دموع لويس سواريز الغالية
لا شيء يبهج القلب عند الحديث عن الاتحاد الإنجليزي وإعلامه، لا شيء أبدًا. وأصعب ما في الأمر أنك لا تعلم من أين تبدأ، وإن تمكنت من البداية لا تعلم أين ومتى ستنتهي. إذا تمكنا من غض النظر عن الصورة الإعلامية العامة للدوري الإنجليزي وركزنا في التفاصيل، ربما يصبح صعبًا أن نستمر في مشاهدته أو على الأقل يصعب الاقتناع بأننا نشاهد الدوري الأهم في بلاد مهد كرة القدم والذي تم بيع حقوق نقله بمبلغ 8 مليارات جنيه إسترليني. جيرماين ديفو العجوز والذي مازال يسجل مع سندرلاند ربما هو المهاجم الإنجليزي الوحيد القادر منذ أيام مايكل أوين على مواجهة الحراس بثقة عند الانفراد والتسجيل، لكن المديح يذهب دائما لمكان آخر. عدم تقدير ديفو ومديح أندي كارول مثلاً ليس حديثنا اليوم، لنتحدث في أمر آخر.
مهمة سهلة لصحافة متوحشة
جعل لويس سواريز مهمة الإعلام الإنجليزي أسهل بكثير لاستهدافه وجعله مادة دسمة لجرائدها وبرامجها؛ فتصرفاته الطائشة الرعناء وغير المسؤولة عديدة، من غير المهم أن نسهب في الحديث أن سواريز يقوم بتصرفاته في الملعب دون ذرّة تفكير سواء عضّاته أو إبعاد الكرة بيده في مونديال جنوب إفريقيا ضد غانا، فلا نريد خلق الأعذار والمبررات.
فثلاث عضّات واحدة مع أياكس وأخرى مع ليفربول ضد إيفانوفيتش وأخرى ثالثة ضد كيليني مع منتخب بلاده في المونديال كفيلة لسيل من الانتقادات المحقّة ضد سواريز بسبب هذا التصرف الغريزي العجيب، ورؤيته يمثل في منطقة جزاء الخصم مع ليفربول مشهد يجعلك مستفزًا من غريزة الفوز التي يمتلكها لا إرادة الفوز، لكن مشهد تمثيله لا يقل استفزازًا عن مشهد تمثيل من جاريث بيل مع توتنهام هوتسبر أو روني مع مانشستر يونايتد ولننطلق من هنا.
الكرة إنجلترا والأجانب
ما أسهل أن تتم حمايتك إعلاميًا إن كنت بريطانيًا في دوري إنجلترا، فالآلة الإعلامية الضخمة تركز على ما تريد وتهمل ما تريد لتزرعه في عقول ملايين المتابعين حول العالم. أما إن كنت من بلاد غير تلك البلاد فعليك الحذر المضاعف من تصرفاتك داخل الملعب وخارجه لأن هناك من يتربّص بك وينتظرك أن تقوم بأي فعل يكون في نظره ولوائحه الأخلاقية غير لائق لتتم محاسبتك بأكثر المعايير ازدواجية.
في موسم 2011-2012 تواجه ليفربول ضد مانشستر يونايتد على أنفيلد رود في مرحلة الذهاب، المباراة لم يكن فيها الكثير، بعض الفرص لليفربول وهدف من جيرارد ورأسية التعادل أتت من تشيشاريتو. لكن ما حدث بعد ساعة من بداية المباراة هو الحدث الأهم والذي لم يصل للمتابعين عبر الصحافة إلا ناقصًا ومشوّهًا.
باتريس إيفرا يتلاسن مع سواريز قبل تنفيذ ركلة ركنية لمصلحة ليفربول وبعد المباراة خرج الفرنسي متهمًا سواريز بالتفوّه بكلام عنصري بحقّه،وقرر تقديم شكوى للاتحاد جعلت الأخير يستدعي سواريز ليتم التحقق من الأمر. واعترف سواريز حينها بأنه قال كلمة Negretto لإيفرا وأن الكلمة مستخدمة في بلاده و تعني «زميل» Mate أو Dude في الإنجليزية. كيني دالغليش دافع عن سواريز في الإعلام، لاعبو ليفربول، من بينهم جلين جونسون أسود البشرة، دخلوا مباراة ويغان مرتدين قمصانا عليها صورة سواريز دفاعا عنه، وبعدها يصدر القرار بمعاقبة الأوروغواياني بإيقاف 8 مباريات وتغريمه مبلغ 80 ألف جنيه إسترليني.
