طارق رمضان.. المسلم الأوروبي
الأستاذ الدكتور طارق رمضان أستاذ الدراسات الإسلاميّة المعاصرة في جامعة أكسفورد، قسم الدراسات الشرقيّة بكلية القديس أنتوني، وأستاذ الأديان وحوار الأديان في قسم الدراسات اللاهوتيّة بنفس الجامعة. كما يعمل أستاذًا زائرًا في كلية الدراسات الإسلاميّة بدولة قطر، وفي الجامعة الماليزيّة “بيرليز”، وباحثًا في جامعة دوشيشا باليابان. هذا ويرأس مركز الدراسات التشريعيّة والأخلاق بالدوحة، وأحد الأعضاء بالاتحاد العالميّ لعلماء المسلمين، وواحد من الفريق الاستشاري لوزارة الخارجية البريطانية الخاص بحرية الدين أو المعتقد، كذا يرأس الشبكة الإسلامية الأوروبية في بروكسل.
الدكتور طارق رمضان هو ابن الدكتور سعيد رمضان، مسئول الإخوان المسلمين في أوروبا والمحكوم عليه بالإعدام غيابيا ضمن آخرين في قضية محاولة اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر. أما والدته فهي وفاء البنا، كبرى أبناء الشيخ حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين. ولد الدكتور طارق رمضان في جنيف بسويسرا عام ١٩٦٢، بعد أربع سنوات من هجرة الأسرة إليها. ونشأ على سماع مآثر وأخبار جده القتيل، ومثلت والدته حلقة الوصل الكبرى بذلك الجد الحاضر بقوة في حياة الأسرة وحديث أغلب من يقصدون البيت من الأصدقاء.
يحكي الدكتور طارق رمضان أنه لاقى صعوبة في الموازنة بين أسرة ملتزمة دينيا، ومجتمع منفتح على الشراب والعلاقات الجنسية. لكنه شغل وقته بممارسة الرياضة يوميا؛ سواء على صورة كرة القدم أو التنس أو العَدْو. كما كان مكثرا من القراءة، فتنقل بين روائع الأدب وأغرم بدستويفسكي. كما اطلع على الفلسفات وكانت له وقفة مع كتابات نيتشه، وعنه سيؤلف أطروحة الدكتوراة فيما بعد. وقبل أن يتم طارق رمضان الخامسة والعشرين من عمره، تزوج عام ١٩٨٦ من شقيقة أحد رفاقه في فريق الكرة. فتاة جميلة سبق أن أشهرت إسلامها وانتقت لنفسها اسما جديدا هو إيمان.
بدأ اهتمام الشاب طارق رمضان بالنشاط السياسي في الثمانينات، حينما تحمس للقضية الفلسطينية. وقام في تلك الفترة بتدريس الفرنسية ثم الفلسفة في إعدادية “دو سوسور” قبل إتمامه دراساته العليا، ليكون أصغر عميد لمؤسسة ثانوية في سويسرا. ثم سافر مع زوجته وتلاميذه إلى إفريقيا والهند والبرازيل في إطار نشاط دراسي يحمل اسم “يد المساعدة”. وهناك التقى بشخصيات هامة مثل الدالاي لاما، والأم تيريزا، ودوم إلدر كامارا مؤسس لاهوت التحرير.
ثم انتقل الزوجان وأبناؤهما إلى القاهرة في ١٩٩١، حيث قام الأب بدراسة مكثفة للعلوم الشرعية التقليدية على يد أساتذة ومشايخ في الأزهر الشريف، وأجازوه فيها. وقد كان لتلك الفترة تأثيرا كبيرا على طارق رمضان، الذي كان يعاني وحدة في سويسرا، ويواجه تمييزا عنصريا، جعلاه رغم إقامته في أوروبا، يشتاق إلى زيارة مصر، ويعتبرها وطنه الحقيقي. لكن سنوات القاهرة التي عمقت فهمه للإسلام، كشفت له كذلك -حسب قوله- أن الصلة الفلسفية بين العالم الإسلامي والغرب هي أوثق بكثير مما ظن، وأن الوطن كان هناك في أوروبا؛ فبينما كان معتقده إسلاميا، فإن ثقافته كانت أوروبية.
