تلك الذِكرى المُخزية!
قبل أسبوعٍ، جمعني لقاءٌ بصديقين مقرّبين، وتناوبتنا الذكريات، حتى جاء أحدهما على ذكر مؤتمر المنتدى العالَمي للمفكرين المسلمين، الذي عُقِد بفندق موفينبيك أكتوبر، في مارس 2013م. كنتُ حاضرًا هذا المؤتمر بصورة روتينية ممثلاً عن مركز الأبحاث الذي كنت أعمل به حينها. فوجئت بصديقي يحكي عن حضوره معي المؤتمر! قلت له: لكنّك لم تحضر. أنا لم أرَك في أيٍ من أيام هذا المؤتمر. ردّ مستنكرًا: (ازاي يا عمّ؟! أمال أول يوم لما قعدنا في هول الفدق مع فلان وفلان والشيخ علان، وتاني يوم لما اتغدينا مع الأستاذ فلان الفلاني، وكنا قاعدين على ترابيزة واحدة.. بأمارة ما قال كذا وأنا قلتله كذا، وانت ضحكت وقلتله معلش أصل دة قريب ترتان الترتاني، وضحكنا كلنا!!).
نظرتُ له مذهولاً؛ أنا حقًا لا أذكر أنّك كنت موجودًا. أذكرُ هذا المؤتمر جيدًا، وأذكر مَن قابلتُهم من ناشطي الإسلاميين وسبوبتجيتهم على حد سواء. أذكر صورة طارق الزمر وهو يلقي كلمته، ويتهدّج صوته وتخنقه الدموع وهو يقول: (وكم قلنا، ولا زلنا نقول للإخوان: إن أيدينا ممدودة، ونرجو أن يستمعوا لنا قبل أن يضيع كل شيء!)أذكر طلعت رميح وعلي باكير وموسى الموسوي وكثيرين كانوا حاضرين؛ أذكر جلسة هول الفندق تلك، لكن صورتها في ذاكرتي خالية منك. وأذكر جلسة منضدة الغداء هذه، ولكنّي لا أراك هناك قط. مقعدك في ذاكرتي فارغ!
صارحته قائلاً: الحقيقة أن زوجتي لاحظَت عليّ أعراض انحلالٍ في الذاكرة بعد أحداث فضّ رابعة وما تلاها، ولكني لم أكن أتصوّر أن تكون هذه الأعراض قد انسحبت على أيٍ من ذكرياتي الماضية قبل ذلك.
انصرفتُ وأنا أتفكّر في الأمر بمرارة: أنا لم أُشفَ من تلك الأعراض بعد، ويبدو أنها لن تفارقني. يبدو أنها حقيقة لابدّ أن أتعايش معها بقيّة حياتي.
ولعنتُ كثيرين ممّن يستحقّون اللعن!
في السابعة والنصف صباح الرابع عشر من أغسطس ذلك العام، أيقظتني زوجتي: اعتصام رابعة بيتفضّ من الفَجر وفي 600 واحد ماتوا. قُمتُ مُنهَكًا لا أعي ما تقول جيدًا، لكن قدماي ساقتني إلى جهاز الكمبيوتر ورأيتُ ما رأيت! بالخارج في شوارع مدينتي كانت تجوب الشوارعَ سيارةٌ بمذياعٍ يستصرخ الناس للنزول والدعاء لإخوانهم الذين يُبادون في ميدان رابعة.ساعتان أمام الشاشة وأنا أتابع كل ما يُنشر على فيس بوك وتويتر ويوتيوب والمواقع الإخبارية، ولم ألبث أن وجدتُ نفسي أرتدي ملابسي وأنزل. حتمًا لابدّ أن يحدث شيء، من غير المعقول أن تمرّ الأمور هكذا.
