هل يُطهر التنس الثوب السعودي من دماء «خاشقجي»؟

أفيون الشعوب الجديد؛ هكذا يتعامل البعض مع كرة القدم والرياضة عمومًا. يبقى الشغف هو العامل الأساسي في كل ذلك الزخم الذي يحيط بالرياضة. يتم ضخ المليارات من أجل بناء ملعب كرة قدم بخدمات فندقية، أو كمجموع جوائز لبطولة كبرى من بطولات التنس، أو كجائزة عن مباراة واحدة بين لاعبي ملاكمة.

كل تلك الأموال دفعت لضمان الربح بسبب شغف الجماهير، الجماهير التي لا تتردد في دفع الأموال من أجل إشباع شغفها. ذلك الشغف البريء لم يكن بعيدًا أبدًا عن أعين السياسيين مثلهم مثل أصحاب المال، بداية من التنكر ومحاولات البتر إلى ذروة الاهتمام. فلا طريق أسهل من استغلال شغف الجماهير للوقوف في موقف البلد المنفتح أو للتعتيم على أحداث معينة.

لكن ماذا لو كان أهل السياسة هم أهل المال؟ حينها ستكون الخطوات نحو الظهور بمظهر جديد من خلال الرياضة خطوات واسعة وضخمة.

كان لدولة الإمارات السبق في ذلك الشأن في المحيط العربي. استطاعت الإمارات أن تقدم نفسها بشكل جديد تمامًا للعالم في مجالات الفنون والثقافة والرياضة، فنادي مانشستر سيتي الإنجليزي والمملوك لـ«منصور بن زايد» هو منصة جيدة لإظهار الإمارات في ثوبها الجديد. نجحت التجربة وأصبحت دبي قبلة سياحية للعالم.

بدأت السعودية تحذو حذو الإمارات خاصة بعد تولي بن سلمان مقاليد الأمور. فكما ظهر جهاز أبو ظبي للاستثمار، ظهرت شركة الترفيه للتطوير والاستثمار والمملوكة بالكامل لصندوق الاستثمارات العامة السعودي، حيث ظهرت الحفلات الغنائية وخطط لإنشاء دور سينما جديدة ومدن ترفيهية ضخمة. كما تضخم دور الهيئة العامة للرياضة ورئيسها «تركي آل الشيخ»، حيث تم تنظيم بطولات كروية ودية تجمع منتخبات بحجم البرازيل والأرجنتين وبطولات أخرى في المصارعة الاستعراضية.

إلا أن حادثة مقتل «خاشقجي» جاءت لتعيد السعودية بعض الخطوات للوراء في طريقها للظهور بالشكل المنفتح، خاصة عندما ارتبط الحدث بمباراة للتنس بين أسماء بحجم «نادال» و«دجوكوفيتش». دعنا نعيد ترتيب الأحداث لتوضيح الأمر أكثر.

كأس الملك سلمان للتنس ومقتل جمال خاشقجي

بدأ الأمر بإعلان تركي آل الشيخ رئيس الهيئة العامة للرياضة عن مباراة ودية للتنس بين الإسباني «رافاييل نادال» والصربي «نوفاك دجوكوفيتش» تحمل اسم كأس الملك سلمان للتنس عبر تغريده على موقع تويتر، أعاد الإسباني نادال نشر التغريدة موجهًا الشكر ومتقبلًا الدعوة بصدر رحب.

تم تحديد الثاني والعشرين من ديسمبر كموعد للمباراة حيث يكون تم الانتهاء تمامًا من موسم التنس وبطولاته للعام الحالي، مما يعني أن كلا اللاعبين سيملك في ذلك الوقت مساحة في جدول أعماله تتيح له الفرصة للمشاركة في أي حدث ممكن، لكن الزمن الذي تم الإعلان فيه عن موعد المباراة هو محل الجدل.

يعود تاريخ الإعلان إلى يوم 7 أكتوبر؛ أي بعد خمسة أيام من حادثة اختفاء السيد «جمال خاشقجي» بعد دخوله لقنصلية بلاده في تركيا. خلال الخمسة أيام تلك كانت قضية مقتل الصحفي السعودي المعارض الأبرز تستحوذ على الرأي العام العالمي وتتصاعد أحداثها بوتيرة سريعة للغاية.

