تذكرتي: لماذا تفضل رؤية «قفشة» عن الاستمتاع بـ «ويجز»؟
شهدت الكرة المصرية صحوة كبيرة على مستوى التنظيم منذ نهاية عام 2020. فبعد أن حازت على كل الرواج الإعلامي في الوطن العربي وإفريقيا بالتزامن مع موعد مباراة نهائي القرن بين قطبي الرياضة المصرية، استمر النظام المصري في إدخال التحديثات واحدًا تلو الآخر على اللعبة، أهمها، كان قرار عودة الجماهير الذي جاء بعد تدشين رابطة للأندية المحترفة، في نهاية عام 2021.
أعاد قرار رجوع الجماهير إحياء ما يسمى بـ «كارت المشجع – Fan ID» والذي كان قد تجمعت عليه الأتربة منذ تنظيم بطولة كأس الأمم الأفريقية لعام 2019.
وللتذكير، فإن كارت المشجع هو بطاقة هوية ترسل بياناته إلى شركة تذكرتي، الشركة التي تملك حقوق طباعة تذاكر كل الأحداث الرياضية في مصر مؤخرًا، والذي أصبح إجباريًا لحضور أي مباراة.
فإذا كنت من أولئك السعداء الذين تمكنوا من حضور إحدى مباريات كأس الأمم الأفريقية في عام 2019، وحصلت على جرعاتك كاملة من لقاح كورونا، فما يحول بينك وبين حضور مباريات الدوري المصري إلا ثمن التذكرة، وهنا بالضبط تكمن المشكلة.
أعلنت شركة تذكرتي عن سعر موحد لتذاكر مباريات الدوري المصري، الذي كان ينتظر عودة جزئية للحضور الجماهيري، بسعر تذكرة بلغ 100 جنيه مصري، وهو ما يساوي نصف سعر تذكرة مباريات المنتخب المصري في كأس الأمم الأفريقية 2019، و5 أضعاف سعر تذكرة مباريات بطولة كأس الأمم الأفريقية 2006.
وقبل مباراة حسم الصعود لمونديال العالم 2022 بقطر، أمام المنتخب السنغالي بالقاهرة، حافظت الشركة على سعر 100 جنيه للدرجة الثالثة، بما يعني أنه بات الحد الأدنى لأي حدث رياضي في مصر، وهو سعر لم يلقَ قبولًا واسعًا عند عموم الجماهير المصرية.
التجربة الإنجليزية في الغلاء
في عام 2014، رصدت شبكة «BBC» رحلة مكونة من 1000 مشجع إنجليزي متجهة من لندن إلى دورتموند، من أجل متابعة إحدى مباريات فريق بوروسيا دورتموند. تلك الرحلة التي استغرقت 7 ساعات بالسيارة، قد أثارت فضول محرري شبكة الأنباء الإنجليزية، وحينما سُئل أحد المرتحلين والذي كان مشجعًا لتشيلسي، أكد أن تكلفة السفر والإقامة مضافة إلى سعر التذكرة، بالنسبة له، أفضل من تكلفة حضور مباراة واحدة لفريقه في لندن.
تكلفت تلك الرحلة ما يساوي 65 جنيهًا إسترلينيًا، في حين كان، في العام نفسه، أرخص تذكرة حضور مباراة لتشيلسي في لندن تساوي 50 جنيهًا إسترلينيًا. يعد هذا السعر مرتفعًا بنسبة 13% عن سعر التذكرة في عام 2011، بالرغم من أن تكلفة المعيشة في إنجلترا لم ترتفع إلا بنسبة 6.8% فقط في نفس الفترة.
الغريب أنه يمكنك أن تجد رابطًا شبه واضح بين تجربة غلاء التذاكر في إنجلترا وبين التجربة ذاتها في مصر. حيث ظهر التغير في أسعار التذاكر الإنجليزية من بعد عام 1990، أو بتخصيص أكثر، من بعد هدوء وتيرة أحداث العنف في الملاعب الإنجليزية بعد كارثة «هيلزبره». هذا إلى جانب محاولة الاستفادة الفنية من المستوى الذي أظهره المنتخب الإنجليزي في كأس العالم من نفس العام.
