هكذا أطاح «جوزيه مورينيو» بكاسياس عن عرش ريال مدريد
في مساء الجمعة 23 نوفمبر/تشرين الثاني، كان مدرب مانشستر يونايتد «جوزيه مورينيو» يدخل أحد المؤتمرات الصحفية وهو يتوقع أن يسأله أحدهم عن التراجع في مستوى الحارس «ديفيد دي خيا». وكان ذلك الأخير قد تسبب في خسارة منتخب إسبانيا أمام كرواتيا 3/2. لم يتأخر السؤال كثيرًا، لكن إجابة السيد جوزيه لم تكن تقليدية أبدًا.
تمهل مورينيو، ثم رد على السؤال بسؤال آخر: هل تعرف لماذا يتم انتقاد ديفيد في إسبانيا تحديدًا؟ ببساطة لأن هناك شخصًا قويًّا، وله علاقات متينة بالصحافة والقنوات، ويسعى للعودة بأي طريقة لتشكيل المنتخب الأساسي على حساب دي خيا، لكنني أظن أن مهمته صعبة للغاية؛ لأنه يواجه أفضل حارس مرمى في العالم بينما هو في سن التقاعد.
لم يستهلك الصحفيون وقتًا ليتأكدوا أن الشخص المقصود هنا هو الأسطورة الإسبانية «إيكر كاسياس»، ومن ثم تحولت سريعًا تصريحات مورينيو لعناوين صحفية من عينة: جوزيه يتهم كاسياس بتدبير مؤامرة. دقائق أخرى، وكانت تلك العناوين قد وصلت للبرتغال، حيث يلعب كاسياس في صفوف بورتو.
لم ينسَ كاسياس هذا التصريح، وانتظر أسابيع قليلة حين تلقى اليونايتد خسارة مذلة من ليفربول بنتيجة 3/1،وغرَّد علي تويتر:
كان ذلك فصلًا من فصول الحرب بين «جوزيه مورينيو» و«إيكر كاسياس»، لكن كيف بدأت أصلًا تلك الحرب؟ ولماذا كلَّفت إيكر مركزه الذي شغله في قلعة ريال مدريد لأكثر من 25 عامًا؟
نحن في مواجهة العالم
هناك طريقتان يمكن للمدرب أن يتبعهما ليدفع لاعبيه نحو القتال في الملعب؛ الأولى هي تحقيق المجد المهني، بمعنى الفوز بالبطولات واحدة تلو الأخرى والوصول بمستوى الفريق لأعلى درجة ممكنة. أما الثانية فهي شحن اللاعبين معنويًّا لهزيمة خصم ما، أو الرد على ادعاءات الصحافة وتشكيك النقاد، وهنا يستفز المدرب دوافع لاعبيه ليخرجوا أفضل ما لديهم في الملعب.
مورينيو ينتمي للمعسكر الثاني.وقد حكى قائد فريق تشيلسي «جون تيري» كيف أن جوزيه كان يجيد استخدام التحديات التي تواجه كل لاعب ليخلق عنده الحافز المعنوي. فعل ذلك مع أكبر نجوم البلوز كدروجبا، ولامبارد، ومايكل بالاك، بل تيري نفسه. وقد كان لذلك أثر إيجابي على تحسن أداء كل لاعب.
هذه العقلية عرفتها الصحافة بلقب «Us against the world» أو نحن في مواجهة العالم. تميزت بها حقبة مورينيو في كل نادٍ تولى مسئوليته. كان السبيشال وان يحرص على أن يكون فريقه وحدة صلبة تسعى لإثبات جدارتها في مواجهة الآخرين. تذكر ذلك جيدًا، يجب أن يكون هناك مواجهة، ويجب أن يكون هناك عداوة وخصوم.
لا تنسَ نوفمبر
في ريال مدريد، كانت الأجواء مناسبة ولا ينقصها شيء. فعندما تعاقد «فلورنتينو بيريز» مع مورينيو عام 2010، كان عدو الريال اللدود: برشلونة قدم للتو أفضل موسم في تاريخه بعد أن فاز بكل بطولة نافس فيها، بينما خرج الريال من الموسم خالي الوفاض وودَّع بطولته المفضلة: التشامبيونزليج من دور الـ 16 على يد ليون.
