تيران: على درب النفط والغاز
أثارت قضية بيع الجزيرتين (تيران وصنافير) في البحر الأحمر مسألة قل الحديث عنها ،ألا وهي إمكانيات النفط والغاز في البحر الأحمر والإشكالات المتعلقة بخطوط النقل،ويأتي الإعلان أيضا عن جسر الملك سلمان في وقت تزايدت فيه مخاطر الملاحة في مضيق هرمز وباب المندب ،فهل يمكن أن يكون هذا المشروع تتويجًا لجهود سعودية قطرية من أجل زيادة الإمداد النفطي لأوروبا والقادم من الخليج عبر مصر.
مستقبل الطاقة في البحر الأحمر
في العام 2012 أعلنت أرامكو تخصيص ما قيمته 25 مليار دولار للتنقيب عن الغاز والنفط في المياه العميقة بالبحر الأحمر، وتشير التقديرات إلى وجود ما لا يقل عن 100 مليار برميل من النفط وما يزيد عن مثيلها من الغاز الطبيعي القابل للاستخراج. وفي 10 أكتوبر 2012 أعلن وزير البترول والثروة المعدنية السعودي عن اكتشاف أرامكو السعودية حقل غاز جديد في شمال البحر الأحمر على بعد 26 كيلو مترًا شمال غرب ميناء ضبا يبلغ معدل تدفق الغاز منه حوالي 10 مليون قدم يوميًا. ويشارك في مشروع غاز البحر الأحمر السعودي شركات مثل اكسون موبيل وماراثون للنفط وأوكسيدنتال للنفط. لاحقا، وفي بداية عام 2015 أعلنت أرامكو إيقاف مشروعات التنقيب عن النفط والغاز في البحر الأحمر، لارتفاع تكاليف البعثات الاستكشافية مع انخفاض مستوى أسعار النفط تحت حاجز الثلاثين دولارًا للبرميل.على الجانب الآخر من البحر، تقدر الاحتياطات النفطية في منطقة شمال البحر الأحمر التابعة لمصر بـ 8 مليار برميل من النفط. ولملاحقة القفزات السريعة التي قامت بها السعودية في مجال التنقيب عن النفط بالبحر الأحمر أعلنت مصر، من خلال شركة جنوب الوادي للنفط والغاز، عن طرحها مزايدة دولية للتنقيب عن النفط والغاز قبالة سواحلها المطلة على البحر الأحمر وحددت لذلك 3 مناطق بحرية.
لم يقتصر سباق التنقيب عن نفط البحر الأحمر على مصر والسعودية فحسب، بل انضمت إريتريا أيضا إليه. إريتريا والتي تتمتع بساحل طويل على امتداد جنوب البحر الأحمر، لها تاريخ ممتد مع التنقيب عن النفط والغاز، وخصوصا في الجزر التي تقع قبالة سواحلها، يعود إلى ما قبل الاستقلال عن إثيوبيا. ففي العام 1940 تم حفر 12 بئرا قدمت كل منها إنتاجا رائعا من النفط. إلا أن هذا التاريخ النفطي لم يخلُ من الحوادث الخطيرة، ففي 1969 وبينما كانت إكسون موبيل تقوم بالحفر في بئر للغاز إذ حدث انفجار هائل استمر تدفق الغاز من هذا البئر على إثره شهرين متتاليين بدون توقف. مؤخرا أعلنت إريتريا عام 2010 عن امتلاكها لاحتياطات ضخمة من النفط والغاز قبالة سواحلها بالبحر الأحمر ،وفي فبراير من عام 2015 شاركت إريتريا في قمة النفط والغاز بدبي، لتعلن أن الاستثمار في هذا المجال أصبح يمثل أولوية بالنسبة لها. في ديسمبر من عام 2015 أعلن الاتحاد الاوروبي عن منحة قيمتها 200 مليون يورو لإريتريا بغرض تطوير قطاع الطاقة.
نحن إذًا أمام منطقة واعدة للغاية في مجال النفط والغاز وخصوصا في المناطق الشمالية للبحر الأحمر وجنوب شرم الشيخ، ولا يقف عقبة أمام التوسع في التنقيب سوى التدني الحاد الذي تعاني منه أسعار النفط والغاز والأزمة الاقتصادية التي تشهدها المملكة العربية السعودية.