شغل طارق رمضان الرأي العام لأول مرة خلال عام ١٩٩٣، عندما انتقد عرض مسرحية تسيء إلى الرسول من تأليف الفيلسوف الفرنسي فولتير. وفي تلك الفترة أنشأ منظمة “مسلمو ومسلمات سويسرا”، والتي تهدف لدمج وتمكين للجيل الثاني من مسلمي أوروبا. وسرعان ما أصبح طارق رمضان ممثلا لصوت مسلمي فرنسا بعد أول ظهور تلفازي له عام ١٩٩٤. لكن لم يمر عام حتى تم منعه من الدخول إلى فرنسا بدعوى تهديد الأمن العام، عقب تفجيرات باريس ١٩٩٥. وعمل لسبع سنوات كمحاضر في الدين والفلسفة في جامعة فريبورغ في الفترة ما بين ١٩٩٦ وحتى ٢٠٠٣.
وقد منع طارق رمضان من السفر إلى الولايات المتحدة في أغسطس ٢٠٠٤ وتم إلغاء تأشيرة دخوله رغم تعاقده مع جامعة نوتردام للعمل أستاذاً زائراً للدراسات الإسلامية. وهو ما تكرر أكثر من مرة. وجاء تبرير الخارجية الأمريكية لذلك في ٢٠٠٦ بمساعدات قدمها طارق رمضان في الفترة ما بين ١٨٨٩ و ٢٠٠٢ لجهات تقوم بدورها بتمويل حركة حماس.
ثم بدأ التدريس عام ٢٠٠٥ في كلية القديس أنتوني بجامعة أكسفورد في إطار زمالة أكاديمية. كما كان أستاذا زائرا لمادة الهوية والمواطنة في جامعة إراسموس روتردام الهولندية، حتى قيام الجامعة بإقالته في أغسطس ٢٠٠٩ لتضارب محتوى برنامجه “الإسلام والحياة” الذي يقدمه في القناة الإخبارية الإيرانية مع واجباته في روتردام؛ وهو ما وصفه الدكتور رمضان طارق بكونه إحدى صور الإسلاموفوبيا. وبداية من سبتمبر من نفس العام شغل كرسي الدراسات الإسلاميّة المعاصرة في جامعة أكسفورد.
كان الدكتور طارق رمضان من أول المنددين بأحداث ١١ سبتمبر. وهو دائم الدفاع عن التفسير العميق للنص القرآني، الذي لا يقف عند المعنى الحرفي الظاهر للآية. ويرى أن رغبة الشعوب الإسلامية في تطبيق الحدود، يقابلها على الجانب الآخر قناعة لدى العلماء بشبه استحالة ذلك الأمر، بسبب الضوابط والشروط الواجب توافرها. ويرى أن العلماء يتجنبون التصريح بذلك خوفا من نبذ العامة لهم. كما يرى أن الصبغة الدينية التي تكسو تلك الحدود، لا يثيرها حقيقة في الذهن المسلم، إلا عظم شذوذها عن النموذج الغربي. وفي مناظرة أجراها عام ٢٠٠٣ مع نيكولا ساركوزي، صرح الدكتور طارق رمضان برفضه للعقوبات البدنية والرجم والإعدام، وأنه يؤيد وقف تطبيق تلك العقوبات، كخطوة نحو إلغائها، وهو ما لا يراه ممكنا دون حوار داخل الأوساط الفقهية ودراسات تستوعب النص الديني. وقد دافع الدكتور طارق رمضان عن حق الفرنسيات في تأدية فريضة الحجاب بما يشمل غطاء الرأس، مشيرا إلى أن إرغامهن على خلعه يتعارض مع حقوق الإنسان.
وقد تطرق في كتابه “الإصلاح الجذري” إلى قضايا المرأة، مشيرا إلى أن قراءة النصوص الدينية بهامش تأويلي أكثر رحابة ستسفر عن قراءة تعظم من شأن المساواة. فهو يرى أن التفسيرات الذكورية للقرآن جزء كبير من المشكلة، حيث ظهرت تلك التفسيرات في مجتمعات تخضع لسلطة الرجل. إلا أن قراءة نسائية ستكون حتما مغايرة تماما. كما يرى أن قضية ميراث الابنة متعلقة بفلسفة أسرية تلزم الرجل بأعباء الأسرة كاملة، وهو ما صار مختلفا الآن، فأغلب الرجال اليوم لا يتحملون من الأعباء إلا اليسير، رغم نصيبهم المضاعف؛ وهنا يطالب بالتفكر في مدى وفائنا لمقاصد الشريعة، فإما أن تتدخل الدولة لضمان حقوق المرأة واستقلالها المادي، وإما أن نعيد النظر في تطبيق هذه الأحكام ريثما نقوم بإصلاح الإطار العام للأسرة. أما التطبيق الحرفي للنص فهو يؤدي في بعض الحالات إلى انتفاء العدل، وهذا ما يتناقض مع جوهر وخطاب النص.