هذه الوضعية مثالية لمورينيو، فهناك عدو يعيش فترة ممتازة فيما يعاني الفريق من الانتقادات والتشكيك والسخرية. لذا عمل جوزيه فورًا على شحن لاعبيه من أجل تحقيق مهمة واحدة؛ وهي كسر سطوة البلوجرانا محليًّا وعودة الريال لسابق مجده الأوروبي. وقد بدأ الميرينجي موسمه الأول تحت قيادة السبيشال وان بصورة رائعة، حيث ضمن الفريق صدارة مجموعته الأوروبية، كما حقق الفوز في عشر مباريات من أصل 12 جولة خاضها بالليجا. كان كل شيء علي ما يرام حتى نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2010.
في ذلك التوقيت كان ريال مدريد يستعد لخوض الكلاسيكو في الكامب نو، وبالتأكيد كان مورينيو يأمل في الخروج بنتيجة إيجابية، لكن الرياح أتت بما لا تشتهي السفن. إذ تعرض الميرينجي لخسارة فادحة بنتيجة 5/0، هذه الهزيمة التي اعتبرها جوزيه الأسوأ في مسيرته. وهنا تحول الأمر مع فريق «بيب جوارديولا» لصراع ثأري، يسعى فيه مورينيو للانتقام لتاريخه واسمه.
تسريبات ومشاجرات
لم يحظَ مورينيو بفرصة واحدة للانتقام، بل حظي بمواجهة العدو في الليجا، في الكأس، كما في دوري الأبطال. وكانت الفترة بين إبريل ومايو 2011 تعج بمباريات الكلاسيكو. ويبدو أن البرتغالي استعد جيدًا لتجاوز الهزيمة التي تلقاها، فأجرى تعديلات على مهام لاعبيه بهدف تعطيل ماكينة البلوجرانا الهجومية.
لكنه تفاجأ قبل ساعات من المواجهة الأولى بصحيفة الماركا تسرب التفاصيل التكتيكية التي سيستخدمها لإيقاف «ميسي» بواسطة رقابة المدافع «بيبي». كانت التفاصيل دقيقة، لذا جن جنون جوزيه وشك أنها تسربت للإعلام عبر أحد اللاعبين. تزايد التوتر في غرفة الفريق بعد أن تعهد مورينيو بالوصول لمن سرب المعلومات.
في الليجا تعادل الفريقان، وفي الكأس تفوق الميرينجي، أما في دوري الأبطال فانتزع برشلونة بطاقة التأهل للنهائي بعد الطرد الذي ناله بيبي. كانت مواجهة دوري الأبطال تحديدًا مهمة وفارقة، إذ بدا من خلال بعض تصريحات لاعبي الريال عدم الرضا عن الأسلوب الدفاعي الذي أدار به مورينيو المباراة، في مقدمة هؤلاء كان القائد إيكر كاسياس!
لكن مواجهة أخيرة بين الغريمين ستفجر الأزمات بين إيكر وجوزيه، كان ذلك كلاسيكو السوبر الإسباني. هذه المواجهة التي شهدت أكثر المشاجرات عنفًا في تاريخ الكلاسيكو بعدما طُرد «مارسيلو»، ومن ثم اشتبك جميع لاعبي الفريقين في مشهد غير مألوف، وقد اشترك في هذه المشاجرة جوزيه مورينيو نفسه بعد أن اشتبك مع مساعد جوارديولا «تيتو فيلانوفا».
في تلك الأثناء كان كاسياس يحاول فض الاشتباك وعزل اللاعبين عن بعضهما. وقد التقطته الكاميرا يحاور قائد برشلونة «تشافي هيرنانديز»، وبدا خلاله غير راضٍ عن كل ما جرى. انتهت المباراة، وانتشرت أنباء أن كاسياس قد عقد اجتماعًا مع فلورنتينو بيريز.
هاتف الخائن
الصحفي «دييجو توريس»، كاتب سيرة مورينيو
لا أحد يعرف على وجه الدقة ماذا دار بين كاسياس وبيريز، لكن المؤكد أن بعد ساعات بسيطة من المباراة كان الأول يجري اتصالات هاتفية مع تشافي. وقد اتفق القائدان على رفض الأجواء العدائية التي بات يتسم بها الكلاسيكو أكثر من السابق، وبحثا سويًّا عن حلول لمواجهة تلك المشاحنات قبل أن تؤثر بالسلب على المنتخب الإسباني.
طبعًا جوزيه كان يريد للحرب أن تستمر فترة أطول، لذا أشعلت أخبار تلك الاتصالات الغضب في نفسه، واعتبر أن ما فعله إيكر تجاوزًا لصلاحياته، بل خيانة لفريقه الذي كان يستعد لمزاحمة البارسا بقوة خلال الموسم الجديد، أخطر من ذلك ما يؤكده «بيتي جينسون» محرر الديلي ميل عن ربط جوزيه بين تسريبات الماركا وزوجة كاسياس الصحفية «سارا كاربونيرو»!