بعد محاولات وبحث في شوارع مدينتنا، اكتشفتُ أن أغلب المحلات والمصالح الحكومية قد أغلِقَت، طارت الشائعات في المدينة أن الإخوان سينتقمون وسيخرّبون كلّ شيء. ورأيتُ في أحد المحلات المفتوحة مشاهدين يشجعون عمليات القنص على الهواء مباشرة ويضحكون ويهلّلون كما لو كانوا أمام مباراة كرة قدم. علمتُ أن مسيرةً قادمةً في الطريق الرئيسي السريع الذي يربط مدينتنا بالمدن الأخرى، انتظرتهم عند مبنى المجلس المحلّي للمدينة، وأنا أراقب الناس، جاءت المسيرة فوجدت فيها بعضَ مَن أعرفهم من الإسلاميين، وبعضًا من الغوغاء المدفوعين. وقفتُ على جانب الطريق أراقب المسيرة، والغوغاء يخرّبون مبنى مجلس المدينة ويلقون المولوتوف. رافقتُ المسيرة فوجدتهم ينعطفون من فتحة مزلقان السكّة الحديد نحو مبنى مركز الشرطة، وهناك استقبلتهم بعض طلقات الرصاص، وقنابل الغاز بكثافة. سقَط مَن سقط، وكان هتاف السلمية يتردّد، فأيقنتُ بالغباء المُحتَكِم. قلتُ هذا ممّا لا طاقة لنا به، لا بسِلمية ولا بغيرها. قصدتُ أخي الذي جاء لتوّه يستكشف ما يجري، وقُلت له: هيا بنا نرجع، فهذا ممّا لا طاقة لنا به، الإخوان ورّطوا الناس في كل هذا البلاء.. بلا سِلمية بلا زفت.. خلاص الموضوع انتهى، واللي معاه القوة خلاص فرض إرادته. وقفلتُ راجعًا. لاحقَتنا قنابل الغاز. لا أدري كيف كانت تعبر كل هذه المسافة، كنت منصرفًا وكان الهاربون من الرصاص والغاز يندفعون ورائي.
طالني الغاز، وصدري به من المرض أصلاً ما فيه، أحسستُ بوجهي يحترق، انعطفت جريًا من أحد الشوارع، مررت من أمام محل والد زوجتي، وجدت ابنه الأكبر هناك. ناشدته أن يناولني زجاجة بيبسي كي ألحق وجهي وأنفاسي المخنوقة، لكنه برز لي من المحل بفتور متصنّعًا الاستفهام، ثم قلّة الحيلة. من يومها انقطع الودّ الذي كان بيني وبينه. وكرّر الأمرَ معي أحد أصحاب محلات البقالة. وسببتهم في سِرّي: تظنّونني من الإخوان يا أولاد الوسـ…!! أمام أحد محلات السوبر ماركت وجدت صبيًا ينازع لالتقاط أنفاسه، دلفت السوبر ماركت وانتزعت زجاجة بيبسي بلاستيكية ونقدت ثمنها سريعًا وفتحتها وصببت على وجهي ووجه الصبي، وخفّ الأمر قليلاً، وتمالكت نفسي وأنا أعود نحو بيتي أرمق المترامين على جوانب الشوارع يسعلون في عنف لالتقاط أنفاسهم، والمطلّين من الشرفات يمارسون حقّهم في الفُرجة لا أكثر!
راح كثيرون من الأنقياء وقودًا للمحرَقة!
سَلوا مَن غرّر بالفراشات أن معانقتها للنيران بطولة؟!
قُضِيَ الأمر، وأصيبَ مَن أصيب، وارتقى مَن ارتقى، واختقى مَن اختفى.
ما بين اجترار الفرص الضائعة، وما بين معاناة البشاعة الماثلة، كنت أراوح.
