ البعض منهم بالتراخي والإهمال المدمر، ورونالدينهو كان واحدًا من هؤلاء. المحزن أنها أصابت جاوتشو في سن السادسة والعشرين، وتمكنت منه تمامًا في عامه الثامن والعشرين، وهي السن التي يفترض أن يكتمل فيها نضجه ويستقر مستواه.
لابورتا يتدخل
رونالدينهو لم يكن الوحيد الذي خرج عن حدود السيطرة، بل دخل الفريق كله في نفق مظلم كانت نتيجته الخروج بلا بطولة على مدى موسمي 2006 / 2007 و2007 / 2008، لذلك كانت إدارة النادي الكتالوني برئاسة «خوان لابورتا» ترى ضرورة إحداث تغيير جذري وشامل يستهدف فريق الكرة.
قرر لابورتا إيكال مهمة إدارة الفريق لمدرب آخر غير «فرانك ريكارد»، وكانت المفاضلة بين جوزيه مورينهو وبيب جوارديولا، وفي النهاية قرر لابورتا مدفوعًا من «يوهان كرويف» تعيين جوارديولا الذي تمثلت خبراته حينها في قيادة برشلونة B وتحقيق نتائج رائعة. لابورتا أراد جوارديولا لأن الأخير هو ابن مدرسة لاماسيا، وعنصر مهم بفريق الأحلام، وقائد سابق في الملعب. فهو يعرف جيدًا ثقافة برشلونة، ويدرك كيف تتحرك المنظومة، وسيحاول تطبيق كل ما تعلمه كلاعب وكمدرب في تجربته الجديدة.
غير أن التصرفات غير المسئولة لرونالدينهو وديكو تحديدًا كانت محل نقاش وجدل داخل إدارة برشلونة.يقول «جراهام هانتر» مؤلف كتاب «برشلونة: صناعة أفضل فريق بالعالم» إن الثنائي كان يظن نفسه فوق النقد، وبإمكانهما كسر القواعد واللوائح دون رادع، وهنا كانت الإدارة -بحسب جراهام- تفكر جديًا بالاستغناء عن خدماتهما نظير الحفاظ على قوام ونظام الفريق ككتلة واحدة.
ينقل هانتر في كتابه تخوّف الثنائي «فيران سوريانو»، نائب رئيس برشلونة حينها، و«تشيكي بيجريستين»، المدير الرياضي السابق للبلوجرانا، من أن تؤثر حالة رونالدينهو وديكو على صديقهما الصاعد بقوة حينها «ليونيل ميسي». حيث كان اللاعب البرازيلي والبرتغالي أقرب اللاعبين لميسي داخل الفريق، وبقاؤهما على تلك الحالة من الإهمال كان يعني بالضرورة لحاق ميسي بهما في المستقبل.
في رأس جوارديولا
كتب الصحفي «جليم بلاج»، المقرب من نادي برشلونة وكاتب سيرة بيب جوارديولا، مقالًا نُشِر في موقع التليجراف عن اليوم الأول الذي التقى فيه جوارديولا فريقه الجديد. أشار بلاج إلى أن بيب في اجتماعه الأول لم يؤكد شيئًا بقدر ضرورة الالتزام والجدية، وأنه لن يسمح بأي تراخٍ أو إهمال خلال الفترة القادمة.
جوارديولا كان يعلم جيدًا بمشاكل الفريق، فحالة لاعبي برشلونة المتراجعة لم تكن بحاجة لمزيد من الوضوح، وقد نقل المحرر «كورت باكفيلد» من كتاب سيرة بيب جوارديولا أن الأخير لم يكن راضيًا بالمرة عن أداء رونالدينهو تلك الفترة، ولا النمط الذي اتخذه البرازيلي لحياته، وكان له شديد الأثر على مستواه، وقد عقد بيب عددًا من الاجتماعات مع طاقمه الفني لدراسة حالة رونالدينهو قبل اتخاذ القرار النهائي بشأنه.
يؤكد دومًا جوارديولا في تصريحاته احترامه لموهبة رونالدينهو، وأنه كان يتمنى بقاءه في برشلونة فترة أطول، في المقابل ينفي جاوتشو عن بيب جوارديولا تهمة أنه تسبب في رحيله عن النادي الكتالوني، ويؤكد البرازيلي أنه كان بحاجة لخوض تجربة جديدة بعد أن حقق كل شيء رفقة برشلونة. لكن النتيجة تبقى واحدة وهي أن رونالدينهو غادر الفريق باتجاه إيطاليا قبل أن يبدأ موسم بيب الأول كمدرب للفريق، بمعنى أن جوارديولا وقبله إدارة لابورتا كانوا جميعًا موافقين على رحيل البرازيلي بعيدًا عن الفريق بعد أن هبط مستواه بهذه الدرجة الرهيبة.
إذا نظرت، عزيزي القارئ، لطبيعة رونالدينهو وطبيعة بيب جوارديولا فستكتشف حتمًا أنك أمام رجلين مختلفين تمامًا. فالأول ظل يلعب أغلب فترات مسيرته للمتعة والاستعراض، كان يرقص في الملعب ويتحرك بحرية ولا يتقيد بالمراكز والخطط، أما جوارديولا فهو على النقيض شخص مهووس بالتكتيك والتخطيط في الملعب، يكره أن يخالف أحدهم تعليماته حتى لو قام بتسجيل هدف، يقدس النظام والالتزام ولا يتوانى عن معاقبة من يخترقه.
جوارديولا أطاح برونالدينهو لأنه كان يريد تحويل برشلونة من وضعيته السيئة إلى ماكينة لا تتوقف عن العمل. ماكينة تعتمد على لاعبين في أفضل حالتهم البدنية والذهنية، ويمتلكون جميعهم دوافع كبيرة للغاية للتربع على عرش العالم، وتقديم أداء كاسح لأطول فترة ممكنة. من دون شك، كان جوارديولا معجبًا مثلنا جميعًا بموهبة رونالدينهو المدهشة، لكن جاوتشو لم يكن في حالة تسمح له بالتأقلم في هذا النظام الصارم.