بدأ الانشقاق في صفوف الفريق يبرز. هناك من يؤيد أفعال مورينيو، وهناك من يعارضها. لكن جوزيه تفطَّن لضرورة عدم خسارة حارس بقيمة كاسياس قبل بدء الموسم الجديد، لذا تناسى ما فعله مؤقتًا، لكنه أبدًا لم ينسَ.
مع مطلع موسم 2011 / 2012، بدا إيكر في حالة جيدة، وقادرًا على قيادة فريقه بخطوات ثابتة خصوصًا في الليجا، إذ تقول الإحصائيات إن كاسياس تمكن من الحفاظ على نظافه شباكه خلال 14 جولة من أصل 37 خاضها. ومع صافرة نهاية الجولة الأخيرة كان يستعد الحارس القديس للصعود لمنصة التتويج باللقب الغائب منذ ثلاثة مواسم.
أخيرًا حقق جوزيه المهمة، وانتصر على ألد أعدائه جوارديولا، لكن بقي عدو آخر لم يلقَ عقابه بعد.
الأرض المحترقة
دائمًا يفشل جوزيه في موسمه الثالث. حتى أن الصحفي بجريدة الجارديان «سِد لو»كتب تقريرًا بعنوان «متلازمة الموسم الثالث» يعدد فيه أسباب فشل البرتغالي. وأول تلك الأسباب كانت الخلافات التي تنفجر مع اللاعبين والإعلام.
طبعًا الخلاف مع إيكر أقدم من ذلك، لكنه كان أشبه بالنار تحت الرماد. وقد تصاعدت النيران إلى السطح في ديسمبر 2012، ومع تأخر الريال بـ 11 نقطة خلف برشلونة، حيث فاجأ جوزيه الجميع قبل مباراة مالقا بعدم الدفع بكاسياس أساسيًّا لحساب حارس يدعى «أنتونيو آدان»، لا يمتلك مشاركة دولية واحدة حتى الآن.
وحتى يؤكد مورينيو الأمر، كرر ما فعله في المباراة التالية وأجلس إيكر بديلًا أمام سوسيداد، بل إنه سارع بإعلان رغبته في التعاقد مع حارس جديد بمجرد أن تعرض آدان للإصابة، هذا يكشف لنا كيف وصلت العلاقة بين المدرب وحارس مرماه لطريق مسدود.
بالفعل تعاقد الريال مع «دييجو لوبيز» في يناير 2013، ولم يستغرق جوزيه وقتًا طويلًا حتى أطلق تصريحه الشهير حين قال إن لوبيز أفضل من كاسياس. الآن فقد حارس الميرينجي التاريخي عرشه، وبات يشارك فقط كبديل بقية الموسم. الجدير هنا بالذكر هو انتقال هذا الانقسام بين مورينيو وكاسياس إلى مدرجات السانتياجو برنابيو. بدا ذلك واضحًا مع نزول الحارس الإسباني لأرضية الملعب حيث كان يستقبله البعض بالتصفيق والتحية لمكانته وتاريخه، بينما يستقبله البعض الآخر بصافرات الاستهجان بسبب اللغط الذي ثار حول تسريبه أخبار الفريق وخلافه مع مورينيو.
رحل جوزيه بعد أن أحدث شرخًا في علاقة إيكر بنادي عمره، وحل مكانه «كارلو أنشيلوتي» الذي يميل لخطب ود اللاعبين الكبار، لكن كاسياس كان قد تعرض لإصابة قوية في يده، وقد أثرت بشدة على مستواه، لذا فضل الإيطالي ألا يخاطر ودفع بلوبيز حارسًا أساسيًّا في الليجا مع منح الفرصة كاملة لإيكر في دوري الأبطال.
صحيح أن الريال تُوِّج بالتشامبيونزليج في نهاية الموسم، وكان كاسياس هو من صعد للمنصة لرفع الكأس، لكنه كان يشعر بالظلم وبأحقيته في أن يكون الحارس الأول حتى رغم هبوط مستواه. بالتأكيد تنامى هذا الشعور في نفس إيكر مع الأنباء عن نية الإدارة التعاقد مع حارس آخر جديد، وفضل أن يخرج من بوابة ناديه لأول مرة إلى نادٍ آخر.
كانت تلك آخر كلمات كاسياس التي قالها وهو يقاوم دموعه في مؤتمر وداعه.