لم تكن أصوات لاعبي منتخب الأوروجواياني، ومنهم أيضا لاعبون سود البشرة، كافية لإقناع الاتحاد الإنجليزي أن الكلمة مستخدمة بالفعل في الأوروجواي، الحجة المضحكة كانت بأن تلك هي ثقافة إنجلترا ودوريها وعلى سواريز الالتزام بها. عن أي ثقافة كانوا يتحدثون لا أعلم! هل هي ثقافة أن يقول جون تيري لأنتون فيرديناند شقيق ريو كلمة Black C*nt عندما واجه تشيلسي ويست هام والحادثة كانت مسجلة تلفزيونيًا ولا مجال للشك أو إنكارها، فالعلم عند الاتحاد الإنجليزي.
ازدواجية معايير العقوبة
عوقب تيري بإيقاف 4 مباريات وتم تغريمه 250 ألف جنيه إسترليني، نصف عدد مباريات عقوبة سواريز ومبلغ مالي أضخم، وكأن تيري من جياع الأرض وفقرائها. والمذهل أنه تم ذكر حادثة تيري في الإعلام بشكل أقل بكثير من حادثة سواريز وتم تغييبها مع الأيام، فمن النادر التطرق لها أو التطرق لقضية أن تيري كان على علاقة مع صديقة واين بريدج زميله في تشيلسي سابقًا. ولم يُمنَح ريو فيرديناند حرية كاملة لانتقاد تيري في الإعلام بعد توتر العلاقة بينهما بسبب كلامه العنصري تجاه أخيه، بينما أخذت قضية سواريز الضجة الإعلامية الأكبر حينها ومازال سواريز يدفع ثمنها مع باقي تصرفاته، ولكن تلك الحادثة تحديدًا أكثر من باقي الحوادث هي ما سيمنعه من أن يتوج بالكرة الذهبية هذا العام وكثر يدركون تمامًا أنه هو من يستحقها بعد مستوياته المذهلة الموسم الفائت.
ربما يمكننا لوم جمهور ليفربول أنه لم يفهم تلك الحادثة بحيثياتها، أو ربما فهمها ولم يجرؤ على رفع صوته في أنفيلد دفاعًا عن لاعبه المحبوب مكتفين بالحديث أن العقوبة كانت قاسية وظالمة مقارنة مع عقوبة تيري، واللوم الأكبر على إدارة ليفربول التي لم تدافع بالشكل الكافي عن لاعبها وهو ما تحدّث عنه سواريز. ولكن ماذا يمكننا أن ننتظر من إدارة تهمها مصالحها مع الاتحاد أكثر من تحقيق العدالة وإظهارها.
الاتحاد الإنجليزي وإعلامه ومدربيه ذائعي الصيت كأليكس فيرجسون، والذي وصف سواريز بأنه عار على الدوري الإنجليزي ودعى إدارة ليفربول لبيع لاعبها والتخلص منه، جعلوا من إنجلترا مكانا لا يطاق لسواريز، ولم تكن محبة جمهور ليفربول وغنائها الدائم له في الملعب كافية لإقناعه بالبقاء. كان ذلك سببا جوهريا لقرار سواريز بالرحيل إلى بيئة تشبه بيئة بلاده، يشعر فيها بالهدوء والاستقرار لا أن يكون هدفًا أسبوعيًا لصحافة مغرقة في ازدواجية المعايير.
ليس سواريز فقط
ليس فقط سواريز من تعرض لتلك المعايير، كثر تعرضوا لها كآرسين فينجر ورافاييل بينيتيز ونيكولاس بينتدنر ورحيم ستيرلينج وستوريدج وبالوتيلي وغيرهم. جميعهم تم مسخ صورتهم في الإعلام ولكن ربما سواريز فقط من منحته كرة القدم فرصة رد الاعتبار على الظلم الذي لحق به،وشاءت الأقدار أن تمنح سواريز الفرصة للرد على إيفرا الذي استفز سواريز طوال مواجهة إياب ذلك الموسم، فالرد كان في مكان آخر ومع أندية مختلفة لكلا اللاعبين في نهائي دوري أبطال أوروبا موسم 2015 حيث منح برشلونة التقدم أمام أعين إيفرا الذي كان يبعد عنه أمتارا قليلة لحظة تسجيله ثاني أهداف فريقه.
ولم يحتج الأمر الكثير قبل عام لنتأكد من أنه سيرد على روي هودسون الذي صرح قبل مواجهة الأورجواي في دوري مجموعات مونديال البرازيل بأن سواريز ليس لاعبًا عالميًا. أجمل ما في رد سواريز أنه كان على طريقة رد مارادونا على إنجلترا بعد حرب جزر الفوكلاند بين البلدين مطلع ثمانينيات القرن الماضي مقصياً الإنجليز من المونديال كما فعل دييجو.
https://www.youtube.com/watch?v=tUjPVjvlsXc
إن كنت تريد معرفة كم المعاناة والظلم اللذان لحقا بسواريز خلال أعوام قليلة في بلاد بيح بين، ليس عليك سوى رؤية بكائه في مقابلة مع إحدى القنوات التلفزيونية بعد مواجهة إنجلترا ورد الاعتبار.