البداية كانت مع إعلان السلطات التركية أن الصحفي ما زال في قنصلية بلاده، بينما القنصلية السعودية في إسطنبول تصدر بيانًا تقول فيه إن خاشقجي اختفى بعد خروجه منها، وهو ما أكده ولي العهد السعودي. بينما أعلنت مصادر أمنية تركية أن تقييمها الأولي للقضية يشير إلى أن خاشقجي قُتل داخل قنصلية بلاده، وهو ما ثبت حدوثه بعد ذلك.

تابع العالم كله القضية بترقب كبير. فالقتيل صحفي معارض، وفكرة التخلص منه بهذا الشكل وضعت المملكة العربية في مأزق وأصبح هذا المظهر المنفتح الذي يسعي الجانب السعودي للظهور به مؤخرًا محل شك كبير. ربما لنفس السبب كان الإعلان عن كأس الملك للتنس وهو ما فطن له العديد من المهتمين بلعبة التنس في العالم وبدا أن نادال ودجوكوفيتش يتعرضان لضغوط شديدة للاعتذار عن المشاركة في تلك البطولة.

دعنا نرصد أكثر من موقف لتوضيح ماهية تلك الضغوط وكيف يتعامل معها نادال ودجوكوفيتش.

ضغوط شديدة على الثنائي وكيف برروا موقفهم

كان ذلك هو تعقيب لاعبة التنس «مارتينا نافراتيلوفا» والفائزة بـ 18 بطولة جراند سلام من قبل. أما الصحفي «كيفين ميتشل» فكان موقفه أوضح، حيث نشر مقالاً بجريدة الجارديان يهاجم فيه الثنائي، حيث استشهد بموقف لاعب التنس السابق «جون ماكنرو» والذي رفض لعب مباراة في جنوب إفريقيا عام 1980، وذلك لرفضه الشكل العنصري بالبلد الأفريقي حينذاك.

كانت المباراة مقابل مليون دولار وهو مبلغ ضخم في ذلك الوقت، كما أن ماكنرو كان يبلغ حينها 21 عامًا فقط، لكنه أوضح للعالم كله أنه لن يتم استغلاله إعلاميًا للدعاية بطريقة أو بأخرى.

عقّب نادال: «كان لدي التزام منذ عام للعب هناك، من المؤسف أن أحد الصحفيين فقد حياته. أعلم أن شيئًا ما حدث سيئًا للغاية في الداخل، لذلك نحن نبحث عن الكيفية التي يتطور بها الوضع وآمل أن تتضح الأمور في أقرب وقت ممكن».

وكان تعقيب دجوكوفيتش مشابهًا تمامًا: «أنا على دراية بما يحدث، وهو أمر محزن بالطبع. لقد كنت دائمًا أحاول أن أكون محترفًا جدًا ومحترمًا تجاه الأشخاص الذين أتعهد بالتزامات معهم. يجب أن نحصل على مزيد من المعلومات حول ما يحدث حتى نتمكن من اتخاذ قرار عقلاني بشأن ما إذا كان من الجيد الذهاب أم لا».

وهي التبريرات التي لاقت هجومًا وعدم استحسان حيث عقب ميتشيل في ذات المقال، هل حادثة اغتيال عالمية كتلك تحتاج لاستيضاح الموقف؟ إلا أن ذلك الهجوم يبدو أنه قد يأتي بثماره هذا إن لم يتحدث المال كالعادة.

هل ينقذ المال السعودي الموقف المتأزم؟

مع كثرة الضغوط على طرفي المباراة المرتقبة، وانتقاد موقف الثنائي من جهات بحجم منظمة العفو الدولية على سبيل المثال، والذي تزامن مع أنباء رفض عملاق التنس الآخر «روجير فيدرر»رفض اللعب في السعودية، أصبح موقف الثنائي أكثر صعوبة، وربما يكون الخروج الآمن من الموقف كله هو استمرار إصابة نادال التي قد تطيح بالمباراة وتقدم لجميع الأطراف أسبابًا مقنعة للإلغاء.

ولكن على الجانب الآخر هل سيرضخ الجانب السعودي لتلك الضغوط، أم يتحدث المال بصوت أعلى من الجميع كعادته وتقام المباراة في موعدها؟ خاصة أنه لم يتم التنويه عن مصير المباراة إلى الآن. ذلك ما سنشهده في القادم من الأيام حيث تبقى كل الخيارات مطروحة وبقوة.