طارق شوقي: تعرف على العقل المدبر لبيع التعليم في مصر
طارق شوقي: دماغ سيساوية
عقب حصول مصر على ترتيب متأخر في تقارير التنافسية العالمية الخاص بالتعليم وتدهور أوضاع المنظومة بشكل كامل، دشّنت مصر أول مجلس تخصصي للتعليم والبحث العلمي، تابع لرئاسة الجمهورية، برئاسة بالدكتور طارق شوقي، عميد كلية العلوم والهندسة الميكانيكية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، والذي يرى أن مشكلتي التعليم الرئيسيتين في مصر هما: عدم وجود الإرادة السياسية التي تعطي التعليم أولوية الإنفاق والاهتمام، فضلاً عن عدم وجود رؤية واضحة جاهزة للتطبيق.
مؤكدًا أن مصر تحتاج لثورة حقيقية لإصلاح التعليم؛ لإعداد مجتمع لديه القدرة على اكتساب المعرفة، لافتًا إلى أن لجنة دراسة المناهج أكدت تشابه المناهج المصرية مع نظائرها بدول إنجلترا وفنلندا وألمانيا وسنغافورة بنسبة 80% من حيث المحتوى، ولكنها تختلف في أسلوب عرض المحتوى، وربطه بالمجتمع المحيط.
تغيّر الثقافة
يؤكد شوقي أن ثقافة المجتمع تغيرت تجاه التعليم، كما أن المدرسة فقدت دورها، وأصبح الغش الإلكتروني كارثة، ومعنى أن الشباب يجري وراء صفحات الغش أن الهدف اختلف، ولم يصبح الهدف هو التعلم، إنما دفع أموال لشراء بضاعة عبارة عن شهادة للقبول بالجامعة.
الأمر الذي خلق سوقًا لمافيا الدروس الخصوصية، موضحًا أن مشكلة التعليم تكمن في النظام التعليمي الذي يختزل 12 عامًا للطالب في امتحان واحد يسمى الثانوية العامة، يحدد مستقبله.
خصخصة التعليم
تقدم طارق شوقي، بمقترحات لتطوير التعليم، كان أبرزها تقليل الإنفاق الحكومي على التعليم الجامعي من خلال ربطه بدرجات الطالب، حيث ستتكفل الدولة بالمصروفات الكاملة للحاصلين على أكثر من ٧٠٪، بينما سيدفع الحاصلون على أقل من هذه النسبة جزءًا من المصروفات.
فيما يتكفل الراسبون بدفع المصروفات بشكل كامل، مؤكدًا أنه لا يعقل أن تتحمل الدولة عبء المصروفات كاملة، وخاصة بالمرحلة الجامعية التي قد تصل لـ10 سنوات.
مجانية التعليم
يرى شوقي أن الدولة مطالبة بتفسير معنى مجانية التعليم المنصوص عليها في الدستور وتوضيحها للمواطنين؛ لأن هناك مصاريف ضخمة تدفعها الدولة، «وأولياء الأمور يعلمون أن التعليم ليس مجانيًا وبيتخرب بيتهم بسبب الدروس الخصوصية ومصروفات المدارس، ومازلنا نضحك على أنفسنا بمجانية التعليم الذي هو ليس مجانيًا في الأساس»، مقترحًا أن نحسب تكلفة التعليم الجيد، وعدد الطلبة لدينا، وبالتالي تكلفة الطالب الواحد في نظام تعليمي جيد، وما تتحمله الدولة، ومايجب أن يتحمله ولي الأمر.
ويتساءل شوقي متعجبا: «كيف تطبق مجانية التعليم على الجميع في حين أن البعض يدفع 10 آلاف دولار مصروفات للمدارس الدولية، ثم يدخل الجامعات الحكومية ببلاش»، داعيًا إلى منع مجانية التعليم عن الراسبين، فالمجانية يجب أن تكون لمن يستحق، إما أن تكون لطالب نابغ كمكافأة له، أو لذوي الدخل الضعيف.
