لهذا السبب لم تتحرك السعودية لإنقاذ مسلمي ميانمار
كل التحالفات في زماننا هذا تُبنى على النفط، التحالفات والعداوات على حد سواء تبنى على النفط وأنابيبه وممراته، لا الأيديولوجيا أو القومية أوالإثنية. حتى وإن كان صاحب التحالف يبني شرعية حكمه حول الدين أو يتسمى بخادم الحرمين الشريفين.أكثر من 500 ألف بورمي قد نزحوا إلى بنجلاديش في الشهر الأخير، هربًا من مذابح وصفت «بالمثال الحقيقي للتطهير العرقي» وفقًا لتصريحات مسئول مفوضية حقوق الإنسان بالأمم المتحدة. هذه بورما، أما الصين فيُمنع فيها استخدام أكثر من 22 اسمًا مسلمًا أو إظهار الصيام في رمضان، بينما يسجن أو يعدم النشطاء المسلمون هناك أيضًا كل يوم.وبينما تنهال الإدانات على الحكومة البورمية والصينية، تبدو لغة المصالح أقوى من لغة التنديد، والمصالح التي تجمع البلدين بالسعودية مهمة للغاية لدرجة أنها قد تؤثر على بقاء المملكة ذاتها، ولذا كان الصمت وسيكون خيار المملكة حيال التجاوزات بحق المسلمين في كلا البلدين.
كيف يمر النفط السعودي على جثث مسلمي الروهينجيا؟
كأكبر مصدّر للنفط في العالم، تتنافس السعودية مع روسيا حول تصدير النفط للصين، أكبر سوق للنفط حول العالم، ولكي تحافظ المملكة على موضعها فهي تحتاج للحكومة البورمية.تملك بورما على أراضيها أنبوب نفط، قيل إنه سيغير الموازين الإستراتيجية بالمنطقة، يحمل هذا الأنبوب النفط من الخليج العربي إلى مقاطعة «يونان» الصينية، بطول يبلغ 771 كيلومترًا. يبدأ الأنبوب عند خليج «البنغال» غربي بورما، في ولاية «راخينا» حيث تدور مذابح التطهير العرقي.و يعد هذا الأنبوب أول ناقل أرضي للنفط من الشرق الأوسط إلى الصين، وهو يؤمّن مدخلات الصين يوميًا من النفط، مانحًا إياها ميزة إستراتيجية على الدول الآسيوية الأخرى أمثال اليابان وكوريا الجنوبية، كما يخفض من تكلفة الحصول على النفط بالنسبة إلى الصين، وتبلغ إجمالي سعته اليومية ما يتخطى 440 ألف برميل من النفط (أكثر من 160 مليون برميل سنويًا).في العام 2011 وقعت «أرامكو» مع شركة بترول الصين اتفاقية لإمداد مقاطعة «يونان» الصينية بما يفوق 200 ألف برميل من النفط يوميًا. وبدأ عمل الأنبوب في أبريل/نيسان الماضي، وتكمن أهميته في أنه يسمح بتخطي مضيق «ملقا» الأمر الذي يوفر على ناقلات النفط رحلة تستغرق أسبوعين، كما يعطي الصين استقلالية مهمة عن الدول التي تتحكم في الممر الملاحي وهي «إندونيسيا» و «ماليزيا» وهي دول ليست على وفاق دائم مع الصين.الأمر الذي يعني أن بورما تمثل قيمة إستراتيجية عالية الأهمية للصين، وما يضيف أهمية للأنبوب أيضًا أن بجواره يمر أنبوب آخر للغاز الطبيعي من بورما إلى الصين، أما المملكة العربية السعودية فقد وقّع «خالد الفالح» وزيرها للبترول اتفاقًا مع شركة النفط الصينية في الثالث والعشرين من أغسطس/آب الماضي بهدف الاستثمار في مصفاة «يونان» للنفط، حيث ينتهي إليها الأنبوب.وقد قال مصدر لرويترز إن «أرامكو» تخطط لاستثمار مليار دولار في خطط تطوير تلك المصفاة، فيما وصف «خالد الفالح» الأمر بقوله «ليس الهدف أن تصبح المملكة أكبر مصدّر للنفط إلى الصين وفقط، بل أن تصبح أكبر مستثمر في سوقها أيضًا».في النهاية، يمكن للسعودية إذن أن ترسل مئات الأطنان من المساعدات الإنسانية للروهينجيا، لكن في نهاية اليوم ما يجعل «سو كي»، رئيسة وزراء بورما، تنام ملء جفونها هو تدفق النفط السعودي إلى الصين عبر أراضيها.