وقد شهدت السنوات الأخيرة الجدل الأعنف حول الدكتور طارق رمضان من قبل كثير من الساسة والإعلام الأوروبي. جاء ذلك بعد ظهوره طرفا شبه دائم في النقاشات المتعلقة بالإسلام والأقليات الإسلامية في أوروبا وأوضاع الشرق الأوسط، كمناظراته التليفزيونية أثناء العدوان الإسرائيلي على غزة ٢٠٠٩. ومن صور ذلك ما جرى عام ٢٠١٣، حيث قام وزير الداخلية الفرنسي مانويل فالس ووزيرة شؤون المرأة والناطقة باسم الحكومة الفرنسية -آنذاك- نجاة بلقاسم، بمقاطعة ندوة في إيطاليا حول مستقبل أوروبا اعتراضا على دعوة الدكتور طارق رمضان. هذا ويشن الإعلام الفرنسي مؤخرا ضده هجمات ويصف خطابه بالمزدوج، كما يحدث ذلك بصورة أقل في بلجيكا. وهو ما أرجعه الدكتور طارق رمضان إلى وقوع فرنسا تحت قبضة جماعات ضغط قوية تساند إسرائيل. كما قام مؤخرا برفع دعوى ضد مغربية تقيم في بلجيكا، عقب تصريحها بوجود علاقة جنسية ربطتها بطارق رمضان.
أما بخصوص أحداث الربيع العربي، فقد جاءت تصريحات طارق رمضان وكتاباته حذرة ومشككة، مشيرا إلى رغبة أمريكية مبيتة لإحداث تغييرات في المنطقة العربية، مطالبا الثوار بمزيد من التعقل والحصافة. كما فضل استخدام مصطلح انتفاضات عوضا عن الثورات. أبدى الدكتور طارق رمضان منذ البداية تخوفا من أن يؤدي نجاح تونس إلى فشل آخرين، وهو ما يراه الآن صحيحا. فقد فشلت -حسب قوله- ليبيا واليمن وسوريا ومصر والعراق. ورغم ما أنجزته تونس، إلا إنها تقترب من أزمة اقتصادية. لكنه لم يكن من المؤيدين لأحداث ٣٠ يونيو، التي أسفرت عن انتزاع السلطة من الرئيس السابق محمد مرسي، بل هاجم المشير عبد الفتاح السيسي لافتا النظر إلى اتصاله الدائم بالحكومة الأمريكية والكيان الصهيوني أثناء توليه وزارة الدفاع. إضافة إلى تحذيره قبيل انتخابات ٢٠١٢ من التفاف المؤسسة العسكرية على المسار الديمقراطي.
وقد أوجز الدكتور طارق رمضان جزءا كبيرا من رسالته التي أفرد لها العديد من المؤلفات بقوله:
وهو الرأي الذي تنطق به عناوين عدد من كتبه المنشورة، ومن أبرزها:
1- أن تكون مسلما أوروبيا، 1999. لم يترجم.
2- الإسلام والغرب وتحدي الحداثة، 2001. لم يترجم.
3- حوار حول الإسلام، طارق رمضان و آلان جريش. ترجمته دار العالم الثالث بالقاهرة 2003.
4- مسلمو الغرب ومستقبل الإسلام، 2004. ترجمه المجلس الوطني للثقافة بالدوحة 2005.
5- الإصلاح الجذري: الأخلاقيات الإسلامية والتحرر. ترجمته الشبكة العربية للأبحاث 2009.
6- المسلمون في ظل العلمانية. ترجمته دار الهادي 2009.
7- ما أؤمن به، 2009. لم يترجم.
8- البحث عن معنى: تطوير فلسفة التعدد، 2010. لم يترجم.
9- انتفاضة العرب، 2012. لم يترجم.