بنك المعرفة المصري
تبنى شوقي مشروع بنك المعرفة الذي يضم مكتبة رقمية تشمل المحتوى المعرفي لأكبر دور النشر بالعالم، حيث يحتوي على أمهات الكتب والمراجع، والأبحاث، وقواعد ومحركات البحث والبيانات، ومناهج الأطفال والكبار، وبرمجيات ومكتبات إلكترونية، وفيديوهات، وآلاف الدوريات العلمية والكتب من كمبردج وأكسفورد وديسكفرى وناشيونال جيوجرافيك و الـbbc، في شتى أنواع العلوم والمعارف.
موضحا أن:
مضيفا: «نحن تفاوضنا مع الناشرين، وأقنعناهم بأننا سنأخذ كل ما لديهم، وألا يكون هذا متاحًا فقط لمرحلة الجامعة، وإنما سنتيحه لأي شخص يدخل من جمهورية مصر العربية، حيث يستطيع الدخول على موقع بنك المعرفة وتحميل ما يشاء مجانًا، مما يمكّن مصر من امتلاك مكتبة إلكترونية تضاهي مكتبة الكونجرس الأمريكي، إن لم تكن أكبر ضخامة وغنى» على حد تعبيره، حيث تشتمل على كل الدوريات منذ عام 1824 وحتى الآن.
مشكلة الثانوية العامة وحلها
يرى شوقي أن استبدال الثانوية العامة سيتم في إطار نظام جديد للتعليم يتم البدء فيه بجانب النظام الحالي لحين إلغائه تدريجيًا، وذلك على مرحلتين: الأولى: حل سريع لمنع تسريب الامتحانات، بتغيير نظام وضع الأسئلة والأجوبة وطريقة الوصول ليد الطالب، عن طريق تغيير تلك المنظومة بالكامل، بحيث لا يتم استخدام المطابع والأوراق وغير ذلك من الطرق التي تخلق فرصًا للتسريب، وإنما سيتم استخدام التكنولوجيا بشكل أفضل.
والثانية: نظام تعليمي جديد يلغي امتحان الثانوية العامة من الأساس، ويتم فيه تقييم الطالب على مدار 10 سنوات، من خلال نظام جمع النقاط في المراحل التعليمية ليحدد أي كلية سيلتحق بها، وحينها لن تكون هناك حاجة للثانوية العامة؛ لأن التقييم في نهاية العام بامتحان هو نظام فاشل، ويعتمد على الحفظ فقط.
مقترحات شوقية أخرى
تبنى شوقي مشروع «مدينة العلوم للبحوث الإلكترونية»، التي تستهدف ربط مخرجات البحث العلمي بقطاع الصناعة، بما يسهم في تحسينه وتطويره بشكل مستمر.
وفيما يتعلق بتأهيل المعلمين فقد تبنت الرئاسة اقتراحه بتدريب 10 آلاف معلم على أساليب التدريس الحديثة كإحدى الوسائل المهمة لتطوير التعليم، بالتعاون مع خبراء من كل الدول التي يمارس بها هذا النوع من التدريب مثل ألمانيا وإنجلترا؛ للتأكد من أن المعلم الذي تم تدريبه معتمد دوليًا.
نظام تعليمي جديد
يؤكد شوقي أن المجلس التخصصي للتعليم قام بدراسة جميع التجارب والمبادرات منذ أيام محمد علي باحثًا عن سبب الفشل، فوجد المشكلة في أن التعليم في مصر يرتبط بأشخاص، وكل وزير يغيّر استراتيجية سابقة، والمفترض أن يكون التعليم قوميًا، لذا يقوم المجلس ببناء نظام تعليمي جديد لإعادة صياغة التعليم المصري كله، في المناهج والمدرسين والامتحانات والأبنية واقتصاديات التعليم، بحيث يتلافى مشاكل التعليم الحالية، ويعتمد على محتوى جديد وطريقة حديثة للتقييم قائمة على التحليل والتجربة وتشجيع الابتكار والتفكير العلمي والنقدي للطلاب.