لم أنزل اعتصام رابعة، ولم أدعُ للمشاركة فيه، لم أكن مقتنعًا بجدوى هذا الاعتصام على صورته تلك بالمرّة، وتحجّجتُ لمَن كان يسألني عن نزولي، بمَرض صدري الذي اشتدّ عليّ ويمنعني من الحركة النشِطة، وكان هذا حقيقيًا؛ لكنّي لم أخبر أحدًا بأنّ السبب الجوهري لعدم نزولي هو أنّي كنتُ أعلم باحتمالية موتي – بطريقة أو أخرى- إذا شاركت؛ ولم أكُن على قناعة – ولا زلت- بأن هذا مَوطنٌ أحبّذ أن ألقى الله من خلاله.كنتُ على اطّلاعٍ كافٍ بكثيرٍ ممّا جرى من الأمور خلال فترة حُكم الرئيس محمد مرسي. كانت التحذيرات والنصائح والمقترحات تأتيهم من داخل مصر وخارجها، وعلى مستويات متنوّعة. كنتُ أستصحِب الخَيبات ونكصَ الوعود ونَكثَ العُهود من الإخوان في حقّ شباب النشطاء وأتجاهله، والسَحقَ والاستعلاء والتخوين في حقّ أقرانٍ لهم من الإسلاميين حتى أوصلوهم بالفعل وعن عَمدٍ إلى الانسحاق والدونية والخيانة. سمعتُ قيادات من الإسلاميين يحذّرون، رأيتُ بعضهم يبكون استجداءً وشفقةً وقد استبصروا المصيرَ الآتي؛ لكنّ الإخوان كانوا يستكبرون، يتجاهلون، يستحقرون، يواصلون، وفي غيّهم يعمهون.
رأيتُ اضطرار كثيرٍ من المصطفّين معهم من الإسلاميين للتورّط معهم في مواقفهم، في لجان مجلس الشعب، ولجان الدستور الأولى والثانية، وفي صراعِهم الغشوم مع المنظومة القضائية الفاسدة.. ثم اضطرارهم للتورّط معهم في التزام خطٍ معيّن لآليات التعامل مع الانقلاب، رغم تخييب الإخوان لظنّ هؤلاء وصدّهم لرجاءاتهم السابقة والمتواصلة.طارق الزمر – كمثال- حين قال كلمته السابقة لم يكُن يعلم بعدُ أنّ الإخوان سيخذلونه ويستغلون جماعته كما فعلوا في التسعينيات. وسقطَ من هؤلاء المضطرين مَن سقط في مذابح الحرس الجمهوري والمنصّة، ومع ذا التزموا بموقفهم رغم عدم قناعتهم الكاملة بالأمر، حتى كانت الذروة الملحمية في المذبحة المخزية في فضّ اعتصامَي رابعة والنهضة. كانت ورطةُ بعضهم – مثل حسام أبو البخاري- أنّه ملتزمٌ في المقام الأول بما يمليه عليه موقفه الأخلاقي الذي لا يستطيع أن يفصل بينه وبين موقفه السياسي، ودفعَ ثمن قناعاته الأخلاقية غاليًا، رغم ما استقرّ عند كلّ مَن خالطوه عن قُرب من نقده اللاذع للإخوان منذ تدخّلهم في المشهد الثوري، ثم السياسي التدجيني، ثم الإقصائي.
طوال شهر رمضان، أيام اعتصام رابعة، كنت على تواصل مع بعض من الأصدقاء النشطاء، حقوقيين وإسلاميين، كنا نتناقل الصدمات والخيبات واللعنات، على إثر المستجدات والمقترحات التي ليست للنشر، والتي كان أغلبها يصبّ في اتجاه “الخروج بأقل الخسائر الممكنة والتعامل مع الأمر الواقع”؛ وكانت قيادات الإخوان تتجاهلها أو تسخر منها أو تركلها بأقدامها. وانتهى كثيرون منا إلى قناعة مُحكَمة بأن الإخوان يستغلون كلّ مَن يؤازرهم في المشهد، ويمتطون الجميع. أبلغني حينها أحدُ النشطاء بانشقاقه عن الإخوان إلى غير ما رجعة. وآخرُ أبلغني بتوعّد القواعد الشبابية الإخوانية لقيادات الجماعة بحساب عسيرٍ ستجريه لهم فَورَما ينتهي هذا المشهد المتأزم العابث. وقرّرتُ أنا أن أكتفي بالمتابعة من مقعد المتفرّجين حتى يقضيَ الله أمرًا كان مفعولاً.
