طارق حامد: رجل أنهى مئة عام من العزلة
لماذا يحقق الأهلي بطولات أكثر من الزمالك؟ هذا السؤال يتجدد نهاية كل موسم كروي وكأنه لغز الألغاز. تدور إجابة هذا السؤال دومًا حول ألفاظ مثل شخصية البطل، والاهتمام بالطريقة الجمالية على حساب الفاعلية والنفس الطويل، والعديد من الإجابات المتشابهة عادة دون حلول.
تتأرجح كرة القدم منذ بدء تاريخها بين طرفي المعادلة الكلاسيكية، الأداء والنتيجة. فجماهير الزمالك تؤكد أنها تفضل المتعة على حساب الأداء والعكس صحيح. بالطبع هذا لا ينفي أن الأهلي يفوز بالكثير من البطولات بأداء ممتع، وكذلك الزمالك يمتلئ تاريخه بالعديد من البطولات، لكننا نتحدث تحديدًا عن تلك المبررات الدائمة التي تظهر حال الخسارة في نادي الزمالك.
معادلة الأداء والنتيجة ليست صعبة أبدًا، دومًا هناك منطقة وسطى بين الأداء والنتيجة، لكن ما يحدث أحيانًا هو أن الزمالك يخسر لأنه ببساطة الأسوأ، لكن المبررات تبقى جاهزة. إنه فريق يهتم بالمتعة أولًا، يقتنع الجميع بزمالك الفن والهندسة كأولوية ثم يخسر الزمالك دون أن يقدم حتى تلك المتعة، هنا يظهر مبرر جديد وليكن فساد التحكيم ثم اتجاه الدولة وهكذا.
يؤكد البعض أنها ليست مبررات، إنه الواقع الذي نعيشه كل يوم، لكن ماذا لو أتى رجل في ظل نفس الظروف وألقى بكل هذا الحديث عرض الحائط وقدم للزمالك ما يحتاجه بالفعل لكي ينجح؟
مستلقيًا على أرض الملعب، فاردًا ذراعيه، سامحًا لنفسه بالاسترخاء أخيرًا بعد أن جاب الملعب طولًا وعرضًا، مشهد مكرر لطارق حامد لاعب الزمالك بعد نهاية كل مباراة، لكنه ليس بالمشهد المكرر في تاريخ نادي الزمالك نفسه وهنا يكمن السر.
من يتعرق أكثر في التدريب ينزف أقل في الحرب
لاعب من بين سبع عشرة صفقة جديدة، قرر نادي الزمالك أن يبدأ بهم عصرًا جديدًا، عصر ما بعد التخلص من مراكز القوى في فريق الزمالك. اختار طارق الانضمام للزمالك لأنه مشجع للفريق في المقام الأول.
لم يكن طارق الاختيار الأول لعدد من المدربين خلال هذا الموسم، قرر حينها أن يصعد السلم بالعرق ولم يكتفِ مثل غيره من اللاعبين بالمبررات المنطقية مثل تخمة اللاعبين في مركزه، أو أن المدرب المصري يحب ويكره بينما المدرب الأجنبي يميل إلى عدم التغيير.
هناك قاعدة هامة لدى محاربي إسبرطة مفادها أن من يعرق أكثر في التدريب ينزف أقل في الحرب، هكذا فعل طارق حامد ببساطة، رجل يريد أن يكون الأفضل.
اعتمد جوزفالدو فيريرا مدرب الزمالك آنذاك على ثلاثي خط وسط مكون من إبراهيم صلاح ومعروف يوسف وعمر جابر، لكنه قرر أن يستعين بطارق حامد كبديل بعد أن وجده يتدرب بشكل ممتاز مقدمًا كل ما يملك على أرض التدريب حتى يستحق المشاركة، ليصفه بالبطل بسبب ذلك، ثم مع الوقت أصبح طارق حامد الذي لا بديل عنه في الزمالك ومنتخب مصر.
هل تجد ذلك أمرًا عاديًا؟ لاعب يتدرب جيدًا من أجل المشاركة، تلك أبسط الأمور. دعني أؤكد لك أن مدربه السابق أحمد حسام ميدو يرى أن طارق حامد يتدرب أكثر من اللازم.
ما يفعله طارق في التدريبات يفعله في قلب الملعب، لكن هذا ليس على سبيل الركض من أجل الركض. يحاول طارق حامد أن يعوض قلة الأدوار التكتيكية التي تسند إليه في الملعب عن طريق التحول إلى رجل يركض ويقطع ويتحول للأمام ليمرر ويصنع.
على الرغم من موافقة طارق نفسه على حديث ميدو من حيث المضمون المتعلق ببذل أقل مجهود متاح إن أمكن ذلك مع فاعلية أكبر، وهو ما تحقق لطارق في عصر فيريرا تحديدًا، إلا أنه برحيل فيريرا لم يكتفِ طارق بتقديم مجهود مناسب فقط والتندر بأيام فيريرا المثالية، بالعكس قرر طارق أن يعود للركض في أنحاء الملعب مرة أخرى ليعوض هذا النقص التكتيكي للمدربين.
حديث ميدو ربما يمكن طارق من الاستمرار فترة أطول في الملاعب، لكن الحقيقة أن الأخير لا يهتم سوى بأن يبذل كل ما يستطيع لكي يصبح الأفضل ولكي يفوز الزمالك. ميدو على حق، لكن طارق وحده هو من يستطيع أن يغير من هوية الزمالك أكثر من ميدو وأكثر حتى من فيريرا نفسه.
