لم أستطِع أن أُقلع عن التدخين بشكلٍ كلي، لكنني على الأقل امتنعت تمامًا عن شرب الشاي!

هكذا أجاب مريض جلطة القلب على طبيبة في عيادة المتابعة، عندما سأله عن مدى التزامه بتعليمات نمط الحياة الصحي الضرورية من أجل تعافي قلبه، ومنع تكرار ما حدث.

تعجّب الطبيب كثيرًا من تلك الصورة السلبية للشاي لدى مريضه، لكنه اعتبرها آلية دفاع نفسي من المريض نتيجة عجزه عن السيطرة على الخطر الحقيقي المتمثل في عادة التدخين الغلّابة على النفس. فجدّد تأكيده على أن قضية التدخين هي المقصودة هنا، ولا بديل عن الإقلاع عنه، ثم انتقل الحديث إلى الشاي.

تعجّب المريض أكثر من طبيبه، عندما أخبره الأخير بأن خلاصة الرأي الطبي في الشاي إيجابية، لا سيّما الشاي الأخضر الذي لا يفقد الكثير من قيمته بعمليات التجهيز التي تحدث للأنواع الأخرى. 

لكن هل يستند رأي هذا الطبيب الإيجابي في الشاي – ثاني أكبر المشروبات استهلاكًا في الكوكب بعد الماء- إلى أدلة علمية قاطعة؟ أم أن الأمر مثار جدلٍ وتباين في الآراء؟ هذا ما سنراه في السطور المقبلة.

اقرأ أيضًا: التدخين والصحة .. لا داعي للمبالغة

وأيضًا: وباءٌ تنفسيُّ يضرب أمريكا .. والسجائر الإلكترونية السبب

الشاي: هل يمكن أن تصاحبَ الفائدةُ المتعة؟

كثيرًا ما تقترنُ في حياتنا المتعةُ بالضرر. فعُشّاقُ الطعام الشهي، يعانون مع السمنة ومضاعفاتها الصحية التي لا تُحصى، ومحبي الحالة المزاجية التي تسببها المكيّفات وأنواع التدخين المختلفة، يدفعون أثمانًا باهظة من صحتهم العقلية والنفسية، والمُغرَمون بالألعاب الإلكترونية، قد تسبب لهم عُزلة اجتماعية وأضراراً نفسية وأخرى على الإبصار .. الخ. لذلك ليس من الشائع أن نصادفَ ما نستمتعُ به بحق، ونحصل في ذات الوقت على فوائد قيمة، ودون أن نقاسي أضرارًا قصيرة أو طويلة المدى.

بشكلٍ أو بآخر، يحقق مشروب صباح أكثرنا – الشاي اللذيذ – تلك المعادلة الصعبة بين المتعة والفائدة، مع خصوصية فريدة للشاي الأخضر، بالإضافة إلى أنواع أخرى متميزة من الشاي، مثل الشاي بالمريمية الشائع في جنوب أفريقيا والشام، والشاي بالياسمين، أحدث المشروبات التقليدية في اليابان، والذي يجمع بين فوائد أوراق الشاي، وأزهار الياسمين. 

بالطبع لكي تحصل على أكبر قدرٍ ممكن من الفوائد، انتقِ أجود الأنواع المتوفرة في السوق. رغم ذلك، فمن المزايا العجيبة في الشاي -خاصة الأخضر- أنه حتى الأنواع الأقل جودة وتركيزًا في الأسواق، يظل بإمكانها تقديم الفائدة لك، دون أضرارٍ كبرى. وفيما يلي أبرز النقاط الإيجابية التي أظهرتها الأدلة العلمية المتراكمة منذ سنين.

1. مضادات الأكسدة

يحتقن الشاي بالعديد من مضادات الأكسدة، والتي تحافظ على خلايا وأنسجة أجسامنا أمام تفاعلات الأكسدة الضارة، التي تسبب شيخوخة خلايا الجسم، والتلف المبكر لها. 

يحتوي الشاي تحديدًا على العديد من البوليفينولات، والتي تشكل أكثر من ربع المحتوى الكيميائي للشاي. وُجِدَ لتلك المواد فائدة مهمة في تقليل حدة الالتهابات بمختلف أسبابها، وكذلك في زيادة مناعة الجسم ضد الخلايا السرطانية. 