طوال أسبوعٍ كامل بعد مُخزية فضّ اعتصامي رابعة والنهضة، ظللتُ أراوح بين هذه الذكريات المتزاحمة على مدار عامٍ كامل من حُكم الإخوان، وبين بشاعة الصور والفيديوهات والشهادات. فهمتُ جيدًا كيف كانت مشاعر الذين عاينوا ويلات الحروب والمذابح، خصوصًا في الحرب العالَمية الثانية. كانت تتمثّل لي كلمات الصحفية الأمريكية الشهرية مارثا جيلهورن، وهي تصف بعض مشاهداتها في الحرب العالمية:
(سيكتب الناس عن هذا المنظر لمئات السنين، ومن رآه لن ينساه أبدًا. بعد الصدمة الأولى من الفظاعة والدهشة، كنت أتطلّع من حولي، وأنظر في التفاصيل بشكل منفصل، أصوات دويّ المدافع والحرب البعيدة، المناطيد الهائلة ووسائل الدفاع المنتشرة، وطائرات غير مرئية وراء الغيوم الرمادية. كانت القوات تصعد إلى السفن الكبيرة متجهة عبر البحر إلى حيث الدبابات تنتظرهم، كانوا يتحركون ببطء من أجل المواجهة. كانوا ينتظرون بالقرب من البحر لتجميع الجرحى. كان الجميع مشغولين بالحرب على ذلك الشاطئ الخطير. غبار الحرب ارتفع كالضباب. لقد كان شعورًا فظيعًا أن تعمل عكس الزمن. لقد كبرت تساؤلاتهم خلال نومهم وخلال تلبية النداء.. كانت هناك محادثات ساكتة بين الجرحى الذين لم يتمكّنوا من النوم. كنا معًا، وكانت سفينة تحمل الكثير من الألم، واعتمدنا على بعضنا البعض. لقد كان هناك شيئان أثّرا على نظرتي تجاه العالم. الأول: هزيمة أسانيا. والثاني: مدينة داكرا. كانت داكرا قريبة من أوشفيتز، لقد كان رعبًا لا يُصدّق. أعتقد أنه رعب لا يمكنك المرور به بدون أن تصبح مجنونا أو هستيريًا. بعد ذلك هربت. أمضيتُ الليلة أصرخُ وأبكي. أعتقد أنني حينها فقدتُ الثقة في كلّ البشر)!
كان الأمر أثقل عليّ من أن أحتمله، ويبدو أن عقلي اضطّر لاتخاذ إجراءٍ وقائيٍ بطريقته، ولم أكُن أدري ما ورّطتُ نفسي فيه من العناء الذي سيلازمني حتى الممات.
بعد أسبوعين، بدأت زوجتي تلاحظ نوبات متكرّرة من تشتّت الانتباه تعتريني. بعدها بأيام تأكدنا والصدمة تسحقنا أنني أصاب بانحلالاتٍ مؤقتةٍ في الذاكرة. هناك أمورٌ لا أذكرها. هناك أناسٌ لم أعُد أعرفهم. هذا ثاني انحلالٍ للذاكرة أمرّ به في حياتي. الأول كان على إثر تجربة نفسية عنيفة، تجاوزته ولكنّي لم أعوّض خسائره. وهاهو الثاني، وسأحاول أن أتجاهله كي لا يعوقني كثيرًا. لكنّه أعاقني، واضطررتُ للاعتذار عن مشاريع بحثية مرموقة كنتُ على وشك إنهائها، وتوقّفت حياتي فترة من الزمن. وطفقتُ ألعَن كلّ مَن كانوا سببًا، بما فيهم قيادات الإخوان، وأيضًا: بما فيهم أنا.
هَشٌّ أنا؟! ربّما. لكّن هذا لا يعفي الآثمين من إثمهم.
عرفتُ فيما بعد، من الكتاب الرائع ذاكرة القهر للدكتورة بسمة عبد العزيز، أنّ ما مررتُ به يُشَخّص عِلميًا بـ (اضطراب كرب ما بعد الصدمة)، وأنّ أعراضه تشمل ما جرى لي، إضافة إلى أعراضٍ أخرى، ربما تكون قد أصابتني ولم أنتبه لها، وهو الغالب في أعراض هذا الاضطراب تحديدًا.. أنّه لا ينتبه المُصاب بها إليها بسهولة.
هناك كارثة أخرى كُنتُ على وشك السقوط فيها، لولا أن نبّهني بعض الأصدقاء إلى خطورة ما أمرّ به = كنتُ أطرحُ أسئلة إلحادية ولّدتها خبرةُ الأحداث البشعة القريبة.