بورما والصين: حلف أم شراكة؟
تملك السعودية ولا شك علاقات متينة ونفوذًا واسعًا لدى الصين، نفوذًا مبنيًا على كون الصين هي المستورد الأول للنفط في العالم وكذا السعودية هي المصدّر الأول للنفط في العالم، لكن كيف هي العلاقات بين بورما والصين؟، وهل يمكن أن تكون الصين يد المملكة العربية السعودية لوقف مذابح الروهينجيا؟.دعمت الصين دائمًا الحكومات العسكرية التي حكمت ميانمار طوال العقود الماضية، و منذ أواخر الثمانينيات تعد الصين المصدّر والمُوَرِّد الرئيسي لبورما للمعدات العسكرية والتدريبية، وتُعتبر كذلك المستثمر الرئيسي في الاقتصاد البورمي، وسوق تصدير رئيسي لثروات بورما الطبيعية. وتستثمر الصين في مشاريع عملاقة كبرى في بورما في ظل الحكومة العسكرية، إذ ارتفع حجم الاستثمارات خلال ثلاث سنوات فقط (2008 – 2011) من مليار دولار إلى 3 مليارات دولار، واستمر هذا الوضع إلى أن انتهى الحكم العسكري في بورما بقدوم رئيسة الوزراء المنتخبة «أون سان سو تشي» لينخفض معدل الاستثمارات فجأة إلى مليار واحد من الدولارات.ويرتبط الصينيون في مقاطعة يونان ارتباطًا وثيقًا جدًا بالمجموعات العرقية التي تعيش على طول حدودها مع بورما، وتمارس نشاطها الاقتصادي، كما هو الحال في المناطقة المحاذية في بورما، إذ تجمعهم اللغة الصينية وتجري التجارة بالعملة الصينية.كما ترتبط بورما مع الصين بمشاكل حدودية وإثنية على الحدود بينهما، والتي يبلغ طولها 3000 كيلومتر، حيث تواجه حكومة بورما جماعات مسلحة متمردة تحصل على دعم واسع من الجانب الصيني، وتوجه الحكومة البورمية أصابع الاتهام دومًا للمحليين في مقاطعة «يونان» الصينية، فيما تتجنب توجيه الاتهام للحكومة الصينية، التي من جانبها تتعهد بحفظ الأمن وتطالب بالمزيد من الإجراءات لضبط الحدود بين البلدين.ورغم الغضب الدولي والانتقاد الواسع الذي تتعرض له زعيمة ميانمار، فإن الصين لم تُعرب عن قلقها بشأن أوضاع حقوق الإنسان في ميانمار منذ عام 2015.إجمالًا يمكننا القول إن الصين تملك نفوذًا واسعًا يمكّنها من التأثير في القرار البورمي، نفوذًا بإمكانه وقف المذابح إن أرادت، لكن السعودية لا تحرك ساكنًا لتضغط على أي من بورما أو الصين. يرجع ذلك إلى أن السياسة الخارجية بين الدول طريق ذو اتجاهين، الصين لا تتدخل في الشئون الداخلية للملكة فيما يخص قضايا حقوق الإنسان ولا تتدخل أيضًا في دعم المملكة للحركات الجهادية في سوريا. على عكس مثلًا الولايات المتحدة التي تمطر المملكة سنويًا بنقد لاذع لسياساتها فيما يخص قضايا المرأة وحقوق الإنسان أو لتتحكم في سياساتها الخارجية، الأمر الذي يجعل الصين شريكًا ذهبيًا للملكة، هذا إلى جانب العلاقات الاقتصادية بين البلدين والتي تقدر بالمليارات من الدولارات.في الإجمال، تنظر المملكة إلى الصين على أنها حائط أمان من الناحية العسكرية والاقتصادية في حال تخلت عنها الولايات المتحدة الأمريكية؛ لذا لا يمكن للملكة أن تغامر بعلاقاتها مع الصين من أجل حقوق الروهينجيا أو غيرهم، ولا يمكن لها أن تغامر بخط النفط الذي يؤمّن تدفق براميلها إلى الصين، لذا لن ننتظر أي رد فعل على الإطلاق من جانب السعودية بحق دول شرق آسيا وتحديدًا بورما والصين، فالمصالح الاقتصادية تغلب ما سواها.