البطل الأسطوري: وداعًا للألقاب الخادعة
فاز الزمالك بالثنائية خلال موسم طارق الأول، ليتحول طارق على الفور للبطل الأسطوري وكاسحة الألغام وما إلى آخر تلك الألقاب، وهي تلك العادة التي تسيطر على مشجعي الكرة في العموم وليس مشجعي الزمالك فقط.
لكن في مصر، تطلق الألقاب بعد موسم وحيد بل بعد هدف وحيد أحيانًا. ولأن مشجعي الزمالك أوفياء بالفعل، فهم يتغزلون في لاعبيهم بقدر انتمائهم للفريق نفسه، وهنا صفة أخرى من شأنها أن تغير من هوية الزمالك للأفضل.
لا يكتفي طارق أبدًا بما يصل إليه ولا يعير عبارات المدح أي اهتمام، يسعى دومًا للتطور، يمتلك طارق حامد فيديو على هاتفه للاعب ريال مدريد توني كروس مدته عشر دقائق يشاهده قبل أي مباراة كي يحاول محاكاة قدرته في التمرير وتوزيع الكرة في الملعب.
تقل تدريجيًا الأصوات التي تتحدث عن طارق صاحب اللعب الخشن فقط والذي يستحق إنذارًا كل مباراة، وتتعالى أصوات تشيد بطارق حامد الذي يمرر ويوزع اللعب ويسدد ويصنع.
ربما حالفك الحظ واستمعت لحديث طارق حامد أثناء بطولة أمم أفريقيا في الجابون عن خداع الإحصائيات، هذا الرجل الذي تنصفه الإحصائيات في كل مباراة تحدث عن كون الإحصائيات في كثير من الأحيان خداعة.
«التمرير للخلف دائمًا قد يجعل دقة تمرير اللاعب مئة بالمئة، لكنها إحصائية خادعة، ولذا هناك نظام جديد من الإحصائيات يتم تطبيقه في أوروبا يعتمد على مدى إفادة تلك التمريرة، هل تجاوزت تلك التمريرة منافسًا واحدًا أم اثنين أم صنعت فرصة؟» كان هذا حديث طارق حامد نفسه، وهو الحديث الذي لم يسمعه أحد من لاعب مصري من قبل.
يتطور طارق كل يوم غير مهتم بالإحصائيات وإطراء الجماهير المستمر. دعنا نكون أكثر صراحة، أيمن حفني مثلًا، والذي بلغ من المهارة ما يحلو للبعض مناداته بالليو حفني، لا يمكنه تغيير هوية الزمالك بينما طارق حامد يستطيع فعل ذلك.
الانتماء أم الأموال: لنجعلها علاقة متكافئة
عشق الكيان لا يقدر بالأموال، ربما هذا الحديث الرومانسي هو سبب كبير في تغيير الكثير من الأحداث داخل نادي الزمالك، فهناك العديد من لاعبي الزمالك الذين رحلوا وكرهتهم الجماهير دون ذنب منهم، هم يبحثون عن وضع أفضل وهذا حقهم تمامًا. وفي المقابل، هناك من بقوا في الزمالك لفترة أكثر مما يستحقون بدعوى عشقهم للزمالك وحبهم له.
استطاع طارق أن يتغلب على هذا الوضع مستغلًا حب الجماهير له، ووعيها في الوقت الحالي، وتأكدها أيضًا من رغبات مرتضى منصور في الشراء والبيع دون النظر لمصلحة الفريق أحيانًا. وقف طارق حامد في وجه مرتضى منصور نفسه بعد محاولات مستميتة من الأخير لبيعه لأحد الأندية السعودية أو إهدائه لتركي آل الشيخ مقابل ملايين الجنيهات.
وقف طارق حامد معلنًا «أريد البقاء في نادي الزمالك، كما أريد من النادي أن يقدرني ماديًا».
حاول مرتضى أن يظهر طارق حامد في صورة المستغل الطماع، ساومه بورقة تقدير الجماهير، فتلقفها طارق ولم يقبل المساومة. سأبقى في النادي من أجل الجمهور، وسأضحي بملايين الخليج، لكن لن ألعب دون الحصول على حقي أيضًا.
لا ينسى أحد ظهور رضا عبد العال عندما استنكر طريقة لعب طارق حامد، معللًا ذلك بأن الزمالك لا يلعب بالروح، لكن رضا عبد العال نفسه ذهب للأهلي من أجل الأموال بينما طارق بحث عن حقه دون أن يترك الزمالك، كما أنه أثبت أن الزمالك يحتاج إلى الروح والعرق مثل أي نادٍ في العالم، كما أنه أيضًا تطور كثيرًا بينما وقف رضا عبد العال في مربع اللاعب الحريف الذي يجلس بديلًا لمن هم أكثر فاعلية.
رضا عبد العال أحد أمهر لاعبي كرة القدم في مصر، لم يستطع أن يغير من هوية نادي الزمالك بل هو المثال الحي عليها، بينما طارق حامد يستطيع ذلك ويفعل ولن يتوقف.
دعني أذكر ما كنت قد أجلت الحديث عنه في البداية حتى لا تتهمني بأنني ضد نادي الزمالك: عاش الزمالك حالة أشبه بالعزلة عن الواقع وأسباب النجاح، لكنه امتلك أخيرًا رجلاً قادرًا أن ينهي مئة عام من العزلة. يريد الزمالك أكثر من طارق حامد، وسيجيب على هذا السؤال الأثير: لماذا يحقق الأهلي بطولات أكثر من الزمالك؟