بعد أربعة أشهر من مُخزية فضّ اعتصامي رابعة والنهضة، قابلتُ في أحد شوارع القاهرة صديقي الناشط الحقوقي والإعلامي، هو من أسرة إخوانية صميمة، لكنّه ليس إخوانيًا على الجادّة.فاجأني وسط حوارنا بتساؤلات كان يخشى أن يصارح أحدًا بها، واختار أن يبثّني إياها. كانت تساؤلات حول طريق الحق ونصر الله، وإذا كُنا على الحق والله من فوقنا يرى ما يتعرض له أهله من البلاء والانتهاكات؛ فلماذا لا يتدخل؟ هل لأننا لسنا على الحق؟ أم أن الله قرّر ألا يتدخّل؟ أم…؟ أم….؟
قلتُ له: هذه أسئلة إلحادية. أجاب بحزن: أعلم أنها كذلك.. ولستُ وحدي الذي يسأل..هناك كثيرون من شباب الأُسَر بين الإخوان ألحدوا بالفعل على إثر ما جرى.. كارثةٌ ولا أحدٌ يعرف لها حلاً. قلتُ له بحيرة وفراغ حيلة: لو أنّي أملك إفادتك لفعلت، ولكني الآن أعجزُ البشر عن ذلك. ليلتها قابلَنا مصادفةً أحدُ الأساتذة العقلاء، بثثناه تساؤلاتنا الإلحادية تلك. استضافنا في أحد المقاهي، وأخذ يوضّح لنا مالَم نكُن يومًا نفهمه، أو مالَم نكُن نريد أن نواجه أنفسَنا به؛ أن المشكلة ليست في الله ولا في الدين، ولا في الحق، وإنما في الأيديولوجيات التي تدّعي احتكار الحقّ بكل إشكاليات هذا الادّعاء وتبعاته، في اعتقاد حُلول القداسة في المنهج، وعِصمة القيادات عن الوقوع في الزلل أو أن تجتمع على باطل… وكان الإخوان وتجربتهم أقوى مثالٍ شاهدٍ أمامنا.
عاد كلٌ منّا تلك الليلة متحرّرًا من وساوسه الإلحادية، موقنًا باستحقاقنا للعقوبة أننا لم نؤدّ شُكرَ نِعمة الثورة التي اختبرنا الله بها، ساخطًا أبدَ الدّهرِ على ما جرّه علينا قيادات الإخوان.
أو هكذا كُنتُ أنا على الأقل.
في نفس الفترة تقريبًا قابلتُ صديقي الناشط الناصري، فاجأني بأنه يضعُ صورة شعار رابعة صورة شخصية على حسابه في فيس بوك.أنا لم أفكّر يومًا أن أفعلها، لكنه فعل. كنتُ أعرف موقفه المناهض لحُكم الإخوان، فسألتُه مستغربًا عن السبب. أجابني: بأن هذا موقف قيمي في المقام الأول؛ فهو ضدّ أن تقوم أي سُلطة بقتل مدنيين عُزّل في الشوارع أيًا كان انتماؤهم. ثم انتبه وأخذ يسبّ ويشتم الإخوان وأردف: (بقالهم تلات شهور ما بيقولوش غير مرسي والشرعية.. شوف مات منهم كام ألف واحد مفيش مرة قالوا فيها حقوق الشُهدا).
لم أعلّق، فقط ابتسمتُ في مرارة، وبداخلي كانت تترسّخ أكثر، فكرةُ “المحرقة”!
عامان مرّا.. ولا زال الجميع يجترّ الذكرى.
أعلمُ أن خسارتي لا تكادُ تُقارَن بخسائر مُنِيَ بها الكثيرون في الأموال والأعراض والأرواح والحريّات، وأحمدُ الله أن عافاني.. لكنّي حتى اللحظة، لا أملك قدرةً على أن أغفر لقيادات الإخوان ما جرّوه على البلاد والعباد. وكلّما مرّ الوقتُ واكتسبتُ خِبرة حياتية أو مَعرفية، يزداد سَخطي عليهم أكثر.
هل قد أقدر على الغفران بعد ذلك؟ ربّما، بل وأرجو أن أفعل. رجاءً بائسًا للأسف.