حاولت مصر هي الأخرى الاستفادة من الرواج الإعلامي والاحتفاء بالمستوى الفني للفرق المصرية في المعتركات الخارجية. ومن ثم التعافي من الأحداث التي شهدتها الملاعب المصرية بكارثتي الدفاع الجوي وبورسعيد. ووجبت الإشارة إلى أن تجربة تذكرتي هي محاولة التعافي المنظمة الوحيدة بعد تلك التواريخ السيئة في عمر الكرة المصرية.
بالعودة إلى التجربة الإنجليزية نكتشف أن موطن الخلل الذي ساعد في فقدان السيطرة على عملية تسعير التذاكر في إنجلترا، هو اهتمام الأندية بالتعامل مع المبالغ الطائلة التي باتت تتحصل عليها من صفقات بيع مباريات الكرة الإنجليزية، ومحاولة تطويع تلك الأموال في ضخ رواتب باهظة لللاعبين وعمولات أكبر لوكلائهم، من أجل محاولة الارتقاء أكثر بمستوى الكرة المحلية. في بند الرواتب، قد لا نحتاج لمحاولة الإشارة لموطن الربط بين التجربتين.
أيتها الجماهير العريضة
في تحليل موسع أجراه موقع «IRIS pricing solutions» لتجربة ارتفاع الأسعار في إنجلترا، أوضح خبراء الموقع أن عملية تسعير أي سلعة تخضع لـ 5 عوامل: العميل، والظروف، والتكلفة، والقدرة، والمنافسة.
إذا ما حاولنا الابتعاد عن طريقة التعامل مع العملاء، حيث لن تستطيع الملاعب المصرية توفير نفس التنوع الموجود فعلًا في الملاعب الإنجليزية ولا جودة الخدمات، وذلك للظروف الاقتصادية المختلفة بين البلدين، فدعنا ننطلق مباشرة من الظروف.
فبالرغم من التشابه الذي عاشته التجربتان في مرحلة ظهور موجة الغلاء، فإن الظروف التي نشأت فيها التجربتان مختلفة تمامًا. إذ لم تتأثر التجربة الإنجليزية بكوارث الشغب ولا العوامل الاقتصادية العالمية ولا حتى ضعف الحضور الجماهيري بسبب توقف كورونا. يكفي أن تعرف أن الحضور الجماهيري الإنجليزي قد حطم رقمًا قياسيًا بعدد حضور وصل إلى 16.4 مليون مشجع في كل المباريات.
وعندما يتم انتقاد رفع الأسعار، فإن العديد من أندية الدوري الإنجليزي الممتاز ترد بأن ملاعبها الكاملة تعني أن كل شيء على ما يرام. حيث تمتلئ الكثير من الملاعب بأكثر من 95% من طاقتها الاستيعابية. وفي أي صناعة يكون الطلب مرتفعًا باستمرار، يكون البائع في وضع جيد لرفع الأسعار. والأمر مختلف تمامًا في الكرة المصرية.
حيث غاب المشجعون عن المدرجات مدة تقترب من حوالي 10 سنوات، حتى بات اللاعب المصري يعتقد أن وجود الجماهير في أي مباراة هو حالة عارضة لا يجب أن تتكرر. المشكلة الأكبر أن الكرة المصرية لم تنجح في جذب مشجعين بأعداد غفيرة طوال تاريخها تقريبًا، فلم تكن أداة الترفيه الحقيقية في أغلب أوقات الأسرة المصرية، إلا في المباريات ذات القيمة الفنية الحقيقية. وربما يعتبر الوضع الجماهيري بعد صدور قرار العودة في عام 2021 أحد أدلة إثبات ذلك الطرح. حيث لم تمتلئ مدرجات الفرق بالحد المسموح-2000 مشجع- إلا في عدد بسيط جدًا من المباريات.