تشيرُ الأدلة إلى نوعٍ خاص من مضادات الأكسدة، يسمى اختصارًا EGCG، والذي يوجد بكثرة في الشاي الأخضر، والذي يعتبر من أقوى مضادات الأكسدة التي تحمى أنسجة الجسم ضد المواد الضارة المعروفة باسم الشوارد الحرة Free radicals.

2. الكافيين وتنشيط المخ

يحتوي الشاي على مقادير معقولة من مادة الكافيين المحفزة لوظائف المخ، وإن كانت بالطبع أقل مما يحتوي كمية مناظرة من القهوة، وهذا يعتبر ميزة في حد ذاته، فالكمية المعتدلة من الكافيين في مشروب الشاي، تحقق قدرًا كبيرًا من فوائده، مع تجنب الآثار الجانبية على المخ والمعدة وغيرها. 

يقلل الكافيين من نشاط مادة الأدينوسين داخل المخ، وهي من النواقل الكيميائية المثبطة (في أمخاخنا توازن دقيق بين النواقل المحفِّزة والنواقل المثبِّطة)، مما يؤدي إلى تنشيط مراكز المخ المختلفة، وزيادة تركيز النواقل الكيميائية المُحفِّزَة، مثل الدوبامين، والنروأدرينالين. كل ذلك يحسن الوظائف الذهنية، ويرفع التركيز، خاصة في وقت النهار والعمل. وأكثر وظائف المخ تأثُّرًا إيجابيًا بالكافيين، اليقظةُ، وسرعةُ رد الفعل، والذاكرةُ، وكذلك الحالة المزاجية. 

يحتوي الشاي الأخضر أيضًا على حمض أميني يسمى إل-ثيانين، والذي يقوم بوظيفة تبدو نظريًا عكس الكافيين، لكنها في الواقع تعتبر مكملةً له. فهو يزيد من الناقل الكيميائي المثبِّط المسمي GABA، مما يقلل من حد التوتر النفسي والانفعال، فيساعد على تقديم أداء ذهني ونفسي أفضل للشخص. 

3. أمراض الشيخوخة

لا يقتصر دور الشاي الإيجابي تجاه المخ على المدى القصير، إنما أيضًا على المدى الطويل، والطويل جدًا. أظهرت نتائج دراساتٍ عدة أن تناول بعض المواد الفعالة الشاي الأخضر بانتظام، يقلل فرص الإصابة بمرض الشلل الرعاش (الباركنسون)، ومرض ألزهايمر.

4. الأمراض المزمنة 

أظهرت دراسة موسَّعة أجرتْها جامعة هارفارد الأمريكية الشهيرة منذ سنوات، نتائج جديرة بالاهتمام. فقد جاءت نسب الإصابة بالسكري، وأمراض شرايين القلب التاجية، لدى من يتناولون الشاي والقهوة بانتظام أقل من نظرائهم ممن لا يتناولونها، لكن يعيب تلك الدراسة أنها وصفية، ولا تجزم بدورٍ قطعي لمكونات الشاي في ذلك، كما أنها لا تقدم تفسيرًا لتلك العلاقة. وأظهرت دراسة يابانية، أن المواظبين على شرب الشاي الأخضر، أقل في احتمالية الإصابة بداء السكري بنسبة لا تقل عن 40%.

رجَّحت دراساتٍ أخرى أن للشاي – الأخضر خصيصًا – دوراً بارزاً في السيطرة على داء السكري من النوع الثاني، حيث يحسّن من الاستجابة للإنسولين، مما يقلل نسبة سكر الجلوكوز في الدم. 

اقرأ: كيف تتعامل مع مريض بالسكري مقبل على غيبوبة.

5. إنقاص الوزن

لا نقول إن للشاي، وحتى للشاي الأخضر، مفعول السحر. لكنه يمكن أن يصبح إضافة جيدة إلى برنامجٍ غذائي صحيٍّ أشمل، يحتوي على الحبوب الكاملة، والخضروات، والسمك، والفواكه، ومقادير أقل من اللحوم المصنعة ..
بروفسور كي سون، الأستاذ بقسم التغذية في كلية هارفارد للصحة العامة

الشاي الأخضر يقلل الوزن. لعل تلك المعلومة هي الأكثر ذيوعًا فيما يخصُّ الشاي الأخضر تحديدًا. بالفعل يحسن الشاي الأخضر من معدلات حرق الدهون بنسبة 17%، ويزيد عمومًا استهلاك الطاقة في أجسامنا بنسبة لا تقل عن 4%. أظهرت بعض الدراسات أن الكافيين يحسن كفاءة عمل العضلات، عن طريق توفير الطاقة اللازمة لها للانقباض من الأحماض الدهنية، التي تنتج من تكسير الأنسجة الدهنية بأجسامنا. تلك الكفاءة العضلية، مع تحسين الحالة المزاجية، تشجع على ممارسة الرياضة، مما يساهم بشكلٍ فعَّال في إنقاص الوزن. 