جسر الملك سلمان وخطوط الطاقة
هو مشروع جسر ضخم للربط بين السعودية ومصر، من المقرر أن يبدأ الجسر من منطقة تبوك بالسعودية ومنها إلى جزيرة صنافير ثم تيران وينتهي في شبه جزيرة سيناء.تحدثت التقارير عن ضم الجسر لطريق بري وخط للسكك الحديد ، إلا أنه من المنطقي والمتوقع أن يحمل الجسر أيضا خط أنابيب لنقل البترول من السعودية إلى مصر، ولهذا قصة أخرى.ففي السنوات الأخيرة حاولت قطر والسعودية تعزيز أقدامها في سوق الغاز الأوروبي والتركي، عن طريق مد خط أنابيب من قطر إلى السعودية ومنها إلى العراق ثم سوريا وتركيا،لتصبح تركيا واسطة العقد في خطوط الطاقة بالمنطقة، ومنها إلى أوروبا. حمل هذا المشروع المسمى خط الغاز القطري أهمية جيوستراتيجية كبيرة، حيث أنه يعزز من موقع الخليج كمصدر للطاقة إلى أوروبا، ويقلل من الاعتماد الأوروبي على الغاز الروسي الخاضع دوما لضغوط الابتزاز السياسي، كما يزيد بالطبع من الأهمية الحيوية لتركيا بالنسبة لأوروبا. ولكن نتيجة للحرب الدائرة في سوريا والعراق، وأيضا للرفض الذي أبداه الرئيس السوري بشار الأسد مبكرا، للمحافظة على مصالح حلفائه في روسيا وإيران، توقف مشروع خط الغاز القطري، الأمر الذي جعل من الواجب على دول الخليج أن تبحث عن منفذ سهل وآمن يسمح بنقل الغاز والنفط إلى السوق الأوروبي.
هناك تصريح ذو أهمية كبيرة لرئيس الجمعية العربية للطرق فؤاد عبدالعزيز عام 2012 يعزز هذه التكهنات، حيث قال عن مشروع الجسر الذي دعت إلى إنشائه السعودية أكثر من مرة أنه “كان سيمرر خط أنابيب تنقل النفط السعودي إلى المواني المصرية في البحر المتوسط عبر خط “سوميد” المصري للبترول”. إذا نحن لسنا فقط أمام ربط بين عرب أفريقيا وآسيا يحدث لأول مرة منذ نشأة الكيان الصهيوني، بل مشروع يغير من معادلات الطاقة والنفوذ العالمية تماما إذا ما تم تنفيذه؛ فسيتمكن الخليج من تصدير النفط والغاز إلى موانئ مصريّة على البحر الأبيض المتوسط دون المرور بمضيق هرمز، الذي تهدّد إيران بإغلاقه، أو مضيق باب المندب الذي أحكم الحوثيون سيطرتهم عليه سابقا، ويجنب السفن الشواطئ الصوماليّة التي يهدّد القراصنة الملاحة فيها؛ هذه المخاطر كلّها تجعل من الموانئ المصرية حلًا مفضّلًا وآمنًا لتصدير النفط العربيّ إلى تركيا وأوروبا.سيكون بالطبع لهذا المشروع آثاره المتعددة علي البيئة والاقتصاد والمجتمع في سيناء وقناة السويس، فمن المتوقع أن يكون لهذا الجسر أضرار بيئية سلبية علي الحياة المائية في المنطقة الغنية بالتكوينات المرجانية الطبيعية، كما من المتوقع أن يؤدي إلى تناقص عدد حاملات النفط التي تمر عبر قناة السويس إذا ما تم تصدير النفط والغاز مباشرة عن طريق ميناء على البحر المتوسط. ولكن من جهة أخرى فمن المتوقع أن يجلب الجسر الملايين من الاستثمارات لشبه الجزيرة المنكوبة، اولها ما أعلنته السعودية عن نيتها ضخ مليار ونصف دولار كاستثمارات في مشاريع تنموية في سيناء وخليج السويس.
المشروع الجديد وإعادة توزيع الأدوار فى المنطقة
بقي سؤال رئيسي يحتاج إلى إجابة واضحة؛ ماذا في هذه الصفقة (الثنائية) لإسرائيل؟!بالطبع ستلتزم السعودية باتفاقية كامب ديفيد، ومن المتوقع أن تحتفظ القوات المتعددة الجنسيات بمواقعها كما صرح وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، لكن ما يطرح علامات التعجب هو موقف إسرائيل من الجسر تحديدا، فما كان ليعلن عنه بدون مراجعة بقية الدول ذات المصلحة الاستراتيجية في المضيق.في النهاية يبدو صحيحا أن الخليج العربي يبحث عن حل للفراغ الذي خلفه الانسحاب الأمريكي من المنطقة، ويبحث ويستكشف مساحات جديدة للعمل ملتفا حول الهلال الشيعي الذي كاد أن يخنقه عن طريق التحالف الإستراتيجي مع تركيا ومصر من جهة، ومن جهة أخرى بزيادة ثقله بالنسبة لمنظومة الطاقة الأوروبية، بينما على الضفة المقابلة من البحر الأحمر تبحث مصر عن حل لأزمتها الاقتصادية التي تضيق يوما بعد يوم.