لا يمكنك أن تفصل بين ضعف الحضور الجماهيري في مباريات الدوري المصري وبين العامل الثالث في نموذج موقع «IRIS pricing solutions» للتسعير، وهو عامل التكلفة. فبعيدًا عن أن فرق الصفوة المصرية تدفع مرتبات بقيم كبيرة فعلًا، لكن لا يمكن بأي حال وصف جودة لاعبي الكرة المصرية بالجذابة لمشاهدتها من المدرجات.
في ورقة بحثية نشرت في فبراير من عام 2006، تم تأسيس نظام لتحديد التسعير المثالي لأسعار تذاكر الأحداث الرياضية في نوعين من المؤسسات الرياضية: الهادفة لتعظيم الربح، والتي تسعى للفوز بكل طاقتها.
أكد النظام أن في الحالتين هناك ضرورة لأن يتم ربط مدى قدرة المؤسسة الرياضية على جذب المواهب بسعر التذكرة المحتمل. الآن هل تؤمن أن قدر الاستمتاع بالمواهب الموجودة في الدوري المصري يضاهي قيمة الـ 100 جنيه؟
إذا ما رجعنا إلى بداية انطلاق المسابقات الإنجليزية، نجد أنه غالبًا ما قام المشجعون بتبديل تشجيعهم بين الأندية المجاورة وفقًا لمن كان يقدم أداءً أفضل. كان ذلك أحد عوامل ضبط الجودة الفنية في الكرة المحلية لفترات طويلة، حيث السعي وراء الحفاظ على الجماهير، لكن فيما بعد، بات الجمهور الإنجليزي يملك ولاءً كبيرًا لفرقه، الأمر نفسه في مصر، فليس من السهل تغيير انتمائك بين الأندية الجماهيرية بسهولة، لكن المنافسة تبدو أكبر من ذلك.
لأن «ويجز» أجمل، سأنتظر
تعد المنافسة العامل الأخير من بين عوامل ضبط التسعير. وفي هذا الشأن، يقول الدكتور «سيد فاروق»، المحاضر في مادة ملاعب كرة القدم بجامعة «ESLSCA_MEA»، في حواره الخاص لإضاءات: إن مشجعي المدرجات يمكن تشبيههم بالشعب الموجود في أي دولة، يجب أن يتم تدريجه إلى طبقات، ويجب أن يُراعى حقوق كل طبقة.
وإذا ما أخذنا تذاكر مباراة السنغال الحاسمة كمرجع، فيبدو أن شركة تذكرتي تعتمد على طبقة محددة في تسعير تذاكرهم. إذ لا تستطيع أغلب الطبقات الاجتماعية في مصر، محدودة الدخل، على تحمل تكلفة الحد الأدنى لسعر التذاكر وهو 100 جنيه، لا سيما أن حاول رب أسرة الذهاب بعائلته لأي مباراة. إذن، لو ارتقينا للطبقة الاجتماعية الأعلى، فإن المنافسة لن تتوقف فقط عند أندية كرة القدم فقط.
إذ شهدت الحفلات الغنائية في مصر حضورًا جماهيريًا مكثفًا في الفترة الأخيرة، بالتحديد استحوذ مطرب الراب المصري «ويجز» على العدد الأكبر. وعلى ما يبدو أن الأمر يسبب متعة كبيرة لفئة الشباب من بين 18 عامًا وحتى الـ 30 عامًا تقريبًا. خصوصًا أن دخول مثل هذه الحفلات لا يرتبط بشروط شديدة مثل مباريات كرة القدم، فلا لقاح كورونا ولا كروت للمشجعين ولا انتظار لساعات طويلة في مكان الحدث حتى بدايته.
فإذا كنا غير معتادين أصلًا على الحضور الجماهيري الكثيف، وأضف إليه فترة غياب تصل لـ 10 سنوات، والأسعار لا تضاهي الخدمة المقدمة ولا المواهب المنتظر رؤيتها، وإن كنا نتحدث عن المتعة والترفيه وحدهما، فعلى أي أساس أسعى لحضور مباراة من ملعب المباراة بقيمة سعرية تهمش طبقتي الاجتماعية تمامًا؟ أظن تغيير انتمائي لويجز سيكون أكثر فائدة.