 لكن يُعتَقَد أن هناك اختلافاتٌ فردية واسعة في مثل تلك الاستجابات، لدرجة أن بعض الدراسات لم تجد أي إضافة تذكر للشاي الأخضر في قضية الوزن، على عكس دراساتٍ أُخَرْ أظهرت نتائج جيدة للغاية في الإنسان.

اقرأ: دليلُك لحميةٍ غذائيةٍ غير مؤلمة.

6. السرطان

دراساتٌ عديدة أظهرت علاقة قوية بين تناول الشاي الأخضر بشكلٍ مستمر، ونقص احتمالية الإصابة ببعض أنواع السرطانات، وعلى رأسها سرطان الثدي، وأيضًا سرطانات المبايض في النساء، وكذلك سرطان البروستاتا الشائع لدى الذكور في سنٍّ متقدمة، بالإضافة إلى سرطانات القولون والجهاز الهضمي.

فوائد أخرى 

أظهرت بعض الدراسات أن تناول الشاي الأخضر يقلل من فرص تسوس الأسنان، حيث يثبط البكتيريا المسببة له، كما أنه قد يحسن المناعة ضد الأنفلوانزا، وميكروبات أخرى. كما أن الشاي قد يقلل من فرص الإصابة بـحصوات الكلى. 

وأضرار الشاي؟

لحسن الحظ، يصعب أن تظهر أي أضرار حقيقية على الصحة من تناول الشاي باعتدال (كوب أو كوبيْن يوميًا). كما تنصبُّ أغلب الأدلة المتداولة عن أضرارٍ محتملة للشاي، على الشاي الأسمر أو الأحمر، لأنه يخضع للكثير من عمليات المعالجة، التي قد تضيف إليه بعض المواد غير المفضلة، مثلما كمياتٍ زائدة من بعض الأملاح – هي ضرورية للجسم لكن بقدرٍ معتدل – مثل الماغنسيوم والألمونيوم. كذلك قد تتواجد نسب زائدة من الرصاص، الكادميوم، في بعض مستحضرات الشاي الأسمر، وهي مواد قد تسبب التركيزات العالية منها سُمّية للأعصاب والدم، والمخ.

كذلك يحتوي الشاي المعتاد على كميات كبيرة من مواد تسمى التانين، والتي رغم كونها من مضادات الأكسدة، فهي تقلل امتصاص الحديد من الطعام، مما قد بسبب الإصابة بأنيميا نقص الحديد. ولذا لا ينصح بشرب الشاي مع الأطعمة الغنية بالحديد، مثل اللحوم الحمراء والبقوليات، خاصة لدى الأطفال، ولدى المصابين بالأنيميا.

كما قد تظهر بعض المشكلات الصحية من تناول الشاي بكثرة – لا سيَّما في وقتٍ متأخر مساء – نتيجة زيادة تركيز الكافيين في الدم، حيث يفاقم الأرق، والتوتر، والميل للانفعال، ويسبب تسارع في ضربات القلب، قد يصل إلى حدوث بعض الضربات الزائدة، أو الاضطرابات الكهربية في نبض القلب، وتدهور أعراض القولون العصبي، وارتفاع حموضة المعدة.

وهناك أيضًا ممارسات بسيطة، لكنها شائعة، قد تقلل من فوائد الشاي، مثل إضافة الحليب إلى الشاي، والتي وجدت بعض الدراسات أنها تقلل من مضادات الأكسدة الفعالة في الشاي.

تغريدات ختامية ..

  • أفضل أنواع الشاي للصحة هو الشاي الأخضر.
  • كلما كان الشاي أكثر جودة، وطبيعيَّةً، دون معالجة، كان أقوى تأثيرًا.
  • كفة فوائد الشاي الصحية أعلى بكثيرٍ من أي أضرارٍ محتملة، خاصة مع الشرب المعتدل.