وهي المواصفات التي يجب أن يخرج بها الطالب بعد 12 عامًا من الدراسة، موضحا أن النظام التعليمي الجديد متكامل ومتوافق مع المعايير العالمية، حيث سيشمل التطوير التعليم العالي أيضًا، ونظم القبول بالجامعات والتنسيق، ليكون المجتمع دائم التعلم والتطوير يفكر ثم يبتكر، حتى نخرج من مرحلة الدولة المستهلكة للمعرفة إلى دولة منتجة، لكي لا يكون للشهادة الخاصة بنا تاريخ نهاية صلاحية.
مشيرًا إلى أن النظام الجديد سيتم تنفيذه في جميع الاتجاهات في آن واحد، من حيث تدريب المعلمين وتنمية قدراتهم، بالإضافة إلى تعديل النظام الاقتصادي للتعليم، وكل العناصر المشاركة فيه.
يؤكد شوقي أن النظام الجديد سيجعل الطالب مؤهلاً لسوق العمل، وممتلكًا لقدرات عديدة ومعرفة جيدة للغة الإنجليزية، ولديه إدراك قوي لهويته وانتمائه الوطني، ويعرف كيف يفكر ويتعلم ويتقبّل الآخر، ويكون منفتحًا على العالم بطريقة التفكير المنطقي والعلمي، ومن يرد الجامعة فليكمل مشواره.
موضحًا أن رؤية (مصر 2030) أن يتقن الطفل المصري لغتين غير العربية قبل إنهاء المرحلة الإعدادية، وأن يتعلم ريادة الأعمال وتنفيذ المشروعات، ويفهم مبادئ البيزنس والهندسة والآداب، ويتعلم كيف يتكلم ويناقش بالحجة وتقبل رأي الآخر، للوصول إلى الشخصية الكاملة.
خطط شوقي للبعثات
يؤكد شوقي على أن نقل منهج معين لدولة أخرى هو أسلوب غير صحيح؛ فلا يوجد نموذج قابل للنقل كما هو، ولكن يمكن أن نتعلم جوانب معينة منه ثم نعمل على تكييفه مع ظروف مجتمعنا.
ويعتبر شوقي أن إعادة النظر في نظام البعثات الخارجية ضرورة؛ لأننا أنفقنا مليارات الجنيهات والنتيجة غير مرضية، فلا يوجد نظام واضح لاستفادة الدولة من البعثات، لأننا لا نرسل البعثات في التخصصات التي تحتاجها مصر، كما أن الدولة لم تضع أي التزامات على العائدين من البعثات، «وتوجد حالات أنفقت عليها الدولة مليارات، والآن نجدهم عاطلين بلا عمل» على حد قوله.
ففي ظل عجز الموازنة الكبير، واقتراض الأموال لسداد الديون، وعدم الوفاء بمخصصات التعليم في موازنة الدولة والتي تعد من أقل المخصصات عالميًا، كما أنها لم تصل للحد المتفق عليه بعد إقرار البرلمان، فضلاً عن احتياج كل خطوات التعليم للأموال التي لاتقدر الدولة على توفيرها، كل هذا يجعل تطوير التعليم «كلام ليل مدهون بزبدة تطلع عليه الشمس يسيح».
طارق شوقي ليس الأول ولا الأخير وكل المبادرات السابقة كانت تتضمن أحيانًا بعض الخطوات الإيجابية، لكنها أُعيقت بسبب المشكلات السابق ذكرها، فهل يأتي الوزير الجديد بما لم يستطعه الأوائل؟ اجلس واسترخ والأيام ستتكفل بالإجابة.
- السير الذاتية لأعضاء أول مجلس تخصصى للتعليم والبحث العلمى
- التفاصيل الكاملة لـ"عملية خصخصة التعليم الجامعي"
- طارق شوقي.. "دماغ الرئيس" الذى يقود قاطرة التعليم من داخل الاتحادية
- الدكتور طارق شوقى أمين عام المجالس التخصصية بـ«رئاسة الجمهورية» لـ«المصرى اليوم»: إلغاء «الثانوية العامة ».. وتقييم الطالب على مدار ١٠ سنوات